09-03-1435


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

35/03/09

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضـوع:- مسألة (407 ) / الحلق والتقصير / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
وفيه:-
أوّلاً:- إنه لو لاحظنا الرواية الأولى وجدناها مركّبة من مقطعين ولعل المقطع الثاني تفريعٌ على المقطع الأوّل لا أنه شيءٌ مستقل عنه كما فهم هو(قده)، والغريب أنه لم يشر إلى ذلك من بعدٍ ولا من قرب - يعني إلى احتمال تفرّع المقطع الثاني على الأول - فإنه احتمالٌ وجيهٌ ومعه تكون النتيجة هو أنه من أصاب الصيد في إحرامه فجزاؤه ما هو المعروف بين الأصحاب وهو أن يبقى إلى النفر الثاني ولا يحقّ له النفر الأوّل - يعني بعد زوال اليوم الثاني عشر - وقد دلت على ذلك روايات فجزاء إصابتك للصيد في إحرامك هو أنه عليك أن تبقى ثم جاء المقطع الثاني وقال ولو فرض أنك لم تمتثل ونفرت النفر الأوّل فيثبت في حقّك أن الصيد محرّم ولا صير لك حلالاً بل يبقى محرّماً عليك . إذن عليك جزاءان الأوّل هو أنه عليك أن تبقى إلى النفر الثاني والجزاء الثاني هو أنه لو نفرت النفر الأوّل ولم تُعِر أهميّة لهذا التكليف فحرمة الصيد لا ترتفع عنك بل هي باقية . إذن النتيجة هي أن حرمة الصيد باقة إلى زوال اليوم الثالث عشر في حقّ من لم يتق الصيد في إحرامه أما من اتقى الصيد فالرواية حينئذٍ لا تدلّ على أن الحرمة باقية إلى زوال اليوم الثالث عشر، فالرواية واردة في مساحةٍ صغيرةٍ - أي في حق من لم يتّق الصيد - وهذا حكمٌ ربما يُلتزَم به ولا مانع منه أما أن نقول إن حرمة الصيد إلى زوال اليوم الثالث عشر هي حرمة عامّة ثابتة في حقّ الجميع كما صار إلى ذلك هو(قده) فهذا لا يمكن أن نستفيده من هذه الرواية.
ويظهر من صاحب الوسائل(قده) أنه فهم هذا المعنى من هذه الرواية وما شاكلها لأنه في مقام ذكر عنوان الباب قال ما نصّه[1]:-( إن من لم يتّق الصيد والنساء في إحرامه لم يجز له النفر في الأوّل ومن فعل أمسك عن الصيد يوم الثالث إلى الزوال )، وعلى أي حال إن استفادة الحكم الذي أراده(قده) من هذه الرواية شيءٌ مشكل.
بل يمكن أن نصعّد اللهجة أكثر ونقول:-  إن هذا الاحتمال هو الأرجح وذلك باعتبار أنه لو أخذنا المقطع الثاني مستقلاً عن المقطع الأوّل وليس تفريعاً عليه كما احتملنا أو فهمناه أي أن الإمام عليه السلام قال ابتداءً:- ( من نفر في النفر الأوّل ليس له أن يصيب الصيد حتى ينفر الناس ) من دون المقطع الأوّل فنسأل ونقول إن هذا هل له مفهومٌ ؟ بمعنى أن من لم ينفر النفر الأوّل وبقي في منى فله أن يصيب الصيد - وواضح أنه لا نقول بقتله وإنما بأكله - فالحرمة الاحرامية تكون مرتفعة عنه مادام هو باقٍ في منى الى زوال اليوم الثاني عشر فالحرمة ترتفع عنك أي يجوز لك أن تأكل من الأكل الذي فيه صيد، نعم لا يجوز لك قتل الصيد لأنه من خواصّ الحرم فهل هذا المفهوم هو المقصود أو أن المفهوم ليس بمقصودٍ وإنما المقصود هو بيان أن حرمة الاحرام هي مستمرة في حقّ من نفر في اليوم الثاني عشر بعد الزوال وفي حقّ من لم ينفر فهما معاً تكون الحرمة إلى زوال مستمرة في حقهم كما فهم هو(قده) ذلك فبالتالي نحن نسأل ونقول هل أن هذا المقطع الثاني إذا أخذناه مستقلاً كما هو أراد هل يقصد منه بيان المفهوم وأن الحرمة ليست ثابتة في حقّ من لم ينفر وبقي في منى زوال اليوم الثاني عشر أو أنه لا يقصد هذا المفهوم والحكم يبقى عاماً ؟ والأوّل هو لا يراه ولا يسلّم به بل يدّعي أن الحرمة مستمرّة في حقّ الجميع بل لم يحتمله أحد - يعني التفصيل بين من نفر ومن لم ينفر - فهذا التفصيل ليس موجوداً فهو احتمال موهون في حدّ نفسه فهو يرفضه كما لا يوجد قائل به أيضاً فهو باطلٌ في حدّ نفسه، وإذا كان المقصود هو الثاني كما أراد هو(قده) فحينئذٍ لا داعي لتقييد الحكم بمن نفر في النفر الأوّل، يعني أنه لا داعي لأن يقال:- ( ومن نفر في النفر الأوّل فليس له أن يصيب الصيد حتى ينفر الناس ) بل المناسب آنذاك أن يقال:- ( المحرِم ليس له أن يصيب الصيد حتى ينفر الناس ) يعني أن يُصبّ الحكم ويوجّه إلى مطلق المحرِم ولا داعي لأن نقول ( من نفر النفر  الأول ) فمادام الحكم حكما عامّاً ولا يختصّ بمن نفر النفر الأوّل ولا يقصد إفادة المفهوم فحينئذٍ يُصبُّ الحكم على المحرِم.
اللهم إلا أن تقول دفاعاً عن السيد الخوئي(قده) إن التأكيد في المقطع الثاني على من نفر النفر الأوّل هو من باب الاشارة إلى الفرد الخفي فهناك فردٌ جليٌّ واضح يعرفه الناس لا داعي إلى بيانه وهو أن من بقي في منى ولم ينفر النفر الأوّل فهذا واضح بين الكلّ أنه ليس له أن يصيب الصيد حتى زوال اليوم الثالث عشر فلأجل أنه واضح ولا توجد حاجة إلى بيانه أخذ الإمام عليه السلام بالتقييد وركّز على من نفر النفر الأوّل من باب بيان حكم الفرد الخفي فعلى هذا الأساس لا يرد الاشكال.
وهذا شيءٌ وجيهٌ ولكنّ أصله الموضوعي وأن ذاك الأول هو فرد واضح يعني من بقي في منى من الواضح أن حكمه هو عدم جواز إصابة الصيد حتى زوال اليوم الثالث فهذا ليس من الواضحات فمن أين أتيت بأنه من الواضحات ؟! فلو كان من الواضحات للزم أن ينعكس على الفقهاء والحال أنه لم ينسب هذا الشيء حتى إلى فقيهٍ واحد . إذن هذا الاحتمال موهون في حدّ نفسه فيدور الأمر بين الاحتمالين السابقين وقد قلنا إن كلا الاحتمالين باطلان . ومن هنا يتضح أن أخذ هذه الجملة شيئاً مستقلاً عن المقطع الأوّل وأنه حكمٌ مستقلٌّ شيءٌ موهونٌ وضعيف . هذا كلّه بالسنبة إلى الرواية الأولى.
وأما الرواية الثانية:- حيث ورد فيها مقطعٌ واحدٌ وهو سؤالٌ وهو:- ( من نفر في النفر الأوّل متى يحلّ له الصيد ؟ قال:- إذا زالت الشمس من اليوم الثالث)، فإن السيد الخوئي(قده) قد يتمسك بهذه الرواية ويقول إنه لا يوجد مقطع سابق كما هو موجود في الرواية الأولى حتى تقول إن هذا تفريعٌ على ذاك بل يسأل معاوية بن عمار يسأل ابتداءً ويقول إن من نفر النفر الأول متى يحلّ له الصيد ؟ فأجابه عليه السلام وقالك- ( إلى زوال اليوم الثالث عشر ) وهذا معناه أن حرمة الصيد تبقى إلى اليوم الثالث عشر، هكذا قد يقول(قده).
ولكن نقول:- إن نفس طرح معاوية بن عمار لهذا السؤال لا نرى له معنىً ولا نرى وجاهة ولا مبرراً له فإنه لا معنى لأن يسأل الامام ويقول:- ( من نفر النفر الأوّل متى يحلّ له الصيد ؟ ) بل عليك أن تسال هكذا:- ( متى يحلّ الصيد للمحرم ؟ ) من دون تخصيصٍ بمن نفر النفر الأوّل فهذا الخصيص لا معنى له فلابد وأن معاوية قد عاش في ذهنه ما تضمنته الرواية الأولى يعني أنه ناظر إلى من أصاب الصيد في إحرامه فإنه ليس من حقه أن ينفر النفر الأول ولكن لو خالف ونفر فاعتمد معاوية بن عمار على وضوح المطلب يعني يفترض أن النفر الأوّل ليس جائزاً له بسبب إصابته للصيد فهذا يعيش في ذهنه فجاء وسأل الامام ( أنه لو نفر الفر الأوّل متى يحلّ له الصيد ؟ ) إنه لابد وأن نفترض هكذا وإلا إذا لم نفترض هكذا وكان معاوية يريد أن يسأل عن حكمٍ وأنه حرمة الصيد إلى متى تبقى فلماذا يخصصّ سؤاله بمن نفر النفر الأوّل ؟! إن هذه الطرحة غير صحيحة ولابد وأن يسأل بصيغة عامة لا بهذه الصيغة الخاصة الضيّقة فإنها ليست وجيهة وبهذا يصير احتمال كونها بمضمون الرواية الأولى شيئاً وجيهاً وبالتالي لا يبقى لها ظهور في كونها واردة بشكلٍ مستقل يقصد منها ما يدلّ عليه هذا المقطع بشيءٍ مستقلّ بل بالتالي يكون مضمونها نفس مضمون الرواية الأولى، وعليه فالتمسك بهاتين الروايتين شيءٌ مشكلٌ لما أشرنا إليه.


[1]  أي الباب 11.