34-07-11


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/07/11

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- الواجب الخامس من واجبات حج التمتع - وهو الثاني من أعمال منى في اليوم العاشر- ( الذبح أو النحر في منى ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 وفيه:- إننا لو لأردنا أن نتماشى مع المدلول المطابقي - أو بالأحرى مع حاقّ الألفاظ - من دون أن ندخل أمرواً أخرى في الحساب فالعبارة تعطي أن نفس اليوم العاشر بما هو يوم عاشر يوجب إحلال جميع الأشياء ما عدى النساء والطيب ، ولكن نعلم من الخارج أن نفس حلول اليوم العاشر لا يحتمل أنه من موجبات حليّة الأشياء بما هو هو بل لابد وأن يكون ذلك لأجل وقوع الأعمال الطلوبة فيه فالمصحّح هو هذا لا نفس اليوم العاشر ، وحينئذ نقول إن المكلف قد يأتي بهذه الأعمال وقد لا يأتي بها لسببٍ وآخر يمنعه من الاتيان بها ، وعليه فالإمام عليه السلام كيف قال يحل كل شيء في اليوم العاشر ما عدى النساء والطيب والحال أن المكلف لا يأتي بهذه الأعمال عن عذر مثلاً أو لغير عذر ؟ إن المصحح لابد وأن يكون أحد شيئين إما الوجوب فنقول بما أن الإتيان بهذه الأشياء الثلاثة التي منها الذبح فبما أنها واجبة على المكلف فنكتة الوجوب صارت مصحّحة لإثبات الإحلال في اليوم العاشر وأنه إذا جاء اليوم العاشر فيحلّ كل شيء وبناءً على هذا يتم الاستدلال بالصحيحة المذكورة على وجوب هذه الأمور وكما أراد المستدل.
 ولكن يحتمل وجود نكتة أخرى تصحح هذا التعبير:- وهي أن العادة قد جرت على الإتيان بهذه الأعمال في اليوم العاشر فهناك وجوب ولكنّه تخييري بين الإتيان بها في اليوم العاشر وبين الإتيان بها في بقيَّة الأيام لا أنه لا يوجد وجوب أصلاً ، كلا بل يوجد وجوبٌ ولكنه تخييري ولكن حيث إن الحاج يسرع عادة إلى الإتيان بهذه الأمور تفريغاً لذمته فبهذا الاعتبار صح للإمام عليه السلام أن يقول ( يحلّ له في اليوم العاشر كل شيء خلا النساء والطيب ) . إذن المصحّح لهذا التعبير لا ينحصر بنكتة الوجوب كما أراد المستدل بل كما يحتمل ذلك يحتمل أن يكون المصحّح هو اقتضاء العادة وجريانها على الإتيان بها في اليوم العاشر بعد فرض كون الوجوب وجوباً تخييرياً . إذن لا يمكن أن نفهم من التعبير المذكور في الرواية أن الإتيان بهذه الأمور الثلاثة التي منها الذبح أنه واجب.
 الدليل الرابع:- وهو مركب من مقدمتين:-
 الأولى:- إن الذبح يلزم الإتيان به قبل الحلق.
 الثانية:- إن الحلق يلزم الإتيان به في اليوم العاشر لا في بقيَّة الأيام كالحادي عشر مثلاً.
 وإذا تمت هاتان المقدمتان فسوف يثبت أنه يلزم الاتيان بالذبح في اليوم العاشر لأن المفروض أنه يلزم الاتيان به قبل الحلق طبقاً للمقدمة الأولى والمفروض أن الحلق لا يجوز تأخيره إلى اليوم الحادي عشر فالذبح لا يجوز تأخيره إلى اليوم الحادي عشر وبذلك يثبت المطلوب.
 ولكن كيف نثبت المقدمة الأولى ؟ ذلك لأكثر من رواية قد تقدمت الإشارة إلى بعضها:-
 من قبيل:- موثقة عمار الساباطي:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل حلق قبل أن يذبح ، قال:- يذبح ويعيد الموسى [1] لأن الله تعالى يقول ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محلّه ) [2] والظاهر أن دلالتها واضحة فإنه قد فرض أن المكلف قد حلق قبل أن يذبح والإمام عليه السلام أمر بالإعادة - أي أنه يذبح أولاً ثم يعيد الموسى - وهذا معناه أنه يلزم أيقاع الذبح قبل الحلق .
 ومن قبيل:- رواية عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( إذا ذبحت أضحيتك فأحلق رأسك واغتسل وقلّم أظفارك وخذ من شاربك ) [3] فإنه عليه السلام قال ( إذا ذبحت اضحيتك ) فالفاء في ( فاحلق رأسك ) نستفيد منها هنا أن الحلق يأتي عقيب الذبح ، أو نستفيد ذلك من مفهوم الشرط - أي أنه إذا لم تذبح أضحيتك فلا تحلق رأسك - . إذن الاستفادة إما من الفاء إذا قلنا بأنها تفيد الترتيب أو من مفهوم الشرط .
 وهناك روايات أخرى في هذا المجال .
 وعلى أي حال ليس من المناسب ذكر الرواية الضعيفة - كما صنع السيد الخوئي(قده) - كرواية عمر بن يزيد فيلزم إذا أردنا أن نذكر مثالاً فالمناسب أن نذكر الرواية الصحيحة ، والأمر سهل فيكفينا حينئذ موثقة عمار .
 وتوجد أيضاً موثقة جميل المتقدمة:- ( جاء أناس إلى رسول الله فقال بعض اني حلقت قبل أن ... ) ، وعلى أي حال يكفينا هذا المقدار من الروايات.
 هذا كله بالنسبة إلى المقدمة الأولى فإذا سلمنا بالمقدمة الثانية وأن الحلق يلزم إيقاعه في نهار اليوم العاشر فقد ثبت المطلوب . هذا بالنسبة إلى الدليل المذكور وقد تمسك به غير واحدٍ من الفقهاء ومنهم السيد الخوئي(قده).
 ولكن يمكن أن يقال:- نحن نسلم المقدمة الأولى لأن الروايات واضحة في اعتبار وقوع الذبح قبل الحلق ولكن كيف نثبت أن الحلق يلزم إيقاعه في اليوم العاشر ؟ فإذا تمّت تمّ هذا الدليل ولكن قد نناقش في هذه المقدمة فلا يتم الدليل المذكور.
 إن ما يمكن أن يستدل به على لزوم ايقاع الحلق في اليوم العاشر أحد الأمور الثلاثة التالية:-
 الأول:- فكرة التأسّي وأنه صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام فعلوا هكذا.
 وجوابه واضح:- فإن الفعل أعم من اللزوم.
 الثاني:- ما تمسك به السيد الخوئي(قده) وهو أن سيرة المسلمين قد جرت على الحلق في اليوم العاشر ولو كان يجوز إيقاعه في اليوم الحادي عشر لفعله بعض المسلمين ولنقل ذلك الينا وحيث لم يفعله المسلمون ولم ينقل ذلك الينا كشف ذلك عن عدم جوازه في غير اليوم العاشر وتعين ايقاعه في اليوم العاشر.
 وهذا كما ترى ليس تمسكاً بالسيرة وحدها حتى يقال إن السيرة أعم من الوجوب ، وليس تمسكاً بفكرة التأسّي بل هو وجه جديد فيقال لو كان الإيقاع في غير اليوم العاشر جائزاً لأوقعه المسلمون وحيث لم يُنقل ذلك فيكشف عن عدم جواز إيقاعه في غير اليوم العاشر ، هكذا استدل أو قد يستدل على لزوم ايقاع الحلق في اليوم العاشر.
 وهو كما ترى:- فإن هذا لو تمّ فإنه يتم فيما لو فرض أن الإيقاع في اليوم الآخر هو ممّا يتجارى مع طبيعة الإنسان وتميل إليه الطبيعة أما إذا فرض أن الأمر بالعكس وأن طبيعة الإنسان كانت على أنه يريد أن يسرع بالإتيان بواجبات الحج حتى يحلّ فالتأخير ليس مطابقاً لذوقه وسجيّته بل المطابق لسجيّته هو الاسراع كي ما يحلّ ، وعليه فعدم إيقاعه في الأيام الأخرى لا يكشف عن عدم جواز إيقاعه فيها بعد الملاحظة التي أشرنا إليها.
 إذن نحن لا نرفض هذه الطريقة رفضاً تامّاً بل لا بأس بها في الموارد التي تكون فيها الطبيعة مقتضية للتأخير ولكن مع ذلك المسلمون لم يؤخر بعضهم ذلك أما إذا كانت الطبيعة لا تقتضي ذلك فلا يتم.
 هذا مضافاً إلى أن أصل الملازمة قد يتأمل فيها - وهي أنه لو كان جائزاً لفعله بعض المسلمين ولنقل - فإن النقل ليس بلازمٍ لأن هذه الظاهرة ليست بظاهرةٍ مهمةٍ . نعم لو فرض أن نصف أو ربع المسلمين كانوا يفعلون هكذا بحيث كانت شريحة كبيرة منهم تصنع ذلك لتمّ ما ذكر لأن هذه ظاهرة ملفتة للنظر - وأن شريحة كبيرة تقوم بالحلق في اليوم الحادي عشر مثلاً - فهذا مناسبٌ أن ينقل أما أن يفعله بعضٌ فهذا لا يدلّ على أنه يلزم نقله ، كما أن الفاعل ليس هو إمام المسلمين حتى تكون ظاهرة ملفتة للنظر ، وعليه فإن أصل الملازمة ليست بتامّة ومرفوضة بقطع النظر عمّا أشرنا إليه ، وعليه فهذا الدليل قابل للمناقشة أيضاً.
 الثالث:- صحيحة محمد بن حمران المتقدمة في الدليل السابق فيتمسك بها هنا - فسابقاً تمسكنا بها لإثبات لزوم الذبح في اليوم العاشر وهنا نتمسك بها للزوم إيقاع الحلق في اليوم العاشر - فيقال إن الإمام عليه السلام حينما حكم بالحلّ في اليوم العاشر ما عدى النساء والطيب فذلك يدلّ على وجوب إيقاع الحلق في اليوم العاشر وإلا فكيف حكم بالحلّ في اليوم العاشر.
 وقد تقدمت مناقشة ذلك:- حيث قلنا إن العلاقة المصحّحة هي إما الوجوب كما أراده المستدل أو هي العادة وحيث لا معيّن للأوّل فتبقى هذه الرواية حياديّة من هذه الناحية .
 ومن خلال هذا يتضح أنه لا مثبت للزوم إيقاع الحلق في اليوم العاشر حتى يثبت بذلك لزوم إيقاع الذبح في اليوم العاشر . نعم هذه الوجوه التي ذكرت إن صلحت فهي تصلح على مستوى الاحتياط فالأحوط إيقاع الحلق في اليوم العاشر ولازم هذا الاحتياط احتياط آخر وهو أن يكون الذبح في اليوم العاشر أيضاً باعتبار لزوم إيقاع الذبح قبل الحلق فتصير النتيجة هي أن الترتيب بين الأمور الثلاثة شيء لازم - يعني الرمي أوّلاً ثم الذبح ثم الحلق فهذا على مستوى اللزوم وليس على مستوى الاحتياط - حيث يستفاد ذلك من روايات متعدّدة أما هذه الثلاثة التي يعتبر فيها الترتيب هل يلزم إيقاعها في اليوم العاشر ؟ فهذا لا مثبت له . نعم الاحتياط يقتضي إيقاع البذح والحلق في اليوم العاشر لما أشرنا إليه.
 وقد يخطر إلى الذهن دليل آخر لأثبات وجوب الذبح في اليوم العاشر [4] :- وهو أن يقال إن اليوم العاشر عُبِّر عنه في الروايات بيوم النحر وهذا لازمه أن النحر فيه واجب وإلا فكيف عُبِّر عنه بذلك ولم يُعبَّر عن اليوم الحادي عشر أو الثاني عشر بذلك . إذن التعبير المذكور هو بنفسه شاهد على أن النحر يلزم إيقاعه في اليوم العاشر.
 وجوابه واضح:- فإن ذلك يحتمل أن يكون من باب أن عادة المسلمين قد جرت على ذلك فهو واجب تخييري بين اليوم العاشر أو الحادي عشر أو الثاني عشر ولكن العادة جرت على اللايتان به في اليوم العاشر من باب المسارعة إلى الخير والسرعة في إنهاء الإحرام فلعلّ هذا التعبير جاء من هذه الناحية ، وعليه فلا يمكن استفادة الوجوب من التعبير المذكور ، وبهذا ينتهي حديثنا عن المقام الأول.


[1] يعني يمرر الموسى على رأسه.
[2] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص158، ب39 من أبواب الذبح، ح8، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص211، ب1 من أبوب الحلق والتقصير، ح1، ط آل البيت.
[4] فيكون هذا دليلاً رابعاً لإثبات وجوب الذبح في اليوم العاشر.