1440/07/11


تحمیل

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/07/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الإعتكاف، مسألة ١٤ في نذر الإعتكاف

 

انتهينا من المناقشة التي اوردها البعض على ما ذكره السيد الخوئي (قده)

وجوابها: هو ان المسألة تدخل في دوران الأمر بين الأقل والأكثر، والمرجع فيه البراءة عن وجوب الأكثر، فانه من قبيل ما لو علم إجمالاً بانه فاتته صلوات، ودار امرها بين خمس صلوات أو عشر صلوات.

قد يقال في مقام الإعتراض على السيد الخوئي: ان القائل بوجوب قضاء الجميع -وهو الشيخ الطوسي وغيره- لا يرى انحصار الدليل في الإجماع، بل هو لم يذكر الإجماع كدليل على ذلك، وانما يستدل بدليل آخر وهو ان المفروض ان الناذر اعتبر التتابع إما لفظاً وإما معنى، فيكون الواجب باعتبار النذر هو الإعتكاف في هذه الأيام المعينة على نحو التتابع، وهذا المنذور لا يتحقق اذا اخل بيوم او يومين، اذ التتابع في البعض لا يكفي لتحقق المنذور خارجاً، فالناذر عند الإخلال بيوم او يومين لم يأت بالمنذور، وحينئذ يجب عليه ان يأتي به فلابد من أن يقضي الجميع، لاننا فرضنا مسبقاً ان الأدلة دلت على وجوب القضاء في النذر المعين.

وبعبارة اخرى: ان الناذر حينما اشترط التتابع في نذره لفظاً يكون قد لاحظ كل واحد من الأيام منضماً الى ما اتصل به منها، واذا فرض ملاحظة الإنضمام في النذر فلا يتحقق المنذور الا بالانضمام في الجميع، ولا يكفي الانضمام في البعض. وهذا -كما هو واضح- دليل اجتهادي يرجع بروحه الى الاستظهار، وليس أصلاً عملياً، فلا تصل النوبة الى الأصول العملية حتى نتمسك بالبراءة كما صنع ذلك السيد الخوئي (قده).

والحاصل: ان السيد الخوئي (قده) يرى انه لا دليل على وجوب قضاء جميع الأيام، بينما صاحب القول الأول[1] يدعي وجود دليل على ذلك وهو الدليل المتقدم آنفاً.

ثم هذا الإعتراض لا يتنافى مع عدم قيام الإجماع على وجوب قضاء الجميع، لوجود دليل آخر لدى المعترض يدل على ذلك، فهو ليس بحاجة الى الإجماع. نعم، ينافيه قيام الإجماع على عدم وجوب قضاء الجميع، لكن السيد الخوئي (قده) لم يدعِ ذلك، بل ادعى انه لم يقم الإجماع على وجوب قضاء الجميع.

ومن هنا يظهر أن ما نقلناه عن الشيخ صاحب الجواهر (قده) غير تام، لعدم وجود قرينة على كون التتابع المنذور من قبيل التتابع في شهر رمضان، وكان كلامه في صورة إشتراط التتابع معنىً، وأما في صورة إشتراط التتابع لفظاً فكلامه (قده) لا يأتي أصلاً، لأنه في هذه الحالة الناذر قد لاحظ مسألة التتابع بين الأيام في نذره، فيجب عليه الإتيان بالمنذور إذا تركه في وقته إذ أخل ببعض الأيام، ولا يمكن الإتيان بالمنذور إلا إذا تحقق التتابع في الجميع. وعليه فإلى هنا أن القول الأقرب من الأقوال هو القول الأول، أي وجوب القضاء في الجميع ولا يقتصر في القضاء على خصوص ما أخل به.

ولكن في المقابل يمكن أن يقال الظاهر أن هذه المسألة تبتني على البحث في أن وجوب القضاء في المنذور المعين هل هو على مقتضى القاعدة أم لا؟ ففي الفرع الأول من هذه المسألة -أي صورة المنذور غير المعين- يكون القضاء على وفق مقتضى القاعدة، لوجوب وفاء الناذر بنذره الذي ليس له وقت معين، ولذلك فلا يعبّر عنه بالقضاء بل يعبر عنه الفقهاء بالإستئناف، وأما المنذور المعين -كأن ينذر إعتكاف الأيام العشرة الأواخر من شهر رجب- فالبحث عن ما هو مقتضى القاعدة في مثل هذه الحالة مهم جداً، لأنّه إذا قلنا أن مقتضى القاعدة هو عدم وجوب القضاء فحينئذ إذا دل دليل عليه نلتزم به وإلا فلا نلتزم بوجوب القضاء، والظاهر أن كلام السيد الخوئي (قده) يكون تاماً، لأنّ مورد الكلام هو المنذور المعين، والقاعدة فيه تقتضي عدم وجوب القضاء، ولم يقم دليل لفظي على وجوب القضاء لنتمسك بإطلاقه، بل قام الإجماع بلا إشكال على وجوب القضاء في خصوص ما أخل به، وعليه فلا يمكن رفع اليد عن مقتضى القاعدة إلا بمقدار ما دل عليه الدليل، وينفى الباقي بالبراءة كما ذكر (قده). أما إذا قلنا أن مقتضى القاعدة هو وجوب القضاء فلا نحتاج إلى دليل لإثبات وجوب القضاء في غير ذلك الوقت، فيكون حال المنذور المعين حسب مقتضى القاعدة حال المنذور غير المعين، من حيث أن الإخلال به لا يوجب إنحلاله، بل المطلوب من المكلف هو الإتيان بالمنذور الذي في فرضنا هو الإتيان بالإعتكاف لمدة عشرة أيام على نحو الإنضمام والتتابع، وهو لم يأتِ به كذلك في وقته، فيجب عليه الإتيان به كذلك خارج الوقت.

والصحيح في البحث عن ما هو مقتضى القاعدة أنها لا تقتضي وجوب القضاء، لأن وجوب القضاء إنما يمكن الإلتزام به إذا إلتتزمنا -كما أشاروا إليه- بإنحلال الواجب المؤقت إلى أمرين:- الأمر الأول أمرٌ بذات الفعل، والأمر الثاني أمر بإتيانه في ذلك الوقت، وعليه فإذا فاته الفعل في ذلك الوقت فقد سقط الأمر الثاني، ولكن يبقى الأمر الأول يدعوه إلى الإتيان بذات الفعل ولو خارج الوقت، لأنه أمرٌ مطلق وغير مقيد، وهذا هو معنى القضاء، وحينئذٍ يكون القضاء على مقتضى القاعدة، ولكن لا يوجد أحد يلتزم بإنحلال المقيد إلى إمرين كما بل هو أمرٌ واحد بالمقيد في هذا الوقت المعين، ولذا إشتهر بينهم أن القضاء يحتاج إلى دليل، لأنّه على خلاف مقتضى القاعدة، فيكون لما ذكره السيد الخوئي (قده) وجه كما تقدم.

وأما السيد الماتن (قده) فقد عبر بوجوب قضاؤه، والظاهر من عبارته أن مقصوده وجوب قضاء المنذور بتمامه، وإن كان السيد الحكيم (قده) ذكر إحتمالاً آخر للعبارة وهو وجوب قضاء خصوص ما أخل به.

 

ثم قال (قده): (والأحوط التتابع فيه[2] أيضاً)

هذه العبارة تؤيد أن مراده وجوب قضاء الجميع، لا خصوص ما أخل به. وهي تتكلم عن الجهة الثانية[3] ، فنقول:-

الجهة الثانية: هل يجب في القضاء التتابع أو لا يجب فيه ذلك؟ وهذا الكلام يأتي حتى على فرض تركه لجميع المنذور، فالجامع في المسألة إذا فاته المنذور فهل يجب قضاؤه متتابعاً أو لا؟

ذكر السيد الخوئي (قده) في تقريرات بحثه أن الحكم في المقام كما في المسألة السابقة يبتني على ملاحظة ما هو المستند في وجوب أصل القضاء، فإذا كان المستند هو الدليل اللفظي من قبيل ما ورد بلسان (أقض ما فات كما فات) وأمثاله، فالظاهر حينئذٍ أنه لابد من التتابع في القضاء، لأن مفاد الدليل أنّ وجوب القضاء لابد أن يكون مماثلاً للأداء، ولا تتحقق المماثلة إلا بالتتابع، وأما إذا كان المستند هو الإجماع -كما هو الصحيح برأيه (قده)- فهو لا يدل إلا على أصل وجوب القضاء، ولا يدل على لزوم التتابع، فإذا شككنا في وجوب التتابع في القضاء فنرجع إلى أصالة البراءة لنفيه. وأما إذا لم يقم دليل على وجوب القضاء فالأصح هو وجوب التتابع في القضاء، وذلك للفراغ عن أصل وجوب القضاء، وهو يعني أنّ النذر لا ينحل بالإخلال به في وقته، فيبقى ويدعوه إلى الإتيان بالمنذور في خارج الوقت، فيكون كالمنذور غير المعين، فيجب على الناذر أن يأتي بالمنذور -الذي هو في فرضنا إعتكاف عشرة أيام- على نحو التتابع.

والنتيجة أن ما ذكره السيد الخوئي (قده) هو الأقرب بناءً على أن القاعدة تقتضي عدم وجوب القضاء، لكن هذا الكلام متوقف على تسليم ما ذكره (قده) من عدم وجود إجماع على وجوب قضاء الجميع، فإن مخالفة صاحبي المدارك والمسالك لا تضر بالإجماع لو كانت موجودة، وهذا يحتاج إلى تحقيق، لكن بشكل عام كلامه (قده) وجيه.


[1] وهو صاحب هذه المناقشة.
[2] أي في القضاء.
[3] تقدم عدلها (الجهة الأولى) في درس يوم الأحد ٠٩ رجب١٤٤٠، والعبارة هناك هي (جزم السيد الماتن (قده) بوجوب القضاء عليه، ثم تكلم عن جهتين اخريين مرتبطتين بكيفية القضاء، وهما: الجهة الأولى: وهي أنه هل يجب عليه قضاء ....).