03-05-1435


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

35/05/03

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضـوع:- مسالة ( 416 )، الواجب العاشر والحادي عشر من واجبات الحج ( طواف النساء وصلاته ) / الحلق والتقصير / حج التمتع / مناسك الحجّ للسيد الخوئي(قد).
وأما بالنسبة إلى الرواية الثانية - أعني صحيحة الحلبي التي جاء التعبير فيها بقوله ( ولا تقرب النساء ):- فيمكن أن يقال بأن لفظة المقاربة ربما يقول هي مختصّة بخصوص الجماع إلا أن صيغة ( لا تقرب ) هي صالحة لإرادة مطلق الاقتراب من النساء فيعمّ الاستمتاعات بالنساء أيضاً، فحينما يقال ( لا تقرب النساء ) فهو صالح لإرادة المعنى الأعم[1]، وهذا استعمال وجيهٌ، وعلى هذا الأساس تبقى صيغة ( لا تقرب ) محتملة لإرادة الاثنين معاً يعني خصوص المقاربة أو مطلق الاستمتاع،  ومعه فسوف تصير هذه الصيغة مجملة - ويكفيني الاحتمال ولا أريد أن أستظهر أن المقصود من لا تقرب هو مطلق الاستمتاع - ويعود التمسك بالاطلاق الثابت في صحيحة معاوية بلا مانع لأنه اعترف بأنه يوجد إطلاق في صحيحة معاوية وهذا الاطلاق لا نرفع اليد عنه إلّا بمقيّد، وقد عرفنا أن صيغة لا تقرب ليست صالحة للتقييد بعد احتمال كون المراد هو النهي عن مطلق الاستمتاع.
ونضيف إلى ذلك أيضاً:- أنه لو رجعنا إلى الروايات فربما نستفيد من بعضها حرمة مطلق الاستمتاع قبل طواف النساء، وأنا ليست بصدد حصر تلك الروايات ولكن أذكر مثالاً لبعض الروايات التي يستفاد منها أن الاستمتاع بالمرأة قبل طواف النساء حرام، فحتى لو تمّ ما ذكره(قده) من المقيّد يكون هذا معارِضاً فيبقى الاطلاق سليماً عن المقيّد، فمن جملة تلك الروايات صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث:- ( قال:- سألته عن رجل قبّل امرأته وقد طاف طواف النساء ولم تطف هي، قال:- عليه دم يهريقه من عنده )[2]، إن المفروض فيها أنها لم تطف طواف النساء والامام عليه السلام أوجب الكفّارة ويتحمّلها الزوج لأنه السبب لذلك، وبناءً على مبنىً له(قده) وهو أن ثبوت الكفارة يدلّ على التحريم يستفاد من ذلك أن التقبيل قبل الاتيان بطواف النساء محرَّم.
ومن جملة الروايات صحيحة علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام:- ( سألته عن رجل قال لامرأته أو جاريته بعدما حلق ولم يطف ولم يسع بين الصفا والمروة:- اطرحي ثوبك ونظر إلى فرجها، قال:- لا شيء عليه إذا لم يكن غير النظر )[3]، إنه عليه السلام قال ( لا شيء عليه ) أي لا كفارة ( إذا لم يكن غير النظر ) يعني إذا كان أكثر من النظر كما لو كان مع الملامسة مثلاً فعليه الكفارة، وذلك على مبناه يدلّ على ثبوت الحرمة . إذن هاتان الروايتان تدلّان على ذلك . ولعلّ المراجع يحصل على أكثر من رواية تدلّ على ثبوت التحريم ولكن على مبناه(قده).
والنتيجة من كل هذا:- هي أن المحرّمات الخمسة التي حرمت بالإحرام - أعني الجماع والتقبيل وغيرهما - تبقى حرمتها إلى أن يتحقق طواف النساء، خلافاً لما استظهره(قده) من اختصاص الحرمة بالجماع وأما بقية الاستمتاعات فهي لا تتوقف على طواف النساء وإن احتاط.
بقي شيء:- وهو أن المناسب ماذا نعبّر فهل نقول هل هذه الخمسة ترتفع حرمتها بعد الحلق أو التقصير - أي هذه الأربعة الباقية غير الجماع - من دون توقّف على طواف النساء ؟ أو نعبّر ونقول هل ترتفع حرمة هذه الأربعة بطواف الحجّ والسعي - دون أن نعبّر بالحلق أو التقصير  - أو تستمر الحرمة إلى طواف النساء ؟ فالكلام هنا في الفترة التي هي محلّ الاشكال فإن نهايتها محدّدة وهي طواف النساء ولكن كلامنا في بدايتها فماذا نعبّر كتعبيرٍ فهل نعبّر بالتعبير الأول أو بالثاني ؟
فإذن طرف النهاية الذي ترتفع به الحرمة جزماً وليس فيه كلامٌ هو طواف النساء، ولكن يوجد احتمالٌ بأن حرمة هذه الأربعة ترتفع قبل ذلك فهل ترتفع بعد الحلق والتقصير أو بعد طواف الحج والسعي فالبداية ما هو ؟
والجواب:- المناسب أن تكون بعد الحلق والتقصير ؛ لأن صحيحتي معاوية قالتا ( إذا حلق أو قصّر حلّ من كلّ شيء أحرم منه إلّا النساء ) فإذا قلنا بأن المفهوم من كلمة نساء - كما فهم السيد الخوئي وكشف اللثام - غير العقد فمعنى ذلك أن حرمة العقد ترتفع بالحلق أو التقصير ولا معنى لأن نحتمل الثاني . نعم حليّة الطيب تتوقف على ذلك، أما حليّة هذه الاستمتاعات بناءً على كون المنصرف من كلمة النساء غير العقد فعلى هذا الأساس ترتفع حرمة العقد بالحلق أو التقصير، وإذا ألحقنا بقيّة الاستمتاعات بالعقد - كما صار إلى ذلك السيد الماتن - فسوف تحلّ جميعها بالحلق أو التقصير . فإذن البداية هي الحلق والتقصير وليست هي طواف الحج والسعي، وهذا ينبغي أن يكون مطلباً واضحاً . ولكن جاء في العبارة ما يوحي بالثاني فإنه عبّر هكذا:- ( والظاهر جواز العقد له بعد طوافه وسعيه ) وهذا من سهو القلم فإن المناسب لا بد وأن يصير هكذا ( بعد حلقه أو تقصيره )، وهذا مطلب واضح ولا حاجة إلى الاطالة من هذه الناحية.


مسألة ( 416 ):- من كان يجوز له تقديم الطواف والسعي إذا قدّمهما على الوقوفين لا يحلّ له الطيب حتى يأتي بمناسك منى من الرمي والذبح والحلق أو التقصير.
..........................................................................................................
إن مضمون هذه المسألة قد أشرنا إليه في المسألة السابقة حيث ذكرنا تحت عنوان ( ما يتحلّل به من الطيب ) ثلاث قضايا وكانت القضية الثالثة هي هذه وقلنا أنها سوف تأتي في هذه المسألة، وكان الوجه في ذلك هو أن المستفاد من صحيحة معاوية أن تحلّل الطيب مشروط بالترتيب، يعني يأتي أوّلاً بأعمال منى ثم بعد ذلك إذا طاف وسعى فقد حلّ من كلّ شيءٍ إلّا النساء، وهذه لها مفهومٌ - يعني إذا لم يفعل ذلك فلا يحلّ له الطيب -، ومعلومٌ أن الحاج إذا قدّم الطواف والسعي فالترتيب مفقودٌ فلا تحصل بذلك حليّة الطيب، فهو(قده) يستفيد من المفهوم ويقيّد اطلاق بقيّة الروايات - إن كان - مثل رواية منصور.
ونحن أضفنا شيئاً وقلنا:- إنه بناءً على مختارنا لنا طريق أخر للوصول إلى هذ النتيجة وهو أنه لو شككنا في أن الترتيب شرط في التحلّل من الطيب أو لا ؟ فيكفينا الشكّ ولا نحتاج إلى مفهومٍ يقيّد اطلاق الرواية الأخرى، حيث نتمسّك باستصحاب بقاء الحرمة السابقة،  ولكن هذا ينفع على مبنانا ولا ينفع على مبناه لأن هذا استصحابٌ في الشبهة الحكميّة وهو لا يجري فيكون المرجع بناءً على هذا هو البراءة، فالنتيجة سوف تكون في غير صالحه ولذلك يبقى(قده) يصّر على أن المفهوم ثابتٌ ولا يتنازل عنه.
وهناك قضية فنيّة:- وهي أنه ورد في العبارة هكذا:- ( من كان يجوز له تقديم الطواف والسعي إذا قدّمهما ... )، وعلى مبناه لا يجوز تقديم إلا الطواف أما السعي فلا يجوز تقديمه عنده . نعم هو بنى على أن الخائف يجوز له ذلك ولكن يجوز له تقديم الثلاثة - يعني طواق النساء أيضا - فعلى هذا الأساس المناسب فنيّاً إما أن يقتصر على الطواف فيقول ( من كان يجوز له تقديم الطواف إذا قدّمه على الوقوفين .... )، أو يقول ( من كان يجوز له تقديم الطواف والسعي وطواف النساء فإذا قدّمها لا يحلّ له كذا ) . اللهم إلّا أن يجيب بأن مقصودي من الطواف هو ما يعمّ الطواف والسعي.

طواف النساء:-
الواجب العاشر والحادي عشر من واجبات الحج طواف النساء وصلاته . وهما وإن كانا ن الواجبات إلا أنهما ليس من نشك الحج، فتركهما ولو عمداً لا يوجب فساد الحج.
..........................................................................................................
توجد عدة نقاط في هذا المجال:-
النقطة الأولى:- عرفنا أن طواف النساء يتوقف عليه حليّة النساء إما بمعنى خصوص الجماع كما اختاره هو (قده) أو أعمّ كما اخترناه . هذا ولكن المنسوب إلى ابن أبي عقيل أن النساء تحلّ بالسعي، فإذا طاف طواف الحج وسعى فكما يحلّ له الطيب تحلّ له النساء فحلية النساء لا تتوقف على طواف النساء، وقد نقل ذلك عنه العلامة في المختلف حيث قال ما نصّه:- ( الكلام هنا يقع في مقامين الأول في وجوب طواف النساء وتحريمهنَّ على المحرِم قبل فعله وهو مذهب علمائنا أجمع إلا ابن أبي عقيل فإن كلامه هذا يشعر بإباحة وطئهن قبله )[4]، وقال الفاضل الهندي في كشف اللثام: - ( ولا تحلّ النساء للرجال إلا به للأخبار والاجماع إلّا من الحَسَن وهو نادر )[5]، وقال في الجواهر:- ( الثالث:- إذا طاف طواف النساء حلّ له النساء بلا خلافٍ معتدّ به أجده فيه بل الاجماع بقسميه عليه مضافاً إلى ما سمعته من النصوص فما عن الحسن من عدم وجوبه لذلك واضح الفساد )[6] . وعلى أي حال عبارة الحسن ليست بأيدينا فإن كتابه من جملة الكتب التي كان الحاج يشتريها عندما يأتي الى الحج - وكأنه أشبه بالرسالة العمليّة -، فهذا الكتاب ليس موجوداً ولا نعرف كيف وقع رأي ابن عقيل في يد العلامة . وعلى أي حال لا نعرف توجيهاً لذلك، ويكفي في ردّه صحيحتا معاوية فإنهما واضحتان في أن النساء لا تحلّ إلّا بطواف النساء، وهذا واضحٌ ولا يستدعي الاطالة.