36/07/23


تحمیل
الموضوع: الصوم , المفطرات, فصل المفطرات المذكورة كما أنها موجبة للقضاء كذلك توجب الكفارة.....)
مناقشة اخرى في مسألة اطلاق الافطار على بعض المفطرات كالقيء والكذب على الله والرسول (ص)
ويعتبر_ اطلاق الافطار_ من اهم الادلة التي تمسك بها القائلون بالتعميم.
ويلاحظ
انه ليس لنا طريق لأثبات كون هذا الاطلاق اطلاقاً حقيقياً, اذ لا مجال للاعتماد على ا صالة الحقيقة لأثبات كون هذا الاستعمال حقيقياً لأنها تجري عند الشك في المراد بعد العلم بالمعنى الحقيقي كما لو علمنا بأن لفظ الاسد موضوع للحيوان المفترس واستعماله في الرجل الشجاع يكون مجازاً, وعند الشك في المراد تأتي اصالة الحقيقة لتقول بأن الاصل أن المتكلم يريد المعنى الحقيقي, وفي المقام ليس الشك في المراد لعدم الاشكال في أنه استعمل (افطر) في القيء مع أنه ليس اكلاً ولا شرباً ولا شك في ذلك, فأستعمال (افطر) في مطلق افساد الصوم, وليس في افساده في خصوص الاكل والشرب.
نعم وقع الشك في أن هذا الاستعمال هل هو حقيقي أم مجازي[1] ولكن لا طريق لنا إلى اثبات الحقيقة وان ما ورد من اطلاق في النصوص هو اطلاق حقيقي.
الطريق الثاني: احتمال كون الاطلاق مجازياً بمعنى أن كلمة الافطار الموضوعة لغة للإفساد الخاص (الاكل والشرب) استعملها الشارع تجوزاً في مطلق الافساد, وسبب استعمالها للتنبيه على أن هذه الامور_ القيء مثلاً_ تفسد الصوم ايضاً, وبناءً على هذا الكلام لا يمكن اثبات تعميم حكم الكفارة إلى جميع المفطرات, وإنما غاية ما يثبت بهذه النصوص هو أن تلك الامور مفسدة للصوم, وحينئذٍ لا تشمل صحيحة عبدالله بن سنان هذه الامور.
ولا يمكن اثبات التنزيل _الذي هو بمعنى الحكومة_ لعدم الدليل عليها, فكيف نفهم من قول الامام عليه السلام (من تقيأ متعمدا وهو صائم فقد أفطر) أنه نزل القيء عمداً منزلة الاكل عمداً بحيث يستدعي هذا التنزيل اثبات كل الاثار التي هي ثابتة للأكل عمداً بما فيها الكفارة للقيء عمداً, فالحكومة لابد أن يكون فيها الدليل الحاكم_ من تقيأ متعمدا وهو صائم فقد أفطر _ ناظر إلى الدليل المحكوم الذي يقول كل من افطر وجبت عليه الكفارة, لكي يوسع موضوع الدليل المحكوم لغير الاكل والشرب, ولا يمكن اثبات أن دليل (من تقيأ متعمدا وهو صائم فقد أفطر) ناظر إلى دليل (من افطر متعمداً وجبت عليه الكفارة).
الطريق الثالث: لأثبات التعميم هو دعوى كثرة الاستعمال, بأن يقال أن استعمال الافطار في مطلق الافساد كثر على لسان الشارع.
فيقال بأن هذه الكثرة اذا لم تجعل الحقيقة فأنها تجعل ظهوراً للفظ غير الظهور الاولي الناشئ من الوضع.
فيحصل اشبه بالوضع التعيني ناشئ من كثرة الاستعمال فيكون المعنى كأنه حقيقة للفظ وحينئذ نستطيع الاستفادة منه بأن نقول أن الافطار في صحيحة عبدالله بن سنان محمول على هذا المعنى الظاهر ومنه يثبت التعميم.
والظاهر أن هناك ما يقارب (23)[2] رواية بعضها معتبر استعمل فيها لفظ (افطر أو مشتقاته) في ما يفسد الصوم غير الاكل والشرب, وحينئذ تكون النتيجة أن صحيحة عبدالله بن سنان تشمل جميع المفطرات فتترتب الكفارة على كل مفطر.
ومن هنا يكون ما ذهب إليه الجماعة و السيد الخوئي (قد) _ شمول صحيحة عبدالله بن سنان لجميع المفطرات وترتب الكفارة على كل مفطر _ هو الاقرب.
ومن هذه الروايات نأخذ نموذجاً ليتضح المطلب
مثلاً جميل بن دراج ( عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) أنه سئل عن رجل أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا ؟ فقال : إن رجلا أتى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال : هلكت يا رسول الله ! فقال : مالك ؟ قال : النار يا رسول الله ! قال : ومالك ؟ قال : وقعت على أهلي، قال : تصدق واستغفر فقال الرجل : فوالذي عظم حقك ما تركت في البيت شيئا، لا قليلا ولا كثيرا، قال : فدخل رجل من الناس بمكتل من تمر فيه عشرون صاعا يكون عشرة أصوع بصاعنا، فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : خذ هذا التمر فتصدق به، فقال : يا رسول الله على من أتصدق به وقد أخبرتك أنه ليس في بيتي قليل ولا كثير، قال : فخذه واطعمه عيالك واستغفر الله، قال : فلما خرجنا قال أصحابنا : إنه بدأ بالعتق، فقال : أعتق، أو صم، أو تصدق)[3]
حيث ورد فيها (افطر) بمعنى افسد صومه بإتيان الاهل وليس بالأكل والشرب.
وفيما ورد عليه من الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري ـ (يعني عن المهدي ( عليه السلام ) ـ فيمن أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا بجماع محرم عليه، أو بطعام محرم عليه، أن عليه ثلاث كفارات)[4]
حيث ورد فيها افطر ... بجماع ويراد بها المعنى الواسع أي افسد صومه لا بمعنى نقض الامساك بالأكل والشرب.
سماعة (قال : سألته عن القيء في رمضان ؟ فقال : إن كان شيء يبدره فلا بأس، وإن كان شيء يكره نفسه عليه أفطر وعليه القضاء . . الحديث .)[5]
محمد بن مسلم (قال : سئل أبوجعفر ( عليه السلام ) عن القلس، يفطر الصائم ؟ قال : لا )[6]
فأنه كلمة (يفطر) استعملت في افساد الصوم.
سماعة (قال : سألته عن القلس وهي الجشأة يرتفع الطعام من جوف الرجل من غير أن يكون تقيأ وهو قائم في الصلاة ؟ قال : لا تنقض ذلك وضوءه، ولا يقطع صلاته، ولا يفطر صيامه .)[7]
حيث استعملت(يفطر) في افساد الصوم ايضاً.
وهكذا الكلام في بقية الروايات .
وعلى تقدير عدم تمامية ما تقدم فأن الكلام يقع في كل مفطر من هذه المفطرات على حده ويستثنى من ذلك ما قامت الادلة على وجوب الكفارة فيها (الجماع, الاستمناء, البقاء على الجنابة عمداً) وكذلك الاكل والشرب.
والكلام يقع في تعمد القيء
فأن المشهور بين العلماء وجوب القضاء فيه دون الكفارة, بل نسب الاجماع إلى صريح الخلاف وظاهر غيره, وفي الجواهر يقول لم نعرف القائل بوجوبهما معاً عليه منا, وإنما حكي عن المرتضى ارساله ( أي أنه قال قيل ولم يعرف القائل منا أو من غيرنا).
هذا ما كان بلحاظ اقوال العلماء, أما الكلام بلحاظ الادلة:
فأن تعمد القيد تميز عن بقية المفطرات في أنه ورد فيه اطلاق الافطار(من تقيأ متعمدا وهو صائم فقد أفطر), وهذا ما تمسك به القائلون بوجوب الكفارة فيه بل في مطلق المفطرات, لكن تقدم عدم الاستفادة من هذا الاطلاق اكثر من كونه مفسداً للصوم.
بل بعض هذه الادلة قد يفهم منها تفسير الافطار بالقضاء كما تقول مثلاً ( افطر وعليه القضاء).
وموثقة سماعة (قال : سألته عن القيء في رمضان ؟ فقال : إن كان شيء يبدره فلا بأس، وإن كان شيء يكره نفسه عليه أفطر وعليه القضاء . . الحديث)[8]
ورواية مسعدة بن صدقة(عن أبي عبدالله، عن أبيه ( عليهما السلام ) أنه قال : من تقيأ متعمدا وهو صائم فقد أفطر وعليه الاعادة، فان شاء الله عذبه وإن شاء غفر له، وقال : من تقيأ وهو صائم فعليه القضاء)[9]
حيث كأنه يريد القول بأن المقصود بالإفطار هو وجوب القضاء لا اكثر هذه نكتة والنكتة الاخرى في ادلة القيء هي عدم وجود رواية واحدة تصرح بوجوب الكفارة, مع انها في مقام بيان ما ذا يجب على المكلف الذي فعل ذلك, ولو كانت الكفارة واجبة عليه لكان المناسب ذكرها, فإهمالها في كل هذه الروايات لا يخلو من التأييد والاشارة إلى عدم وجوبها, واذا لم نستفد عدم الوجوب فعلى الاقل من القول بأنها ليس فيها ما يدل على وجوبها(الكفارة).




[1] ذهب السيد المرتضى _عند الشك في الحقيقة والمجاز_ إلى أن الاصل في الاستعمال الحقيقة _بناء على اصالة الحقيقة_ وقد ناقشوه في أن اصالة الحقيقة لا تجري عند الشك في الاستعمال وإنما تجري عند الشك في المراد.
[2] ابواب ما يمسك عنه الصائم ب2 ح(1,2,3,4,6,8,9,10,) ب8 ح(2) ب10 ح3 ب22 ح1 ب26 ح9 ح,11 ب29 ح1 ح5 ح6 ح8 ح9 ب30ح1 ح3 ح4 ب55 ح4, ابواب ما يصح منه الصوم ب5 ح13.