1440/04/22


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/04/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- شرطية الاختيار- شروط المتعاقدين - مسألة ( 58 ).

الاشكال الثالث:- وهو للحاج ميرزا علي الايرواني(قده) ، وحاصله: إنَّ المناسب صحة بيع المكرَه ، خلافاً للإشكالين السابقين اللذين ذكرهما العلمين ، فإنهما كانا ينتهيان إلى أنَّ بيع المكرَه باطل ولكن قل لمانعية الاكراه ولا تقل لشرطية الرضا وطيب النفس ، هذا محصّل الاشكالين الأوّلين ، وبالتالي يكون بيع المكرَه باطلاً ، أما النتيجة التي ينتهي إليها الحاج ميرزا علي الايرواني(قده) فهي أنَّ البيع صحيح ، ويعتمد بيانه على مقدمة: وهي أنه ما هي النسبة بين طيب النفس والرضا فهل هما واحد أو اثنان ؟ كان الشيخ الأصفهاني(قده) يصرّ على أنَّ الرضا وطيب النفس والارادة واحد ، أما الميرزا علي الايرواني(قده) فيقول إنَّ الرضا يفترق عن طيب النفس ، فإنَّ الرضا أعم وطيب النفس أخص مطلقاً[1] ، فإنَّ الرضا على نحوين ، فتارةً يكون مجتمعاً مع ابتهاج النفس ، وتارةً يكون مجتمعاً مع انقباض النفس وانكماشها ، وحينئذٍ سوف يصير كلّ طيب نفس هو رضاً ، ولكن الرضا لا يلزم أن يكون مع طيب النفس ، وإنما قد يكون مع انكماش النفس فهذا لا يكون طيب نفس.

ولأجل أن يتضح لنا ما يقوله أكثر فنقول:- نحن في بعض الأحيان نقول ( رضيت على مضض ) ومرة نرضى من دون مضض ، وهذه التعبيرات نحن نعبّر بها أيضاً ، فهو مع ابتهاج النفس يعني لا على مضض ، أما الرضا مع المضض فهو من مع انكماش النفس ، فإذاً هو فرّق هكذا ، وهذه مقدمة ذكرها في بيانه.

وإذا اتضح أنَّ الرضا قد يكون مع طيب النفس وقد يكون من دون طيب النفس نأتي إلى قوله تعالى ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ﴾ فإذا نظرنا ذيل ذيلها - وهو ﴿ إلا أن تكون تجارة عن تراض ﴾ - فمعاملة المكره حيث إنها عن تراضٍ فالمكرَه راضٍ ولكن على مضضٍ والآية الكريمة لم تقل ( تجارة عن تراض مع ابتهاج النفس ) وإنما مطلق الرضا ، فالمكره حيث يوجد عنده رضاً فيدخل في فقرة ﴿ إلا أن تكون تجارة عن تراض ﴾ ، وبالتالي يصير عقده صحيحاً ، ولكن لو نظرنا إلى صدر الآية الكريمة فهو يقول ﴿ لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ﴾ ، فحينما قالت الآية ( بالباطل ) فإذا لم يكن طيب نفس موجوداً في المعاملة فيصدق أنها بالباطل ، وعليه فمن زاويةٍ تدخل معاملة المكرَه في ﴿ تجارة عن تراض ﴾ وتكون صحيحة ، ومن زاوية أخرى إذا نظرنا إلى ( بالباطل ) فطيب نفس ليس بموجود فيصدق ( بالباطل ) ، وحينئذٍ يقع التعارض ويحصل الاجمال ، ولا نتمكن أن نتمسّك بالآية الكريمة بلحاظ عقد المكرَه ، فلا يمكن أن نقول هو صحيح ولا يمكن أن نقول هو باطل بمقتضى هذه الآية الكريمة ، لأنَّ ﴿ لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ﴾ يحكم بأنه يحث لا يوجد طيب نفس فهذا باطل ، أما ذيل الآية الكريمة فيقول ﴿ إلا أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم ﴾ يقتضي الصحة ، فيحصل بينهما تصادم في معاملة المكرَة ، فلا يمكن التمسّك بالآية الكريمة ، فنرجع إلى العمومات من قبيل ﴿ وأحلّ الله البيع ﴾ و ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ ونحكم بصحة معاملة المكره ، قال(قده):- ( طيب النفس ....... عبارة عن رضاً مجامع للابتهاج مقابل رضاً كان مجامعاً لكرهٍ من النفس وانقباض )[2] ، ثم قال:- ( إنَّ اندراج المقام[3] في عقد المستثنى[4] لا ينافي اندراجه في عقد المستثنى منه أيضاً[5] فيكون عقد المكره من الأسباب الباطلة العرفية[6] وأيضاً تجارة عن تراض[7] نعم لازم ذلك حصول التعارض بين فقرتي الآية وحصول الاجمال والمرجع عموم أوفوا وأحلَّ ومقتضاهما أيضاً صحة عقد المكرَه ) ، ولعله من الواضح استفادة ما بيّناه من عبارته.

ويرد عليه:-

أولاً:- إنه في المقدمة التي استند إليها لعلّه الأمر كذلك لغةً وعرفاً ، ولكن حينما يشترط الرضا في صحة المعاملة فهذا الاشتراط ليس اشتراطاً تعبّدياً ، وإنما هو اشتراط ارتكازي عقلائي عرفي ، وبالتالي يكون المقصود منه بمقتضى الارتكاز العقلائي عبارة أخرى عن طيب النفس ، ولذلك كلّنا حينما نسمع ﴿ لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم ﴾ نفهم من كلمة ( تراضٍ ) طيب النفس ، وهذا هو ارتكازنا العقلائي ، يعني أنَّ الرضا من دون طيب النفس ليس شيئاً عقلائياً ولا يكتفى بذلك في صحة المعاملة.

فإذاً ينبغي أن يكون من الواضح أنَّ التراضي الذي هو شرط بمقتضى الآية الكريمة لا يراد منه الجنس الكلّي حتى تكون النسبة هي العموم والخصوص المطلق ، وإنما المقصود منه الحصة الخاصة التي هي عبارة عن طيب النفس ، وهذا شيء وجيه ولا أقل ينبغي أن ينبّه عليه ، بل كيف للحكيم أن يوجد تنافٍ بين كلمة وكلمة أخرى في كلامه الواحد ؟!! ، فبالتالي ماذا يريد الشارع في الآية الكريمة ؟ فهل يريد أن يشترط طيب النفس أو يشترط الرضا ؟ إنه من البعيد للمتكلّم الذي يتكلم على وفق الأساليب الصحيحة أن يكون كلامه متنافياً ، فإذاً المقصود من ( تراضٍ ) بقرينة صدر الآية الكريمة هو عبارة أخرى عن طيب النفس ، ولا أقل قل إنَّ المورد من المطلق والمقيد ، فطبق فكرة المطلق والمقيَّد ، فماذا لا تطبقها ؟! ، يعني ﴿ تجارةٍ عن تراض ﴾ مطلق من حيث طيب النفس وعدمه ، ومن حيث ﴿ لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ﴾ يدل على اعتبار طيب النفس ، فهذا مقيَّد ذواك مطلق وحينئذٍ المقيد يقيد المطلق ، لا أنه يحصل تنافٍ ومعارضة ونطرح الآية الكريمة ، بل هو مطلق ومقيَّد كسائر الموارد.

ثانياً:- إنه ذكر أنَّ الآية الكرية يحصل فيها إجمال بالنسبة إلى عقد المكره ، فلا يمكن التمسّك بها بلحاظ عقد المكرَه فنرجع إلى عموم ﴿ أحلّ الله البيع ﴾ و ﴿ تجارة عن تراض ﴾ ، ونحن نقول:- لو كانت العمومات موجودة وحدها مع الآية الكريمة وصار إجمال في الآية الكريمة فسوف نرجع إلى العمومات ، ولكن هذا تام لو كان الأمر منحصراً بالآية الكريمة وبالعمومات ، ولكن توجد أدلة أخرى تدل على اعتبار طيب النفس وأن الاكراه مبطل ، وتلك الأدلة ليس فيها إجمال ، وهي من قبيل ( لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة نفس منه ) فهذا مقيِّد للعمومات ، فعلى هذا الأساس تكون النتيجة هي أنه لا يمكن التمسّك بالعموم لأنه مقيَّد ، وهكذا يوجد ( رفع عن أمتي ما استكرهوا عليه ) وهو يكون مقيداً للعموم ، فالعموم لا يمكن الرجوع إليه في عقد المكرَه.

فإذاً التمسّك بالعمومات غير ممكن.ولعل مقصوده أنه يريد أن يحكم بصحة عقد المكرِه لو خلّينا والعمومات فقط وغضضنا النظر عن أمورٍ أخرى ، وإلا فمن البعيد أن يغمض عينه عن تلك الأمور ويحكم بصحة بيع المكره.فإذاً ما أفاده قابل للمناقشة كما ترى.

والنتيجة النهائية:- إنَّ ما أفاده الشيخ الأعظم(قده) من أنه توجد طائفتان يمكن التمّسك بهما لإثبات بطلان العقد في صورة عدم الرضا وعدم طيب النفس شيء وجيه.


[1] يعني كلّ طيب نفس هو رضا وليس كل رضا هو طيب نفس.
[3] وهو عقد المكره.
[4] الذي هو مستثنى ﴿ إلا ان تكون تجارة عن تراض ﴾ فالكره يوجد رضا غايته أنه على مضض.
[5] يعني ﴿ لا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل ﴾.
[6] يريد أن يشير بهذه العبارة إلى قوله تعالى ﴿ لا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل ﴾.
[7] يريد ان يقول هي تدخل أيضاً في ﴿ تجارة عن تراض ﴾.