29-04-1435


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

35/04/29

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضـوع:- مسألة ( 415 ) / الحلق والتقصير / حج التمتع / مناسك الحجّ للسيد الخوئي(قد).
بقي شيآن:-
الأوّل:- إنه وإن حصل التحلّل من الطيب بطواف الحجّ ولو بضمّ الصلاة والسعي ولكن الأرجح للمكلف أن لا يتطيّب إلا أن يأتي بطواف النساء، أما قبله فالتطيّب جائزٌ - لأن المفروض أنه طاف طواف الحجّ مع الصلاة ومع السعي - ولكنّه مكروه والأرجح تركه، ومستند ذلك ما رواه الشيخ الطوسي(قده) بإسناده عن الحسين بن سعيد عن محمد بن اسماعيل:- ( قال:- كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام:- هل يجوز للحرم المتمتع أن يمسّ الطيب قبل أن يطوف طواف النساء ؟ فقال:- لا )[1]، ولو كنّا نحن وهذه الرواية من دون وجود ما يعارضها لكنّا نقول بإنه لا يجوز التطيّب قبل طواف النساء، ولكن لأجل صحيحتي معاوية وغيرهما الدالتان على أنه بطواف الحجّ مع السعي يحلّ من كلّ شيءٍ إلا النساء وهذا صريحٌ في الجواز وفي الحليّة فيحمل هذا النهي على الكراهة كما صنع الشيخ الطوسي(قده) وغيره على ما نقل الحرّ العاملي(قده) في ذيل الحديث المذكور.
إن قلت:- هذا وجيهٌ إذا فرض أنه كان الوارد هو كلمة ( لا  ) وحدها فيمكن حملها على الكراهة فإن كلمة ( لا ) وحدها ظاهرة في عدم الجواز وليست صريحة في عدم الجواز فيمكن حملها على الكراهة بقرينة صحيحتي معاوية المصرحتين بالتحلّل بطواف الحجّ المقرون بالسعي، ولكن الوارد في هذه الرواية هو لفظ ( لا يجوز ) حيث إنه سأله هكذا:- ( هل يجوز للمحرم ..، قال:- لا ) - يعني لا يجوز - وهذا صريحٌ في عدم الجواز فكيف يمكن حمله على الكراهة ؟
قلت:- إنه قد يشكّك في دعوى صراحة الرواية بعدم الجواز . ولكن لو تنزّلنا فيمكن أن نقول:- إن حملها على الكراهة شيء لازم إذ لا يحتمل فقهياً توقّف التحلّل من الطيب على طواف النساء، إنه غير محتمل ولم يُنقل خلاف في ذلك، فالمسالة إذن ليست قابلة للنقاش، فلابد من حمل هذا النهي على الكراهة، وإذا لم يمكن فنسقطها عن الاعتبار لمخالفتها لما تسالم عليه الأصحاب.
وعلى أيّ حال أفتى الشيخ النائيني(قده) بالكراهة ومستنده لا يبعد أن يكون ما ذكرناه .
وأما السند فهو معتبرٌ فإن طريق الشيخ إلى الحسين بن سعيد معتبرٌ، والحسين بن سعيد الأهوازي من أجلّة أصحابنا، ومحمد بن اسماعيل يعني ابن بزيع[2] الذي يروي عن الرضا عليه السلام أيضاً كذلك.
الثاني:- وهو استدراك لما سبق:- فإنا ذكرنا في القضيّة الثانية من القضايا الثلاث- أعني هل يتوقّف التحلّل من الطيب على ضمّ صلاة الطواف إلى طواف الحجّ أو يكفي نفس طواف الحجّ في حصول التحلّل منه ؟ -، أن الفاضل الهندي في كشف اللثام وصاحب الرياض قالا بأنه يكفي الطواف من دون حاجة إلى ضمّ الصلاة، ونحن في مقام المناقشة ذكرنا مناقشات ثلاث.
وأنا الآن عندي استدراك حول المناقشة الأولى حيث قلنا إن صحيحة معاوية الأولى وإن كانت مطلقة من هذه الناحية - يعني لم تذكر فيها صلاة الطواف - ولكن صحيحته الثانية ذكرت صلاة الطواف فتكون هذه الثانية مقيّدة للأولى.
والاستدراك:- هو أن صحيحة معاوية الثانية لو كانت تذكر صلاة الطواف فقط لكان ما ذكرناه شيئاً جيداً ولكنّها اشتملت على أمورٍ أخرى وهي مستحبّة جزماً، من قبيل أن يقرأ في ركعتي الطواف في الركعة الأولى السورة الفلانيّة وفي الركعة الثانية السورة الفلانيّة وبعض المستحبات والامام عليه السلام قال بعد ذلك:- ( فإذا فعل ذلك فقد أحلّ من كلّ شيءٍ أحرم منه إلّا النساء ) - يعني أحلّ من الطيب -، فلاحظ العبارة في الصحيحة الثانية حيث قالت:- ( فإذا أتيت البيت يوم النحر ... ثم طف بالبيت سبعة أشواط كما وصفت لك يوم قدمت مكة ثم صلّ عند مقام إبراهيم ركعتين تقرأ فيهما بقل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون ثم ارجع إلى الحجر الأسود فقبّله إن استطعت واستقبله وكبّر ثم اخرج إلى الصفا فاصعد عليه واصنع كما صنعت يوم دخلت مكة ثم ائت المروة فاصعد عليها وطف بينهما سبعة أشواط ... فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كلّ شيءٍ أحرمت منه إلّا النساء )، وقلنا سابقاً نحن نتمسّك بمفهوم الشرط - يعني أن التحلّل يحصل لو طفت وصليت وسعيت -، والآن نقول:- لو فرض أن الرواية لم تذكر إلّا هذه الأمور - يعني طفت وصليت وسعيت فإذا فعلت أحللت - لكان المفهوم شيئاً مقبولاً ويخصّص صحيحة معاوية الأولى بلزوم ضمّ صلاة الطواف إلى طواف الحجّ في حصول التحلّل من الطيب، ولكنّها ذكرت أنه يقرأ هاتين السورتين في صلاة الطواف، وهكذا ذكرت أنه يرجع إلى الحجر الأسود ويفعل كذا وكذا فإذا فعل هذه الأمور بمجموعها فحينئذٍ يحصل التحلّل، ونحن نعلم من الخارج أن حصول التحلّل ليس مشروطاً بجميع هذه الأمور المذكورة في الرواية، فالمفهوم الذي تدلّ عليه هذه الرواية لا يمكن الأخذ به، إذ لعل واحداً من هذه الأمور التي هي ليست شرطاً في حصول التحلّل - يعني غير السورتين وغير استقبال الحجر الأسود - هو صلاة الطواف خصوصاً بقرينة أن الصحيحة الأولى لمعاوية لم تذكر صلاة الطواف . وعلى هذا الأساس يكون الأخذ بمفهوم هذه الصحيحة بدائرته الوسيعة أمراً مرفوضاً جزماً والدائرة الضيّقة ليست معلومة لنا فلعلّ تلك الدائرة الضيّقة لا تشمل صلاة الطواف كما لا تشمل قراءة السورتين واستقبال الحجر الأسود . إذن التمسّك بمفهوم الشرط في المقام لا يخلو من تحفّظ، والأجدر التمسّك بالجوابين الآخرين اللذين أشرنا إليهما - والذي أحدهما هو أن نفس صحيحة معاوية الأولى حينما قالت ( طف ) فهذا يستبطن صلاة الطواف، وثانيهما هو الكثرة الخارجية -.
العنوان الثاني:- ما يحصل به التحلّل من النساء.
لا إشكال في أن المكلّف إذا أحرم تحرم عليه بإحرامه النساء، ولكن ليس كلّ ما يرتبط بها حتى مثل النظر إليها من دون شهوة أو مسّها من دون شهوة، كلّا إن ذلك لا بأس به، وإنما المحرّم بعد الإحرام من النساء خمسة أشياء هي الجماع والعقد عليها والنظر بشهوة والمسّ - ومنه التقبيل - بشهوة والملاعبة، وأما ما عداها فليست محرّمة . إذن بالإحرام تحرم هذه الأمور الخمسة جزماً . يبقى حينئذٍ ماذا يتوقّف على طواف النساء فإن طواف النساء محلّلٌ من النساء ولكنّه محلّلٌ لأيّ شيء ؟ إن القدر المتيقن هو أن الجماع يتوقف على طواف النساء . إذن صار عندنا شيآن من المسلّمات أحدهما بالإحرام فيحرم من النساء خمسة أشياء وثانيهما أن الجماع تتوقف حليّته على طواف النساء.
والكلام:- هو أنه بعد أن يحلق الحاج أو يقصّر في اليوم العاشر هل تحلّ له بعض الأمور المرتبطة بالنساء غير الجماع - يعني الأربعة الباقية – أو لا ؟ أي هل يجوز له أن يعقد  على امرأة أو يقبّل زوجته أو يمسّها بشهوة ؟
وقد تعرض السيد الماتن(قده) إلى هذا المطلب في ذيل مسألتنا حيث قال:- ( إذا طاف المتمتّع وصلّى وسعى حلّ له الطيب وبقي عليه من المحرّمات بل الصيد على الأحوط، والظاهر جواز العقد له ولكن لا يجوز له شيء من الاستمتاعات المتقدّمة على الأحوط وإن كان الأظهر اختصاص التحريم بالجماع ).
وهناك قضيتان فنيّتان:-
الأولى:- إن هذا المطلب يستحقّ أن يذكر في مسألة مستقلة لا أنه يذكر كذيلٍ لمسألة أخرى، بل هو مطلبٌ مستقلّ في حدّ نفسه يستدعي أن يبيّن، وبيانه أيضاً لابد وأن يكون بشكلٍ واضح، فإن ما ذكره(قده) قد لا يتضّح حتى لطالب العلم، فإنه حينما يقرأ العبارة لا يفهم المطلب بالشكل الذي أشرت إليه وإنما يفهمه فهماً سطحياً ومشوّشاً، فالمناسب أن تعقد مسألة يقال فيها ( إنه بالإحرام تحرم خمسة أشياء من النساء ... ) ثم يقول ( وتتوقّف حليّة الجماع على طواف النساء، وأما الأربعة الباقية فهل تحلّ بالحلق أو التقصير أو لا ؟ .. )، فيكون المطلب بهذا العرض جليّاً.
الثانية:- ليس من المناسب ذكر هذا المطلب في ذيل طواف الحجّ والسعي فإنه لا يرتبط بهما، وإنما المناسب ذكره في طواف النساء أو في الحلق والتقصير - يعني في الموطن الأوّل من مواطن التحلّل -.
وعلى أي حاللعل أوّل من أشار إلى هذا المطلب العلامة(قده) في قواعده.



[2]  وهو صاحب الرواية المعروفة ( ماء البئر واسع لا يفسده شيء إلا ما غيّر ... )، وهو أيضاً صاحب الرواية المعروفة التي تقول ( من زار قبر أخيه المؤمن مستقبلاً القبلة ووضع يده على قبره وقرأ إنا انزلناه سبع مرات أمن من الفزع .... ).