34-07-24


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/07/24

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- الواجب الخامس من واجبات حج التمتع - وهو الثاني من أعمال منى في اليوم العاشر- ( الذبح أو النحر في منى ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 إن قلت:- إنه بناءً على هذا لو فرض أن الحجيج لم يمكنهم دخول منى لسببٍ وآخر إما لأجل أن الشخص ضاع فلم يتمكن من دخول منى أو لأنه حصل زحامٌ فمنعه من الوصول أو أن السلطات منعت أصحاب جنسيّة معيّنة أو غير ذلك يلزم أن تلتزموا بإجزاء الوقوف خارج منى ، وهل تلتزمون بذلك بناءً على حمل كلمة ( ضاقت ) على المرآتية ؟
 قلت:- إننا نلتزم بذلك بلحاظ وادي محسِّر فقط ولا نلتزم به بلحاظ جميع الجهات المحيطة بمنى ، كلّا فإن النصَّ دلَّ على أن منى إذا ضاقت بالناس ارتفعوا إلى وادي محسِّر وليس إلى أيّ جهة اتفقت . هذا مضافاً إلى أن العنوان المأخوذ في لسان الرواية هو ( إذا ضاقت منى بالناس ) يعني كان المانع مانعاً لكل الناس وليس بلحاظ أشخاصٍ معينين أو سببٍ معيّن وإلا فلا يصدق ( ضاقت بالناس ) بمعنى أنه لم يمكن للناس أن يؤدوا المناسك فيها وإنما ذلك لهذا الشخص باعتبار أنه حصل مانعٌ له بالخصوص لزحام السيارات مثلاً فالمانع ليس مانعاً لنوع الناس ولجمعهم وإنما هو مانعٌ خاص لأشخاصٍ فلا يكون مشمولاً للنص.
 إذن هذا الإشكال مدفوع بما أشرنا إليه . هذا كله بلحاظ الإشكال الأول الذي نريد أن نسجله على السيد الخوئي(قده).
 وثانياً:- إنه ذكر إن لدينا طائفتين والطائفة الأولى مطلقة فنتمسك بإطلاقها ، ونحن نقول:- إن الطائفة المذكورة إما لا دلالة فيها على الوجوب رأساً أو أنها ليست في مقام البيان حتى ينعقد لها اطلاق فإن النصوص ثلاثة:-
 1- الآية الكريمة:- ( والبدن جعلناها لكم من شعائر الله .. ) [1] .
 وهذه كما ترى إذ أقصى ما تدل عليه هو أنها من الشعائر - أعني البُدن - أما أنه يجب الذبح فلا دلالة فيها على ذلك . نعم تريد أن تستفيد ذلك من خارج الآية فهذه قضيّة أخرى وكلامنا بلحاظ الآية الكريمة فهي لا تدلّ على الوجوب.
 2- الآية الكريمة الأخرى [2] :- ( وإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي ) [3] .
 وهذه كما قلنا سابقاً هي لا تدل على الوجوب إذ هي تحتاج إلى تقديرٍ فإذا كان المقدّر هو جملة ( فعليه ما استيسر من الهدي ) تصير دالة على الوجوب ، وأما إذا قدّرنا شيئا آخر من قبيل ( فيرجح له ) أو ( فيستحب له ) فلا يستفاد منها الوجوب ، فاستفادة الوجوب منها شيء مشكل .
 3- نعم النص الثالث - أعني صحيحة زرارة - دال على الوجوب حيث جاء فيه ( في المتمتع:- وعليه الهدي ) [4] فهذه الرواية الشريفة يمكن أن يستفاد منها الوجوب لأنها قالت ( وعليه الهدي ) وظاهر كلمة ( عليه ) الوجوب.
 ولكن نقول:- هي ليست من ناحية البيان إلا من ناحية أنه يجب عليه الهدي خلافاً للمفرد مثلاً فإنه لا يجب عليه الهدي فهذا عليه الهدي وذاك ليس عليه الهدي فهي في مقام البيان من هذه الزاوية وبهذا المقدار أما أكثر من ذلك فليس بمعلومٍ فكيف نتمسك بإطلاقها في حالة تعذّر الذبح في منى.
 إن قلت:- نحن قرأنا في علم الأصول أن الأصل في المتكلم أن يكون في مقام البيان ولولا هذا الأصل يشكل انعقاد أي إطلاق من الإطلاقات ، وبناءّ عليه نطبّق هذا الاصل في مقامنا ونقول إن المتكلم في مقام البيان من جميع الجهات فإذا شككنا نقول هو في البيان من النواحي الأخرى أيضاً.
 قلت:-
 أولاً:- إن هذا الأصل وإن ذكر في علم الأصول ولكنّه محلّ إشكال في حدِّ نفسه فإن مدرك هذا الأصل هو السيرة والقدر المتيقن منها هو ما إذا فرض أنه كان في الكلام ما يلوح منه كون المتكلم في مقام البيان أما إذا لم يكن هناك ما ذكر بل ربما كان العكس كما هو الحال في موردنا فإنه نحتمل - بمعنى أن الرواية تحتمل - كونها واردة لبيان التفرقة بين حج التمتع وحج الإفراد فهي من هذه الزاوية ، فإذن كيف ندّعي أنه في مقام البيان بشكلٍ مطلق بحو أصلٍ فدعوى وجود أصلٍ بهذا الشكل هو أوّل الكلام بل لابد وأن تساعد قرائن الكلام بشكلٍ وآخر عليه ولذلك الآيات الواردة في أصل وجوب الصلاة أو الصوم لا نتمسك بإطلاقها والحال أنه بناءً على هذا الأصل فلنقل هي في مقام البيان كلا لا نتمسك بذلك بل نحتمل أنه يلوح من الآية أو يتردّد أمرها بين كونها في مقام التشريع فقط وبين كونها في هذا المقام وإضافة أمورٍ أخرى فلا يمكن أن نتمسك بإطلاقها لنفي بعض الأجزاء أو الشرائط وما شاكل ذلك فهذا الأصل بعرضه العريض وبشكلٍ وسيعٍ قبوله أوّل الكلام.
 وثانياً:- هذا نقبله لو فرض أنه دار الأمر بين كون المتكلم في مقام البيان وبين أن لا يكون في مقام البيان رأساً أما لو فرض أنه كان في مقام البيان من ناحيةٍ ولكن شككنا في كونه في مقام البيان من ناحيةٍ أخرى إضافية ثانية فدعوى انعقاد السيرة هنا على أنه في مقام البيان من النواحي الأخرى هو أوّل الكلام والمفروض أن مقامنا من هذا القبيل فالمتكلم هو في مقام البيان من ناحية أن الهدي واجبٌ في التمتع خلافاً لحج الإفراد أما هل هو في مقام البيان أزيد من هذا المعنى - أي أن الهدي واجب في حج التمتع في كل الحالات أو في بعضها - ؟ فهذه جهة أخرى وناحية أخرى لا يمكن إثباتها بالأصل العقلائي.
 والفارق بين هذه المناقشة وبين المناقشة السابقة:- هو أنه في المناقشة السابقة أنكرنا أصل بناء العقلاء على كون المتكلم في مقام البيان إذا لم تساعد القرائن على ذلك ، أما في المناقشة نقول لو سلمنا أنه يوجد بناء عقلائي على الحكم بكون المتكلم في مقام البيان ولكن أقصى ما ثبت أنه نقول هو في مقام البيان من الناحية الأولى أما من الناحية الثانية الاضافية التي نشك فيها فهذا لم يثبت إذ المدرك هو السيرة والقدر المتيقن منها هو الأول دون توسيع مقام البيان إلى الناحية الثانية ، وعلى هذا الأساس يشكل التمسك بالأصل المذكور.
 وبهذا اتضح أن هذه النصوص لا يمكن الرجوع إليها كما أراد(قده) فإنه قال إنه عند تعذر الذبح في منى نرجع إلى الطائفة الأولى فإنها مطلقة وتدلّ على وجوب الذبح بشكلٍ مطلق ، إنه قد اتضح أن الرجوع إليها مشكل لأنها ليس فيها دلالة على الوجوب أو فيها دلالةٌ ولكن لم يثبت أن لها إطلاق.
 وثالثاً:- وهذا في روحه ليس اشكالاً وإنما هو أشبه بالاقتراح وحاصله:- إنا لو نظرنا إلى الحج فلا يبعد أن يحصل للفقيه احتمالٌ وجيهٌ في أن الحج عبادة جماعيّة في وقتٍ واحدٍ وفي زمانٍ واحدٍ وهذا بخلاف الصلاة فإنها ليست جماعيّة بل يمكن أن يؤدي هذا المكلف صلاته في مكانٍ والمكلف الثاني يؤديها في مكانٍ آخر وهكذا من حيث الزمان فالأوّل يؤديها أوّل الزوال والثاني يؤديها بعد الزوال بساعة مثلاً فإذن حيثية الوحدة من الزمان والمكان والاجتماع ليست ملحوظة في باب الصلاة وهذا بخلافه بالنسبة إلى الحج . وعلى هذا الأساس نقول:- إذا تعذر الذبح في منى فتارة نقول إن أصل الذبح يسقط باعتبار أنه قد تعذّر قيده وبتعذّر القيد يسقط المقيّد فإنه إذا بنينا على هذا فلا يأتي هذا الكلام كلّه فإنا الآن قد فرضنا أن هذا الاحتمال باطلٌ ولو من جهة استبعاد سقوطه رأساً أو من الناحية التي أشار إليها(قده) - وهي أن دليل المقيّد يختص بحالة القدرة فلا موجب للسقوط راساً - إنه بعد أن استبعدنا هذا الاحتمال وقلنا بأن الذبح يبقى على وجوبه يبقى حينئذ الأمر دائراً بين أن نرخّص لكلّ مكلف في أن يذبح في بلده وبين أن يبقى المسلمون يذبحون جميعاً في مكانٍ واحدٍ - أعني في وادي محسَّر مثلاً في تلك الفترة أو في المعيصم مثلاً في هذه الفترة أو في مكانٍ ثالث في فترة أخرى والمهم وحدة المكان كانت محفوظة - إنه لو دار الأمر بين هذين فمن المناسب للفقيه أن يحتاط بلزوم الذبح في ذلك المكان الواحد تحفظاً على تلك الصورة الجمعيّة التي نحتمل أنها مأخوذة بعين الاعتبار في نظر الشارع . نعم لا يمكن الفتوى لأن هذا الذي ذكرناه في الحقيقة لم يقم على أساس علميّ وبرهاني ومثبتٍ من نصٍّ أو إجماعٍ أو ما شاكل ذلك وإنما هو مجرد احتمال وجيه فعلى هذا الأساس المصير إلى الاحتياط شيء وجيه مراعاة لهذه النكتة التي أشرنا إليها لا أن نُطلِق العنان كما يظهر منه(قده) أو كما صار إلى ذلك بعضٌ آخر غيره.
 واستدرك وأقول:- إنه من المناسب إذا تعذّر منى الاحتياط بالذبح في مكة المكرّمة من باب أنها بأجمعها منحر كما دلت على ذلك صحيحة معاوية المتقدمة:- ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- إن أهل مكّة أنكروا عليك أنك ذبحت هديك في منزلك بمكة ، فقال:- إن مكة كلّها منحر ) ، وهذه الصحيحة وإن لم تكن واردة في هدي التمتع وإنما هي واردة في الهدي المستحب للعمرة ولكن من لمناسب أن يحتاط الفقيه باعتبار مكّة لأنها منحر ولو في الجملة وفي دائرةٍ ضيقة.
 وبهذا أيضاً اتضح أنه لا معنى للانتقال إلى الصوم كما لعلّه يظهر من بعض كلمات الفقهاء ويقول إنه إذا تعذر الذبح في منى ننتقل إلى الصوم.
 وجوابه واضح:- فإن الآية الكريمة قالت:- ( فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم ) ، إنها عبّرت وقالت:- ( فمن لم يجد ) والمقصود هو من لم يتمكن من الهدي والمفروض أن المكلف في مقامنا متمكن من الهدي ولكنّه لا يتمكن من الذبح في منى فتوسعة الآية لمقامنا شيءٌ مشكل والفتوى بالانتقال إلى الصوم إذن شيءٌ مشكل.


[1] سورة الحج، الآية36.
[2] وهذه الآية لم يذكرها في هذا الموضع ظاهراً وإنما ذكرها في أصل مسألة وجوب الذبح فنحن نريد أن نتعاون معه.
[3] سورة البقرة، الآية196.
[4] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص101، ب10 من أبواب الذبح، ح5.