1440/05/19


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/05/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 60 ) – شرطية الاختيار – شروط المتعاقدين.

ثالثاً:- إنه ذكر أنَّ أدلة القرعة لا تعم مورد عدم التعيّن واقعاً ، ونحن من باب المناسبة نراجع المدارك المحتملة للقرعة - يعني بشكلٍ يناسب المقام - ونلاحظ هل فيها شمول وعمومية لمورد عدم التعيّن واقعاً أو لا ؟

وقد يستدل على حجية القرعة في موارد عدم التعيّن واقعاً بالوجوه التالية:-

الوجه الأول:- إنه توجد عندنا آيتان في القرآن الكريم وردتا في مورد عدم التعيين واقعاً:-

الأولى:- ما ورد في قضية مريم عليها السلام ، قال تعالى:- ﴿ وما كنت لديهم إذ يلقون اقلامهم أيهم يطفل مريم وما كنت لديبهم إذ يختصمون ﴾[1] ، فهذه الآية الكريمة ناظرة إلى مسألة القرعة ولكن كانت قرعتهم أن يلقون أقلامهم في الماء فأيّ شخص منهم يقف قلمه ولم يغرق فهو الفائز ، وهذا نحوٌ من القرعة ، والقرآن الكريم سكت عن التعليق عليها وذلك دليل الامضاء ، خصوصاً وأنَّ هذا الفعل قد صدر من الأحبار والرهبان – أي هؤلاء الطبقة العالية على ما ينقل التاريخ – ، فعلى هذا الأساس القرآن الكريم قد أمضى ذلك ، وإذا أمضاه فحينئذٍ نضم إليه استصحاب حكم الشرائع السابقة ، أو أنَّ نفس بيان القرآن الكريم له يدل على ارتضائه في شريعتنا من دون حاجة إلى التمسّك بالاستصحاب ، وهذه قضية ليست مهم ، فإما التمسّك باستصحاب حكم الشريعة السابقة إلى شريعتنا ، أو نقول إنَّ نفس تبيان الله عزّ وجل لهذه القضية من دون تعليق يدل على ارتضائها في زماننا أيضاً ، والمفروض أنه مورد الآية الكريمة لا يوجد تعيُّن واقعي ، فعليه يكون مورد القرعة حالة عدم التعيّن الواقعي ، فإذاً هي تدل على المطلوب.

الثانية:- ما ورد في قضية يونس عليه السلام ، قال تعالى:- ﴿ فساهم فكان من المدحضين ﴾[2] ، والكلام فيها هو الكلام.

والجواب:- إنه في هذين الموردين قد فرض وجود اتفاق بين الأطراف على المصير إلى القرعة ، وهذا نحوٌ من التصالح ، ونحن حينما نتكلم في المصير إلى القرعة كمرجعٍ شرعي لا يتوقف على التوافق ، ومن الآيتين الكريمتين لا يثبت هذا المعنى لأنها مجملة من هذه الناحية ، أو يحتمل أنه كان يوجد بينهم توافق على القرعة في كفالة مريم أو في إلقاء شخصٍ ، وبعد توافقهم يكون ذلك من باب التصالح ، وعليه فلا ننتفع بهاتين الآيتين الكريمين.

الوجه الثاني:- الروايات وهي:-

الأولى:- صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( في رجل قال: أوّل مملوك أملكه فهو حرّ ، فورث سبعة جميعاً ،قال: يقرع بينهم ويعتق الذي قرع )[3] ، وبمضمونها توجد بعض الروايات الأخرى.

وتقريب الدلالة:- إنَّ موردها غير معيّن ، لأنَّ المفروض أنه قال ( أوّل ما أملكه ) ، وهنا المفروض أنه ملك سبعة في آنٍ واحد والامام عليه السلام أمره بالقرعة ، فإذاً لا بأس بدلالتها.

ولكن الذي يرد عليها:- إنه لا يمكن استفادة العميم منها لكل مورد ، فلعل هذا خاص بمثل هذا المورد ، فإذاً يشكل التعدّي لعدم وجود ما يمكن الاستناد إليه في إلغاء الخصوصية ، كأن يقول الامام عليه السلام ( والقرعة سنَّة ) ، فإذا كان يعبّر هكذا فهذا يستفاد منه التعدي ، وأما إذا فرض أنه لم يذكر ذلك فحينئذٍ استفادة التعدّي أمر مشكل ، وإلغاء الخصوصية عرفاً ليس بواضح أيضاً.

الثانية:- رواية سيابة وإبراهيم بن عمر ، وهي:- الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن حمّاد بن عيسى عن سيابة وإبراهيم بن عمر جميعاً عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( في رجل قال: أوّل مملوك املكه فهو حر فورث ثلاثة ، قال: يقرع بينهم فمن اصابه القرعة [ أصابته القرعة ][4] أعتق ، قال: والقرعة سنَّة )[5] .

بتقريب:- إنها وإن وردت في مورد من قال أوّل مملوك أملكه فهو حرّ ، ولكن الامام عليه السلام قال بعد ذلك ( والقرعة سنَّة ) وهذا يفهم منه التعميم ، كما أنَّ المفروض أنَّ موردها عدم التعيّن الواقعي ، فإذاً لا بأس بدلالتها.

ولكن يمكن أن يقال:- إنَّ الأخذ بها بعرضها العريض شيء لا يمكن الالتزام به ، وإلا يلزم في موارد جهالة الحكم الشرعي في كونه إباحة أو حرمة مثلاً نصير إلى القرعة ، لأنَّ تعبير ( والقرعة سنَّة ) مطلق وهذا لا يمكن التزام به ، وكذلك في مورد العلم الاجمالي ، فلو علمنا بنجاسة أحد الاناءين مثلاً فالمصير إلى القرعة وترك مسألة الاحتياط لأنَّ ( والقرعة سنَّة ) أمر لا يمكن الالتزام به ، وهكذا موارد أخرى من هذا القبيل يمكن أن نأخذ بها بالقرعة ، فهذا يدل على أنَّ ما تدل عليه هذه الرواية لا يمكن الالتزام به في المجال والوسيع ، أما المجال الآخر فغير متعين عندنا ، فأنت تخصص دائرتها بماذا ؟!! ، وحينئذٍ يبقى المعنى الآخر غير معلوم ، فلا يمكن الأخذ بمضمون هذه الرواية بعد عدم إمكان الأخذ بمعناها المطابقي الوسيع والمعنى الثاني مردد وليس بمتعيّن ، ولذلك عرف عن الفقهاء أنه لا يؤخذ بالقرعة إلا في مورد الانجبار بعمل الأصحاب ، لأنَّ هذا العموم لا يمكن الالتزام به بعرضه العريض ، فالمعيِّن حينئذٍ هو عمل الأصحاب ، ونحن نقول إنَّ هذه الرواية لا يمكن الأخذ بمعناها الوسيع ، وأما المعنى الثاني فليس بمتعيّن ، فالأخذ بها يكون مشكلاً.

الثالثة:- ما ورد بلسان ( القرعة لكل أمر مشكل ) ، وهي رواية دعائم الاسلام ، ولم ترد رواية صحيحة بهذا، وإما ورد في المستدرك نقلاً عن دعائم الاسلام فهو أنه قال:- ( إنَّ أمير المؤمنين وأبي جعفر وأبي عبد الله عليهم السلام أنهم أوجبوا الحكم بالقرعة فيما أشكل )[6] .

وهذه الرواية ضعيفة سنداً كما هو واضح وذلك:-

أولاً:- إنَّ كل ما ينقل عن دعائم الاسلام مراسيل.

ثانياً:- إنَّ مدلولها وسيع حيث قالت ( أوجبوا الحكم بالقرعة فيما أشكل ) ، فيرد عليها ما أوردناه على الرواية السابقة.

الرابعة:- ما رواه محمد بن عيسى ، وهي محمد بن الحسن بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن محمد بن عيسى عن الرجل عليه السلام:- ( أنه سئل عن رجل نظر إلى راعٍ نزى على شاة ، قال: إن عرفها ذبحها وأحرقها وإن لم يعرفها قسّمها نصفين أبداً حتى يقع السهم بها فتذبح وتحرق وقد نجت سائرها )[7] .

وموردها معيّن واقعاً ، لأنه بالتالي نزى على واحدة ولكن نحن جهلناها فالتمسّك بها مشكل من هذه الناحية.وبغض النظر عن ذلك ليس فيها عموم حتى يمكن التمسّك به ، فلعلّها مختصة بموردها ، ولو كان هناك عموم يرد عليها ما أوردناه على الروايتين السابقتين.

[4] هذا ما هو موجود في التهذيب، وهو المناسب.