32/11/03


تحمیل

النقطة الثانية:- الأفضل ذبح الكفارة في مكة أو منى.

والوجه في ذلك:- إنا وان انتهينا إلى جواز ذبح الكفارة عند الأهل وذلك للوجهين السابقين ، ولكن رغم هذا حيث توجد روايات في كفارة التظليل تأمر بالذبح في منى وروايات في باب العمرة تأمر بالذبح في منى والأفضل مكة ونحن حملنا هذا النهي في الموردين بقرينة موثقة إسحاق على بيان الفرد الأفضل وان مكان الذبح وان كان هناك ولكن يجزي عند الأهل ، انه وان صنعنا ذلك ولكن يمكن أن نقول إن الأفضل هو الذبح هناك لأجل الأمر في الموردين المذكورين الذي يحمل على بيان الفرد الأفضل . هذا ما يمكن به توجيه ما أفاده (قده).

ولكن يمكن أن يعلق ويقال:- إن الأمر الوارد بالذبح هناك يختص بالعمرة وكفارة التظليل أما بقية الكفارات في باب الحج فلا يوجد ما يدل على أفضلية ذبحها هناك ، اللهم إلا أن نتمسك بفكرة عدم احتمال الفصل من هذه الناحية وهو شيء ليس ببعيد ، فإذا ثبت أن الأفضل هو الذبح هناك لأجل الأمر في الموردين السابقين فيعمم إلى بقية الموارد بضم عدم احتمال الفصل.

 وكان من المناسب له (قده) إضافة شيء وذلك بأن يقول:- ( إن الأفضل بل والأحوط الذبح هناك ) أي يضيف الاحتياط إلى الأفضلية ، والوجه في ذلك إن ما انتهينا إليه من الجواز كان نتيجة إعمال الصناعة العلمية وحيث أن الفقهاء - على ما هو المشهور قد حكموا بأن الموضع هناك من دون تفصيل فالمناسب هو الاحتياط بالذبح هناك من ناحيتين لأجل أن لا تحصل مخالفة المشهور ولأجل أن ما انتهينا إليه هو مقتضى الصناعة والذبح هناك مجزٍ قطعاً ولا يوجد احتمال التعين عند الأهل بخلاف الذبح هناك فان احتمال تعينه موجود واقعاً غير أن الصناعة جرتنا إلى الحكم بالجواز في الأهل ، وعليه فكان من المناسب إضافة الاحتياط إلى الأفضلية غايته لا أقول بنحو الاحتياط الوجوبي وإنما بنحو الاحتياط الاستحبابي.

 بيد أن هناك قضية أخرى ينبغي الالتفات إليها أيضاً:- وهي أن ما ذكرناه من الأفضلية والاحوطية - ولو الاستحبابية - له مجال في ذلك الزمان الذي كان يمكن فيه الذبح هناك بسهولة ، وأما في مثل زماننا الذي يصعب فيه ذلك بل لعله يلزم محذور الإتلاف والتبذير من دون استفادة الغير فربما نتنازل عن الاحتياط والأفضلية لأجل هذا العنوان الثانوي ، وهذه قضية يجدر الالتفات إليها.

النقطة الثالثة:- إن مصرف الكفارات هو الفقراء ، ولم أجد في كلمات المتقدمين من سلط الأضواء على هذا الحكم.

 ولكن يمكن أن يستعان لإثبات ذلك ببيانات ثلاثة:-

البيان الأول:- التمسك ببعض الروايات التي دلت على أن المصرف هو الفقراء ولكن لم تدل على ذلك بشكل مطلق وعام وإنما في مورد خاص فنستعين لإثبات التعميم بضم فكرة عدم احتمال الفصل والروايات المذكورة هي:-

الرواية الأولى:- رواية موسى بن القاسم المتقدمة في مسألة قطع شجر الحرم وهي ما رواه الشيخ الطوسي(قده) بإسناده عن موسى بن القاسم ونصها ( روى أصحابنا عن أحدهما عليه السلام أنه قال:- إذا كان في دار الرجل شجرة من شجر الحرم لم تنزع فان أراد نزعها كفر فان أراد نَزْعَها نَزَعَها وكفر بذبح بقرة يتصدق بلحمها على المساكين)[1] ، وقد تقدم الكلام عن سندها وان فيها شبهة الإرسال على مضافا إلى أنها تختص بكفارة نزع الشجر ولا تعم جميع الكفارات.

  نعم بناءاً على فكرة عدم احتمال الفصل يتم التعميم ، وكانت هناك إشكالات أخرى للسيد الخوئي(قده) عليها قد تعرضنا لها فيما سبق.

 إذن لو كنا نحن وهذه الرواية فإثبات اختصاص الكفارة ومصرفها بخصوص الفقراء يكون مشكلاً ولا أقل من ناحية المناقشة السندية.

الرواية الثانية:- صحيحة أبي بصير ( سألته عن رجل أهدى هدياً فانكسر فقال:- إن كان مضموناً والمضمون ما كان في يمين يعني نذرا ً أو جزاءاً فعليه فداؤه ، قلت:- أيأكل منه ؟ فقال:- لا ، إنما هو للمساكين فان لم يكن مضموناً فليس عليه شيء ، قلت:- أيأكل منه ؟ قال يأكل منه )[2]

 بتقريب:- أنها قالت ( فقال لا إنما هو للمساكين ) فدلت على اختصاص الهدي المضمون بخصوص المساكين.

 وهناك مشكلتان في هذه الرواية

الأولى:- أنها مضمرة حيث قال ( سألته ) ولا يجزم بكون مرجع الضمير إلى الإمام عليه السلام.

 ويأتي الجواب السّيَّال إذ أن هناك جوابان:-

الجواب الأول خاص بابي بصير وأمثاله حيث يقال:- هو من أجلة الأصحاب ولا يليق به أن يروي عن غير الإمام ، فيحصل الاطمئنان بذلك.

 غير أنه قد يشكل على هذا:- "وان تكرر في كلمات الأعلام ولعله ذكرنا أكثر من مرة " بإن هذا يتم لو كان هذا النقل قد صدر من أبي بصير في أخريات حياته حيث كان من الأعاظم الذين لا تليق بهم الرواية عن غير الإمام ، وما يدريك أنها صدرت كذلك فلعلها صدرت منه في بداية حياته أي في فترة يليق به أن يروي عن غير الإمام ، وهذه قضية يجدر الالتفات إليها.

 اللهم إلا أن تضم شيئاً آخر وتقول:- لو تتبعنا روايات أبي بصير فهو عادة ينقل بالمباشرة عن الإمام وليس بالواسطة وبهذا قد يحصل لنا الاطمئنان بأن المسؤول هو الإمام عليه السلام لأجل هذا التتبع ، إلا أن هذه قضية ثانية.

 وعلى أي حال إن تم هذا فبها وان لم يتم فلدينا بيان آخر.

البيان الثاني:- وهو البيان العام الشامل لجميع المضمرات من دون اختصاص بالأعاظم أو ببعض دون بعض وهو ما أشرنا إليه أكثر من مرة وحاصله باختصار هو أن ذكر الضمير من دون مرجع قضية غير مألوفة وغريبة ولذلك لو جاءنا إنسان وقال ( قلت له ) أو ( سألته ) فانا نضحك ونقول له أي تعبير هذا !!! . إذن حينما ذكر أبو بصير الضمير واستعان به لابد وأن يكون هناك مرجع معهود لهذا الضمير حتى ترتفع تلك الغرابة بسبب هذا العهد ولا مرجع معهود في الأوساط الشيعية بين الجميع إلا الإمام عليه السلام فيتعين بذلك أن يكون المرجع هو الإمام عليه السلام وبذلك يتم المطلوب.

إن قلت:- لعل هناك مرجعاً معهوداً بين الطرفين - أي بين أبي بصير وبين من ينقل عن أبي بصير - ولعل ذلك المرجع المعهود ليس الإمام.

قلت:- حيث أن الطرفين لا يريدان احتكار الرواية عليهما فقط وإنما سجلاها في أصلهما وكتابهما لكي تستفيد منها الأجيال إلى يوم القيامة فلابد من وجود مرجع معهود لدى الجميع لا خصوص الطرفين ، فيثبت بذلك أن ذلك المرجع هو الإمام عليه السلام حيث لا يوجد شخص معهود إلى يوم القيامة سواه.

وهناك قضية أخرى من حيث الدلالة وهي:- انه ورد في الرواية ( إن كان مضموناً ) ثم قيل ( والمضمون ما كان في يمين يعني نذراً أو جزاءاً ) وهذا تفسير للمضمون ، ومن المناسب وضعه بين شريطين فانه جملة معترضة.

 ولكن "من باب القضية الجانبية":- هل نضع هذه الجملة ( والمضمون في يمين يعني نذراً أو جزاءاً ) بين شريطين كما فعل صاحب الوسائل(قده) أو نضع خصوص ( والمضمون ما كان في يمين يعني لا نذرا ) أما ( أو جزاءاً ) يكون خارج الشريطين ، أي يكون عطفاً على مضموناً فتصير العبارة ( فقال:- إن كان مضموناً أو جزاءاً فعليه فداؤه ) ، وكلا الاحتمالين موجود ، ولكن هذه قضية جانبية والمهم هو أنني أحتمل - وان لم أجد عليه شاهدا أو من نبه عليه - أن هذه الفقرة المعترضة ليست من الإمام عليه السلام وإنما هي توضيح من الراوي أو من صاحب الأصل أو غيره ، والمهم هو احتمال أنها من الإمام إذ الإمام عادة لا يعبر بمثل هذا أو نحتمل أنه لا يعبر بمثل هذا وإنما مثل هذه التعابير تدس في الرواية لأجل التوضيح ولكن يتخيل القارئ أنها من الرواية ، فإذا كان هذا الاحتمال موجوداً ولا يوجد ما ينفيه فتعود بذلك الرواية من جهة هذا المقدار ليس حجة لاحتمال أنه من غير الإمام عليه السلام.

إن قلت:- صحيح هذا يحتمل أن يكون من الراوي ولكن هل يؤثر ذلك على الاستشهاد ؟

قلت:- نعم لأن شاهدنا هو كلمة ( أو جزاءاً ) إذ الجزاء نفسره بالجزاء على فعل محرمات الإحرام فإذا فرض أنها تفسير وإضافة من قبل الراوي فتعود كلمة ( مضموناً ) ليست واضحة المقصود ، اللهم إلا أن تجزم بأن المقصود من المضمون هو ذلك حتى لو فرض أن الجملة المعترضة لم تكن موجودة ، ولكن تحصيل مثل هذا الاطمئنان شيء صعب ، وعليه فالتمسك بهذه الرواية لإثبات المطلب قد لا يخلو من إشكال لغموض المقصود من كلمة ( مضموناً ).

 هذا بالنسبة إلى الرواية الثانية وهناك روايات أخرى[3] ذكرت أن جزاء الصيد يكون للمساكين ودلالتها تامة فنحتاج إلى ضم عدم احتمال الفصل فان تم ذلك تم البيان الأول.

[1] الوسائل 13 174 18 بقية كفارات الإحرام ح3.

[2] الوسائل 14 165- 40 أبواب الذبح ح16.

[3] الوسائل 13 8 باب كفارات الصيد.