1440/03/02


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/03/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 57 ) حكم المقبوض بالعقد الفاسد.

الوجه السادس:- إنَّ المثل لا يصدق متى ما كانت المالي هابط بدرج معتد بها ، فلو فرضنا أنَّ الدينار هبطت قيمته فكان أوّلاً يشترى بمائتي دينار يشترى شيء معتد به والآن لا يشترى شيئاً يعتد به فدفع الماءتين الآن كبديل على المائتين السابقة لا يصدق عليه أنه دفع للمثل وللمماثل ويلزم دفع المثل وهذا ليس بمثل ، إنه نظير ما إذا فرض أنَّ شخصاً أخذ الجَمَد - الثلج - من شخصٍ في الصيف لكنه أراد أن يسملّه ذلك الثلج في الشتاء فهل يصدق هذا أنه دفعه لذاك ؟ كلا ، فهنا كما لا يصدق عنوان دفع المثل كذلك في مقامنا ، فإذا كانت المالية هابطة بدرجة كبيرة لا يصدق على دفع المائتي دينار مثلاً إذا كانت مغصوبة فيما سبق أنه دفعٌ للمثل.

إن قلت:- إنه على الأساس لو فرض أخذت منك قطعة فضّة أو مثاقل ذهب وبعد ذلك أرجعت هذه الفضة أو الذهب وقد أرجعت مثقالاً أيضاً - أي بمقدارٍ مساوٍ - ولكن في ذلك الزمان كان مثقال الذهب يمكن أن يشترى به شيء معتدّ به أما الآن فمثقال الذهب لا يمكن أن يشترى به ذلك الشيء المعتد به يلزم أن لا يكتفى بدفع المثقال ، لأنَّ عنوان المثل لا يصدق ، إذ سابقاً مثقال الذهب كان يشترى به شيء معتدّ به كنصف سيارة مثلاً أما الآن فلا يشترى به ذلك ، فهل تلتزم في مثل الذهب أنه لا يصدق على دفع المثقال أنه دفع المثل مادامت المالية والقوة الشرائية هابطة ؟ إنه لا يلتزم بذلك.

فإذاً هذا إن دلّ على شيءٍ فإنما يدل على أنَّ المالية لا يتأثر بها صدق عنوان المثل ، فلو كان صدق عنوان المثل يتأثر بالمالية لتأثر في مثال الذهب.

قلت:- إنَّ هذا قياس مع الفارق ، فإنَّ في مثل الذهب لا تلحظ القوة الشرائية والمالية ، فهو ليس معداً للشراء به فالقوة الشرائية ليست ملحوظ فيه وبهذا الاعتبار حينئذٍ يكفي دفع مثقال مقابل مثقال وإن كان المثقال الأوّل يشترى به نصف سيارة والآن لا يشترى به ذلك لأنَّ القوة الشرائية ليست ملحوظة في مثل الذهب فيصدق عنوان المثل رغم هبوط الوقة الشرائية ، وهذا بخلافة في النقود - الدنانير - فإنَّ القوة الشرائية ملحوظ فيها ومادامت ملحوظة فيها فلا يصدق عنوان المثل إذا فرض أنه سابقاً أخذت منه مائتي دينار غصباً وكان يشترى بها داراً صغيرة مثلاً والآن لا يشترى به مثل ذلك فعنوان المثل لا يصدق.

ولعل هذا الوجه هو أقوى الوجوه.

ويرده:- إنَّ الركيزة الأساسية التي يعتمد عليها هذا الوجه هي أنَّ عنوان المثل متقوّم بتساوي المالية والقوّة الشرائية ، ولكن نقول إنَّ الجزم بهذا شيءٌ مشكل.

وإن شئت قربنا هذا بصيغة فنيه وذلك بأن نقول:- إنه إما أن يكون التساوي في المالية والقوة الشرائية معتبراً في صدق عنوان المثل أو لا يكون معتبراً فالأمر لا يخلو من أحد احتمالين ، فإن كان غير معتبر فيلزم أن يكون عنوان المثل يكون صادقاً حتى مع هبوط القوة الشرائية - يعني مع هبوط المالية - ، وهذا خلف ما نريده[1] ، فإما أن نقول التساوي في المالية معتبر في صدق المثل أو ليس بمعتبر ، فإن لم يكن معتبراً فهذا يعني أنَّ دفع هذا الدينار مقابل ذلك الدينار يصدق عليه عنوان المثل وإن كانت القوة الشرائية والمالية هابطة وهذا خلف ما نريد ، وإن فرص أنَّ عنوان المثل متقوّم بتساوي المالية فيلزم ما لا يمكن الالتزام به ، وذلك بأن يقال: إنه لو فرض أنَّ القوة الشرائية ارتفعت ، يعني أنا غصبت منه مائة دينار وكان يشترى بها سيارة مثلاً والآن أردت أن أدفع له ماله لكن الخمسين دينار في هذه الفترة الزمنية أصبحت تعادل شراء سيارة فيلزم أن تلتزم بأنَّ عنوان المثل يصدق على دفع الخمسين ولا يلزم دفع المائة ، وهل تلتزم بذلك ؟!! إنك لا تلتزم به ، وهذا دليل على أنَّ صدق عنوان المثل لا يتوقف على صدق التساوي في المالية والقوة الشرائية.

ولعل ما ذكره الشيخ الأعظم(قده) في المكاسب يتناغم مع ما ذكرناه فإنه نقل عن الشيخ والقاضي ما حاصله:- إنَّ شخصاً لو غصب من آخرٍ ماله - كقطعة قماش فإن قطعة القماش لها مثل - فهل يلزم أن يسلّم ذلك المثل في بلدٍ آخر - أي غير بلد الغصب - ، فلو قال المغصوب منه للغاصب عليك أن تسلّم لي مثل قطعة القماش فهل هو ملزم بالدفع هنا أو أنه ملزم بالدفع في بلد الغصب فقط ؟ نقل الشيخ الأعظم(قده) عن هذين العلمين أنه لا يلزم ذلك ، ثم أخذ في توجيه هذا الرأي حيث قال:- ولعلّ النكتة في ذلك أنَّ الآية الكريمة تقول ﴿ فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ﴾ فالاعتداء لابد أن يكون بالمثل ، فـ ( المماثل ) هذا شيء ، وهناك شيء ثانٍ وهو أن نقول إنَّ المثل يختلف باختلاف البلدان ، إذ باختلاف البلدان قد تختلف المالية ، ومع اختلاف المالية لا يصدق عنوان المثل.

ثم ناقشه الشيخ الأعظم(قده) وقال:- إنَّ المثلية تتوقف على ملاحظة الجنس والصفات وأما المالية فلا ، ونصّ عبارته:- ( وَحلُّه: أنَّ المماثلة في الجنس والصفات هي المناط في التماثل العرفي من دون ملاحظة المالية )[2] ، فإذاً يظهر من الشيخ الأعظم(قده) في هذه العبارة أنَّ المثلية لا تتوقف على التساوي في القوة الشرائية وفي المالية.

وإذا قلت:- إنَّ هذا ذكره في الأمتعة مثل قطعة القماش ونحن كلامنا في النقود.

قلت:- لا فرق من هذه الناحية بين الموردين فإذا قبلنا في مثال القماش أنَّ التساوي في المالية ليس دخيلاً في صدق عنوان المثل نفسه يأتي في باب النقود.

الوجه السابع:- وهو صحيح يونس:- ( كتبت إلى الرضا عليه السلام:- إنَّ لي على رجل ثلاثة آلاف درهم وكانت تلك الدراهم بأعيانها تنفق بين الناس تلك الأيام وليست تنفق اليوم فلي عليه تلك الدراهم بأعيانها أو ما ينفق اليوم بين الناس ؟ قال فكتب إليَّ:- لك أن تأخذ منه ما ينفق بين الناس كما أعطيته ما ينفق بين الناس )[3] ، وقد رواها الشيخ الكليني والشيخ الطوسي بهذا الشكل.

وربما يقال:- إنَّ دلالتها على ما نريد واضحة ، باعتبار أنه قد افترض أنَّ العملة رائجة والآن ليست كذلك والامام عليه السلام لا حظ هذه الجنبة ، فما دامت رائجة سابقاً فالمدفوع الآن لابد أن يكون من الرائج أيضاً.ويرّده:-

أوّلاً:- إنَّ هذه الرواية نقلها الشيخ الطوسي(قده) كما نقل تلك الرواية أيضاً ، وهو أيضاً نقلها عن محمد بن عيسى عن يونس ، وهي عن الرضا عليه السلام أيضاً ، ونصّها:- ( كتبت إلى أبي الحسن الرضا إنه كان لي على رجل دراهم وإن السلطان أسقط تلك الدراهم وجاءت دراهم أعلى من الدراهم الأولى ولها اليوم وضيعة فأيّ شيء لي عليه الأولى التي أسقطها السلطان أو الدراهم التي أجازها السلطان ؟ فكتب:- الدراهم الأولى[4] )[5] .

فهذه الرواية قد اختلف نقلها ، وحيث إنَّ النقل الذي ينفعنا هو الأوّل والمفروض أنَّ هناك نقلاً آخر لها على عكس النقل الأوّل فلا يمكن الاعتماد على النقل المذكور.

ثانياً:- يمكن أن يقال: هي أجنبية عن المقام ، فهي ناظرة إلى حالة ما إذا سقطت العملة ، ونحن كلامنا فيما إذا لم تسقط العملة وإنما العملة هي نفس العملة لكن ماليتها نقصت.


[1] وهذا ذكرناه من باب التشقيقات، وإلا فليس من المناسب ذكره، وإنما مقصوده أنه يريد أن يقول يعتبر التساوي في المالية في صدق المثل ولكن التشقيق في مقام المناقشة لا بأس به.
[4] أي الدراهم الساقطة غير الرائجة.