39/07/10


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

39/07/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 51 ) هل يكتفي بالاشارة من الأخرس في العقد مع القدرة على التوكيل أو لا ؟ - المكاسب المحرّمة.

إن قلت:- لنطبّق حديث الرفع على التقييد - يعني مثل ما قال مفتاح الكرامة - ونرفع التقييد ، فتصير النتيجة هي أنه يتحقق النقل والانتقال بالاشارة وإن كان الأخرس قادراً على التوكيل.

قلت:- إنَّ هذا أصل مثبت ، لأنَّ حديث الرفع إذا أراد أن يرفع فهو يرفع التقييد المشكوك ، ولكن ماذا تريد من وراء رفع التقييد - يعني التقييد بعجز الأخرس عن التوكيل - فهل كل هدفك هو نفي هذا التقييد فقط أو أنك تريد أن تقول إذن النقل والانتقال يترتّب من الأخرس بالاشارة حتى في حالة قدرته على التوكيل ؟ ومن الواضح أنَّ هذا ليس لازماً شرعياً لنفي التقييد وإنما هو ثابت بعلمنا الخارجي ، فإنه لا توجد آية أو رواية تدل على وإنما هي ملازمة من علمنا الخارجي ، فعلى هذا الأساس إذا أردنا أن نطبق حديث الرفع لرفع التقييد لا ينفع ذلك في اثبات ترتب الأثر مع القدرة على التوكيل إلا بالملازمة غير الشرعية وهذا عبارة أخرى عن الأصل المثبت ، وهذه نكتة ظريفة يجدر الالتفات إليها.

قضايا ترتبط بالمقام:- هناك بعض القضايا ترتبط بمقامنا:-

القضية الأولى:- ما أشرنا إله فيما تقدّم وهو أنه لا يمكن نفي التقييد بعجز الأخرس عن التوكيل في كفاية الاشارة منه بالأصل - يعني بحديث الرفع - لما أشرنا إليه.

القضية الثانية:- إنَّ الشيخ الأعظم(قده) نفى اعتبار العجز عن التوكيل في حق الأخرس بالروايات الدالة على طلاق الأخرس أنه يقع بالاشارة وحمله على حالة العجز عن التوكيل حملٌ على الفرد النادر.

ويمكن أن نقول:- هناك طريق أقرب وأسهل ، ومع وجود الطريق الأقرب والأسهل لا معنى للتمسّك بالأبعد ، والطريق الأقرب هو أن يقال نتمسّك بإطلاقات وعمومات حلية البيع والوفاء بالعقود وتجارة عن تراض ، والوجه في إمكان التمسّك بهذه العمومات هو أنَّ مثل عموم ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ يدل على أنَّ كل ما يتحقق به العقد وصدق العقد هو يجب الوفاء به ، فهو ممضي ولازم وخرج بالاجماع حالة تمكن الشخص من التلفّظ ، لأننا افترضنا من البداية أنَّ الشيخ الأعظم(قده) يتكلم بناء على أنَّ الاجماع قائم على اعتبار اللفظ فنقول هذا يقيّد هذه العمومات بما إذا فرض أنَّ الشخص كان قادراً على التلفظ ، فكل عقد لا يكفي في حقه بل لابد وأن يكون عقداً لفظياً أما إذا لم يكن قادراً على التلفظ فالعموم حينئذِ يبقى بلا مخصّص فنتمسّك به في حق الأخرس ، وإذا شككنا هل العجز عن التوكيل معتبر أو غير معتبر في صحة بيع الأخرس فننفيه بإطلاق أو عموم ﴿ أحل الله البيع ﴾ و﴿ أوفوا بالعقود ﴾ ، فإنَّ التقييد الذي طرأ على هذا العموم أو على هذا الاطلاق بما إذا فرض أنَّ الشخص كان قادراً على التلفّظ ، أما إذا لم يكن قادراً على التلفظ فالإطلاق والعموم يكون باقياً على حاله بعرضه العريض ، فحينئذٍ هذا الأخرس ليس بقادر على التلفّظ نتمسّك بالإطلاق أو العموم في حقه ، وإذا كان متمكنا من التوكيل أيضاً ننفي اعتبار التوكيل بإطلاق ﴿أوفوا بالعقود ﴾ ، إذ نقول إنَّ العقد يصدق هنا والتخصيص الذي طرأ هو أخرج الشخص القادر على التلفظ فقط أما غير القادر عليه فهو باقٍ تحت هذا الاطلاق أو العموم حتى لو كان قادراً على التوكيل فنتمسّك بالإطلاق أو العموم المذكور بلا حاجة إلى التمسك بروايات صحة طلاق الأخرس بالاشارة.

نعم ينبغي الالتفات نكتة أخرى:- وهي أنَّ الشيخ الأعظم(قده) بعد تمسّكه روايات الأخرس ذكر جملة قال فيها: نعم لو قلنا بأنَّ المعاطاة تفيد الملك[1] أمكن التمسّك بعموم ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ أو ﴿ أحل الله البيع ﴾ لنفي القيد المشكوك وهو العجز عن التوكيل ، قال(قده):- ( ثم لو قلنا بأنَّ الأصل في المعاطاة اللزوم بعد القول بإفادتها الملكية فالقدر المخرج صورة قدرة المتبايعين على مباشرة اللفظ )[2] .

ويرد عليه:- المناسب التمسّك بالإطلاقات من دون حاجة إلى التقييد بإفادة المعاطاة للملكية ، بل قل سواء قلنا بإفادتها الملكية أو قلنا بإفادتها الاباحة بالتالي يجوز التمسّك بالإطلاقات لنفي اعتبار العجز عن التوكيل ، مضافاً إلى ذلك أنه كان عليه أن يذكر القضية من البداية ويبينها لا أنه أوّلاً يذهب إلى روايات طلاق الأخرس ، فمن البداية قل نتمسّك بهذه العمومات والقدر الذي خرج بالاجماع هو حالة قدرة الشخص على التلفّظ ومع عدم قدرته نتمسّك بالإطلاق فيثبت حتى في حالة قدرة الشخص على التوكيل.

القضية الثالثة:- ذكر أنه نتمسّك بروايات طلاق الأخرس من باب الفحوى والأولوية ولكنه لم يبين وجه الفحوى والأولوية ، ونحن بيّنا ذلك وقلنا لعلّ النكتة هي أنَّ أمر الفروج مهم عند الشارع ، ولكن يرد عليه: أن اهتمام الشارع بالفروج لعله يقتضي العكس في المقام ، يعني يقتضي أن نقول بكفاية اشارة الأخرس حتى إذا لم يكن عاجزاً عن التوكيل ، من باب أنه إذا قصرنا على حالة العجز عن التوكيل فلعلّ الوكيل ليس موجوداً الآن فوقع سوء تفاهم بين الأخرس وزوجته وذهبت الزوجة إلى أهلها وجعلت لنفسها عدّةً ثم تزوجت بعد ذلك فحينئذٍ سوف تصير القضية أشد ، فنحتمل أنَّ الشرع في خصوص باب الطلاق أراد أن يتوسّع على الأخرس ، حتى لو حصل سوء تفاهم بينه وبين زوجته كفى طلاقه بالاشارة ، كأن يرفع العباءة ويضعها على رأسها كما ورد ذلك في الرواية حتى يقع الطلاق وتعتدّ ثم بعد ذلك لو تزوجت لا يلزم الزنا ، فالمناسب في باب الطلاق لأجل أن لا يقع الزنا وحفاظاً على الفروج من الزنا من المحتمل أنَّ الشارع يكتفي في خصوص باب الطلاق بالاشارة من الأخرس ، حتى لا تذهب المرأة من بيتها بلا طلاق انتظاراً للوكيل وحينئذٍ قد تقع في محاذير ، فأهمية الفروج تقتضي أن يتساهل الشارع ويكتفي بإشارة الأخرس ، ولا يلزم من ذلك أن يكتفي الشارع بإشارة الأخرس في باب البيع حتى مع قدرته على التوكيل ، فإن الأمر ليس كذلك ، لأنَّ أقصى ما يلزم هو أنه لا يبيع أو لا يشتري وهذا ليس بمحذور ، بخلافه في الطلاق فأنه إذا قلنا بلزوم التوكيل فسوف يلزم الوقوع في محاذير كبيرة ، فحفاظ الشرع على الفروج يوجب ذلك ، وهذا نبرزه على مستوى الاحتمال ، وبالتالي نقول إنَّ الفحوى والأولوية التي ذكرها الشيخ الأعظم(قده) ليس موجودة.

 


[1] ومقصوده من المعاطاة العقد غير اللفظي كالعقد الصادر من الأخرس.
[2] كتاب المكاسب، الأنصاري، ج3، ص118.