36/05/08


تحمیل
الموضوع: الصوم , المفطرات, فصل (المفطرات المذكورة ما عدا البقاء على الجنابة الذي مر الكلام فيه تفصيلا إنما توجب بطلان الصوم.....)
الكلام في المقام الثاني عن حكم الناسي لصومه, وحكم من استعمل المفطر قهراً بلا ارادة ولا اختيار, وحكم المكره, وحكم الجاهل بالحكم.
الفرع الاول: الناسي فالظاهر عدم الخلاف بينهم ولا اشكال في عدم المفطرية وصحة صومه اذا استعمل المفطر, وأُدعي الاجماع على عدم البطلان في كلماتهم, وتدل عليه مضافاً الى الاجماع المدّعى عدة روايات تامة سنداً منها:-


الحديث الاول: صحيح الحلبي ، (عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) أنه سئل عن رجل نسي فأكل وشرب ثم ذكر ؟ قال : لا يفطر، إنما هو شيء رزقه الله فليتم صومه .)[1]
الحديث الثاني: صحيح زرارة (عن أبي جعفر ( عليه السلام ) في المحرم يأتي أهله ناسيا، قال : لا شيء عليه، إنما هو بمنزلة من أكل في شهر رمضان وهو ناس)[2]
الحديث الثالث: موثقة سماعة (قال : سألته عن رجل صام في شهر رمضان فأكل وشرب ناسيا قال : يتم صومه وليس عليه قضاؤه)[3]
الحديث الرابع: صحيحة محمد بن قيس (عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : كان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يقول : من صام فنسي فأكل أو شرب فلا يفطر من أجل أنه نسي، فإنما هو رزق رزقه الله تعالى فليتم صيامه)[4]
الحديث الخامس: موثقة عمار الساباطي(قال : سألت أبا عبدالله ( عليه السلام ) عن الرجل وهو صائم فيجامع أهله ؟ فقال : يغتسل ولا شيء عليه)[5]
فهذه الرواية محمولة عندهم على النسيان, لعدم امكان الالتزام بها في غيره.
والذي يلاحظ على هذه الروايات انها غير واردة في جميع المفطرات, وإنما المذكور فيها وفي غيرها (مما لم نذكرها) هو الاكل والشرب والجماع, مع ان المدّعى هو عدم المفطرية في جميع المفطرات اذا صدرت منه مع نسيانه لصومه, فهل تشكّل هذه الملاحظة خللاً بأن يقال ان الدليل اخص من المدّعى؟
الظاهر ان هذه الملاحظة لا تمنع من الاستدلال بهذه الروايات على المدّعى, وذلك لأنه لا قائل بالفرق بين المفطرات من هذه الجهة, فلو كان الحكم يثبت لهذه المفطرات الثلاثة , فأنه يثبت لغيرها بعدم القول بالفصل, مضافاً الى أن هناك ما يدل على التعميم غير هذه الروايات مثل رواية عبدالسلام بن صالح الهروي( قال : قلت للرضا ( عليه السلام ) : يا بن رسول الله قد روي عن آبائك ( عليهم السلام ) فيمن جامع في شهر رمضان أو أفطر فيه ثلاث كفارات، وروي عنهم أيضا كفارة واحدة، فبأي الحديثين نأخذ ؟ قال : بهما جميعا، متى جامع الرجل حراما او افطر على حرام في شهر رمضان فعليه ثلاث كفارات : عتق رقبة، وصيام شهرين متتابعين، وإطعام ستين مسكيناً، وقضاء ذلك اليوم، وإن كان نكح حلالا أو أفطر على حلال فعليه كفارة واحدة، وإن كان ناسيا فلا شيء عليه )[6].
فالاستدلال بهذه الرواية هو انه لا داعي لتقييد قوله عليه السلام (أو أفطر على حلال) بالأكل والشرب, بل يشمل المفطرات الاخرى كالارتماس وغيره, فأنه اذا كان ناسياً لا شيء عليه, واذا كان ليس ناسياً وجبت عليه الكفارة.
وحينئذ يتم الاستدلال بالرواية على المدّعى, اذا تم تفسير قوله عليه السلام (أو أفطر على حلال) بأستعمال المفطر مهما كان, وتم سند الرواية.
وقد ثبتت وثاقة من في الرواية, وليس فيها من يخدش بوثاقته وهم من الرواة النيسابوريين, وطريق الشيخ الطوسي الى الشيخ الصدوق صحيح ومعتبر بلا اشكال, وفي سند الرواية علي بن محمد بن قتيبة وهو نيسابوري, ولا يوجد توثيق صريح في حقه, لكن يمكن اثبات وثاقته باعتماد الكشي عليه كثيراً, مضافاً الى بعض القرائن الاخرى التي ذكرناها في محلها وانتهينا الى توثيقه.
عن حمدان بن سليمان وهو منصوص على وثاقته, عن عبدالسلام بن صالح الهروي وهو منصوص على وثاقته ايضاً, اما عبدالواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري فأنه لم ينص على وثاقته لكنه قالوا يمكن اثبات وثاقته برواية الشيخ الصدوق عنه وترضيه عليه كلما ذكره, والعمدة في توثيقه هو اكثار الشيخ الصدوق الرواية عنه, فأن الشيخ الصدوق اكثر الرواية عنه في غير كتاب الفقيه, كما في العلل وعيون الاخبار وسائر كتبه الاخرى.
وعندنا اكثار الجليل( كالشيخ الصدوق) الرواية عن شخص يكفي لأثبات وثاقته فالظاهر ان الرواية معتبرة سنداً ويصح الاستدلال بها في محل الكلام.
هذا من جهة ومن جهة اخرى, ان صحيحة الحلبي ومحمد بن قيس وان كانتا واردتان في الاكل والشرب, لكن قوله (شيء رزقه الله, رزق رزقه الله) يمكن ان يقال بأن المراد به ليس خصوص الاكل والشرب الذي هو مورد الرواية, بل الاعم منهما, بأعتبار ان الصائم كان ممنوعاً من استعمال المفطر فيشكّل هذا المنع حرجاً عليه, فاذا صدر منه نسياناً يقال بأنه رزق رزقه الله اليه فهو يصدق حتى على الا رتماس والجماع.
وعلى كل حال فالظاهر انه لا خلاف بينهم ولا اشكال عندهم في عدم الفرق يبن هذه الثلاثة من الفطرات وبين سائر المفطرات, بل ادّعى بعضهم الجزم بعدم الفرق, بل ادّعى الاولوية بعضٌ اخر, بأعتبار ان الاكل والشرب والجماع هي الامور التي نص القرآن الكريم على كونها موجبة لبطلان الصوم ومنع منها الصائم, فكأنها تعتبر هي الاساس في المفطرات, فإذا كانت الامور التي تعتبر هي الاساس في المفطرات ومنع منها الكتاب العزيز اذا صدرت نسيانا لا تضر بالصوم فصدور غيرها نسيانا من باب اولى لا يضر بالصوم.
وعلى كل حال المطلب واضح ولعله لا نحتاج الى القطع أو الاولوية, فالأدلة واضحة فالإجماع كافٍ في اثبات عدم الفرق في محل الكلام.
ومن جهة اخرى هل ان عدم المفطرية في تناول المفطر نسياناً شامل لجميع اقسام الصوم او انه مختص ببعضها؟
مقتضى الاطلاق في بعض هذه الروايات_ (كصحيحة محمد بن قيس) في قوله (من صام فنسي) فهذه العبارة مطلقة وتشمل حتى الصوم المندوب_ عدم الفرق بين اقسام الصوم وان هذا الحكم ثابت لجميع الاقسام حتى الصوم المندوب, مضافاً الى وجود رواية واردة في خصوص المندوب وهي رواية ابي بصير(قال : قلت لابي عبدالله ( عليه السلام ) : رجل صام يوما نافلة فأكل وشرب ناسيا ؟ قال : يتم يومه ذلك وليس عليه شيء .)[7]
نعم العلامة في التذكرة الظاهر انه قيد عدم البطلان بتعين الزمان كما عبّر (أما شرط العمد : فإنه عندنا ثابت إجماعا منا، فإن المفطر ناسيا لا يفسد صومه مع تعين الزمان)[8]أي الصوم الواجب المعين فعبارته لا تشمل الصوم الواجب غير المعين فضلاً عن المندوب.
ونُقل عن بعض الفقهاء عدم صحة الصيام اذا كان ندباً او كان واجباً غير معين استناداً الى رواية عن الامام الصادق عليه السلام وقد نقل صاحب المستند[9] (قال الشهيد في حواشي القواعد في بيان الرواية : ولعلها ما رواه العلاء في كتابه عن محمد : قال سألته فيمن شرب بعد طلوع الفجر وهو لا يعلم، قال : ( يتم صومه في شهر رمضان وقضائه، وإن كان متطوعا فليفطر ) انتهى.
والرواية غير ثابتة).
والشاهد في الكلام الاخير منها (وإن كان متطوعا فليفطر).
وقد بحثت عن هذه الرواية فلم اجدها, وصاحب المستند يقول بأنها غير ثابته, وهذا ما يحتاج الى فحص, وعلى كل حال فهي ليست واضحة في كونها ناظرة الى محل الكلام, أي الى نسيان الصوم, فقوله (بعد طلوع الفجر وهو لا يعلم) لماذا يفسر بعدم العلم بالصوم؟ فأحتمال ان يكون عدم العلم بطلوع الفجر, وحينئذ يكون الاستدلال بها على ما ذكر ليس تاماً .
ومن هنا يظهر ان الصحيح في المقام هو عدم الفرق بين اقسام الصوم تمسكاً ببعض المطلقات الواردة في نصوص الباب.
وتبين ان الناسي لصومه يحكم بصحته ولا فرق بذلك بين المفطرات ولا بين اقسام الصوم.
الفرع الثاني: في مسألة القهر واستعمال المفطر بدون اختيار وبدون ارادة كما لو دخل حلقه ذباب او غبار او أوجر الطعام او الشراب في حلقه, ففي كل هذه الحالات لا خلاف ولا اشكال في عدم بطلان الصوم, ويدل على ذلك_ مضافاً الى الاجماع والاتفاق والتسالم حيث يرسلون أرسال المسلمات, في ان من صدر منه المفطر بلا اختيار منه لا يوجب بطلان الصوم_ روايات ثلاثة:-
الرواية الاولى: أبي بصير وسماعة ، (عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) في قوم صاموا شهر رمضان فغشيهم سحاب أسود عند غروب الشمس فرأوا أنه الليل فافطر بعضهم، ثم إن السحاب انجلى فاذا الشمس، فقال : على الذي أفطر صيام ذلك اليوم، إن الله عز وجل يقول : ( وأتموا الصيام إلى الليل )(1) فمن أكل قبل أن يدخل الليل فعليه قضاؤه لأنه أكل متعمدا)[10]
في بعض طرق هذه الرواية عن سماعة فقط, وفي بعضها عن سماعة وابي بصير, وهي معتبرة سنداً على كلا التقديرين.
يفهم من التعليل الاخير _ لأنه أكل متعمدا _عدم القضاء مع عدم التعمد , أي انه يصح صومه ولا يجب عليه القضاء, وهذا يصدق على كل الحالات التي يستعمل فيها الصائم المفطر بلا اختيار ولا ارادة منه لأنه لا يصدق عليه انه متعمد.
والمتعمد المذكور في الرواية الذي وجب عليه الافطار هو ممن تعمد الفعل وليس ممن تعمد الافطار لأنه كان يعتقد انه في الليل, فأوجب عليه الامام عليه السلام القضاء, ومنه يُفهم ان من لم يتعمد الاكل وصدر منه قهراً لا يجب عليه القضاء ولا يبطل صومه.
الرواية الثانية: موثقة عمار الساباطي (قال : سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن الرجل يتمضمض فيدخل في حلقه الماء وهو صائم ؟ قال : ليس عليه شيء إذا لم يتعمد ذلك، قلت : فان تمضمض الثانية فدخل في حلقه الماء ؟ قال : ليس عليه شيء، قلت : فان تمضمض الثالثة قال : فقال قد أساء، ليس عليه شيء ولا قضاء )[11]
وواضح من الرواية عندما تقول ليس عليه شيء اذا لم يتعمد ذلك, انها ظاهرة في اعتبار التعمد (تعمد الفعل) في المفطرية, فإذا لم يكن متعمدا لا يكون موجباً للبطلان.
والرواية قاطعة النظر عن تعمد الافطار عند تعمد الفعل كما لو كان ذاكراً لصومه وعالماً بالمفطرية ومع ذلك تعمد الافطار في قبال من كان ناسياً لصومه أو جاهلاً بالمفطرية وتعمد الفعل.
فالرواية ناظرة الى تعمد الفعل وعدم تعمد الفعل فتنفعنا في مقام الاستدلال على أن المعيار والميزان هو تعمد الفعل, فالظاهر أن الاستدلال بها يكون تاماً.