34-05-29


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/05/29

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- الواجب الرابع من واجبات حج التمتع ( أفعال منى في اليوم العاشر ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 وقبل أن ننتقل إلى المتن الجديد نشير إلى قضيتين:-
 القضية الأولى [1] :- لو فرض أن الجمرة أزيلت أو زيد في ارتفاعها فماذا يكون حمكم الرمي فهل يجوز رمي المقدار الزائد أيضاً أو يقتصر على المقدار القديم ؟ وهكذا لو أزيلت فهل يسقط الرمي أو أنه يلزم رمي الفضاء ؟ إن هذه قضية سوف يتعرض إليها(قده) في مسألة ( 379 ) فنرجئ الحديث عنها إلى الموضع المذكور وإنما كان هدفنا هنا هو التنبيه على أن هذا سوف يأتي.
 القضية الثانية:- وربما تكون جديرة بالإشارة إليها وهي أنه يوجد شرطان آخران للرمي كان من المناسب للسيد الماتن الإشارة اليهما إما مع القبول أو مع الرفض:-
 الشرط الأول:- هل يلزم أن يكون الرمي باليد أو يجوز أن يكون بالأعضاء الأخرى كأن يكون بالرأس مثلاً أو بشكل آخر ؟ إن هذه قضية قد تعرض إليها الشيخ النراقي(قده) [2] واختار اعتبار أن يكون الرمي باليد واستند في ذلك إلى وجهين:-
 الوجه الأول:- إن اللفظ المطلق ينصرف إلى الشائع المتعارف وهنا لفظ الرمي في الروايات وإن كان مطلقاً إلا أنه ينصرف إلى ما هو الشائع والمتعارف وهو الرمي باليد ولا يرمي أحد بغير يده إلا من شذ ، وعليه فيتعين أن يكون الرمي باليد.
 وما أفاده وجيه لو تمت دعوى الانصراف ولا يكفينا دعوى التردّد والإجمال فإنه لو فرض أنا شككنا في اعتبار أن يكون الرمي بخصوص اليد إضافة إلى عوان الرمي فهذا لا يكفي في إثبات لزوم الرمي باليد إذ آنذاك تنتقل الوظيفة إلى الأصل العملي عند فقدان الدليل الاجتهادي وهو يقتضي البراءة من التقيّد بكون الرمي بخصوص اليد فنحن نعلم بوجوب الرمي في الجملة أما أن يكون باليد فقط فهو شيء نشك في اشتغال الذمة به فينفى بالبراءة ولا مجال لقاعدة الاشتغال لما أشرنا إليه أكثر من مرّة فإن قاعدة الاشتغال اليقيني ناظرة إلى عالم الامتثال بعد الجزم بما اشتغلت به الذمة ونحن في مقامنا نشك في ضيق وسعة ما اشتغلت به ذمتنا فهي قد اشتغلت بالرمي في الجملة وقد حقّقناه وأما ما زاد على ذلك فنشك باشتغال الذمة به فينفى بالبراءة.
 إذن هنا لا تنفعنا دعوى التشكيك واحتمال أنه يعتبر في الرمي أن يكون باليد لأن المرجع هو البراءة ، اللهم إلا إذا فرض أن شخصاً قال من دون أن يكون الرمي باليد أنا نشك بأصل صدق عنوان الرمي فإنه لو فرض هكذا فالمورد يكون من موارد قاعدة الاشتغال اليقيني إذ قد اشتغلت الذمة بالرمي جزماً ويشك في تحقق الامتثال بغير الرمي باليد فتجري قاعدة الاشتغال اليقيني ولكن الأمر ليس كذلك فإننا إذا ادعينا اعتبار اليد فلا ندّعي ذلك من باب أن عنوان الرمي لا يصدق إلا باليد بل من جهة اعتبار أمرٍ زائدٍ على عنوان الرمي.
 وبالجملة:- إن المناسب في المورد المذكور أن يدّعى الجزم بالانصراف - أي انصراف لفظ الرمي - إلى الرمي بخصوص اليد وإلا فمن دون الجزم بالانصراف فلا ينفعنا ذلك في اعتبار اليد وتبقى دعوى الانصراف قضيّة وجدانية وأنا من المتوقفين في ذلك.
 الوجه الثاني:- التمسك برواية أبي بصير:- ( قال أبو عبد الله عليه السلام خذ حصى الجمار بيدك اليسرى وارم باليمنى ) [3] حيث قال عليه السلام ( وارم باليمنى ) وهذا يدل على اعتبار الرمي باليد.
 والجواب واضح:- فإن الرواية جلّاً أو كلّاً ناظرة إلى المستحبات فإن أخذ الحصى باليسرى شيء مستحب ثم رميها باليمنى مستحب أيضاً فإن اليمنى ليست متعيّنة جزماً فكيف نستفيد آنذاك اعتبار الرمي باليد بعد كون الخصوصيات المذكورة هي خصوصيات مستحبة فاستفادة ذلك شيء صعب إلا أن يدعي أن ظاهر الرواية هو المفروغيّة عن كون الرمي باليد وإنما أخذ عليه السلام في بيان بعض الخصائص بعد هذه المفروغيّة ولكن من أين استفادة هذه المفروغية ؟!
 ومن هذا يتضح الجواب أيضاً فيما لو أراد شخصٌ أن يستدلّ بروايات استحباب الخذف:- فإنه يستحب أن يكون رمي الحصاة بنحو الخذف - وذلك لا يكون إلا بوضع الحصاة على اليد فإن هذا يدل على المفروغيّة عن اعتبار اليد غايته هناك خصوصيّة مستحبة وهي أن يكون الرمي باليد بنحو الخذف.
 ووجه التأمل في ذلك:- هو أن هذه المفروغيّة المدّعاة على اعتبار الرمي باليد هي أول الكلام.
 إذن إثبات اعتبار أن كون الرمي باليد شيء لا دليل عليه والمناسب هو البراءة صناعةً إلا أن الاحتياط شيء في محلّه.
 وإنما عبّرت بالرواية باعتبار علي بن أبي حمزة فإنه على المبنى المعروف الذي يشكك في وثاقته تكون روايةً وإلا فعلى ما نميل إليه تكون صحيحة ولا إشكال فيها.
 وقد يستدل أيضا على ذلك على عدم لزوم الرمي باليد:- بأنه لم يعهد من المسلمين أنه رمى برأسه أو بغير اليد ولو فعل شخص ذلك لضحك عليه الآخرون.
 ولكنه أوهن من بيت العنكبوت فإنا نضحك عليه لأجل أنه مع إمكان الرمي باليد فلماذا يرمي برأسه ؟! لا أن هذا يدل على عدم الجواز.
 الشرط الثاني:- أن يكون الرمي بالمباشرة . فالذي يتمكن أن يرمي بنفسه لا يجوز له أن يوكل غيره بذلك ، إن هذا من المناسب الإشارة إليه والظاهر أن المسألة متفق عليها ولعلهم لم يشيروا إلى ذلك لأجل وضوح المطلب أو لأجل الغفلة وإلا فالكل متفقون على ذلك ، ولكن ما هو التخريج الفني لذلك ؟
 إن الوجه في ذلك هو أنه لو بنينا على أن مستند اعتبار الرمي هو بعض الروايات من قبيل صحيحة معاوية المتقدمة ( خذ الحصاة وإإت جمرة العقبة ثم ارمها من وجهها ) فإنه لو استفدنا من كلمة ( ارمها ) وجوب الرمي فحينئذ نقول تطبيقاً لقضيّة قد تذكر في علم الأصول وهو أن ظاهر نسبة المادة إلى الفاعل من قبيل ( ارم ) حيث نُسِبت المادة - وهي الرمي - إلى المخاطب وطلب منه تحقيقها فظاهر النسبة أو طلبها عرفاً هو اعتبار المباشرة فحينما يقال ( ارم ) فظاهره هو ( أنت ارم بالمباشرة ) فالمباشرة تكون معتبرة من باب قضاء الظهور العرفي بذلك ، وهكذا لو قيل أدرس أو اجتهد وما شاكل ذلك فإن ظاهر هذه النسبة هو اعتبار المباشرة خرج من ذلك بعض الموارد التي يكون المتعارف فيها هو النيابة من قبيل البناء والذبح والقبض وما شاكل ذلك فحينما يقال ابن البيت أو المسجد لا يكون المقصود هو أنه ابن البيت بنفسك بل المتعارف هو أن يكون المقصود هو ابنه ولو بالواسطة إذ قد يكون المأمور ليس قادراً على ذلك وهكذا لو قيل اذبح الحيوان فإن المتعارف هو أن الشخص لا يتصدّى بنفسه للذبح وإنما بالواسطة ، وهكذا بالنسبة إلى القبض فحينما يقال ( سلّم إلى فلان كذا مقدار ) فلا يلزم أن أسلّمه بنفسي بل ولو بواسطة شخص آخر . إذن ظاهر نسبة المادة إلى الفاعل هو اعتبار المباشرة عرفاً إلا إذا قامت قرينة على الخلاف ولو من جهة المتعارف فإنها قرينة على الخلاف وحيث أن مقامنا لا توجد فيه قرينة على الخلاف فنتمسك بالظهور ، هذا بناءً على كون المستند مثل رواية معاوية.
 وأما إذا كان المستند ما أشرنا إليه - من أن المسألة عامة البلوى فيلزم أن يكون حكمها واضحاً وحيث أن الواضح بين الفقهاء هو وجوب الرمي فيلزم أن يكون هذا الحكم الذي ذهبوا إليه وهو الذي كان واضحاً عندهم يلزم أن يكون هو الواضح والمتلقّى من الشرع - فنسحبه إلى شرطيّة المباشرة فنقول إن هذه قضيّة ابتلائية فيلزم أن يكون حكمها واضحاً وحيث إن المعروف بل المتفق عليه بين الفقهاء هو اعتبار المباشرة ولا تكفي النيابة لغير المعذور فهذا يدل على أن ذلك الحكم الواضح الذي صدر من الشريعة هو اعتبار المباشرة.
 والخلاصة:- إنه كان من المناسب اضافة هذين الشرطين إلى شروط الرمي.
 
 مسألة ( 377 ):- إذا شك في الإصابة وعدمها بنى على العدم إلا أن يدخل في واجبٍ آخر مترتّب عليه أو كان الشك بعد دخول الليل.
 ..........................................................................................................
 تتضمن المسألة بيان حكمين:-
 الحكم الأول:- إن من شك في الإصابة فعليه أن يرمي من جديد كي يتيقن بالإصابة.
 الحكم الثاني:- إن هناك حالتين لا يعتنى فيهما بالشك بل يبنى على تحقق الإصابة إحداهما ما إذا فرض أنه انتهى وقت الرمي بمعنى أنه غربت الشمس ودخل الليل وبعد أن جلس في داخل الخيمة شكّ هل أن الحصاة السابعة أصابت أو لم تصب الجمرة ؟ فهذا شك بعد خروج الوقت لا يعتنى به ، والمورد الآخر هو ما إذا فرض أن المكلف شك بعد أن دخل في واجبٍ آخر مترتّبٍ على الرمي - أعني بذلك الذبح - فلو فرض أنه ذبح الهدي وبعد أن ذبحه شك في أن الرمية السابعة أصابت أو لم تصب فلا يعتني للشك أيضاً.


[1] وهي قضية جانبية.
[2] مستند الشيعة، ج12 ص286.
[3] الوسائل، ج14 ص68 ب12 من أبواب رمي جمرة العقبة ج2.