1441/01/16


تحمیل

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

41/01/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: احكام الاعتكاف.

مسألة ٣ : كل ما يفسد الصوم يفسد الاعتكاف إذا وقع في النهار ، من حيث اشتراط الصوم فيه ، فبطلانه يوجب بطلانه. وكذا يفسده الجماع[1] ، سواء كان في الليل أو النهار.

وقد استدل على مبطلية الجماع بالاجماع وقلنا انه بقطع النظر عن دعوى الاجماع فقد يستدل على ذلك بوجوه واشرنا الى الوجه الاول الذي حاصله ان الكفارة تدل على ثبوت الحرمة والحرمة انما تكون من جهة الاعتكاف فالجماع حرام باعتبار انه مفسد للاعتكاف، وبعبارة اخرى هناك ملازمة بين الكفارة والحرمة التكليفية فاذا كان حرام تكليفاً فهو مفسد للاعتكاف فان حرمة الجماع انما هي من جهة الاعتكاف

ويمكن التامل فيه: فان الملازمة بين الكفارة والحرمة وان انكرها جماعة ولكن ذكرنا اننا نلتزم بها خصوصاً اذا كانت الكفارة من هذا القبيل فان الكفارة لا تكون على الفعل الجائز، ولكن اثبات الفساد على اساس الحرمة التكليفية محل تأمل وتوقف

الدليل الثاني: ما ذكره السيد الخوئي[2] (قده) وغيره من الاستدلال بالادلة الدالة على تنزيل المجامع معتكفاً بمنزلة من افطر يوماً من شهر رمضان ومقتضى عموم التنزيل ان يكون بلحاظ كل الاثار من الحرمة التكليفية والكفارة والحرمة الوضعية، ولا داعي لتخصيص التنزيل بخصوص الكفارة وان ذكرت في الرواية، والمقصود بالرواية هي موثقة سماعة بن مهران قال : سألت أباعبدالله (عليه‌السلام) عن معتكف واقع أهله؟ قال : «هو بمنزلة من أفطر يوماً من شهر رمضان»[3] ، ولدينا موثقة اخرى لسماعة عن أبي عبدالله (عليه‌السلام) قال : سألته عن معتكف واقع أهله؟ قال : «عليه ما على الذي أفطر يوماً من شهر رمضان متعمداً : عتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين ، أو إطعام ستين مسكينا»[4] ، فالرواية التي تتضمن التنزيل لم يذكر فيها الكفارة، ولعل السيد الخوئي (قده) يرى بانهما رواية واحدة بمعنى انه ليس هناك سؤالان صدرا من سماعة بل هناك سؤال واحد وجواب واحد قد صدر من الامام (عليه السلام) وهو يتضمن كلا الامرين ولكن سماعة كان قد جزأ الرواية حين نقلها.

والصحيح في المقام ان يقال باننا تارة نفترض وحدة الرواية بمعنى ان بعض المتون نقلت صدر الرواية وبعضها نقلت ذيلها واخرى نقول بتعدد الرواية فعلى القول بوحدة الرواية فالظاهر انه لا يصح الاستدلال بعموم التنزيل لانها تصرح بالكفارة وهو قرينة على ان المراد بالتنزيل بلحاظها، واما اذا بنينا على القول بتعدد الرواية فقد يقال انه يمكن التمسك بعموم التنزيل في الرواية الاولى، وذكر الكفارة في رواية اخرى لا يصلح ان يكون قرينة على المنع من عموم التنزيل في الرواية الاولى.

وقد اعترض على ذلك بانه حتى لو سلمنا عموم التنزيل الا انه لا يشمل البطلان لانه ليس حكماً شرعياً حتى يكون التنزيل شاملاً له باطلاقه فان التنزيل دائماً يكون بلحاظ احكام المنزٍل نفسه والبطلان حكم عقلي منتزع من فعل المنافي.

وهذا الاعتراض وان ذكره بعض الاعلام الا انه يمكن التأمل فيه فقد ذكر هو بان البطلان ينتزع من فعل المنافي والمنافي انما يحدده الشارع كما في تحديده بان الاكل والشرب منافيان للصوم فبإمكانه ان يقول بان الجماع مناف للاعتكاف، ولا اشكال في ان عموم التنزيل شامل لهذا لان الشارع كما اعتبر الاكل والشرب حراماً ورتب عليه الكفارة كذلك اعتبره منافياً للصوم، فقد نزل من جامع معتكفاً كمن افطر يوماً من شهر رمضان والافطار في شهر رمضان يكون بفعل المنافي.

واعترض عليه ايضاً بان التصريح بالكفارة في الرواية الثانية يصلح ان يكون قرينة على عدم ارادة عموم التنزيل في الرواية الاولى، الا ان هذا الاعتراض غير وارد فالظاهر انه ليس بمانع من عموم التنزيل

هذا، ولكننا نستبعد تعدد الواقعة لان السائل واحد والسؤال واحد وكذا الامام المسؤول، ثم ان الاعتبار لا يساعد على ان يكرر السؤال مرتين على نفس الامام، غاية الامر انه لابد ان نفترض ان الجواب جمع بين الامرين واما نقل سماعة له بروايتين فهو بحاجة الى توجيه، فاذا استقربنا وحدة الرواية يشكل التمسك بعموم التنزيل لان ذكر الكفارة في نفس الرواية يصلح ان يكون قرينة على عدم ارادة عموم التنزيل

الدليل الثالث: التمسك بما دل على النهي عن الجماع في الاعتكاف كما في قوله (عليه السلام) ((لا ياتي امراته ليلاً ولا نهاراً وهو معتكف)) فقالوا بان النهي وان كان له ظهور اولي في الحرمة التكليفية لكن هذا الظهور ينقلب في باب المركبات الى الحرمة الوضعية كما في قوله (عليه السلام) ((لا تصل في ما لا يؤكل لحمه)) فهو ارشاد الى فساد الصلاة في ما لا يؤكل لحمه وكذا النهي عن القهقهة في الصلاة فانه يفهم منه المانعية، وفي المقام فان النهي عن الجماع في الاعتكاف ارشاد الى المبطلية

وقد اعترض عليه بعض الاعلام بان مقتضى الجمع بين ما دل على النهي عن الجماع في الاعتكاف وبين اطلاق صحيحة داود بن سرحان المتقدمة الدالة على انه لا يعتبر في الاعتكاف الا بان يفرض على نفسه اللبث في المسجد وعدم الخروج منه الا لحاجة لابد منها، هو حمل النهي عن الجماع على الحرمة التكليفية.


[2] موسوعة الامام الخوئي: 22/488.
[3] - وسائل الشيعة ط-آل البیت : 10/547.
[4] - وسائل الشيعة ط-آل البیت : 10/548.