1440/01/26


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/01/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 57 ) حكم المقبوض بالعقد الفاسد.

فرعٌ:- لو فرض أنَّ العقد أجري في البلد الأوّل وبعد ذلك اصطحبه المشتري معه إلى بلدٍ ثانٍ ثم اتضح فساد البيع فهل يلزمه ارجاعه إلى البلد الأوّل أو لا ؟

وكلامنا في هذا الفرع بقطع النظر عن مسألة أنه أذا أصوله إلى البلد الثاني هل تكفي التخلية أو يلزم الايصال فإنَّ هذا الخلاف يأتي هنا ، ولكن كلامنا في أصل وجوب نقله وارجاعه إلى البلد الأوّل ، باعتبار أنَّ العقد صار في البلد الأوّل فهل يلزم على المشتري ارجاع المبيع إلى البلد الأوّل أو لا ، مع فرض أنه كان جاهلاً ؟

والجواب:- المناسب عدم وجوب الارجاع ، فإنَّ ذلك يحتاج إلى دليل ، ونحن ندّعي عدم دليل على ذلك فنتمسّك بالبراءة ، وعلى هذا الأساس يكون نقله إلى البلد الأوّل ليس بلازم بل يكفي أن يخبر المشتري البائعَ بالتخلية ، لعدم الدليل على وجوب نقله إلى بلد العقد ، فنجري أصل البراءة.

إن قلت:- إنَّ الذمة قبلاً كان مشغولة جزماً بشيء إما الايصال أو التخلية ، فبالتالي هي مشغولة ونشك بفراغها بمجرّد التخلية في البلد الثاني ، فعلى هذا الأساس نستصحب بقاء الاشتغال ، وعليه سوف يجب نقله إلى البلد الأوّل.

وهذا الاشكال إن تم فهو يجري حتى في البلد الأوّل فيقال نحن في البلد الأوّل نشك هل التخلية كافية أو يلزم الايصال ، فإذا تحققت التخلية من دون إيصال نشك في براءة الذمّة فنجري الاستصحاب ، وسوف تصير النتيجة في صالح وجوب الايصال وعدم كفاية التخلية.ولا يشكل مشكل ويقول:- إنه حينما نستصحب بقاء الاشتغال فأقصى ما يثبت أنَّ الاشتغال باقٍ أما الايصال فهذا أصل مثبت ، لأنَّ الاستصحاب لا يجري في وجوب الايصال إنما يجري في بقاء الاشتغال ولازم بقاء الاشتغال هو وجوب والايصال وهذا لازم غير شرعي ، فجوابه:- نحن نريد أن نثبت بقاء الاشتغال وهذا كافٍ ، يعني بالتخلية لا تفرغ الذمة وهذا المقدار كافٍ ، نعم إذا أردنا أن نثبت عنوان الإيصال بخصوصه فصحيحٌ هذا أصل مثبت ، ولكن لو أردنا أن نثبت الاشتغال وإنَّ الذمة لم تفرغ وهي مشغولة بعدُ فيلزم اليقين بالفراغ فحينئذٍ العقل يحكم عليه بوجوب الايصال.

والجواب:- إنَّ هذا ينفع في موارد عدم انحلال الاشتغال المعلوم إلى اشتغال معلوم بنحو التفصيل وشك بدوي في الزائد ، يعني إذا كان مردداً بين متباينين ، أما إذا كان هناك فرد متيقن - وهو التخلية فإنَّ التخلية قدر متيقّن - فإنه يكون لازماً فتكو التخلية لازمة ، إنما الكلام في الزيادة وهي أنَّه تكفي التخلية وحدها من دون إيصال أو يلزم الإيصال أيضاً ، فعلى هذا الأساس نقول الاشتغال بمقدار التخلية نعلم باشتغال الذمّة به تفصيلاً والزائد عليه نشك في أصل الاشتغال به فكيف تجري الاستصحاب ؟!! إنَّ هذا ليس من موارد استصحاب الاشتغال ، لأنه يوجد قدر متيقن معلوم تفصيلاً وهو مقدار التخلية ، فهو لازم تفصيلاً ، فإذا تحققت التخلية أشك هل ذمتي مشغولة بشيءٍ أو لا ، وهذا شك في أصل الاشتغال من البداية ، فأنا من البداية أعلم بأنَّ ذمتي مشتغلة بمقدار التخلية أما بالمقدار الزائد فأشك في أصل الاشتغال فأجري أصل البراءة عنه .

وهذه نكتة ظريفة سيّالة في جميع موارد الاشتغال بهذا الشكل ، فإذا فرض أنه كان دوران بين متباينين يكون المورد من موارد الاستصحاب وهذا صحيح ، أما إذا كان من موارد الأقل والأكثر فالأقل يكون معلوماً بالتفصيل والزائد يشكل في أصل اشتغال الذمة به فنجري البراءة حينئذٍ.وهذا نظير ما إذا وجب علينا اكرام العالم لكن شككنا هل اكرامه واجب بأن ندعوه إلى البيت ولو لوحده أو يلزم أن يكون معه جماعة ، فإذا دعوته لوحده فهل نتمكن أن نقول هذا يكفي بمقتضى القاعدة ؟ نعم يكفي ذلك ، لأنَّ ما اشتغلت به الذمة هو دعوته جزماً فهي مطلوبة على كل التقادير أما الزائد فأشك في أصل اشتغال الذمة به لا في السقوط ، فالاشتغال بمقدار دعوته وحده قدر متيقّن والاشتغال بقدار دعوته بقيد أن يكون مع جماعة مشكوكٌ من البداية فنجري البراءة عن.

هذا ولكن قد يستدل بوجهين علة وجوب ارجاعه إلى البلد الأول تمسك بهما السيد الخوئي(قده)[1] :-

الوجه الأول:- أن يدّعى أن ذمة المشتري قد استغلت بإرجاعها إلى البلد الأول ، بمعنى أنه للبائع سلطنة على المبيع بكلّ خصوصياته الدخيلة في الرغبة والقيمة ومن تلك الخصوصيات كونه في البلد الأوّل ، فهذه سلطنة توجد للبائع في أنه له الحق في ارجاع المبيع بكامل خصوصياته ، فحينما يريد المشتري أن يرجع المبيع فلابد أن يرجعه بجميع خصوصياته الدخيلة في القيمة والثمن والرغبة وأحد خصوصياته هو أن يكون في البلد الأوّل فيلزم أن يرجع المشتري هذه الخصوصية للبائع.

نعم لو انتقل البائع إلى البلد الثاني لا المشتري ولكن البيع جرى في البلد الأوّل وأراد البائع الارجاع إلى البلد الثاني فهنا لا توجد له سلطنة بهذا المعنى ، لأنَّ هذه الصفة لم تكن الذمة مشغولة بها فيما سبق حتى يكون له حق المطالبة بها الآن ، لأنَّ البيع قد جرى البلد الأوّل ولكنك أنت البائع قد انتقلت إلى البلد الثاني وهذه خصوصية جديدة قد حصلت بسببك فليس لك حق المطالبة بالتسليم في البلد الثاني.

وفيه:- إنَّ هذه مجرّد دعوى تحتاج إلى اثبات ، فنحن نسلّم أنَّ البائع له سلطنة على العين ، أما أنها سلطنة عليها بكامل خصوصياتها والتي منها كونها في البلد الأوّل فهذه دعوى وهو عين المتنازع فيه ، فلا مثبت لهذه السلطنة ، فإذا شككنا هل هذه السلطنة ثابتة للبائع بهذه الدائرة الوسيعة فهذا شك في أصل الثبوت فنجري البراءة عن ذلك.

نعم نحن نسلّم أنه لو فرض أنَّ الغاصب غصب العين ونقلها إلى البد الثاني - وليس المشتري - فهنا نتمكن أن نقول إنَّ الغاصب مشغول الذّمة بإرجاعها ، فللبائع السلطنة على ذلك وله حق المطالبة بالعين في البلد الأوّل ، أما مفروضنا فهو أنَّ هذا مشترٍ ويتصوّر أنَّ هذه العين ملكه وقد أخذها بعقدٍ صحيح ولكن اتضح في البلد الثاني أنَّ العقد فاسد ففي مثل هذه الحالة نحتاج إلى مثبتٍ لسعة السلطنة بهذا الشكل الذي أفاده(قده) ، ومع الشك نجري أصل البراءة.

الدليل الثاني:- قال إن العين إذا نقلت إلى البلد الثاني من دون أن يرجعها المشتري إلى البلد الأول فسوف يتضرّر البائع فيما إذا فرض أنَّ النقل يحتاج إلى شيء كالذهاب إلى ذلك البلد وجلبها وغير ذلك من الكلفة الزائدة ، وهي نحوٌ من الضرر فيكون منفياً بحديث لا ضرر.

وفيه:- إنَّ الضرر كما يلزم على البائع يلزم على المشتري أيضاً ، لأنَّ المشتري كان يتصوّر أنَّ العقد صحيح فحينما يقال له يلزمك أن ترجعها إلى البد الأوّل فسوف يلزم الضرر عليه ، فحديث لا ضرر لا يمكن التمسّك به في المورد لأجل التعارض بين الضررين ولا مرجّح لأحدهما على الآخر ، وبالتالي تصل النوبة إلى البراءة ، حيث نشك أنه هل يلزم على المشتري أن يرجع العين إلى البد الأوّل أو لا وحيث لا دليل على ذلك فنجري أصل البراءة.

ونلفت النظر إلى أننا فيما سبق قلنا أنه قد يستدل على وجوب الايصال بيد البائع ولا تكفي التخلية بأربعة وجوه اثنان منها للشيخ الأعظم(قده) أولهما أنه لا يجوز التصرف في مال الغير إلا بطيب نفسه وثانيهما أنه لا يحل مال امرئ إلا امرئ إلا بطيبة نفسه ، والثالث والرابع هما التمسّك بقاعدة ( على اليد ما أخذت ) ببيانين أحدهما للشيخ النائيني(قده) والثاني للميرزا الايرواني(قده) ، فلو تمت تلك الأدلة فليس من البعيد أن تثبت وجوب الايصال حتى في موردنا ، فبالتالي الواجب على المشتري الإيصال إلى البائع وإن انتقلت العين إلى البلد الثاني ، ولكن نحن فرضنا عدم تماميتها ، ولكن نريد أن نرى هل توجد أدلة جديدة يمكن التمسّك بها أو لا ، وقد نقلنا دليلين عن السيد الخوئي(قده) واتضح عدم تماميتهما ، فعلى هذا الأساس يكون المرجع إلى البراءة ، وبهذا ننهي كلامنا عن الحكم الثاني.

[1] تراث السيد الخوئي ( التنقيح في شرح العروة الوثقى )، تسلسل36، ص254.