36/04/03


تحمیل
الموضوع: الصوم , المفطرات, الثامن , البقاء على الجنابة عمدا , مسألة 56 القسم الرابع وهو ما اذا نام مجنبا بانيا على الاغتسال(النومة الثانية ).

تقدم الكلام في النومة الثانية وذكرنا ان المشهور والمعروف ذهب الى وجوب القضاء فيها (وهو الصحيح) , وذكرنا الادلة التي يستدل بها على ذلك وكان العمدة فيها هو صحيحة معاوية بن عمار , والذي يظهر من ذيلها ان القضاء ليس لأجل بطلان الصوم بالنوم الثاني المستمر الى الصباح , وانما القضاء فيها من باب العقوبة والتأديب حيث انها تقول (قال : فليقض ذلك اليوم عقوبة )[1], ويفهم منه ان القضاء ليس لأجل بطلان الصوم ,وانما قد يكون عقوبة لتأخير الغسل وعدم الاهتمام به لوجود نوع من التواني فيه, وذلك لأنه وان كان بانيا على الاغتسال الا انه ليس لديه اليقين بالانتباه .
والظاهر انه لا ضير بالالتزام بهذا المعنى (أي كون القضاء من باب العقوبة والتأديب لا من باب بطلان الصوم ) ولذا من المناسب جدا لمن يقضي في مثل هذا المورد ان يجعل نية القضاء نية تنسجم مع افتراض كون القضاء من باب التأديب والعقوبة , لا من باب القضاء الاصطلاحي الذي يعني ان الصوم السابق باطل وانه يأتي به بغير وقته .

اما الكلام في وجوب الكفارة في النوم الثاني.

فالمعروف والمشهور ذهب الى عدم وجوب الكفارة في النوم الثاني , ونُقل الاجماع عليه, وقد استدل المشهور على عدم وجوب الكفارة بالأصل مع عدم وجود دليل على وجوبها .
ودعوى عدم وجود دليل على عدم وجود الكفارة يحتاج الى استعراض ما اُستدل به على وجوب الكفارة , لأنه اذا تم احد الادلة الاتية التي اُستدل بها على وجوب الكفارة فحينئذ لا تصل النوبة الى التمسك بالأصل لأنه انما يصح التمسك به مع عدم الدليل .
وهناك عدة امور ذُكرت في كلماتهم تصلح ان تكون _ ان يُدّعى_ ادلة لوجوب الكفارة في النوم الثاني :-
الامر الاول : ما ذكره الشيخ صاحب الجواهر وادعى (اصالة ترتب الكفارة على كل مبطل مقصود) , والمفروض ان هذا (النوم الثاني ) مبطل للصوم ولذا وجب قضاءه _ بقطع النظر عن النكتة التي ذكرناها في صحيحة معاوية بن عمار _ فحينئذ تجب الكفارة مع هذا المبطل لأن الاصل فيه انه تجب معه الكفارة .
ولكن لا توجد هكذا اصالة ولا دليل تام على مثلها, ثم على تقدير تماميتها فهي انما تتم عندما يكون المبطل مقصودا , وهذا غير متحقق في محل الكلام حيث ان الفرض انه كان بانيا على الاغتسال ويحتمل او معتاد الانتباه, ولكن اتفق صدفة ان استمر به النوم الى الصباح.
الامر الثاني : دعوى اصالة وجوب الكفارة عند وجوب القضاء أي ان هناك نوع من الملازمة بين وجوب القضاء ووجوب الكفارة , وهذه الدعوى غريبة جدا ؛ لعدم الملازمة بين وجوب القضاء ووجوب الكفارة ,وقد تقدم وسيأتي العديد من الموارد التي فيها التفكيك بين الوجوبين , مضافا الى ان اصل هذه القاعدة لا دليل عليها .
الامر الثالث: هو عبارة عن رواية سليمان بن جعفر المروزي(عن الفقيه ( عليه السلام ) قال : إذا أجنب الرجل في شهر رمضان بليل ولا يغتسل حتى يصبح فعليه صوم شهرين متتابعين مع صوم ذلك اليوم، ولا يدرك فضل يومه .)[2]
وهذا الدليل يرد عليه اولا ان فيه مناقشة سندية _ تقدم الكلام فيها_ ترتبط بالراوي المباشر , وثانيا ان هذه الرواية ليس فيها ذكر النوم (الذي هو محل الكلام ) ؛ وعلى فرض ان يُدّعى حملها على النوم الثاني , يجاب ان هذا الحمل ليس اولى من حمل الرواية على حالة العمد , أي انه كان عامدا في ترك الغسل حتى اصبح , فيكون ممن تعمد البقاء على الجنابة الى الصباح وهو مما لا اشكال في وجوب الكفارة عليه ؛ وقد ورد نفس هذا الفرض وصُرح فيه بالتعمد كما في صحيحة أبي بصير (عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ثم ترك الغسل متعمدا حتى أصبح، قال : يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين، أو يطعم ستين مسكينا، قال : وقال : إنه حقيق إن لا أراه يدركه أبدا )[3].
وهذه الرواية تصلح لتأييد حمل رواية المروزي على حالة التعمد , وعلى كل حل فأن حمل الرواية على النوم الثاني والاستدلال بها على وجوب الكفارة بالنوم الثاني غير تام .
الامر الرابع: رواية إبراهيم بن عبدالحميد ( عن بعض مواليه قال : سألته عن احتلام الصائم ؟ قال : فقال : إذا احتلم نهارا في شهر رمضان ( فلا ينم ) حتى يغتسل، وإن أجنب ليلا في شهر رمضان فلا ينام إلا ساعة حتى يغتسل، فمن أجنب في شهر رمضان فنام حتى يصبح فعليه عتق رقبة، أو اطعام ستين مسكينا، وقضاء ذلك اليوم، ويتم صيامه ولن يدركه أبدا .)[4]
والشاهد في الرواية في قوله (فمن أجنب في شهر رمضان فنام حتى يصبح فعليه عتق رقبة، أو اطعام ستين مسكينا، وقضاء ذلك اليوم، ويتم صيامه ولن يدركه أبدا) حيث ان هذه العبارة قد فُرض فيها النوم , وهذا ما يميّزها عن الرواية السابقة حيث لم يُفترض فيها النوم , الا ان الظاهر ان المراد بالنوم في هذه الرواية هو النوم الاول وليس النوم الثاني ؛ ولا يمكن الالتزام بوجوب الكفارة في النوم الاول, بل تقدم ذكر الروايات الدالة على عدم وجوب القضاء في النوم الاول فضلا عن وجوب الكفارة , هذا مضافا الى ضعف السند بالإرسال في هذه الرواية,
فأن قيل بما ان النوم قد ذُكر فيها ولم يمكن حمله على النوم الاول نحمله على النوم الثاني وحينئذ يصح الاستدلال بها في محل الكلام, ويجاب عن ذلك ما تقدم ذكره في الرواية المتقدمة وهو ان حمل الرواية على النوم الثاني ليس بأولى من حملها على حالة التعمد , خصوصا _ بأعتبار ما قلناه _ من ان الكفارة ارتكازا تناسب حالة التعمد والعقوبة , وحينئذ عندما تذكر الكفارة يكون حملها على حالة التعمد اقرب واوجه من حمل النوم فيها على النوم الثاني .
ومن هنا يتضح عدم كون هذه الادلة ناهضة لأثبات وجوب الكفارة في النوم الثاني .
بل يمكن ان يقال ليس الدليل على عدم وجوب الكفارة هو الاصل فقط؛ وانما يمكن ان يُؤيد او يُستدل على عدم وجوب الكفارة بالإطلاق المقامي للروايات الدالة على وجوب القضاء بالنوم الثاني وعمدتها صحيحة معاوية بن عمار , حيث ان مقتضى الاطلاق المقامي لها هو عدم وجوب الكفارة , فسكوت الرواية عن بيان وجوب الكفارة _ وبيانها لوجوب القضاء_ مع كونها في مقام بيان ماذا يجب على هذا المكلف الذي نام نومة ثانية واستمر به النوم الى الصباح ,يشكّل دليلا ومؤشرا على عدم وجوب الكفارة , خصوصا ان الدليل على وجوب القضاء في النومة الثانية _صحيحة معاوية بن عمار_ تصرح في ذيلها بأن القضاء من باب العقوبة ؛ فإذا كانت المسألة بصدد بيان العقوبة فالكفارة اولى بأن تُذكر في باب العقوبة ان كانت واجبة .
هذا تمام الكلام في النومة الثانية وتبين وجوب القضاء فيها دون الكفارة.

الكلام في النوم الثالث
وهو يتحقق في ما لو نام بعد الاحتلام ثم استيقظ ثم نام ثم استيقظ ثم نام فيستمر به النوم حتى الصباح وهذا كله مع العزم على الاغتسال , وان يكون معتاد الانتباه او يحتمل الاستيقاظ احتمالا معتدا به .
وقد ذكر السيد الماتن وجماعة ان حكمه حكم النوم الثاني أي يجب فيه القضاء دون الكفارة , ولا خلاف بحسب الظاهر على وجوب القضاء بل يظهر من بعضهم انه امر مفروغ عنه , والدليل عليه هو نفس الدليل على وجوب القضاء في النوم الثاني , فكل ما يُذكر في مقام الاستدلال على وجوب القضاء في النومة الثانية يمكن الاستدلال به على وجوب القضاء في النومة الثالثة , اما بأعتبار فهم عدم الخصوصية فيقال بأن الدليل وان كان مورده النومة الثانية لكنها ليست لها خصوصية فيُتعدى بالحكم الى النومة الثالثة , او بدعوى الاولوية العرفية حيث انه اذا قيل بوجوب القضاء بالنومة الثانية لا يمكن القول بعدم وجوبه بالنومة الثالثة , واما بدعوى ان النومة الثانية الواردة في الروايات لا يراد بها النومة الثانية بخصوصها وانما يراد بها ما عدا النومة الاولى فتعم الثالثة والرابعة وهكذا .
وعلى كل حال يمكن الاستدلال بأحد هذه الامور على وجوب القضاء في النومة الثالثة , والمسألة كأنها مسلمة ولا اشكال فيها بين الفقهاء .
واما مسألة الكفارة فالظاهر ان فيها خلاف , فالمشهور يرى وجوب الكفارة في النومة الثالثة , بل ادُعي عليه الاجماع , كما عن الشيخ الطوسي في الخلاف ,السيد في الغنية ,جامع المقاصد, الوسيلة , وغيرهم لعلهم ادعوا الاجماع على وجوب الكفارة في النومة الثالثة ؛ وفي المقابل ذهب جماعة من المتأخرين _ كما ذهب الى ذلك السيد الماتن_ الى عدم وجوب الكفارة فتكون كالنومة الثانية , وممن ذهب الى هذا القول المحقق في المعتبر, العلامة في المنتهى, صاحب المدارك , وجماعة من متأخري المتأخرين على ما حكي .