05-04-1345


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

35/04/05

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضـوع:- حكم من لا شعر له / الحلق والتقصير / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
هذا ولكنّ قد يقال:- إن ما تقتضيه القاعدة - أعني أن تكون الوظيفة هي التقصير لما أشرنا إليه - لابد من رفع اليد عنه برواية زرارة فإنها دلّت على أن الوظيفة في حقّ من لا شعر له هي إمرار الموسى واطلاقها شاملٌ لما إذا لم يكن الحجّ صرورةً - يعني لما إذا كان الحكم هو التخيير بين التقصير وبين الحلق فرغم ذلك يجوز له الاكتفاء بإمرار الموسى - فإن الوارد فيها:- ( إن رجلاً من أهل خراسان قدم حاجّاً وكان أقرع الرأس لا يحسن أن يلبّي فاستفتي له أبو عبد الله عليه السلام فأمر أن يلبّى عنه وأن يُمرَّ الموسى على رأسه فإن ذلك يجزي عنه ) إن الامام لم يستفسر بين أن تكون حجّته هي أولى أو ثانية وهذا يدلّل على أن الوظيفة مطلقاً هي ذلك - يعني أمرار الموسى -.
ونحن كنّا سابقاً نستشكل بالتمسّك بمثل التعبير المذكور -يعني تعبير ( فأمر ) - ونقول إن هذا نقلٌ وحكايةٌ لما صدر من الإمام عليه السلام ولا يُعلَم أن ما صدر منه كيف كان فلعلّ الذي صدر هو صيغة تدلّ على الاستحباب، فبالتالي هو أمرٌ فاستفادة الوجوب من مثل هذه التعابير فيه هذا الإشكال السيّال.
ولكن نقول هنا:- إن هذا الإشكال لا معنى لتطبيقه في المقام فإن الرواية صرّحت وقالت:- ( فإن ذلك يجزي عنه ) - يعني إمرار الموسى يجزي في حقه - وبالتالي هذا يكفينا فإننا نريد أن نثبت أن إمرار الموسى كافٍ أو لا ؟ وهذه الرواية دلّت على كفايته بالصراحة وبالتالي نرفع اليد عن القاعدة التي أشرنا إليها - وهي أنها تقتضي التقصير، كّلا إنه يكفي بإمرار الموسى بصراحة هذه الرواية - . إذن ذلك الذي كنا نذكره لا وجه لتطبيقه في المقام بعد هذا التعبير.
ولكن يرد على التمسّك بهذه الرواية:-
أوّلاً:- إنها تنقل قضيّة في واقعة ولعل الإمام عليه السلام فهم من الواقعة أن هذا الشخص كان حجّه هو الحجّ الأوّل  - لأجل أنه لا يعرف أمور الحج فالإمام عليه السلام من هذا أو من غيره عرف أن حجّه هو الحجّ الأوّل - ومعه فلا يمكن التمسّك بالاطلاق أو عدم استفصال الإمام عليه السلام مادامت القضيّة في واقعة، ومعه فلا يمكن أن نستفيد منها أنه في الحجّ الثاني - الذي يكون العِدلُ فيه هو التقصير - يجزي إمرار الموسى بل يصير القدر المتيقّن هو ما إذا كانت الحجّة حجةً أولى، وبذلك تكون هذه الرواية مخالفة للقاعدة بمقدار نصف المساحة أي في الحج الأوّل أما في الحج الثاني الذي يكون فيه بدلاً اختبارياً - أعني التقصير – فهي ليست شاملة له.
وثانياً:- إنها ضعيفة السند من جهة ياسين الضرير.
وعلى هذا الأساس تكون النتيجة هي التمسّك بمقتضى القاعدة، أعني أن يقصّر غايته يضمّ إلى ذلك إمرار الموسى من باب الاحتياط لأجل هذه الرواية أو لأجل ما ذهب إليه بعض الفقهاء من أنه يجب إمرار الموسى وإن كان الطابع الأكثر على ما نقل صاحب المدارك(قده) هو الاستحباب . هذا هو الاحتياط الكامل، وهذا ما أفتى به الشيخ النائيني(قده) أيضاً حيث قال في دليل الناسك:- ( ومن ليس على رأسه شعرٌ سقط عنه الحلق وتعين عليه التقصير لكن الأحوط أن يمر الموسى ايضاً على رأسه ) . هذا كلّه إذا فرض أن الشخص كان فاقداً للشعر ولكن يمكنه التقصير .
أما إذا فرض أن التقصير كان ليس ممكناً أيضاً بأن كان فاقداً للشعر بالكلية وكان فاقداً للأظافر أيضاً  فماذا يصنع في مثل ذلك وبِمَ يتحلّل ؟
هذه مسألة لم أرَ من تعرّض إليها من قربٍ ولا من بُعد، والمناسب هو الاكتفاء بنيّة التحلّل فإنه لا يوجد طريق آخر للتحلّل إذ المفروض أنه لا يمكنه هذا ولا ذاك والمفروض أن طريق التحلّل منحصرٌ بهذين ولا يوجد شيءٌ ثالثٌ يمكن التحلّل به، نعم الأحوط إمرار الموسى ولو لأجل هذه الروايات وبذلك تكون النتيجة هي أن وظيفة هذا هي التحلّل بإمرار الموسى فإنه يحصل بذلك فالنيّة موجودة وإمرارا الموسى قد أتى به فيكون قد جمع بين المطلبين وإن كانت القاعدة تقتضي الاكتفاء بالنيّة ولكنّ إمرار الموسى من باب الاحتياط لأجل هذه الروايات.
فروع في المقام:- هناك فروعٌ ترتبط بالمقام لا بأس بالالتفات إليها:-
الفرع الأوّل:- لو فرض أن شخصاً ترك الحلق والتقصير حتى خرج شهر ذي الحجّة فما حكم حجّه ؟ وإنما قيّدنا بما إذا خرج شهر ذي الحجّة باعتبار أنه إذا لم يخرج فالمجال بعدُ موجودٌ أما إذا فرض أنه قد خرج فقد انتهى بذلك وقت الحجّ فما هو حكمه ؟
والجواب:- إنه إذا كان عالماً عامداً فالمناسب بطلان عمله وعدم الاكتفاء به فإن الحلق أو التقصير واجبٌ من واجبات الحجّ وجزءٌ من أجزائه فإذا لم يأتِ به فلا يكون مجزياً لأنه ناقصٌ وإجزاءُ الناقص عن التام يحتاج إلى دليل . هذا إذا جزمنا بكونه جزءاً، فإن وجوبه مسلّمٌ ولكن قد يقول شخصٌ إنه واجبٌ ولكنّه محلِّل وليس جزءاً حتى  يؤثر على العمل، فإنه إذا قيل هكذا، أجبنا:- أنه بالتالي قد اشتغلت الذمة بهذا المجموع الذي منه الحلق أو التقصير وبالتالي يشك هل فرغت الذمة أو لم تفرغ فيلزمه حينئذٍ تفريغ ذمّته بنحو الجزم فلابد من أعادة العمل من جديد في السنة الثانية . إذن لا يتوقف ما ذكرناه على أن نجزم بكون الحلق أو التقصير جزءاً بل يكفينا الشك.
أما إذا كان تركه سهواً أو جهلاً :- فإذا فرض أن شهر ذي الحجّة كان بَعدُ باقياً فالأمر سهلٌ فإن لم يمكنه العود حلق في مكانه وأرسل شعره إلى منى، وأما إذا فرض أن شهر ذي الحجّة قد انتهي ففي هذه الحالة قد يقال بالبطلان فإنه لم يأتِ بالعمل بكامل أجزاءه والإجزاء هو الذي يحتاج إلى دليلٍ بعد التسليم بأن الحلق أو القصير واجبٌ في حقّه غايته لا عقاب عليه مادام معذوراً ولكن هذا لا يستلزم الإجزاء.
ولكن قد يقال في مقابل هذا:- إن صحيحة مسمع المتقدّمة يوجد لها إطلاقٌ فنتمسّك به حيث جاء فيها:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل نسي أن يحلق رأسه أو يقصّر حتى نفر، قال:- يحلق في الطريق أو أين كان ) فهي بإطلاقها تشمل ما إذا كان قد خرج شهر ذي الحجّة غايته يلزم أن يبعث بشعر رأسه لدلالة بعض الروايات الأخرى على ذلك.
نعم قد يقول قائل:- إن تعبير السائل بقوله:- ( سألته أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل ..... حتى نفر ) يشعر بأن الالتفات كان قريباً من النفر يعني في الأيام الأولى بعد النفر - يعني أنه التفت إلى ذلك في يوم أربعة عشر أو خمسة عشر - وليس بعد شهرٍ فالرواية ليس لها إطلاقٌ من هذه الناحية.
ولكنّ الظاهر هو أن هذا استظهارٌ بدويٌّ لا موجب له، وهذا الاساس يكون الاكتفاء بالحلق في مكانه ثم إرسال الشعر شيءٌ وجيه.
ونلفت النظر الى شيء:- وهو أنه لو انتهى شهر ذي الحجّة ففي مثل هذه الحالة حتى إذا حكمنا ببطلان حجّه وعدم إمكان التدارك فهو بالتالي ينحلّ إحرامه بشكلٍ قهريّ لا أنه يبقى مُحرِماً إلى السنة التالية باعتبار أن مطلوبيّة العمل مؤقّتة بأشهر الحجّ المعروفة أما إذا انتهى وقتها فحينئذٍ يحصل بذلك بطلانٌ وانحلال قهريٌّ فإن هذا يكشف عن عدم مطلوبيّة الاحرام من البداية إذ مطلوبيته مطلوبية ترابطية . فإذن مادام لا يمكن الإتيان ببقيّة الأجزاء - أعني الحلق - فذاك سوف ينحلّ ويبطل، كما لو فرض أن شخصاً دخل في الصلاة فكبّر ولكن بعد ذلك لم يمكنه الإتيان ببقيّة الأجزاء فإنه نحكم ببصلان تكبيره باعتبار أن المطلوبيّة مطلوبيّة ترابطيّة . هذا مضافاً إلى أننا لا نحتمل أن الشخص شرعاً يبقى محكوماً طيلة السنة بكونه محرماً.
وهذا بخلافة في المعمرة المفردة فإنها غير مؤقتة بوقتٍ فيبقى الجزء الأخير حينئذٍ مطالبٌ به إذ لا يحصل انحلال قهريٌّ وليس له معنى لأن المطلوبيّة ليست في ظرفٍ معيّنٍ حتى تقول إن الظرف قد انتهى، وهذا بخلاف الحج فإن مطلوبيّته خاصّة بهذه الأشهر المعيّنة فإذا انتهت انتهت مطلوبيته.
الفرع الثاني:- هل يكفي الحلق بالماكنة أو يلزم أن يكون الحلق بالموسى ؟
والجواب:- إن الشرع المقدّس أمرنا بالحلق أما كيف تحقّقه فهذه قضيّة متروكة إلى العرف فأيّ وسيلة أمكن من خلالها تحقيق الحلق سواء كان بسكّينٍ أو بماكنةٍ أو بغير ذلك فيكفي ذلك . نعم قد تقول إنه يبقى الشعر الصغير ومعه كيف يتحقق الحلق ؟ أجبنا:- بأن الشعر إذا كان صغيراً فربما لا تتنافى مع صدق الحلق عرفاً كما إذا كان بدرجة صفر فإنه لا يبعد أن يصدق معها الحلق عرفاً، والمهم أن يصدق الحلق عرفاً، وهذا موضوعٌ من الموضوعات فلا يبعد بنظرتنا العرفيّة أنه إذا كان بدرجة صفرٍ فسوف يصدق عليه عنوان الحلق فيُكتَفى بذلك.