1440/06/28


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/06/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- بيع الفضولي– شروط المتعاقدين.

استدراك:- ذكرنا فيما سبق أنَّ هذه الصحيحة تدل بوضوح على صحة بيع الفضولي بالاجازة حيث قال عليه السلام: ( خذ ابنه حتى ينفذ لك ما باعك ) وينفذ معناها أنه يجيز فتدلّ على أنَّ عقد الفضولي يصح بالاجازة فدلالتها واضحة جداً ، والاستدراك هنا: وهو أنَّ هذا النقل - وهو ( حتى ينفذ لك ما باعك ) - هو وارد في نقل الشيخ الطوسي(قده) في التهذيب ، وصاحب الوسائل بما أنه صدّر الرواية بالنقل وقال محمد بن الحسن يعني أنه نقلها عن الشيخ في التهذيب بهذا الشكل ، ولكن إذا رجعنا إلى الكافي فالعبارة فيها شيء من التغيير وهي هكذا ( خذ ابنه حتى يُنقِدَ البيع ) ، وبناءً على هذا ربما يقال تصير الرواية أجنبية عمّا نريد ، لأنها ليست في صدد بيان أنه خذه ابنه حتى يُنفِذ المالك البيع ، فإنها لو كانت العبارة في الرواية ( حتى يُنفِذَ ) فهذا ينفعنا فإنَّ معناه أنَّ عقد الفضولي يصحّ بالاجازة ، أما إذا كان التعبير ( حتى يُنقِدَ ) يعني أنَّ الثمن الذي بذلته لابن المالك الذي باعك الوليدة وخذعك فأنت خذ هذا الابن حتى يُنقِد لك الابن أو الأب البيع أي يعطيك مالك ، وبناءً على هذا تصير الرواية أجنبية عن المقام ، فمن هذه العبارة يصعب أن نستفيد صحة عقد الفضولي بالاجازة.

فالمقصود أنَّ نقل الشيخ الكليني بهذا الشكل ونقل الشيخ الطوسي بذاك الشكل ، وبالتالي حيث يتردد المنقول بين هذا وذاك فتسقط الرواية عن الاعتبار ، أما أنك تفتّش في بقية عبارات الرواية وأنه هل توجد فيها دلالة أو لا فهذا شيء آخر ، ولكن هذه العبارة سوف لا تنفعنا ، وهذا ربما يسجّل كإشكال على الاستدلال بالرواية.

ولكن نقول:- توجد قرينة تدل على أنَّ المناسب كما نقل الشيخ الطوسي(قده) - أي أنَّ العبارة هي ( حتى يُنفِذَ ) - ، وهي أنه إذا فرضنا أنَّ الموجود هو ( يُنقِد ) يعني يعطيه قيمة الجارية فهذا لا يحل مشكلة المشتري بل هو يريد ابنه ، والرواية تدل على أنَّ المشكلة التي كان يعيشها المشتري هي مسألة الابن ، فلاحظ ذيل الرواية فإنه قالت:- ( فلما أخذ البيِّع الابن قال أبوه أرسل ابني ، فقال لا أرسل ابنك حتى ترسل انبي ) فيتبيّن أنَّ المشكلة ليست هي الوليدة وإنما المشكلة هي أنَّ هذا الولد المتولّد من الوليدة صار انبه فهو يريد ولده ، فـ( يُنقِد لك البيع ) يعني يعطيك قيمة الجارية لا يحل مشكلته ، وهذه قرينة تساعد على أنَّ المقصود هو ( حتى يُنفِذَ ).

إذاً الرواية تامة من حيث الدلالة.

أما سندها:- فقد رواها الشيخ الطوسي(قده) في التهذيب مبتدئاً السند بعلي بن الحسن بن فضّال ، وعليّ بن الحسن فطحي لكنه ثقة بلا إشكال ، ولكن طريق الشيخ الطوسي(قده) إليه يشتمل على شخص اسمه علي بن محمد بن الزبير - ولنسمِّه الزبيري اختصاراً - فهذا الشخص ترجمة الشيخ الطوسي والنجاشي ولكن لا يوجد في حقه توثيق واضح ، نعم توجد عبارات في حقه مثل ( وكان علوا في وقته ) والبعص قال كالنجاشي ( وكان غلواً في وقته ) والبعض أراد أن يستفيد من هذه العبارة التوثيق ، ونحن الآن نفترض أنه لم تثبت وثاقته ، فهل هناك طريق على الغلب على مشكلة السند من ناحية الزبيري أو لا ؟ ، ومن الواضح أنَّ الشيخ يروي الكثير الكثير من روايات علي بن الحسن بن فضّال ويبتدئ السند به ، فإذا أردنا أن نقول إنَّ هذا الطريق باطل وضعيف فسوف تسقط الكثير من الروايات عن الاعتبار ، فلو كانت هناك طريقة من هنا وهناك لإثبات اعتباره فلا بأس بها.

كما أنه من مشايخ الاجازة ، فلو كنت تبني على وثاقة مشايخ الاجازة المعروفين فلا مشكلة فيه حينئذٍ ، ولكن الآن افترض أننا لا نبني على ذلك وأنه لا يوجد طريق لتوثيقه فنحن نريد أن نعرف أنه هل يمكن أن نخرج رواياته من عدم الاعتبار إلى الاعتبار بطريقة علمية أو لا ، وما هي تلك الطريقة العلمية؟

وقبل أن نبيّن تلك الطريقة العلمية نقول:- نحن لا نحتاج في هذه الرواية بالخصوص إلى علاج ، لأنه قد رواها الشيخ الكليني بطريقٍ معتبر ، ورواها الشيخ الصدوق بطرق معتبر ، بل الشيخ الطوسي نفسه في مورد آخر رواها بطريقٍ معتبر من دون أن تبتدئ بعلي بن الحسن بن فضال.

فإذن هذه الرواية بشخصها لا توجد فيهاه مشكلة ، ولكن نحن نريد أن نتعرّف على قضية رجالية ، فلنقترض أنَّ الطريق منحصر بهذا الطريق كما في روايات أخرى ، فهل هناك من طريقة للتغلب على هذه المشكلة ؟

كان السيد الخوئي(قده) في سالف الزمن يبني على أنَّ هذا الطريق ضعيف ، وقد صرّح بذلك في غير مورد ، ففي التنقيح قال في مسألة كراهة سؤر الحائض:- ( إنها قابلة للمناقشة على طريق الشيخ فإن في طريقه إلى علي بن السحن بن فضال علي بن محمد بن الزبير وهو لم يوثق )[1] ، وهكذا ذكر في مبحث الغايات الواجبة للوضوء حيث قال:- ( إنَّ الشيخ رواها بإسناده عن علي بن الحسن بن فضال وطريق الشيخ إليه ضعيف )[2] ، وهناك موارد أخرى.

ولكنه عدل عن ذلك وذهب إلى أنه يمكن تصحيح الطريق ، حيث قال في كتاب الصوم:- ( نعم يمكن تصحيح الرواية بوجهٍ آخر تعرضنا له في المعجم وملخصه أنه لو كان كتاب ..... )[3] .

وخلاصة الطريقة التي ذكرها السيد الخوئي(قده):- هي أنَّ الشيخ مع النجاشي كانا متعاصرين وكانا أحياناً يشتركان في شيخٍ واحد مثل عبد الواحد بن عبدون ، وللشيخ الطوسي طريق إلى علي بن الحسن بن فضال يبتدئ بعبد الواحد بن عبدون ولكن يأتي ابن الزبير في الوسط ، فطريقه في الفهرست هكذا ، فإنه بعد أن ذكر كتب ابن فضّال قال ما نصّه:- ( أخبرنا بكتبه قراءة عليه أكثرها والباقي اجازةً أحمد بن عبدون عن علي بن محمد بن الزبير سماعاً واجازة عن علي بن الحسن بن فضّال )[4] ، فلحد الآن اتضح أنه يوجد في الطريق علي بن محمد بن الزبير ، وّغ ذهبنا إلى النجاشي فهو حينما ينقل الروايات عن ابن فضّال أيضاً يبتدئ السند بابن عبدون ، فإذا فرضنا أنَّ الأمر كان كذلك فحينئذٍ نقول إنَّ هذا معناه أنَّ ما حدَّث به ابن عبدون النجاشيَّ هو بنفسه قد حدَّث به الشيخ الطوسي.

يعني بعبارة أخرى:- الظاهر أنَّ المنقول لهما من قبل ابن عبدون واحد ، وحينئذٍ نقول حيث إنَّ طريق النجاشي صحيح لا يمر بالزبيري ، فعلى هذا الاساس نقول إنَّ طريق الشيخ الطوسي تثبت صحته أيضاً ، لأنه بعد اتحاد الواصل بين الطوسي والنجاشي مادام هذا الواصل قد وصل بطريقٍ معتبر إلى النجاشي فإذاً يصير معتبراً في حق الشيخ الطوسي بعد ضمّ هذه المقدمة الخارجية وهي أنَّ المنقول في حقهما واحد ، وقد أشار إليها في المعجم حيث قال:- ( لو فرضنا أنَّ طريق الشيخ إلى كتاب ضعيف في المشيخة والفهرست ولكن طريق النجاشي إلى ذلك الكتاب صحيح وشيخهما واحد حكم بصحة رواية الشيخ عن ذلك الكتاب أيضاً إذ لا يحتمل أن يكون ما أخبره شخص واحد كالحسين بن عبيد الله بن الغضائري[5] مثلاً للنجاشي مغايراً لما أخبر به الشيخ فإذا كان ما أخبرهما به واحداً وكان طريق النجاشي إليه صحيحاً حكم بصحة ما رواه الشيخ عن ذلك الكتاب لا محالة ويستكشف من تغاير الطريق أنَّ الكتاب الواحد روي بطريقين قد ذكر الشيخ أحدهما وذكر النجاشي الآخر )[6] .

ونفس الشيخ بينه في مباني التكملة حيث قال:- ( المخبر بكتب علي بن الحسن بن فضّال بالنسبة إلى الشيخ والنجاشي واحد وهو أحمد بن عبدون فالكتب التي كانت عند الشيخ هي بعينها الكتب التي كانت عند النجاشي وبما أن للنجاشي طريقاً آخر معتبراً فلا محالة تكون رواية الشيخ أيضاً معتبرة )[7] .

وكذلك ذكر هذه الطريقة في موارد متعددة من التقرير.

ولكن نقول:- إذا أردت أن تفكر فأوّل شيء يأتي في ذهنك أنه لماذا نطوّل الطريق هكذا ، فمادام طريق النجاشي معتبر فلنأخذ بروايات النجاشي بطريقه المعتبر وننهي الأمر ؟

والجواب:- إنَّه لا توجد عندنا روايات للنجاشي ، إذ لو كانت موجودة لرجعنا إلى كتابه الروائي ، وإنما صاحب الروايات هو الشيخ الطوسي فقط ، فنحن نريد أن نصحح طريق الشيخ الطوسي إلى الروايات التي ذكرها بهذا الطريق الذي ذكره الشيخ النجاشي.


[1] التنقيح في شرح العروة الوثقى، الخوئي، ج2، ص372، في مسألة كراهة سؤر الحائض.
[2] التنقيح في شرح العروة الوثقى، الخوئي، ج4، ص474.
[3] التنقيح في شرح العروة الوثقى، الخوئي، ج1، ص202، ط قديمة.
[4] الفهرست، الطوسي، ص273، رقم الترجمة 392.
[5] فالحسين بن عبيد الله بن الغضائري شيخ مشترك بينهما، ولكن كان من المناسب أن يمثل بعبد الواحد بن عبدون.
[6] المعجم في رجال الحديث، الخوئي، ج1، ص82.
[7] مباني تكملة المنهاج، الخوئي، تسلسل42، ص156، مسألة 134.