39/03/20


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

39/03/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- حكم مجهول المالك - مسألة ( 39 ) حكم جوائز الظالم – المكاسب المحرّمة.

ويرد عليه:-

أوّلاً:- إنَّ هذا يتم لو فرض أنَّ الفحص منوط بنفس العثور على المالك ، ولكن يمكن أن يقال إنَّ الفحص هو لاحتمال العثور على المالك من خلاله ، فالغاية والشرط للفحص هو احتمال العثور على المالك على تقدير الفحص لا نفس العثور على المالك ، ومادامت الغاية والهدف هو احتمال العثور على المالك فهذا متحقّق ، أي أنَّ الاحتمال دائماً موجودٌ فهو وجداني ولا يزول ، فعلى هذا الأساس يكون الفحص واجباً وليس مشكوكاً .

أما كيف نثبت أن الغاية والهدف هو احتمال العثور وليس نفس العثور ؟ ذلك باعتبار أنَّ الواقع يشهد بذلك ، فنحن نفحص والعاقل يفحص لأجل احتمال أنه يعثر على المالك لو فحص وليس لنفس العثور على المالك بل لاحتمال أنه يعثر عليه ، فإذن واقع الحال يشهد بذلك بلا حاجة إلى اقامة دليل عليه.

هذا مضافاً إلى أنَّ الفحص إذا وجب على تقدير العثور فحيث إنَّ العثور ليس داخلاً تحت الاختيار فيلزم إناطة الفحص بأمرٍ غير اختياري ، هذا بخلاف احتمال العثور فإنه موجود دائماً وهو شيء وجداني.

ثانياً:- لو كان الفحص واجباً عند الجزم بالعثور فسوف يلزم إلغاء وجوب الفحص من الأساس ، يعني أنَّ وجوب الفحص ليس موجوداً لأنَّ المكلف عادةً لا يوجد عنده جزم بالعثور على المالك ، فإذن ألغينا وجوب الفحص من الأساس ، والمفروض أنه قد ثبت بالنصّ وجوب الفحص ، فإن كان في النصّ اطلاق يقتضي وجوب الفحص بنحوٍ مطلق - وهذا ليس بواضح -فيلزم حمل النصّ على الفرد النادر ، وإذا لم يكن هناك إطلاق فنقول حينئذٍ يلزم لغوية أو عدم وجوب الفحص من الأساس والمفروض أنه واجب ، فإذا كان يوجد اطلاق فنتمسّك بالتقييد بالفرد النادر ، وإذا لم يكن هناك اطلاق فنقول: بما أنَّ هذا الفرد نادر أو ليس بموجود فيلزم إلغاء وجوب الفحص إما بشكلٍ كلّي أو في المساحة الوسيعة العاديّة وحصره في مجال ضيّق ، فبالتالي هو بحكم الإلغاء ، وحمله على الوجوب النفسي فمن الواضح أنه ليس بواجب نفساً بما هو هو فإنَّ هذا ليس عقلائياً فإنَّ الفحص دائماً بما هو فحص مثل التبيّن فإن مادته أصلاً هي متضمنة للطريقية والمقدّمية دون النفسية وهذا شيء واضح.

الفرع الثاني من الفروع التي ترتبط بمسألة مجهول المالك:- هل الفحص يتقيد بسنة أو يتقيد بحدّ اليأس ، فهل المدار على حصول اليأس أو المدار على البحث لفترة سنة كما في اللقطة ؟

ومن الواضح أنه حيث إنّ النصوص ليست واضحة في ذلك صار ذلك سبباً لطرح هذا التساؤل ، وتظهر الثمرة في أنه لو فرض أنَّ الانسان حصل هل اليأس في اليوم الأوّل أو الثاني ، كما لو فرض أنَّ شخصاً في منى أو عرفات قبيل الغروب نسي شيئاً وذهب فهذا الشخص نيأس من أن نجده فهذا اليأس قد يحصل من البداية أو يحصل اليأس بفحصٍ يسير ، فإذن هنا تظهر الثمرة فإذا كان المدار على اليأس فسوف يرتفع وجوب الفحص رغم عدم تحقّق السنة ، وربما يكون الأمر بالعكس يعني يفحص الشخص لفترة سنة وهو لازال يحتمل العثور على المالك ، فإذن الفارق واضح ، فهل المدار على اليأس أو المدار على الفحص لفترة سنة ؟

والجواب:- المناسب أن يكون المدار على اليأس ، وذلك لوجهين:-

الوجه الأوّل:- إنَّ الفحص عن الأشياء المفقودة عرفاً وعقلائياً وعادةً يكون إلى حدّ اليأس ، فإذا ضاع جوازك أو عباءتك أو غير ذلك فإلى كم تفحص عنها كإنسان عاقل عرفي ؟ إنك تفحص عنها إلى حالة اليأس لا أنك تفحص لا إلى حالة الظن ولا إلى حالة الجزم واليقين بالعدم ، بل مادام حصل لك اليأس من العثور على الشيء الذي ضاع منك فأنت يرفع يدك عن الفحص ، فإذن الفحص عرفاً وعقلائياً محدّد بحالة اليأس.

حينئذٍ نضم مقدمة ثانية فنقول:- والنصّ إذا أطلق ولم يقيد يكونه إلى كذا أو إلى كذا أو إلى شيءٍ ثالث فهذا حوالة على ما هو المتداول عرفاً وعقلائياً فيكون اطلاقاً مقامياً ، فاعتمد المولى المتكلّم على الاطلاق المقامي حيث إنه توجد هناك حالة عقلائية عرفية وهي الفحص إلى حالة اليأس ولا يحتاج إلى أن يبيّن فهو حينما يسكت عن هذا وقال لك ( افحص ) فقط فالمقصود أنه أحال على الحال العرفية المتداولة كما أشرنا وهذا نحوٌ من الاطلاق المقامي ، كما لو قيل ( يجب الانفاق على الزوجة ) وسكت فهذا معناه أنه حوالة على ما هو متعارف وهذا نحو من الاطلاق المقامي ، يعني الانفاق عليها بالشكل المناسب وهذا يختلف من زمان إلى زمان ، ففي الزمان السابق تكفيها غرفة واحدة أما في هذا الزمان فلا يكفيها ذلك وإنما تعطيها شقّة مثلاً ، وهكذا في الملابس صار اختلاف وما شاكل ذلك ، فهذا اطلاق مقامي ، فكما نقول به في باب النفقة والسكن كذلك في مقامنا نقول إنَّ الاطلاق المقامي حينما يأمر المتكلم بالفحص ويسكت فالمقصود هو الاحالة على الحالة العرفية العقلائية وهي الفحص إلى حدّ اليأس.

الوجه الثاني:- توجد رواية يمكن أن يستفاد منها أنَّ المدار على اليأس ، وهي رواية يونس المتقدمة:- ( سئل أبو الحسن عليه السلام وأنا حاضر:- ( رفيق كان لنا بمكة فرحل منها إلى منزله ورحلنا إلى مناولنا فلما أن صرنا في الطريق أصبنا بعض متاعه معنا فأيّ شيء نصنع به ؟ قال:- تحملونه حتى تحملوه [ تلحقونهم ] إلى الكوفة ، قال: لسنا نعرفه ولا نعرف بلده ولا نعرف كيف نصنع ، قال: إذا كان كذا فبعه وتصدّق بثمنه ) فالامام عليه السلام قال ( فإذا كان كذا ) يعني إذا يئست من خلال الفحص من العثور عليه فبعة وتصدق بثمنه ، فإذن يمكن أن تسفيد من هذه الرواية أنَّ المدار على اليأس.

إن قلت:- إنَّ هذه الرواية موردها معلوم المالك لأنَّ الرفيق كانوا يعرفونه فهو ليس مجهولاً لكن الآن لا يمكنهم العثور عليه بينما محل كلامنا هو مجهول المالك فكيف نعمّم الرواية إلى حالة مجهول لمالك ؟ ، ومن هنا فيما سبق حينما استُدل بهذه الرواية على وجوب الفحص قال السيد الخوئي(قده) إنَّ الفحص ورد في معلوم المالك ولعلّ الفحص في معلوم المالك أسهل وأيسر فوجب أما في مجهول المالك فلا يجب والجزم بإلغاء الخصوصية لا يمكن بعدما فرض أنَّ معلومية المالك قد تساعد على الفحص والعثور على المالك.

ففيما سبق قلنا إن الجزم في التعدّي قد يتأمل فيه فكيف الآن صار البناء على التعدّي أوليس هذا نحواً من التنافي ؟

قلت:- إنَّ الفارق هو أنه في البحث الأوّل كان الكلام في أصل وجوب الفحص وأنه هل يجب الفحص أو لا وحينئذٍ نحتمل أن لمعلومية المالك خصوصية حيث تساعد على الفحص والعثور على المالك فيوجد مجال لتوقف السيد الخوئي(قده) ، ولكن في مورد كلامنا نريد أن نلغي الخصوصية لا من حيث أصل وجوب الفحص وإنما في تحديد مقدار الفحص وأنه إلى حدّ اليأس ، ومادام في مورد الرواية استفدنا أنَّ الفحص واجب إلى حدّ اليأس فإذن في مجهول المالك نلغي الخصوصية ونقول إنَّ المدار أيضاً إلى حدّ اليأس لأنَّ العرف يلغي الخصوصية من هذه الناحية.

فإذن هناك مجالان ، فمرة الكلام في أصل وجوب الفحص فربما يخصّص بمعلوم المالك لأنَّ نفس معلومية المالك تساعد على الفحص والعثور ، أما بعد أن عمّمنا وجوب الفحص وقلنا إنه يجب الفحص إلى حدّ اليأس في معلوم المالك حسب الرواية فنلغي هذه الخصوصية - فعرفاً هذه الخصوصية ملغاة - فنقول إذا كان في معلوم المالك يجب الفحص إلى حدّ اليأس فكذلك الحال في مجهول المالك فإنَّ العرف يلغي الخصوصية من هذه الناحية ، فإذن لا منافاة بين قبولنا لما ذكره السيد الخوئي(قده) - سواء كان ذلك قبولاً أو على مستوى الاحتمال والوجاهة - وبين أن نجزم هنا بعدم الفرق وأنَّ المدار في وجوب الفحص هو إلى حدّ اليأس ، فهذان موردان يمكن التفرقة بينهما.

وفي مقابل هذا قد يقال:- إنَّ المدار ليس على اليأس وإنما المدار على السنة ، وذلك باعتبار رواية حفض بن غياث المتقدّمة الوارد في وديعة واللص والتي تقول:- ( قال:- سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل من المسلمين أودعه رجل من اللصوص دراهم أو متاعاً واللّص مسلم هل يردّ عليه ؟ فقال: لا يردّه فإن أمكنه أن يردّه على أصحابه فعل وإلا كان بيده بمنزلة اللقطة يصيبها فيعرّفها حولاُ فإن أصاب صاحبها ردّها عليه وإلا تصدق بها ... ) [1] ، إنَّ مورد هذه الرواية هو مجهول المالك - لأنَّ هذا المال مسروق والمسروق مجهول المالك - والامام عليه اللام قال لا تردّه على السارق وإنما هو بمثابة اللقطة يعرّف لمدّة سنة ، فإذن هي دلت على أنَّ مجهول المالك يعرّف لمدّة سنة وليس المدار على اليأس.

والجواب ما ذكرناه سابقاً:- وهو أنَّ مورد هذه الرواية هو وديعة اللّص فحينئذٍ نخصّص ذلك بموردها ، وسوف تصير النتيجة هي أنه كلّ مجهول المالك يجب الفحص فيه إلى حدّ اليأس إلا إذا كان مجهول لمالك وديعةً للسارق فإنَّ حكمه حكم اللقطة والمستند هو هذه الرواية ، فنخصّص ونفرّق بين موارد مجهول المالك بهذا الشكل.

إن قلت :- إنَّ العرف يلغي الخصوصية من هذ الناحية - يعني من ناحية كونه وديعة إلى اللص - وإنما تمام النكتة عنده هي أنه مجهول المالك ، فإذن التفرقة في غير محلّها وفكرة التخصيص في غير محلّها.

قلت:- إنه يمكن الردّ بوجهين:-

الأوّل:- لو خلّينا نحن ورواية حفص بن غياث الواردة في اللّص وحدها فليس من البعيد أن يكون الأمر كما تقول - يعني نلغي خصوصية المورد - ، ولكن بعد أن فرض وجود روايات تدل على أنَّ المدار ليس على السنة بل على اليأس كرواية يونس المتقدّمة فنفس اجتماع الروايتين - أحياناً وليس دائماً - قد يولّد احتمال اختصاص كلّ واحدةٍ بموردها ، وهنا قد يقال بأنَّ الأمر من هذا القبيل ، فإنَّ العرف حينما يجد رواية من هذا القبيل ويجد روايةً سابقة ليونس والتي تجعل المدار على اليأس فيتولّد عنده احتمال الخصوصية لوديعة اللّص ، فنفس اجتماع الروايتين يولّد احتمال التفرقة.

الثاني:- يمكن أن يقال: إنَّ الفقهاء إذا فهموا الخصوصية - ولا أقول كلّ الفقهاء بل مجموعة منهم - ففهمهم هذا ربما يولّد عندنا احتمال الفرق ، باعتبار أنهم عرفٌ وعقلاء ، فإذا فرضنا أنَّ ثلة منهم يحتملون هذه التفرقة ويبرزونها فهذا بنفسه يصير موجباً لحصول احتمال التفرقة عندنا ، وإذا رجعنا إلى مكاسب الشيخ الأعظم نجده يقول:- ( إنَّ الأصحاب لم يتعدّوا من الوديعة إلى مطلق مجهول المالك )[2] ، وهذا نقل بالمضمون وليس نقلاً بالنص ولكن قوله ( إنَّ الأصحاب ) فهو نسبه إلى الأصحاب وأنهم اقتصروا على مورد الوديعة فمسألة اللقطة طبّقوها على الوديعة فقط دون مطلق مجهول المالك ، وإذا فرضنا أنَّ الأصحاب رأيهم هكذا فليس من البعيد أن يتولّد احتمال الفرق.

ألا اللهم يوجد شخص لا يعير أهمية لهذا الكلام ويقول أنا لا أحتمل ذلك أبداً فذهاب الأصحاب إلى التفرقة لا يزيله بل يبقى يقول أنه جزماً لا يوجد تفرقة فهذا حق له ، ولكن إذا افترضنا أنه تولّد لك الفرق فإنَّ نفس تفرقة الأصحاب ليس من البعيد أنها تساعد على احتمال الفرق فحينئذٍ نفرّق بين الموردين.

ولعلّه من هذا كلّه يتّضح مقصود الشيخ الأعظم(قده)[3] حينما ذكر ( أنَّ الفحص لا يتقيّد بسنةٍ على ما ذكره الأكثر بل حدّه اليأس وهو مقتضى الأصل ) ، فماذا يقصد الشيخ من ذلك ؟

لعلّ ذلك اتضح من خلال كلامنا ، وسيأتي بيانه.