39/03/13


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

39/03/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- حكم مجهول المالك - مسألة ( 39 ) حكم جوائز الظالم – المكاسب المحرّمة.

الاحتمال السابع:- التفصيل بين الحق الخارجي والذمي.

إنَّ حقّ شخص مجهول المالك تارة يكون خارجياً وأخرى يكون كلّياً في الذمة ، ومثال الخارجي ( رفيق كان لنا بمكة ترك بعض متاعه ) ، أو زوار الأربعين يتركون بعض أمتعتهم عندنا فهذا حقّ خارجي مشخّص وليس كلّي في الذمة ، ومثال الكلّي في الذمّة ( أجير كان لنا وبقي شطر من أجرته ) فهذا حقّ في الذمّة وليس حقاً خارجياً ، وإذا رجعنا إلى الروايات التي تأمر بالتصدّق في مجهول المالك وجدناها أجمع ناظرة إلى الحق الخارجي دون الذمّي ، ونستذكر الروايات بشكل سريع ، فمثلاً الرواية الأولى وهي ليونس بن عبد الرحمن ( رفيق كان لنا بمكة ..... اصبنا بعض متاعه معنا ) فهذه واضحة في الحق الخارجي الشخصي ، والثانية رواية علي بن راشد ( اشتريت أرضاً إلى جنب ضيعتي بألفي درهم فلما وفّرت المال خبّرت أن الأرض وقفٌ ) ، يعني على أشخاص ولكني لا أعرفهم فهذه أيضاً متعلّق حق الغير - وهي أرض الوقف - وهي شيء جزئي خارجي ، والثالثة وهي رواية علي بن ميمون الصائغ ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عمّا يكنس من التراب فأبيعه فما أصنع به ؟ ) أيضاً هذا التراب الذي فيه ذرات الفضة أو الذهب هي مملوكة وحق خارجي للناس الآخرين ، والرابعة هي رواية اسحاق بن عمّار ( سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن رجل نزل في بعض بيوت مكة فوجد فيه نحواً من سبعين درهماً مدفونة ) فأيضاً هذه السبعين حق خارجي.

والخلاصة:- إنَّ جميع هذه الروايات التي دلت على وجوب التصدق في مجهول المالك هي ناظرة إلى الحق الخارجي.

وأما بعض الروايات الواردة في الحق الذمّي فهي رواية الأجير وهي رواية معاوية بن وهب ( أجير كان لنا ففقدناه ) فتلك الرواية لم تدل على وجوب التصدّق وإنما دلت على أنه يفحص عنه ولم يعطِ الامام مجال للتصدق ، وتوجد روايتان نقرأهما حتى نتأكد أنهما واردتان في الحق الذمّي ولم تدلا على وجوب التصدّق أحدهما رواية معاوية بن وهب ( في رجل كان له على رجل حق ففقده ولا يدري أين يطلبه ولا يدري أحي هو أم ميت ولا يعرف له وارثاً ولا نسباً ولا ولدا ، قال: اطلب، قال: إن ذلك قد طال فأتصدق به ؟ قال: اطلبه ) ، فهذه إذن واردة في الحق الذمّي ولكنها لم تدل على وجوب التصدّق ، والثانية وهي رواية هشام بن سالم المتقدمة ( سأل خطاب الأعور أبا أبراهيم عليه السلام وأنا جالس فقال إنه كان عند أبي أجير يعمل عنده بالأجرة ففقدناه وبقي من أجره شيء ولا يعرف له وارث ، قال: فاطلبوه ن قالك قد طلبناه فلم نجده ، قال: فقال: مساكين وحرّك يده ، قال: فأعاد عليه ، قال: اطلب واجهد فإن قدرت عليه وإلا فهو كسبيل مالك حتى يجيء له طالب فإن حدث لك حدث فأوص به إن جاء له طالب أن يدفع إليه ) ، فهاتان رويتان وردتا في الحق الذمّي ولم تدلا على وجوب التصدّق وإنما ابقه كسبيل مالك وأوصِ به.

وهناك رواية أخرى لم نذكرها سابقاً وردة في الحق الذمي وهي ما رواه لشيخ الطوسي بإسناده عن أحمد بن محمد عن فضالة عن أبان عن زرارة بن أعين قال:- ( سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يكون عليه الدين لا يقدر على صاحبه ولا على ولي له ولا يدري بأيّ أرض هو ، قال: لا جناح عليه بعد أن يعلم الله منه أنَّ نيته الأداء )[1] .

إذن هذه الروايات الثلاث دلت على أنَّ الحكم في الحق الذمّي ليس هو التصدّق وإنما تطلب صاحبه ويبقى في جملة مالك وتوصي به.

والنتيجة:- إنَّ الروايات الدالة على وجوب التصدّق ورادة في الحق الخارجي دون الذمّي وهناك روايات واردة في الحق الذمّي ولكن لم تدل على وجوب التصدّق ، أجل نستدرك ونقول هناك رواية واحدة مرسلة للشيخ الصدوق تدل على أنَّ الحق الذمّي أيضاً يتصدّق به وهي مذكورة في الوسائل حيث قال:- ( الصدوق: وقد روي في خبرٍ آخر " إن لم تجد له وارثاً وعرف الله عزّ وجل منك الجَهدَ فتصدق بها " )[2] ، ولو رجعنا إلى الفقيه وجدنا يقول ما نصّه :- ( وروى يونس بن عبد الرحمن عن ابن عون عن معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام:- " في رجل كان له على رجل حق ففقده ولا يدري أين يطلبه ولا يدري أحيٌّ هو أم ميت ولا يعرف له وارثاً ولا نسباً ولا ولداً ، فقال: يطلب ، قال: إن ذلك قد طال عليه فيتصدّق به ؟ قال: يطلب " ، وقد روي في هذا خبر آخر:- إن لم تجد له وارثاً وعرف الله عزّ وجلّ منك الجهد فتصدق بها )[3] ، إذن الشيخ الصدوق نقل هذا المضمون وهو ( إن لم تجد له وارثاً وعرف الله عزّ وجلّ منك الجهد فتصدّق بها ) يعني الأجير الذي لم يدفع إليه حقه وهو باقٍ في الذمة ، فإذن مع هذه العملية الشاقة التي بذلناها حصلنا فقط وفقط في الحق الذمّي رواية واحدة تدل على وجوب التصدّق لكنها مرسلة.

ونذكر قضية جانبية:- وهي أنه قبل مدّة نقلنا عن الشيخ الأعظم(قده) في مسألة الأجير أنه قال ( روي ما يدل على وجوب التصدق ) ، وقلنا إنَّ هذا اشتباه فلا توجد رواية في الأجير تدل على وجوب التصدّق إنما الوارد في الأجير دل على أنه يطلب لا أنه يتصدّق ولكن يحصل مثل هكذا اشتباه ونصّ عبارته ( وما ورد من الأمر بالتصدّق بما يبقى في ذمة الشخص لأجيرٍ استأجره )[4] ، فهل الشيخ يشير في هذه العبارة إلى رواية معاوية بن وهب ؟ كلا ، فقد قلنا إنها تدل على وجوب الطلب لا على التصدّق ، ولعلّه يشير إلى مرسلة الصدوق لأنها قالت وقد روي في هذا ما يدل على وجوب التصدق.

والخلاصة التي نريد أن ننتهي إليها:- هي أنه روايات الأمر بالتصدق في مجهول المالك واردة في الحق الخارجي وأما الحق الذمّي فالوارد ثلاث روايات دلت على الطلب والاحتفاظ به ، نعم هناك مرسلة للصدوق يمكن أن يستفاد منها وجوب التصدق في الحق الذمّي وهذا مبني على حجية المراسيل بشكل عام أو مراسيل الصدوق.

وفي مقام تحقيق الحال نقول:- إذا بنينا على إلغاء خصوصية الحق الخارجي في روايات وجوب التصدق وقلنا إنَّ العرف لا يرى خصوصية في وجب التصدّق بمجهول المالك لكون العين خارجية وإنما هو طريق بل حتى لو كانت ذمّية واتفاقاً كان مورد الروايات الأربع هو الحق الخارجي والتصدّق هو من باب كونه أقرب طرق الايصال إلى المالك المجهول فلا فرق حينئذٍ بين كون الحق خارجياً أو ذمّياً ، وربما يؤكد ذلك سيرة المتشرعة في زماننا وقبل زماننا فإنَّ سيرة المشترع الآن على أنَّ من يطلبه شخص بأن أتلف بعض أمواله أو سرق منه بعض الأموال أو غير ذلك ماذا يصنع ؟ فلو جاء شخص وقال أنا في أيام شبابي أتلفت مال الغير أو سرقته والعين ليست موجودة فهذا حق ذمّي وليس خارجياً فالاشتغال حينئذٍ يصير بالحق الذمّي وقد جرت سيرة المتشرعة على أنه يدفع ردّ مظالم وكذلك في الوصية يكتب الكثير من المتشرعة ( وأريد دفع ردّ المظالم بمقدار كذا وكذا ) والسيرة جارية على ذلك والمفروض ان متعلق الحق هو ذمّي وليس شيئاً خارجياً مشخصاً ) ، هذا أيضاً يؤكد أن فكرة التصدق تعم الحق الذمّي.

فائدة خارج الموضوع:- حينما كنّا نحضر عند السيد الخوئي(قده) كان في ذهني فكرة ردّ المظالم ولكن لم أعرف ما هي فسألته بعد الدرس عن ردّ المظالم فقال توجد رواية في الوافي تدل على ذلك وبين هذا المضمون ، ولكن بعد مرور الزمن اتضح لي أنَّ فكرة ردّ المظالم هي ففكرة مجهول المالك فإن ردّ المظالم ليس مصداقاً مقابلاً إلى مجهول المالك ، فنحن متى ندفع ردّ المظالم ؟ إنه إذا كان الشخص الذي يطلب موجوداً فنقول للذي عند المال لابد من الذهاب إليه وترضيه ولا نقول له تصدّق إنما نقول له ادفع ردَّ مظالم إذا لم نكن نعلم أين ذهب وفقدناه أو مات ، فردّ المظلم دائماً هو مجهول المالك ، وإذا كان مجهول المالك فحينئذٍ تتصدق عنه ، ومن الوضح انه إذا كان شيئاً جزمياً بأني اجزم بأني أكلت حقاً من آخرين فهنا يكون ردّ المظالم واجب وأما إذا لم يكن جزمياً وإنما احتمل أنَّ ذمتي مشتغلة بذلك فهنا يصير ردّ المظالم مستحباً وليس بواجب ، فإذن حقيقة ردّ المظالم ترجع إلى فكرة مجهول المالك.

يبقى أنه لماذا أرجع السيد الخوئي(قده) إلى الوافي ولم يرجع إلى كتاب الوسائل رغم أنَّ صاحب الوسائل ذكر في مقدّمات التجارة باباً اسمه ( وجوب ردّ المظالم إلى أهلها ) وذكر رواية عن علي بن أبي حمزة وهي وراية عامل بني أمية ، فلماذا أرجع السيد الخوئي إلى الوافي ولم يرجع إلى الوسائل ؟ احتمل أنَّه أرجع إلى الوافي لأنَّ صاحب الوافي عقد باباً في كتاب التجارة لا بعنوان وجوب ردّ المظالم وإنما بعنوان ( المال المفقود صاحبه ) ويذكر مجموعة روايات في هذا المجال التي تدل على وجوب التصدق أو غير ذلك فلعل السيد الخوئي(قده) أرجع إلى الوافي من باب أن الروايات كلّها مجموعة في مكان واحد أما في الوسائل ففي باب ردّ المظالم إلى أهلها لم يذكر إلا رواية عامل بني أمية أما بقية الروايات فهي موزعة على الأبواب الأخرى.

والذي استفدناه من خلال هذا الكلام هو أن فكرة ردّ المظلم ترجع إلى فكرة مجهول لمالك.

والخلاصة:- إذا لاحظنا أنَّ روايات التصدّق واردة في الحق الخارجي فربما تلغى الخصوصية فيتعدى إلى الحق الذمّي ويؤكد ذلك سيرة المتشرعة في زماننا وقبل زماننا على مسألة ردّ المظالم فإنَّ مورد ردّ المظالم هو الحق الذمّي وليس الحق الخارجي.