1441/05/19


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

41/05/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 76 ) حكم الثمن إذا ردَّ المالك البيع الفضولي ولم يمض المعاملة – شروط المتعاقدين.

ومنها: - ما وراه إسماعيل بن جابر: - «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل نظر على امرأة فأعجبته فسأل عنها فقيل هي ابنة فلان فأتى أباها فقال زوجني ابنتك فزوجه غيرها فولدت منه فعلم بها بعدُ أنها غير انبته وأنها أمة، قال:- تردّ الوليدة على مواليها والولد للرجل وعلى الذي زوّجه قيمة ثمن الولد يعطيه موالي الوليدة كما غرَّ الرجل وخدعه »[1] ، وموضع الشاهد واضح، والسند هو ( محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين[2] عن محمد بن سنان عن اسماعيل بن جابر ) فإنَّ بنيت على أنَّ محمد بن سنان لا مشكلة فيه فبها ونعمت، فالتأمل في محمد بن سنان، والقضية على المباني في حق هذا الرجل، فإن اعتبرناه ثقة فسوف تكون صحيحة وإلا فلا.

وأما من حيث الدلالة:- فدلالتها كسابقتها، يعني ما أوردناه على الرواية السابقة يأتي هنا، حيث نقول إنه حينما قال عليه السلام ( كما غرّه وخدعه ) هل يقصد الضمان بالتغرير في المساحة الواسعة وإن لم يكن يساعد عليه الارتكاز العقلائي أو أن الامام عليه السلام ناظر إلى المساحة الضيقة التي عليها الارتكاز العقلائي، لأننا قلنا عن الارتكاز يوافق في بعض الموارد على ثبوت الضمان ولا يوافق على ثبوت الضمان في مورد أخرى، وحينئذٍ يكون الأمر مردداً بين أن يكون الامام ناظراً إلى الارتكاز عقلائي في مساحته أو أنه ناظر إلى كل تغرير وخديعة أوسع من الارتكاز العقلائي، ونحن نريد أن نستدل على الأوسعية، وإلا ففي الدائرة الضيقة هو ثابت بالارتكاز العقلائي، وحيث إنها مردده بينهما ولا أقل التعليل يتناسب مع النظر إلى الارتكاز العقلائي فإنه يريد أن يعلل بقضية عقلائية فعلى هذا الأساس لا نتمكن أن نستفيد من هذه الرواية الضمان في الدائرة الوسيعة.

إذاً جميع الروايات الثلاث لا يمكن أن سنتفيد منها الضمان في الدائرة الوسيعة، بل أقصى ما ثبت هو الضمان في حدود ما عليه الارتكاز العقلائي كما أوضحنا.

استدراك يرتبط بمتن الرواية الأولى:- حيث قلنا في الرواية الأولى أنها رويت مع إضافة وهي ( بما غرّه ) وقد قلنا هذه الزيادة موجودة في التهذيب وبناءً على وجودها سوف نستفيد من الرواية ولكن صاحب الوسائل نقلها من دون هذه العبارة، فعلى هذا الأساس تصبح نسخة التهذيب والفقيه مرددة بين وجود هذه الجملة وعدم وجودها، أما في النسخة الموجودة بأيدينا من التهذيب والفقيه العبارة موجودة فيهما، ولكن في نسخة صاحب الوسائل يظهر أنها ليست موجودة، ولذلك لم يذكرها، وعلى هذا الأساس يكون الاستناد إلى هذه الرواية محل إشكال، إلا بناءً على أصالة عدم الزيادة عند الدوران بين الزيادة والنقيصة، ولكن بقطع النظر عن هذا لا يمكن الاستناد إليها.

والذي نريد أن نقوله هنا:- هو أنَّ صاحب الوسائل روى هذه الرواية في موردٍ آخر وذكر ما نصه:- ( وعنه عن أبيه وعن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعاً عن ابن أبي عمير عن إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي بصير وغيره عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال في شاهدين شهدا على امرأة بأن زوجها طلقها أو مات عنها فتزوجت ثم جاء زوجها، قال:- يضربان الحدّ ويضمنان الصداق للزوج بما غرّاه ثم تعتد وترجع إلى زوجها )[3] ، فإذاً صاحب الوسائل روى هذه الرواية بهذا الشكل وهي واجدة لعبارة ( بما غرّاه ).

وفي هذا المجال نقول:- مرة يحصل الاطمئنان بالوحدة بين الروايتين ومرة لا يحصل الاطمئنان ويحتمل التعدد، فإن فرض أنه حصل الاطمئنان بالوحدة فهذا يضرنا لأن لازمه أن الرواية واحدة والنسخ مختلفة، فمرة عن نسخة نقلها صاحب الوسائل مع هذه الزيادة، ومرة نقلها من دون هذه الزيادة، وكذلك توجد نسخة للتهذيب والفقيه، ومعنى هذا أنَّ النسخ ليست متفقة وإنما هي مختلفة، ومعه هذا يضرنا، اللهم إلا من بنى على أصالة عدم الزيادة عند الدوران بين الزيادة والنقيصة - أي أنَّ هذه العبارة في موقعها المناسب - أو أنه يحصل له الاطمئنان من جهات أخرى، فالمهم أنَّ الوحدة لا تنفعنا إلا بضم ضمائم، وأما إذا بنينا على التعدد فهذا ينفعنا، لأنه يثبت لنا أنَّ تلك الرواية اختلفت فيها نسخة الوسائل مع الطبعة الموجودة من التهذيب والفقيه ولكن توجد رواية أخرى في مجلدٍ آخر من الوسائل، فهذه الرواية لا تقع طرفاً للمعارضة، وإنما تكون سالمة من المعارضة، فنأخذ بها من دون أي محذور بعد فرض تعدد الرواية.

والخلاصة من كل ما ذكرنا: - إنَّ قاعدة التغرير مسلَّمة بالارتكاز العقلائي ولكن في حدوده الضيقة، فهو يثبت لنا الضمان ليس في الدائرة لسويعة وإنما نرجع في كل مورد إلى ارتكازاتنا العقلائية.

عود إلى صلب الموضوع: - كان كلامنا فيما سبق في مسألة ( 67 ) التي تشتمل عل أحكام ستة وكان كلامنا في الحكم الثاني، يعني إذا فرض أن العين المبيع كان تالفاً ورجع المالك على المشتري بمقدار الثمن فحينئذٍ حيث أن المشتري قد أخذ الثمن من البائع - حسب الفرع الأول - فلا يرجع عليه من جديد ولكن إذا فرض أنه كانت هناك زيادة على مقدار القيمة الواقعية بحيث كان الثمن أزيد من القيمة الواقعية قلنا يرجع المشتري في مقدار الزيادة على البائع، ولكن كلامنا ما هو المستند في رجوع المشتري على البائع في مقدار الزيادة، وقد قلنا توجد وجوه ثلاثة على ما ذكر الشيخ الأعظم(قده) الأول قاعدة التغرير، وبقي وجهان وهما:-

الوجه الثاني: - قاعدة لا ضرر.

الوجه الثالث: - صحيحة جميل.

أما قاعدة لا ضرر:- فيمكن الاشكال على التمسك بها من ناحيتين: -

الأولى: - ما أشرنا إليه أكثر من مرة، من أنَّ قاعدة لا ضرر هي قاعدة نفي لا اثبات لأنها تقول ( لا ضرر ) أي لا حكم ينشأ منه الضرر، فكل حكم ينشأ منه الضرر هو منفي، ولا تثبت حكماً لقصور لسانها، فعدم كونها مثبت لقصور اللسان، ونحن في مقامنا نريد أن نثبت حكماً وجودياً وهو أنَّ المشتري يجوز له أن يرجع على البائع، وهذا حكم وجودي لا تثبته قاعدة لا ضرر، لأنها قاعدة نفي لا اثبات.

الثانية: - إنه بقطع النظر عمّا ذكرنا - يعني مع التسليم بأنها صالحة للشمول لإثبات الحكم الوجودي أيضاً - نقول هي معارضة بتطبيقها في حق البائع أيضاً، فنحن طبقناها في حق المشتري وحكمنا بجواز رجوعه على البائع، وفي المقابل يقال إنَّ البائع سوف يتضرر بالرجوع إليه، فتأتي قاعدة لا ضرر وترفع جواز الرجوع عليه، لأنَّ ذلك ضرر عليه، فهي إذاً معارضة بتطبيقها في حق البائع.

اللهم إلا أن يقول قائل: - إنَّ البائع حيث إنه فضولي ومدلّس - لأنه أوحى بأنَّ الثمن مطابق القيمة الواقعية وليس أزيد منها - ومادام مغرّراً فلا تشمله قاعدة لا ضرر، فإنها جاءت لتوسّع على المشتري من باب أنه قد تضرر وخُدِع، ولم تجئ لتوسّع على الخادع والمدلِّس، فإذاً لا تأتي هذه المعارضة في المقام لهذه النكتة.

وتبقى هذه النكتة هي نكتة عرفية، فإن قبلت بها فلا بأس، وهي ليست نكتة علمية، فعلى هذا الأساس يكون التمسك بقاعدة لا ضرر محل إشكال.

وأما بالنسبة إلى صحيحة جميل:- فهي:- «عن أبي عبد الله عليه السلام:- الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها ثم يجيء مستحق الجارية، قال:- يأخذ الجارية المستحق ويدفع إليه المبتاع قيمة الولد ويرجع على من باعه بثمن الجارية وقيمة الولد التي أخذت منه »[4] ، وهذه الرواية أراد الشيخ الأعظم(قده) أن يتمسك بها لصالح المقام، حيث قالت ( ويرجع على من باعه بثمن الجارية وقيمة الولد التي أخذت منه )، أي يرجع المشتري على البائع، وهذا هو مطلوبنا، وهو أنَّ الأمور الزائدة على الثمن يرجع بها المشتري على البائع، وقد دلت الرواية على ذلك.


[2] وهو بن ابي الخطاب وهو من أجلة اصحابنا.