11-05-1435


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

35/05/11

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضـوع:- مسألة ( 417 ) / الواجب العاشر والحادي عشر من واجبات الحج ( طواف النساء وصلاته ) / حج التمتع / مناسك الحجّ للسيد الخوئي(قد).
أما بالنسبة إلى الأخبار:- فكصحيحة الفضلاء المتقدّمة عن أبي عبد الله عليه السلام حيث قال:- ( المرأة إذا قدمت مكة ثم حاضت تقيم ما بينها وبين التروية فإن طهرت طافت بالبيت وسعت بين الصفا والمروة وإن لم تطهر إلى يوم التروية اغتسلت واحتشت ثم سعت بين الصفا والمروة ثم خرجت إلى منى فإذا قضت المناسك وزارت البيت طافت بالبيت طوافاً لعمرتها ثم طافت طوافاً للحج ثم خرجت فسعت فإذا فعلت ذلك فقد أحلّت من كلّ شيءٍ يحلّ منه المحرم إلّا فراش زوجها فإذا طافت طوافاً آخر حلّ لها فراش زوجها )[1]، والشاهد هو قوله عليه السلام:-( فإذا فعلت ذلك فقد أحلت من كلّ شيءٍ يحلّ منه المحرم إلا فراش زوجها فإذا طافت طوافاً آخر حلّ لها فراش زوجها ) . إذن هذا يعني أنه يحرم عليها الجماع وتتوقف حلّيته على طواف النساء .
وعلى منوالها صحيحة العلاء بن صبيح وعبد الرحمن بن الحجاج وعلي بن رئاب وعبد الله بن صالح كلّهم عن أبي عبد الله عليه السلام فإنه جاء فيها بعد لوزم طواف الحج والسعي قال عليه السلام:- ( فإذا فعلت ذلك فقد أحلّت من كلّ شيءٍ يحلّ منه المحرم إلّا فراش زوجها فإذا طافت طوافاً آخر حلّ لها فراش زوجها )[2]، وعلى منوالها الرواية الثانية والثالثة[3].
إذن دلالة هذه الروايات على المطلوب واضحة، فإذا كان يشكل التمسّك بالآية الكريمة فعندنا هذه الروايات . وعلى الأقل كان المناسب لصاحب المدارك(قده) إذا لم يرتضِ هذه الروايات أن يذكرها ثم يناقشها.
وأما الاستصحاب فتقريبه أن يقال:- إن المرأة إذا أحرمت فبالإحرام يحرم عليها الفراش، وإنما الكلام هو أنه متى يحلّ الفراش ؟ فنزاع العلّامة والشهيد الثاني هو في أنه هل الإحلال يصير بالتقصير أو يتوقّف على طواف النساء ؟ أمّا حرمة الفراش من بداية الاحرام فلا كلام فيه، فعلى هذا الاساس نحن نشكّ أنه بالتقصير هل تزول الحرمة أو لا فنستصحب بقاء الحرمة . فإذا كان هذا الوجه لم يكن موجوداً لأن المفروض أن العلامة يقول لا دليل على  التوقّف على طواف النساء، فنقول له:- لا بأس ولكن الاستصحاب صالحٌ لأن يكون دليلاً . فإذن يكفينا التمسّك بالاستصحاب بناءً على جريانه في الشبهات الحكميّة، وواضح أنّ مثل السيد الخوئي(قده) لا يتمسّك بهذا الوجه بل لابد وأن يتمسّك بالروايات فقط، أمّا من يرى جواز جريان الاستصحاب في الشبهات الحكميّة فيمكن أن يكون هذا وجهاً ثانياً أيضاً لا بأس به على تقدير عدم وجود الروايات.
إن قلت:- إن هذا وجيه إذا لم يكن هناك دليل على تحقّق حلّية الجماع في حقّ المرأة بالتقصير، أما بعد فرض وجوده فلا تصل النوبة إلى الاستصحاب . ويظهر من الشهيد الثاني - الذي نقلنا كلامه في المحاضرة السابقة - أنه كان يتمسّك بذلك فيقول إن الروايات كانت تقول ( إذا قصّر أو حلق المحرم فقد أحلّ من كلّ شيءٍ إلّا النساء والطيب ) فحصر المحرَّم الباقي بالنساء والطيب يعني معناه أن الرجال المحلّون لا يحرمون على زوجاتهم المحرمات إذا قصَّرنَ، هكذا فهم الشهيد الثاني(قده) وبذلك لا يجري الاستصحاب بعد وجود هذا الدليل الاجتهادي . إذن الشهيد الثاني(قده) يدّعي وجود دليل اجتهادي يدلّ على كفاية التقصير في حصول حلّية الرجال على النساء متى ما قصَّرنَ فلا تصل النوبة إلى الاستصحاب.
وفي الجواب نقول:- نحن هنا حينما قالت الرواية:- ( فقد أحلّ من كلّ شيء إلّا النساء والطيب ) لا نجزم بأن الخطاب خطاب عامّ وإنّما الحوار هو مع المحرِم الرجل، فعلى هذا الأساس إمّا أن نقول بأن الإمام عليه السلام ليس ناظراً هنا إلى المرأة، فعلى هذا الأساس المرأة يكون هناك إجمال بلحاظها، فالرواية ساكتة عنها فتصل النوبة إلى الاستصحاب . أو نقول:- هذا شيءٌ بعيدٌ - وهو أن الإمام ليس ناظراً إلى المرأة وهو ناظر إلى الرجل فقط -، وحينئذٍ نقول:- صحيحٌ أنّه شيءٌ بعيدٌ ولكن نقول إنّه كما يحتمل أن يكون المقصود ما أفاده الشهيد الثاني(قده) - يعني الامام يريد أن يقول الرجال لا يحرمون على النساء متى ما قصَّرنَ - يحتمل أنه اكتفى بالتسجيع والتّقفية إن صحّ التعبير، يعني أن المقصود هو:- ( فقد أحلّ من كلّ شيءٍ إلا النساء فيما إذا كان رجلاً، وإلّا الرجال فيما إذا كان امرأة )، فالتَّقفِيَة هنا عرفيّة وعقلائيّة فلا داعي لذكرها . فإذن الرواية تصير مجملة من هذه الناحية فالاستصحاب إذن يكون جارياً وبلا محذور.
والخلاصة:- إنه لا ينبغي التوقّف من هذه الناحية وأن الرجال لا يحلّون على النساء إلّا بطواف النساء. هذا كلّه بالنسبة الى الفرع الاول.
وأما الفرع الثاني:- أعني أن النائب في الحج يأتي بطواف النساء عمّن ؟ فهل يأتي به عن نفسه أو يأتي به عن المنوب عنه ؟
والجواب:- لم أرَ تعرّضاً إلى هذا الفرع في كلمات القدماء - أعني مثل صاحب المدارك والجواهر ومستند الشيعة والحدائق – كما لم ينقلوا تعرّض الغير إليه، فهي مسألة مسكوت عنها تماماً، وإنما حصل الحديث عنها بين المتأخرين.
ويمكن أن يقال بادئ ذي بدء:- بأن اللازم هو أن يؤتى به عن المنوب عنه ؛ لأن الإجارة وقعت على الحجّ وتوابعه فيلزم الاتيان به عن المنوب.
ولكن في المقابل قد يقال:- كلّا، بل يلزم أن يأتي النائب به عن نفسه، بتقريب مثلاً:- أنّ النساء حرمنَ عليه فبالإحرام حرمت النساء على النائب ولم يحرمنَ على المنوب عنه، ومعه لابد وأن يأتي النائب بطواف النساء عن نفسه وليس عن المنوب عنه لأن المنوب عنه لم تحرم عليه النساء . هكذا قد يخطر إلى الذهن في تقريب احتمال وجوبه على النائب.
ويمكن الجواب نقضاً وحلّاً:-
أمّا نقضاً:- فلازم ما ذكر إن يأتي النائب ببعض الأفعال الأخرى أيضاً عن نفسه مثل الحلق أو التقصير، باعتبار أن المحرّمات قد حَرُمت عليه هو، فهو الذي أحرم، فإذن هو الذي يحتاج الى إحلالٍ، وهو الذي يحتاج إلى تقصيرٍ عن نفسه دون المنوب عنه فإن المنوب عنه لم تحرم عليه محرّمات الإحرام . إذن بناءً على هذا التقرير يلزم أن نلتزم في الحلق والتقصير أيضاً أن يكون الأمر كذلك والحال أن هذا الاحتمال لم يذكره أحدٌ بالنسبة إلى التقصير وإنّما إن كان مذكوراً فهو بالنسبة إلى طواف النساء.
بل نصعّد اللهجة أكثر ونقول:- فلعلّ بعض أفعال الحجّ الأخرى أيضاًّ كذلك مثل الطواف والسعي وهكذا فهذه يلزم أن تكون عن النائب ؛ لأن من أحرم هو الذي يجب عليه الطواف دون الذي لم يحرم، فأنت إذن أحرمت فيجب عليك أن تأتي بطواف النساء، فالخطاب خطابٌ لك، والحال أن هذا الاحتمال باطلٌ لأنه يلزم أن تكون كلّ الأفعال يؤتى بها عن النائب.
وأمّا حلّاً:- فالمفروض أن الإجارة وقعت على أن يؤتى بتمام الأعمال عن المنوب عنه، فمن لبداية الإجارة هي إجارة على ذلك، فنقول لك ( اذهب عنّي وائت بجميع الأعمال ومنها طواف النساء لأنه أنا مكلّف بأن أبعث نائباً يأتي بأفعال الحج عنّي ) والإجارة وقعت على ذلك، فمادامت الإجارة وقعت على ذلك فيلزم أن يأتي بطواف النساء عن المنوب عنه ولا يجزي لو أتى به عن نفسه، يعني بعبارة أخرى لم يفرغ النائب ذمّته عمّا تعلقت به الإجارة. إذن كيف ندفع الشبهة التي تقول إنّ النائب هو الذي حرمت النساء عليه فإذن هو يحتاج إلى طواف النساء دون المنوب عنه ؟
وفي الجواب نقول:- أيّ مانعٍ من أن يكون هذا الطواف المأتي به عن المنوب عنه هو بنفسه يحلّل النساء على النائب، فإذن هو له فائدتان فائدة أنّه به يحصل فراغ ذمّة المنوب عنه، وفادة أخرى هي أن النائب تحلّ له السناء به فإنه لا مانع من ذلك، كما هو الحال في باب الصلاة فإنّا لو استأجرنا شخصاً على أداء الصلاة نيابةً فحينما يدخل في الصلاة تحرم عليه بعض الأمور كالأكل والشرب - أي قواطع الصلاة - بناءً على أن قطع الطلاة في حالة الاختيار لا يجوز، فحينئذٍ في مثل هذه الحالة نقول حرُمَ عليه الأكل والشرب وغيرهما وبالتسليم يرتفع هذا التحريم الذي ثبت في حقّ النائب، أفهل يحتمل أن يقال إن التسليم إذن لابد وأن يأتي به النائب عن نفسه لأنه هو الذي حرمت عليه هذه القواطع ولم تحرم على المنوب عنه ؟!! كلّا . إن هذا الكلام إذا أردنا أن نطبّقه فيلزم أن نطبقه حتى في باب الصلاة كما أوضحنا، وكما نقول في باب الصلاة أنه بالتسليم المأتي به عن المستأجر عنه كما يحصل فراغ ذمة المستأجر عنه يحصل في نفس الوقت ايضاً أثرٌ ثانٍ وهو حلّيّة القواطع للنائب.
إذن المناسب الاتيان بطواف النساء عن المنوب عنه . ومن أراد الاحتياط فيكفيه أن يأتي بطواف النساء بقصد امتثال الأمر الواقعي، فسواء كان الأمر الواقعي هو أن يأتي به عن المنوب عنه أو يأتي به عن نفسه فهذا يتحقق به الاحتياط وفراغ الذمّة جزماً.
وأمّا احتمال أنه يلزمه أن يأتي بطوافين لأنه يحصل عنده علمٌ إجماليّ - بأنه إمّا أنه يجبُ طواف النساء عن نفسه أو يجب عن النوب عنه ولأجل أن يفرّغ الذمة يقيناً لابد وأن يأتي بطوافين - فهو ضعيفٌ ؛ باعتبار أنّ هذا وجيهٌ لو لم يمكن التداخل في عالم الامتثال، أمّا إذا أمكن التداخل وذلك من خلال امتثال الأمر الواقعي فلا حاجة حينئذٍ إلى إعادة الطواف.