39/08/04


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

39/08/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 51 ) وقوع البيع بالمعاطاة - المكاسب المحرّمة.

أجاب السيد الخميني(قده)[1] وقال:- إنَّ الجعل الذي صدر سابقاً هو مطلق ، والقرينة على ذلك هو أنَّ هؤلاء الناس حينما أشكلوا واعترضوا ذكروا كلمة البيع مطلقة حيث قالوا في مقام اعتراضهم حسب نقل القرآن الكريم ﴿ إنما البيع مثل الربا ﴾ وهذا معناه أنَّ كلمة البيع حينما صدرت في ذلك الجعل الأوّل صدرت وهي مطلقة وليست مقيّدة بقيد ، ومعه يثبت مطلوبنا ، وحينئذٍ لا مشكلة.

وفيه:- إنَّ المعترض عادةً حينما ينقل في مقام الاعتراض الكلام يلاحظ الجهة التي تهمه وأما الجهة التي لا تهمه فليس عليه أن ينقلها إذ لا فائدة في نقلها ، والجهة المهمة في المقام هي أنَّ الربا يماثل البيع ، أما أي بيع الذي حلّله الله تعالى ؟ إذا فرض أنه البيع بالصيغة وبالماضوية وبالعربية فهذه ليس من المهم للمعترض أن ينقلها لأنها شيء لا ينقعه والمهم له هو أنه لماذا حُلّل البيع دون الربا وأنَّ البيع والربا يلزم أن يكونا واحداً ، أما هل مطلق البيع حلّله الله عزّ وجلّ أو حصّة خاصة منه - وهي ما كان مع الصيغة وبالعربية والماضوية - فتلك قضبة ليست محط نظره ولا تؤثر على هدفه فلا موجب لأن ينقلها.

فإذن لا يمكن أن نستكشف من عدم تقييد كلمة البيع - أي عدم تقييدها بالصيغة - أن يكون مع الصيغة لا بنحو المعاطاة ، فمن عدم التقييد من كلامهم لا يمكن أن نستكشف أنَّ كلمة البيع في ذلك الجعل الإلهي كانت مطلقة ، بل لعلّها مقيدة ولكن لم يذكروا القيد لأنه لا يمهم شيئاً فلذلك لم يذكروه ، وبالتالي يكون الاشكال تاماً لحدّ الآن.إذن إشكالان من هذه الاشكالات الثلاثة واردان على التمسّك بالآية الكريمة.

ولكن الذي يهوّن الخطب:- أنَّ الامام عليه السلام تمسّك بإطلاق الآية الكريمة ، وبعد تمسّكه بالإطلاق نسلّم بذلك لا يرد حينئذٍ أي اعتراض ، فإن الاعتراض يرد فيما لو خلّينا نحن والآية الكريمة ، أما لو فرض أنه جاء بيان شرعي على جواز التمسّك بإطلاقها فحينئذٍ نسير وراء التعبّد ، والرواية هي ما نقله الشيخ الصدوق بسنده عن عمر بن يزيد ، ونصّها:- ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك إنَّ الناس يزعمون أنَّ الربح على المضطر حرام وهو من الربا ؟ قال: وهل رأيت أحداً يشتري غنياً أو فقيراً إلا من ضرورة ، يا عمر قد أحلّ الله البيع وحرّم الربا فاربح ولا تربه [ ولا تربي ][2] ، قلت: وما الربا ؟ قال: دراهم بدرهم مثلين بمثل )[3] .

وتقريب الدلالة:- إنَّ قوله عليه السلام ( يا عمر قد أحلّ الله البيع وحرّم الربا ) ظاهره أنه يشير إلى الآية الكريمة التي تقول ﴿ وأحل الله البيع وحرّم الربا ﴾ ، فإذا ثبت هذا نقول: إنَّ الامام عليه السلام قد تمسّك بالإطلاق لأنه في المورد نحتاج إلى التمسّك بالإطلاق وهو أنه يجوز الربح سواءً على الغني وعلى الفقير ، ولا تقل يحرم أخذ الربح على الفقير فإنَّ الامام عليه السلام قد تمسّك بالإطلاق وقال قد أحل الله البيع يعني لم يقيد بأن يكون من دون زيادة على الفقير ، فالإمام عليه السلام تمسّك بالإطلاق وإن كان إطلاقه من ناحية أخرى غير الناحية التي نريدها ، ولكن بالتالي إن تم الاشكالان السابقان فهما كما يمنعان من التمسّك بالإطلاق لإثبات صحة المعاطاة إذ لعل الجعل الأوّل مثلاً مقيد بأن يكون مع الصيغة ، فكذلك نفس الشيء يأتي هنا أذ لعل الجعل الأوّل مقيد بما إذا كان من دون ربح أو مع الربح على الغني دون الفقير ، فإذا قلنا بأنَّ الاطلاق موجود فهو موجود من سائر الجهات ، وإذا منعناه من الجهة التي نحن فيها فنمنعه من سائر الجهات ، هذه مقدّمة مهمة وهي وجدانية.

إذن نحتاج إلى مقدمتين وجدانيتين ، الأولى إنَّ الامام عليه السلام حينما قال أحل الله البيع ظاهره الاشارة إلى الآية الكريمة ، والثانية إنَّ الاطلاق إذا لم يتم من الناحية التي نحن بصددها - وهي أنه لا يلزم الصيغة في صحة البيع ولا يصح التمسّك به من هذه الجهة أيضاً - لا يتم الاطلاق من الجهة التي تمسّك بها الامام عليه السلام - وهي أنه يجوز الربح حتى على الفقير إذ لعل ذلك الجعل الأوّل مقيد بما إذا لم يكن الربح على الفقير مثلاً - ، فإذن تمسّك الامام عليه السلام بالآية الكريمة في المقام يدل على ثبوت الاطلاق فيها وعدم المانع من التمسّك به.وكان من المناسب ذكر هذه الرواية هنا ، ومن المناسب أيضاً أن تذكر هذه الآية الكريمة حيما يصل إلى مبحث الاطلاق ، فإنه من قال يجوز التمسّك بالإطلاق ؟ إنَّ الدليل جواز التمسّك بالإطلاق هو السيرة غير المردوع عنها ، أما الدليل الثاني فهو هذه الرواية ، حيث علّمنا أهل البيت عليهم السلام التمسّك بالإطلاق فإنه في هذه الرواية الشريفة تمسّك الامام عليه السلام بالإطلاق.وهناك جهة ثالثة نستفيدها من هذه الرواية أيضاً:- وهي أنَّ الربح يجوز على العني وعلى الفقير ولا يختض بالغني ، وقليلاً كان الربح أو كثيراً ، لأنَّ الامام عليه السلام تمسّك بالإطلاق لإثبات أنَّ الربح يجوز على الغني وعلى الفقير ولم يقيّد بكون الربح قليلاً تمسّكاً بإطلاق الآية الكريمة ، وقد ذكرنا هذه الرواية فيما سبق عند ذكر آداب المعاملة التي منها الربح على الفقير وأنه هل يجوز أو لا.فإذن التمسّك بإطلاق هذه الآية الكريمة لا بأس به استناداً إلى هذه الرواية الشريفة.

وأما سند الرواية:- فلو رجعنا إلى سند الشيخ الصدوق(قده) إلى عمر بن يزيد في المشيخة نجده يقول:- ( ما كان فيه عن عمر بن يزيد فقد رويته عن أبي رضي الله عنه عن محمد بن يحيى العطّار عن يعقوب بن يزيد عن محمد بن أبي عمير وصفوان بن يحيى عن عمر بن يزيد ) [4] ، والسند تام أعلائي فالكل من أجلة أصحابنا بلا كلام ، كما أنَّ الشيخ الصدوق(قده) لم يقتصر على هذا السند بل يوجد عنده سندان أو أكثر ولكن اكتفينا بنقل هذا السند ، فإذن السند لا تأمل فيه ، فإذن الاشكال على إطلاق الآية الكريمة مندفع.

ولعل قائل يقول:- يوجد جواب آخر لدفع الاشكال غير صحيح عمر بن يزيد ، وهو أنَّ سيرة علماء الاسلام قد جرت منذ الزمن السالف إلى يومنا هذا على التمسّك بهذا الاطلاق ، وهذا نفسه يكفي في دفع الاشكال ، فإنه لا يحتمل اشتباه الجميع في ذلك حتى يشكك في هذا ، فإنَّ هذا بنفسه يورث الاطمئنان بأنَّه لا إشكال في التمسّك بالإطلاق.

والجواب:- نحن أيضاً نتمسّك بسيرة الفقهاء ونقبلها في بعض الموارد أما في هذا المورد فلا نقبلها ، وذلك لأنه في هذا المورد ليس من البعيد أنهم غفلوا عن هذه الاشكالات وبالخصوص الاشكال الثاني والثالث ، إذ لو كانوا قد التفتوا إليها فلا أقل أن يشيروا إليها ، فدأبهم أنه يشيرون حتى إلى الاشكالات الموهونة أما هذه الاشكالات فليست موهونة فلابد من الاشارة إليهما ثم دفعهما ، وهكذا الشيخ الأعظم(قده) لم يشر إلى هذا في مكاسبه ويقول إنَّ ﴿ أحل الله البيع ﴾ يوجد اشكال في اطلاقه ، ولا صاحب الجواهر(قده) ، والحال أنهما من المدققين ، فإذا كان هذا الاشكال موجوداً في أذهانهم فلابد أن يذكروه ثم يدفعونه ، فعدم ذكرهم لأصل الاشكال يسلب منّا الاطمئنان ، فلا يحصل اطمئنان من هذا التمسّك.

فإذن المهم في دفع الاشكال هو التمسّك بصحيحة عمر بن يزيد.

[2] هذا ما موجود في بعض النقل ولكن في الوسائل الموجود هو ( ولا تربه ).