09-05-1435


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

35/05/09

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضـوع:- الواجب العاشر والحادي عشر من واجبات الحج ( طواف النساء وصلاته ) / الحلق والتقصير / حج التمتع / مناسك الحجّ للسيد الخوئي(قد).
يمكن أن يقال:- إن حكم الخنثى ذلك أيضاً، يعني أنه لا يحصل لها الإحلال من حيث حليّة النساء أو الرجال إلّا بطواف النساء ؛ وذلك إمّا للجزم بعدم الخصوصيّة فيقال إذا ثبت هذا الحكم في حقّ الرجال أو النساء فيثبت في حقّ الخنثى أيضاً لعدم احتمال الخصوصيّة من هذه الناحية، أو يقال:- إنّنا نتمسّك بالاستصحاب بمعنى أنها حينما أحرمت حرم عليها الرجال أو النساء وبعدما حلقت أو قصّرت نشك هل حلّ لها النساء أو الرجال أو لا ؟  فاستصحاب بقاء الحرمة يكون جارياً وثابتاً إلى أن يحصل الجزم بارتفاع الحرمة والجزم يحصل بطواف النساء فإنه لا نحتمل أن الحرمة تبقى حتى بعد طواف النساء . فإذن الحليّة تحصل لها عند طواف النساء لأجل الاستصحاب المذكور . وواضح أن مثل السيد الخوئي(قده) ينحصر أمره بالطريق الأوّل - يعني إلغاء الخصوصيّة - وأمّا الطريق الثاني فهو منسدٌّ أمامه لأنه لا يرى جريان الاستصحاب في باب الشبهات الحكميّة، والمورد كذلك فإن الشبهة فيه هي من حيث الحكم الكليّ فعلى رأيه لا يكون استصحاب بقاء الحرمة جارياً فيتعيّن عليه أن يسلك الطريق الأوّل.
الفرع الثالث:- حكم الصبي.
إذا فرض أن الصبي[1]  أحرم للحج أو العمرة المفردة وأتى بعد ذلك بطواف النساء فلا مشكلة، يعني حينما يبلغ يجوز له أن يتزوّج بالنساء ولا مشكلة آنذاك، وإنما الكلام فيما إذا لم يأتِ بطواف النساء ووليّه أيضاً غافلٌ عن هذه القضيّة فلم يتحقّق طواف النساء منه، فهل تحرم النساء في حقّه إلى أن يطوف طواف النساء أو أن الحرمة ليست ثابتة في حقّه ؟ فما هو الصحيح في هذا المجال؟
نقل صاحب الجواهر(قده)[2] عن بعض الأصحاب أنه قال:- إن الحرمة تكون ثابتة في حقه - يعني بعد البلوغ -، والوجه في ذلك هو أنه حينما أحرم ثبتت بذلك حرمة النساء وهذا حكمٌ وضعيٌّ والأحكام الوضعيّة ثابتة في حقّ الصبي وإنما المرفوع عنه هو الأحكام التكليفية.
وذكر السيد الخوئي(قده)[3] تفصيلاً في هذا المجال لعلّه لا يغاير ما نقله صاحب الجواهر(قده) فذكر أنه ينبغي التفصيل بين الأحكام الوضعيّة والأحكام التكليفيّة، فلو فرض أن الصبي زوّجه وليّة بامرأةٍ قبل أن يحلق أو يقصّر[4] فحينئذٍ نقول إن هذا العقد باطل فإن ذلك حكم وضعيّ والأحكام الوضعيّة ثابتة في حقّ الصبي ولا ترتفع بحديث رفع القلم، أمّا لو فرض أنه كان عنده زوجة قبل الإحرام - أي زوجه وليّه قبل الإحرام - وأحرم ولم يأت بطواف النساء ورجع إلى بلده ثم بلغ وأراد أن يدخل بها فهل يجوز له ذلك أو لا ؟ هنا ذكر(قده) أنه لا حرمة في حقّه فله أن يدخل بها بلا حاجة إلى طواف النساء، والوجه في ذلك هو أنه مادام صبيّاً ولم يبلغ بعدُ فلا حرمة تكليفية من حيث الدخول لأن حرمة الدخول حرمة تكليفيّة والحرمة التكليفيّة ليست ثابتة في حقّ الصبي لحديث رفع القلم وبعد أن بلغ فلا دليل على تجدّد حدوث الحرمة فلا حاجة أيضاً إلى حديث رفع القلم، فإذن طواف النساء لماذا ولأيّ شيءٍ  نحتاج إليه ؟!
نعم يجوز بلا حاجة إلى طواف النساء والوجه في ذلك هو أنه قبل أن يكون بالغاً لا حرمة في حقّه لحديث رفع القلم، وبعد أن يبلغ لا مثبت لحدوث الحرمة فإن الادلة التي دلّت على أن حرمة الوطء وحرمة الاستمتاعات هي موجودة من حين الإحرام والمفروض أنها هنا من حين الإحرام ليست ثابتة جزماً فمدلول الدليل لا يمكن الأخذ به لأنه يدلّ على ثبوت الحرمة من حين الإحرام وهنا ليست ثابتة من حين الإحرام لحديث رفع القلم فثبوتها بعد الإحرام يحتاج إلى دليل فإنها بالدليل الأوّلي لا يمكن إثباتها فنحتاج إلى دليلٍ ثانٍ ولا دليل ثاني . فعلى هذا الأساس لماذا نحتاج إلى طواف النساء ؟! . هذا توضيح ما أفاده(قده) من التفصيل.
إذن هل هذا التفصيل الذي بيّنه(قده) يغاير ما ذكره صاحب الجواهر(قده) أو هو نفسه ؟ أنا أرى أنّه لا فرق بينهما بل هو نفسه ولكنّه بيَّنه وشرحه.
وقبل أن نعلّق نقول:- لابد من الالتفات إلى قضيّة جانبيّة لعلّها ليست مهمّة وهي أن حديث رفع القلم من حيث السند ربما يصعب تصحيحه، وهذا يحتاج إلى ملاحظة الروايات في هذا المجال، وقد أشرنا باختصار إلى ذلك في كتاب دروس تمهيديّة في الفقه الاستدلالي في باب التكليف وأنه من شرائط التكليف البلوغ وما هو الدليل على البلوغ ؟ قلنا هو حديث رفع القلم، وهناك تعرّضنا إلى هذه المسألة، وأنا لا أريد أن أقول هذا لا يمكن أبداً بل هو شيءٌ صعبٌ وليس سهلاً، وهذه قضيّة جانبيّة.
ولكن رغم أنه يصعب تصحيحه من حيث السند ولكن لا مناص للفقيه من الأخذ به، ولكن كيف نأخذ به فما هي التخريجة الفنيّة لذلك ؟
إنّه إمّا أن نقول بأن استناد الأصحاب إليه يورث لنا الاطمئنان بصدوره وبحقّانيته، وواضح أن المشهور لا يحتاجون إلى هذا اللسان ذو اللهجة العالية بل يكفيهم أن يقولوا أنه إمّا أنه مشهورٌ على مستوى الرواية أو أنّه انجبر بعمل المشهور، أمّا نحن من يقبل هذا الكلام فيحتاج إلى تصعيد اللهجة فيقول إنّه يحصل لنا الاطمئنان بصدورها وحقّانيتها حيث إن الجميع قد استندوا إليه وأخذوا به بنحو التسليم فيحصل لنا الاطمئنان، أو نقول:- إنَّ مضمون حديث رفع القلم هو مضمون لا يحتاج إلى سندٍ فهو مضمونٌ عقليّ أو عقلائي فإذن لا يحتاج إلى سند.
وتظهر ثمرتان بين الاستناد إلى العقل العقلاء وبين الاستناد إلى  ذاك:-
الثمرة الأولى:- إنه على هذا الثاني إنما يكون القلم مرتفعاً إذا فرضنا أن إدراكات الصبي ضعيفة - أي غير مميز - أمّا إذا كان عمره خمسة عشر سنة إلّا يوماً أو أربعة عشر سنة ونصف وكانت إدراكاته جيّدة فهنا إذا أخذنا بحديث رفع القلم فيكون التكليف مرفوعاً عنه، وأما إذا أخذنا بالعقل والعقلاء فيشكل الأمر فإن هذا كامل الوعي ولا فرق بينه وبين البالغ من هذه الناحية.
الثمرة الثانية:- إنّه على المستند الأوّل حينئذٍ الفقيه يأخذ بالدوران مدار الألفاظ - أي مدار كلمة ( قلم ) وكلمة ( رفع ) - ويقول إن كلمة ( قلم ) مطلقة وشاملة مثلاً لقلم المؤاخذة والتكليف والوضع فنتمسّك بالاطلاق، أمّا بناءً على كون المستند هو العقل والعقلاء فلا يوجد لفظ حتى نتمسك بإطلاقه وإنما نأخذ بالقدر المتيقّن الثابت عند العقلاء وهو مثلاً المؤاخذة فنقول إن المرفوع هو المؤاخذة لا أكثر من ذلك وفكرة الاطلاق حينئذٍ لا تأتي هنا بل هي خاصّة بالأدلة اللفظيّة.
وفي مقام المناقشة أقول:-
أما أوّلاً:- فقد ذكر(قده) أنه لو عقد للصبي على امرأة في عرفات فالعقد باطلٌ وهذا حكم وضعي والأحكام الوضعيّة ثابتة في حقّ الصبي وليست مرفوعة بحديث رفع القلم . ولكن له كلام آخر في باب الزكاة ويسرّيه أيضاً لباب الخمس:- وهو أنه ذكر في باب الزكاة أن الصبي لو كان يملك نصاباً زكويّاً فهل أن حقّ الزكاة ثابت في ماله أو لا ؟ - وواضحٌ أن وجوب الإخراج ليس متوجّهاً إليه لأنه حكم تكليفي بل كلامنا هو في أصل ثبوت الزكاة وهل يكون ماله مشتركاً بينه وبين الفقراء ؟ - . وهكذا الكلام في باب الخمس فإذا كانت عنده أموال ومرّ عليها الحول فهل يثبت أصل الخمس فيها أو لا ؟  نعم وجوب الدفع ليس بثابت . هنا ذكر(قده)[5] أن الزكاة غير ثابتة لحديث رفع القلم فإن المقصود من القلم سجلّ التشريع فالصبي خارج عن سجلّ التشريع، فهو ليس مشمولاً للتشريعات، والحكم الوضعي تشريعٌ من التشريعات فهو ليس مشمولاً لهذا التشريع، فلا دليل على ثبوت الزكاة في حقّه مادام صبياً لحديث رفع القلم، وبعد أن بلغ فليس هذا مالاً جديداً حتى يشمله وجوب الزكاة فهو ملكٌ له من البداية وليس عليه زكاة لحديث رفع القلم والآن هو ليس ملكاً جديداً.
ونفس الكلام نقوله في الخمس فلا يشمله دليل وجوب الخمس.
أوليس هذا يعارض ذاك ؟! وبالتالي يكون كلامه في مسألة عدم شمول حديث رفع القلم للأحكام الوضعيّة واختصاصه بالأحكام التكليفية يظهر أنه متهافت ؟!!


[1]  وواضحٌ الصبي نذكره من باب المثال، وإلا فالكلام نفسه يأتي في الصبيّة.
[2]  جواهر الكلام، الجواهري النجفي، ج19، ص260.
[3]  المعتمد، الخوئي، ج5، ص359.
[4]  – فإنه على رأي السيد الخوئي(قده) العقد باطلٌ هنا أما بعد أن حلق أو قصّر ولو قبل أن يأتي بطواف النساء فالعقد صحيحٌ ولا مشكلة وإنما نحن كنّا نذهب إلى أن الأحكام الخمسة تبقى مستمرّة إلى طواف النساء، أمّا هو فكان يتبنى على أن الوطء فقط هو الذي تبقى حرمته إلى طواف النساء -.
[5]  المستند، ص11، ط جديدة.