32/11/26


تحمیل
 ونص عبارة الجواهر( نعم قد يقال في مثل الطواف بالطهارة لما بقي من أشواطه والبناء على الاول المحكوم بصحته لأصلها إذ هو باعتبار جواز ذلك فيه يكون كالعصر والظهر اللذين لا يلتفت إلى الشك في أثناءهما بعد تمام الأولى لأصالة الصحة وان وجب الوضوء للعصر ولكن لم أجد من احتمله في المقام ) [1] .
 هذا ولكن السيد الخوئي(قده) كأنه نظر إلى صاحب الجواهر وأراد الرد على مقالته فذكر أن الترتيب بين الظهرين ذكري - أو بالأحرى علمي - بمعنى أنه يمكن الحكم بصحة العصر واقعاً رغم بطلان الظهر فان الترتيب معتبر حالة الذكر والالتفات ، وهذا بخلافه في المقام فان الترتيب واقعي . انتهى ما أفاده (قده) ولم يزد على ذلك شيئاً.
 ولو اقتصرنا إلى هذا المقدار ولم نضف شيئاً لتوضيح الفكرة لكان الإشكال عليه واضح حيث يقال:- لنفترض أن الترتيب في المقام واقعي وليس ذكرياً إلا أن هذا المقدار لا يمنع من تطبيق قاعدة الفراغ ، كما لو فرض أن المكلف بعد أن فرغ من بعض أجزاء القراءة شك فيها ، كما لو شك بعد الدخول في السورة هل أنه أتى بالحمد أو لا ؟ أو فرض أنه بعد أن دخل في الحمد شك في الإتيان بالبسملة ، فانه لا إشكال في تطبيق قاعدة الفراغ أو التجاوز من دون محذور.
 إذن ليس شرط تطبيق قاعدة الفراغ أو التجاوز كون الترتيب ترتيباً ذكرياً لا واقعياً فان دليل قاعدة الفراغ أو التجاوز مطلق من هذه الناحية ولم يؤخذ في مدركه.
 ويحتمل أن مقصوده (قده) شيئاً آخر ولعله هو ما أشار إليه السيد الحكيم(قده) [2] حيث ذكر أن الوضوء لأجل الأشواط اللاحقة يمكن أن يجزم تفصيلاً ببطلانه ، يعني لو أراد المكلف أن يتوضأ أثناء الطواف ويأتي بخصوص الأشواط اللاحقة - لا أنه يعيد الطواف من البداية - فان هذا يمكن أن يدعى الجزم التفصيلي ببطلانه باعتبار أنه واقعاً إذا لم يكن متوضئاً فهو يحتاج إلى الطواف من البداية لا أنه يحتاج إلى الوضوء والطواف من الآن - أي بلحاظ الأشواط الباقية - ، وإذا فرض أنه كان واجداً للوضوء من البداية فلا يحتاج إلى الوضوء لأجل الأشواط الباقية بل يكفيه السابق.
 إذن فعل الوضوء والإتيان بخصوص الأجزاء الباقية من الطواف شيء يمكن أن يجزم المكلف ببطلانه ، فعليه أن يتوضأ ويعيد الطواف من البداية.
 وهذا بخلافه في مسألة الظهرين فان الترتيب بينهما حيث كان ذكرياً فحتى لو كانت الظهر باطلة ولم يتوضأ لأجلها فبإمكانه أن يتوضأ للعصر ويأتي بها ويكون ذلك صحيحاً ، فالوضوء للعصر يكون مطلوباً رغم أنه لم يأت بالظهر باعتبار أن شرطية تقدم الظهر على العصر ثابت حالة الالتفات والذكر ، أما حالة العدم فلا يلزم التقدم ، فعليه لا يجزم ببطلان وعدم مطلوبية الوضوء للعصر بعد ما كان اعتبار تقدم الظهر على العصر شرطاً ذكرياً لا واقعياً ، فقياس مقامنا على الظهرين قياس مع الفارق ، فان الترتيب في الظهرين ذكري بينما الترتيب المعتبر في أشواط الطواف واقعي.
 ان قلت:- من أين عرفت أن الترتيب في باب الظهرين ذكري بينما في مقامنا واقعي ؟ فهل هناك رواية خاصة تدل على هذه التفرقة أم ماذا ؟
 قلت:- في باب الصلاة يوجد عندنا حديث لا تعاد الذي يقول ( لا تعاد الصلاة إلا من خمس الركوع والسجود و..... ) والمفهوم منه أن غير هذه الخمسة لا تعاد لأجلها الصلاة ومن ذلك الترتيب ، فلو اختل الترتيب بين الظهرين - أي قدمت العصر على الظهر - فلا تعاد الصلاة لأجل ذلك فان الترتيب ليس من الخمسة ، وإذا لا تعاد الصلاة لأجل فقدان الترتيب فهذا معناه أنه معتبر حالة الالتفات إذ لو كان معتبراً بشكل مطلق للزم إعادة الصلاة عند اختلاله ولأصبحت الأمور التي تعاد لأجلها الصلاة ستة لا خمسة.
 وهذا بخلافه في مقامنا - أي الترتيب بين الأشواط والإتيان بالأشواط اللاحقة بعد السابقة وترتب صحة الأشواط اللاحقة على صحة السابقة - فانه لا يوجد بلحاظه مثل حديث ( لا تعاد ) حتى نفهم أن شرطية الترتيب شرطية ذكرية ، ومقتضى كل دليل دل على شيء هو أن ذلك الشيء معتبر واقعاً وفي كل الحالات بمقتضى الإطلاق والخروج عن هذا الإطلاق يحتاج إلى دليل وقد ورد مثل هذا الدليل في باب الصلاة ولم يرد مثله في باب الطواف.
 إذن عرفنا النكتة التي لأجلها صار الترتيب شرط ذكري في باب الصلاة وواقعي في باب الطواف ، وبعد أن عرفنا هذا نصل إلى النتيجة التي ذكرها السيد الحكيم(قده) وهي أن الوضوء لأجل خصوص الأشواط اللاحقة نجزم ببطلانه وبعدم إرادته لما أشرنا إليه . هذا توضيح ما أفيد في هذا المقام.
 وفيه:- نقضاً وحلّاً:-
 أما نقضاً:- فلانة سوف يأتي إنشاء الله تعالى في المسألة التالية أن المكلف لو فرغ من الطواف وبعد ذلك شك هل أنه كان متوضئاً من البداية أو لا ؟ إنهم حكموا بصحة الطواف لقاعدة الفراغ ، ولكن بالنسبة إلى ركعتي الطواف فيلزمه الوضوء ، فالوضوء لازم لخصوص ركعتي الطواف ، والحال أن العلم التفصيلي الذي ذكروه هناك يأتي هنا أيضاً فانه يقال ان الوضوء لخصوص ركعتي الطواف يجزم ببطلانه وبعدم إرادته لأنه إذا كان المكلف قد توضأ قبل الطواف فهو الآن على وضوء ولا يحتاج إلى وضوء ، وإذا فرض أنه لم يكن متوضئاً من البداية فيحتاج إلى وضوء لإعادة الطواف من البداية وليس لخصوص ركعتي الطواف ، والترتيب بين الركعتين والطواف واقعي لا ذكري باعتبار أنه لا يوجد لدينا حديث ( لا تعاد ) في هذا المورد أو ما شاكله لنستكشف منه أن شرطية الترتيب ذكرية لا واقعية ، انه رغم هذا طبقوا قاعدة الفراغ بلحاظ ما سبق - أي الطواف - وقالوا يحتاج المكلف إلى وضوء لخصوص ركعتي الطواف.
 وأما حلّاً:- ان العلم التفصيلي الذي أشير إليه هو علم تفصيلي بقطع النظر عن قاعدة الفراغ ، يعني لو غضضنا النظر عن القاعدة فانه يتكون العلم التفصيلي المذكور ، أما بعد أن نتوجه إلى هذه القاعدة فهي تقول ( أيها المكلف حتى لو كان طوافك باطلاً ومن دون وضوء فانا اكتفي به وأنت مؤمَّن من هذه الناحية ) فإذا أمّنت من هذه الناحية فلا يتكون آنذاك علم تفصيلي ببطلان الوضوء لخصوص ركعتي الطواف ، فانه بعد حكم الشرع بتحقق الوضوء بلحاظ الطواف فقط نحتاج آنذاك إلى وضوء بلحاظ الصلاة ولا علم تفصيلي بعدم إرادة ذلك.
 وبالجملة:- يتكون العلم التفصيلي المذكور لو غض النظر عن قاعدة الفراغ ، أما بعد الالتفات إليها فلا يتكون وبالتالي لا محذور في جريان قاعدة الفراغ بلحاظ ما مضى من أشواط مع الوضوء لخصوص الأشواط اللاحقة كما أشار إلى ذلك واحتمله صاحب الجواهر.


[1] الجواهر 19 273.
[2] دليل الناسك 245.