33/01/15


تحمیل
 وهي ثلاث:-
 الرواية الأولى:- صحيحة زرارة ( سألته عن امرأة طافت بالبيت فحاضت قبل أن تصلي الركعتين ، فقال:- ليس عليها إذا طهرت إلا الركعتين وقد قضت الطواف ) [1] ، ودلالتها على عدم لزوم إعادة الطواف واضحة حيث قال عليه السلام ( ليس عليها إذا طهرت إلا الركعتين ).
 نعم قد تقول:- لعلها واردة في طواف الحج وكلامنا الآن في طواف العمرة.
 والجواب:- ان الإمام عليه السلام لم يستفصل من زرارة وعدم استفصاله من هذه الناحية يدل على عموم الحكم وانه لا فرق بين طواف العمرة وطواف الحج فمتى ما طرأ الحيض بعد إكمال الطواف وقبل الإتيان بالركعتين فليس عليها إلا الركعتين . فلا ينبغي التأمل من هذه الناحية.
 نعم قد يشكل من ناحية أخرى:- وهي أنها مضمرة حيث قال زرارة ( سألته عن امرأة ) ولم يوضح المقصود من مرجع الضمير ولعله شخص أخر غير الإمام عليه السلام فتسقط الرواية عن الاعتبار ويكفي مجرد الاحتمال ، وهذا من موارد قاعدة ( إذا جاء الاحتمـال بطـل الاسـتدلال ) .
 وهناك جواب معروف قرأناه في الرسائل وسار عليه الأعلام وهو أن يقال:- ان زرارة من أجلة أصحابنا ولا يليق به أن يسأل غير الإمام ، وعليه فيتعين أن يكون المسؤول هو الإمام عليه السلام ، وبالتالي يُفَصَّل بين ما إذا كان الراوي من أجلة الأصحاب فتكون الرواية معتبرة لأن نفس كونه من أجلة الأصحاب قرينة على أن المسؤول هو الإمام عليه السلام ، وأما إذا لم يكن من أجلة الأصحاب فتسقط الرواية عن الاعتبار.
 ولكن يرد عليه:- ان هذا التفصيل يتم لو أحرزنا أن زرارة حينما روى هذه الرواية كان في المراحل الأخيرة من عمره فانه في تلك الفترة لا يليق به أن يروي إلا عن الإمام عليه السلام ، ولكن لعل هذه الرواية قد صدرت منه في أوائل حياته ، وفي تلك الفترة لا يمكن أن نقول انه لا يليق به أن يروي عن غير الإمام . وهذه قضية ظريفة يجدر الالتفات إليها.
 نعم إذا تعيَّن أنها صدرت أيام شيخوخته فهذا مطلب أخر ، ولكن عادةً لا يمكن ضبط وتعيين تاريخ الصدور.
 والمناسب هو التمسك بالبيان العام الذي أشرنا إليه أكثر من مرة لإثبات حجية جميع الروايات المضمرة من دون تفصيل بين كون الراوي من أجلة الأصحاب أو من غيرهم ومجمله:- هو ان ذكر الضمير من دون ذكر مرجع لفظي له أو مرجع معهود بين الطرفين قضية مرفوضة عرفاً ، فلو دخل علينا شخص وقال ( قلت له ) أو ( سألته ) من دون أن يذكر المرجع فإننا نشعر بأن هذه ظاهرة غريبة . نعم إذا كان هناك مرجع معهود فلا بأس بالإضمار ، وعليه فحينما ذكر زرارة الضمير من دون مرجع يتعين أن يكون هناك مرجع معهود ، ومن هو ذلك المرجع المعهود ؟ انه ليس إلا الإمام عليه السلام.
 وقد تقول:- لعل هناك مرجعاً معهوداً بين زرارة وبين من يتحدث معه اعتمدا عليه ، إلا انه لا يمكن إثبات كون المرجع المعهود متعين بالإمام عليه السلام.
 قلت:- هذا وجيه لو فرض أن زرارة كان يريد نقل الحديث فقط وفقط إلى من يتحدث معه ويكون حكراً على الطرفين ولا يريد نقله إلى جميع الأجيال والحال أن زرارة أو ذلك الطرف الثاني قد سجَّل الحديث في كتابه ، ومعنى تسجيله في كتابه أنه يريد نقله إلى جميع الأجيال ، فلابد من وجود مرجع معهود لدى الجميع ولا يكفي أن يكون معهوداً بين خصوص الطرفين المذكورين . وبهذا نثبت حجية جميع المضمرات من دون استثناء.
 وذكر البعض كلاماً أخر في هذا المجال لإثبات حجية المضمرات - وربما ذكر في كلمات صاحب الجواهر وأغا رضا الهمداني والسيد الحكيم في المستمسك وغيرهم - وهو:- أن الإضمار نشأ من تقطيع الروايات ، فالرواية طويلة وحينما ذكر الإمام عليه السلام في البداية لم تكن هناك حاجة إلى ذكره بالاسم الصريح بعد ذلك في المسائل البَعديِّة والراوي يقتصر على الضمير فيقول ( سألته ) و( قلت له ) مثل علي بن جعفر مع أخيه موسى عليه السلام فانه هكذا كان يفعل ، وبعد أن قطَّع الأصحاب الروايات وذكروا كل مقطع في موضعه المناسب برزت ظاهرة الإضمار ، فطاهرة الإضمار ناشئة من تقطيع الروايات وإلا فالشخص المسؤول مذكور في بداية الرواية ، فتثبت حجية جميع الروايات المضمرة.
 وقد أجبنا عن ذلك في كتاب دروس تمهيدية في القواعد الرجالية حيث قلنا:- ان هذا الكلام يصلح لتفسير ظاهرة الإضمار ، أي من أين نشأت تاريخياً ؟ ولماذا نشأت ؟ فانه يجاب عن هذا السؤال بما ذكر ولكنه لا ينفع لإثبات حجية المضمرات إلا إذا ثبت في المرحلة السابقة أن الشخص المسؤول في بداية الرواية هو الإمام عليه السلام وهذا هو عين المتنازع فيه ، فمن قال أن المسؤول في البداية هو الإمام عليه السلام بل لعله شخص أخر إلا أن نستعين بأمور وقضايا أخرى لإثبات أنه الإمام عليه السلام ، ومن الواضح أن هذه القرائن الأخر لو تمت فهي بيان آخر لا حاجة معه إلى ضم هذا الكلام بل نقتصر عليها ويتم حتى من دون ضم هذه الضميمة . إذن هذا البيان لا تنفعنا وإنما الذي ينفعنا هو البيان الذي ذكرناه.
 الرواية الثانية:- صحيحة أبي الصباح الكناني ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن امرأة طافت بالبيت في حج أو عمرة ثم حاضت قبل أن تصلي الركعتين ، قال:- إذا طهرت فلتصل ركعتين عند مقام إبراهيم وقد قضت طوافها ) [2] ، ودلالتها واضحة كالسابقة.
 والسيد الخوئي(قده) عبَّر عنها بالرواية وقال ( يؤيد الحكم المذكور رواية أبي الصباح الكناني ) والحال أن السند هكذا ( محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن محمد بن إسماعيل عن محمد بن الفضيل عن أبي الصباح الكناني ) والظاهر أن السند تام ، فان محمد بن يحيى أستاذ الكليني وهو الأشعري القمي من أجلة أصحابنا ، وأحمد بن محمد بقرينة محمد بن يحيى فهو حتماً أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمي ، ومحمد بن إسماعيل المناسب أن يكون هو محمد بن إسماعيل بن بزيع ، ومحمد بن الفضيل ينصرف إلى بن يسار النهدي ، وأبو الصباح هو كما قال عنه الإمام عليه السلام ( ميزان لا عين فيه ) وهذا يدل على كمال وثاقته.
 والأمر سهل فانه تكفينا الصحيحة الأولى.
 الرواية الثالثة:- صحيحة معاوية بن عمار ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن امرأة طافت بالبيت ثم حاضت قبل أن تسعى ، قال:- تسعى ) [3] ، ودلالتها موقوفة على ضم الإطلاق وذلك بأن يقال:- هو قد سأل عن امرأة حاضت قبل أن تسعى وهذا بإطلاقه يشمل ما إذا كان الحيض قد طرأ قبل الركعتين - أي بعد الطواف وقبل إكمال الركعتين - فانه يصدق أنها حاضت قبل أن تسعى والإمام عليه السلام حكم بأنها ليس عليها شيء بل تسعى فقط.
 والمناقشة واضحة حيث يقال:- انه حينما يقال ( حاضت قبل أن تسعى ) فالمقصود عرفاً هو بعد إكمال الركعتين وقبل أن تسعى ، والإمام عليه السلام اعتمد على هذا الظهور العرفي ولذلك قال ( تسعى ) فذكر السعي وسكت عن الإتيان بالركعتين فلعله فهم هذا الفهم العرفي ، ومعه لا يمكن التمسك بالإطلاق.
 ولكن تكفينا الرواية الأولى.
 وينبغي الالتفات إلى أن المرأة إذا حاضت بعد الطواف وقبل الصلاة فتارة يفترض وجود سعة في الوقت بحيث يمكن أن تتطهر وتأتي بالركعتين ثم السعي والتقصير ثم أعمال الحج فهنا لا مشكلة وهذا هو المورد المتيقن من هذه الروايات ، أما إذا فرضنا عدم وجود سعة بحيث لو انتظرت إلى أن تطهر لفاتها الوقوف في عرفة فهنا ذكر غير واحد من الفقهاء ومنهم السيد الماتن(قده) أنها تأتي بالسعي والتقصير ثم تأتي بعد ذلك بإحرام الحج ومتى ما طهرت أتت بالركعتين ولا يلزم أن يكون ذلك عند الإتيان بطواف الحج - يعني قبيله أو بعيده - فلو فرض أنها طهرت وهي في المزدلفة فيمكنها الرجوع والإتيان بالركعتين عند المقام ثم تواصل بقية أعمالها.
 ولكن السؤال هو انه لا توجد رواية واضحة تدل على هذا المعنى كي نتمسك بها ، فما هو الطريق لإثبات هذا الحكم ؟


[1] الوسائل 13- 458 88 ابواب الطواف ح1.
[2] المصدر السابق ح2.
[3] الوسائل 13 - 459 89 ابواب الطواف .