1440/05/06


تحمیل

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/05/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الإعتكاف، شروطه

قال السيد الماتن (قده): (والتعيين إذا تعدد ولو إجمالاً)

يرى السيد الماتن (قده) إعتبار التعيين فيما اذا تعددت الوجوه التي يمكن ان يقع عليها الاعتكاف، كالإعتكاف المندوب والاعتكاف الواجب بالنذر او بالإجارة، ولا يشترط ان يكون بالتفصيل بل يكفي التعيين الإجمالي كما اذا نوى -في صورة ما اذا نذر ان يعتكف ثم استؤجر عليه- ان يعتكف لما اشتغلت به ذمته أولاً.

 

مسألة التعيين مسألة مطروحة في كلمات الفقهاء وادعي الإجماع عليها في كل مرددٍ يتمكن المكلف شرعاً من ايقاعه على وجوه عديدة اذا كان عبادة، كالإعتكاف المندوب والمستأجر عليه والمنذور، فان الإعتكاف في الجميع حقيقة واحدة تشترك في الصورة الظاهرية، لكن الاختلاف يكون في ان احدها مندوب وفي الآخر منذور وهكذا، فعندما يمكن ايقاع هذا الشيء على وجوه عديدة يشترط في ذلك التعيين، لان كل واحد من هذه الأمور لا يتحقق الا بالقصد والتعيين، ومن دون ذلك لا تتحقق، لان الفعل يمكن ان يقع على كل واحد من هذه الوجوه.

و أما اذا لم تكن هناك وجوه عديدة يمكن ان يقع عليها الفعل بل له وجه واحد، فإن الظاهر انه لا يعتبر قصد العنوان والتعيين؛ كما لو فرضنا ان الوقت ليس له صلاحية لايقاع هذا الفعل الا على وجه واحد كالصوم في شهر رمضان، فان هذا الوقت الخاص لا يصلح لأن يقع فيه الا صوم شهر رمضان، اذ لا يقع فيه الصوم المنذور ولا المستأجر عليه ولا المندوب، فانه لا حاجة الى التعيين حينئذ. او فرضنا ان ذمته لم تشتغل الا بصوم واحد كما اذا اشتغلت ذمته بالقضاء -مع افتراض ان الصوم التطوعي لا يجوز لمن عليه القضاء- فانه اذا صام لابد ان يقع عن القضاء و إن لم يعين.

ولعل صلاة الظهر و العصر من هذا الباب، بمعنى ان المائز بينهما هو ان الصلاة الرباعية بعد الزوال تكون ظهراً والصلاة التي تكون بعدها تكون عصراً، فأول اربع ركعات يأتي بها بعد الزوال تكون للظهر وتتعين له ولا يمكن ان تقع عن شيء اخر، بل حتى لو قصد العصر اشتباهاً تقع عن الظهر، فتكون من قبيل صوم شهر رمضان في شهر رمضان، واذا اتى بأربع ركعات صلاة فريضة بعد ذلك تكون هي العصر ولو لم يقصدها، بل ولو قصد الظهر اشتباهاً.

فالحاجة الى التعيين انما تكون اذا كان الفعل يمكن ان يقع على وجوه عديدة، فان وقوعه عن احدها لا يكون الا بالقصد والتعيين، وإلا يكون اشبه بالترجيح بلا مرجح.

ومن هنا ذكروا ان القاعدة في هذا المقام (أي: عندما تكون هناك افعال عديدة وتشترك هذه الأفعال في حقيقة واحدة كصلاتين وصومين واعتكافين) تقتضي أن يكون التقسيم هكذا:-

فانه تارة يفترض انه لا يوجد أي مائز بين هذين الفردين حتى في الواقع، وانما المائز بينهما هو ان هذا اول وهذا ثاني، ففي هذه الحالة لا يجب التعيين، كما اذا فرضنا ان شخصاً فاته صوم يومين من ايام شهر رمضان فوجب عليه صوم يومين، فانه لا مائز بينهما سوى ان هذا اول وهذا ثاني، ولا يجب قصده قطعاً بأن يقصد قضاء ما فاته اولاً ثم ما فاته ثانياً، فاذا صام يوماً بلا تعيين برأت ذمته من احدهما ويبقى عليه الآخر، فاذا جاء به تبرأ ذمته منهما. والظاهر ان السيد الماتن (قده) عندما حكم بوجوب التعيين لم يكن ناظراً الى هذه الصورة، لوضوح انه لا يجب التعيين في هذه الصورة، بل هي قضية اتفاقية، وانما هو ناظر في حكمه بوجوب التعيين الى الصورة الثانية.

وأخرى يفترض أن هناك مائزاً بين الأفراد أو الفردين، وهذه المميزات تنقسم إلى قسمين: مميزات داخلية، ومميزات خارجية.

أما المميزات الداخلية فكالفريضة والنافلة، ومثاله فريضة الفجر ونافلة الفجر، والمكلف أتى بصلاة واحدة بنية القربي من ركعتين من دون تحديد أنها نافلة أو فريضة، فالصورة الخارجية واحدة ولكن يتميزان بميزة داخلية وهي كون إحداهما فريضة والأخرى نافلة.

أما المميزات الخارجية فمثل لها السيد الخوئي (قده) بما إذا فات عن المكلف يومان من صيام شهر رمضان، واحد منهما للسنة السابقة والآخر للسنة الفعلية، فيوجد مائز خارجي بين هذين اليومين وهو أن صيام السنة الفعلية فيه خصوصية وهي ترتب الكفارة إذا أخره إلى السنة الآتية، بخلاف صوم السنة السابقة فليست فيه هذه الخصوصية، وكذلك مثل له بالأداء والقضاء في الفريضة، بأن صلى أربع ركعات من دون تعيين أنها أدائية كانت أو قضائية، نعم في قضاء نفس اليوم لا يتصور ذلك، لأنه إن جاء به في وقته كانت أدائية وإن جاء به خارج وقته كانت قضائية.

فمع وجود المائز -داخلياً كان أم خارجياً- فالواجب عليه هو التعيين لوجود المائز، والأثر يترتب على هذا المائز، أما إذا لم يعين (بأن صلى ركعتين بنية القربي من دون تمييز بين كونهما نافلة أو فريضة، أو صام قضاءاً لشهر رمضان من دون تمييز بين قضاء هذه السنة أو السنة الماضية، أو صلى أربع ركعات بنية صلاة الظهر من دون تعيين أنه أداء أو قضاء) فقيل في جميع هذه الأمثلة أن ما أتى به لا يقع مصداقاً لكل منهما، لتقوم كل منهما بعنوانه فلا يقع إلا إذا قصد عنوانه.

 

وهذه الأمثلة يمكن التأمل بها، لأن القضاء في مثال القضاء والأداء هو الذي فيه مؤنة زائدة ويحتاج إلى تعيين، فإذا لم يعين وقع ما أتى به إمتثالاً عن الأداء، وكذلك الحال في مثال الفريضة والنافلة بناءاً على الروايات التي تنهى عن إيقاع نافلة الفجر بعد دخول وقت فريضة الفجر، فحينئذ ما وقع منه بعد الفجر يكون فريضة، لأن الوقت يكون معيناً للفريضة وليس وقتاً للنافلة، أما في مثال الصوم فيقول السيد الخوئي (قده) أن الصوم يقع قضاءاً عن صوم السنة الماضية ولا يقع عن السنة الفعلية، وذلك لأن وقوعه عن هذه السنة يحتاج إلى مؤنة وهي قصد هذه السنة بالخصوص، فإذا لم يقصد ذلك وقع عن السنة الماضية.

 

أما تطبيق ذلك على موردنا وهو ما إذا كان الإعتكاف يمكن أن يقع على وجوه عديدة، فنقول أنه تارة لا يوجد مائز بين الإعتكافين واقعاً سوى السبق والتأخر والإثنينية فحينئذ لا يجب التعيين، كما لو نذر الإعتكاف مرتين فإذا أتى بإعتكاف واحد تبرأ ذمته من أحدهما وإن لم يعين أن ما أتى به كان للنذر الأول أو الثاني، و هذه الصورة خارجة عن محل الكلام وعن مراد السيد الماتن (قده)، وأخرى يوجد ذلك، كما لو كان أجيراً في إعتكافين نيابة عن شخصين، فهنا يوجد مائز بينهما وهو قصد النيابة عن المنوب عنه، لأن النيابة من الأمور القصدية التي يجب فيها القصد، فيجب عليه التعيين ويقصد كل من الإعتكافين، أما إذا لم يعين فيقع الإعتكاف عن نفسه ولا يقع عن المنوب عنه الأول ولا الثاني لعدم قصد النيابة.

أما إذا وجب عليه إعتكافان بالنذر وبالإجارة، فهنا قال السيد الخوئي (قده) أن الإعتكاف الذي وجب بالإجارة يحتاج إلى القصد، لما تقدم من أن النيابة من الأمور القصدية، وهذا بخلاف الإعتكاف الواجب بالنذر، فإنه لا يحتاج إلى القصد، لان وجوب الوفاء بالنذر توصلي وليس عبادياً، بمعنى أن مجرد الإتيان بمتعلق النذر يكون وفاءاً به وإن لم يقصده.