1440/10/18


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/10/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 66 ) – شروط المتعاقدين.

والذي نريد أن نقوله الآن:- إنه توجد قضيتان:-

القضية الأولى:- لو فرضنا أنَّ الاشكال الخامس وهكذا الرابع تمكنّا من التغلب عليهما فبها ونعمت وبالتالي نحكم بصحة بيع الفضولي عن نفسه بعد اندفاع الاشكالات نحكم بالصحة استناداً على العمومات[1] ، أما إذا فرضنا أنه لم تحصل القناعة الكافية بالأجوبة التي تقدمت عن الاشكالين الرابع والخامس فهل نحكم ببطلان بيع الفضولي عن نفسه من باب ورود إشكالين لم نتمكن من التغلب عليهما أو لا ؟

الجواب:- كلا ، بل رغم ذلك نحكم بالصحة استناداً إلى ما أشرنا إليه سابقاً وهو صحيحة محمد بن قيس ، فإنَّ الابن حينما باع وليدة الأب فهو قد باعها عن نفسه ، وعلى أي حال الرواية مرددة من هذه الناحية فنتمسك بعدم تفصيل الامام عليه السلام في مقام الجواب ، فتكفينا حينئذٍ الصحيحة حتى لو فرض أننا لم نتمكن من التغلب على الاشكال الرابع والخامس.

القضية الثانية:- إنَّ بيع الفضولي عن نفسه له حالتان ، فتارةً المالك يجيز بيع الفضولي عن نفسه ، وهذا هو الذي كنا نتحدث عنه ، ونتيجة اجازة المالك إذا قلنا بأنها مجدية هي وقوع البيع وصحته للمالك ، وتارةً توجد حالة ثانية وهي أنَّ يبيع الفضولي عن نفسه ثم لا يجيز المالك وإنما نفترض أنَّ الفضولي الذي باع عن نفسه ملك ذلك الشيء الذي باعه بميراثٍ مثلاً ، وهذا ما يصطلح عنه بمسألة ( من باع ثم ملك ) ، وحينئذٍ وقع الكلام في أنه مجرّد ملكية الفضولي كافية في وقوع البيع له صحيحاً أو أنه يحتاج إلى أن يجيز بعد ذلك ؟ ، وعلى أيّ حال هذه مسألة جانبية ثانية ، ويأتي من الشيخ الأعظم(قده) التعرض لها[2] ، وستأتي من السيد الخوئي(قده) في منهاج الصالحين في مسألة ( 70 ) ، وهي قضية يجدر الالتفات إليها.

 

مسألة ( 67 ):- لا يكفي في تحقق الاجازة الرضا الباطني بل لابد من الدلة عليه بالقول مثل رضيت وأجزت ونحوهما أو بالفعل مثل أخذ الثمن أو بيعه أو الإذن في بيعه أو اجازة العقد الواقع عليه أو نحو ذلك.

...................................................................................................

ومحصّل هذه المسألة هو أنه هل يلزم في تحقق الاجازة باللفظ أو يكفي أيّ مبرزٍ بالفعل أو بشيءٍ آخر ؟

وفي مقام التوضيح نقول:- لا إشكال في أنَّه إذا عقد الفضولي[3] فنحتاج إلى اجازة لصحته والكلام هل يعتبر في الاجازة اللفظ الصريح أو يكفي ولو لم يكن صريحاً كما إذا كان بنحو الكناية أو أنه يكفي الفعل أو يكفي الرضا الباطني واقعاً مادمنا قد علمنا به بأيّ مبرز كان ولو لم يكن هو الفعل ؟

والشيخ الأعظم(قده) في المكاسب بعد الرد والبدل انتهى إلى الاحتمال الرابع - يعني يكفي الرضا الواقعي من أي مبرز كان وإن لم يكن لفظاً ولا فعلاً - ، قال(قده):- ( بل لولا شبهة الاجماع الحاصلة من عبارة جماعة من المعاصرين تعين القول بكفاية نفس الرضا إذا علم حصوله من أي طريق ).

فإذاً الذي يحول أمام الشيخ عن المصير إلى هذا الرأي شبهة الاجماع ، واستند فيما صار إليه من كفاية الرضا الواقعي بأيّ مبرزٍ كان إلى كلمات بعض الفقهاء وبعض النصوص التي قد يستفاد منها ذلك.

ونأتي إلى هذه الأقوال:-

أما بالنسبة إلى القول الأول الذي يعتبر اللفظ الصريح:- فلا نعرف له مستنداً وتوجيهاً ، فإنَّ البيع لا يلزم في إيجابه الفظ الصريح وإنما يكفي اللفظ الظاهر لأنَّ مدارنا على الظهورات ولا تشترط الصراحة فكيف بالاجازة ؟!! ، وعلى أي حال هذا مجرد احتمال يعرض وإلا فليس له مدرك.

ومن لملفت للنظر أن الشيخ الأعظم(قده) أوّل ما دخل في هذه المسألة قال:- ( يشترط اللفظ الصريح )[4] ، ثم بعد ذلك انتهى إلى أنه يكفي الرضا الواقعي ، وسنذكر بعد ذلك أنَّ الشيخ الأعظم(قده) حينما كتب هذا الموضوع فقد كتبه وفيه تشويش فهو أشبه بالمسودة ، فهو لم يقل ( قد يقال باشتراط اللفظ ) وإنما قال ( مسألة :- يشترط اللفظ الصريح ) ثم بعد ذلك قال لا يشترط ذلك ، وسنبين فيما بعد أنَّ العرض عند الشيخ في هذا المطلب مشوّش ، وهذا ليس بمهم.

أما بالنسبة إلى القول الثاني وهو أنه يعتبر اللفظ غير الصريح بل يكفي ولو بالكناية:- فقد ذكر له وجهين:-

الوجه الأول:- ما ذكره بعضٌ من أنَّ الاجازة كالبيع في استقرار الملك بها ، يعني أنَّ الملك يستقر بالاجازة ، وحيث إنَّ البيع يشترط فيه أصل اللفظ فيلزم ذلك في الاجازة لأنها كالبيع في استقرار البيع.

ثم قال:- ( وهو يشبه المصادرة )

ونحن نقول:- إنه مصادرة وليس يشبهها ، ووجه المصادرة أنَّ الحكم في المقيس عليه - أي المشبه به - أوّل الكلام ، فمن قال نحن نحتاج إلى اللفظ في البيع حتى تقيس الاجازة عليه وتقول إنَّ الاجازة كالبيع في استقرار الملك بها ، فأوّل الكلام أنَّ البيع يعتبر فيه اللفظ فإنَّ المعاطاة تكفي.

الوجه الثاني:- إنَّ الاستقراء في النواقل الاختيارية كالبيع والاجارة وشبههما يعطي اعتبار اللفظ ، حيث إنَّ الاجازة يحصل بها النقل ، فيلزم فيها اللفظ كما يلزم في سائر النواقل الاختيارية.

وفرق هذا الوجه عن السابق هو أنَّ ذاك الوجه قال البيع ، أما هذا الوجه فقال النواقل الاختيارية ، فهو شبّه الاجازة بمطلق النواقل الاختيارية لا بالبيع ، أما ذاك الوجه فهو ناظر إلى أنَّ الاجازة كالبيع ، ولكن هذا ليس فرقاً مهماً ، إنما المهم هو أنه في الوجه السابق قيل إنَّ وجه الشبه بين البيع والاجازة هو استقرار الملك بها ، بينما في هذا الوجه نقول إنَّ الاجازة كالنواقل الاختيارية في حصول الملك بها ، فهذا الوجه ناظر إلى حصول الملك ، بينما ذاك الوجه ناظر إلى استقرار الملك ، فإن كان هذا يكفي فرقاً فبها ، وإلا فقد يقول قائل إنَّ هذا المقدار لا يعدُّ فرقاً.

وعلّق الشيخ الأعظم(قده) بقوله:- ( وفيه نظر ).

ولعل وجه النظر أمران:-

الأول:- من قال إنَّ النقل يحصل في باب الاجازة بنفس الاجازة حتى تقول هي كالنواقل الاختيارية ، وإنما الناقل هو العقد المقيد والمشروط بالاجازة ، فالناقل هو العقد بشرط الاجازة لا نفس الاجازة.

فإذاً نحن ننكر الصغرى وهي أنَّ النقل يحصل بالاجازة كما في البيع - أيّ بأصل العقد - فهنا يحصل بالاجازة.

ثانياً:- إنَّ المشبه به هو محل كلام - يعني أنَّ اعتبار اللفظ في النواقل الاختيارية أوّل الكلام - فمن أين لك أنه يعتبر اللفظ في النواقل الاختيارية كالبيع أو الاجارة أو المساقاة ، كلا بل يمكن أن يقال إنَّ اللفظ غير معتبر وإنما تكفي المعاطاة.

إذاً توجد مناقشتان لهذا الوجه ، الأولى أشبه بالصغروية وهي أنه من قال إنَّ الاجازة من النواقل حتى تكتسب حكم النواقل ، والثانية هي أنه من قال إنه يعتبر اللفظ في النواقل ؟!!


[1] ومن الواضح أنَّ دفع الاشكالات وحده لا يثبت النتيجة فإنَّ نفي المانع لا يثبت النتيجة بل لابد أن نأتي بالمقتضي وهو وجود العمومات.
[2] كتاب المكاسب، الأنصاري، ج2، ص435.
[3] سواء عقد عن نفسه أم عن المالك فالكلام هنا عن مطلق الفضولي.
[4] كتاب المكاسب، الأنصاري، ج2، ص422.