جلسة 51

المفطرات

السابع: تعمّد البقاء على الجنابة حتى يطلع الفجر، والأظهر اختصاص ذلك بشهر رمضان وقضائه، أما غيرهما من الصوم الواجب أو المندوب فلا يقدح فيه ذلك[1].

يشتمل المتن المذكور على النقاط التالية:

النقطة الأولى: أنّ تعمّد البقاء على الجنابة إلى أن يطلع الفجر هو من المفطّرات في الجملة، والقدر المتيقن من ذلك شهر رمضان، وأما ما زاد على ذلك فتأتي الإشارة إليه في النقاط البعدية.

وقد ذكر صاحب (المدارك)[2] و(الحدائق)[3] أن المشهور بين الأصحاب هو المفطّريّة، بل اُدّعي عليه الإجماع.

وجاء في (الجواهر)[4] أن ذلك هو المشهور شهرة عظيمة كادت أن تكون إجماعاً، ثم أضاف قائلاً: (إنّ الحكم من القطعيات ولم أتحقّق فيه خلافاً).

وعلى أي حال المشهور بين الأصحاب هو المفطّريّة ولم ينسب الخلاف أو التردّد إلاّ إلى ثلاثة من الأعلام أشار إليهم صاحب (الحدائق)[5] وهم:

1- ابن بابويه في كتاب (المقنع) حيث ذكر رواية حماد بن عثمان[6] الدالة على عدم المفطّريّة من دون تعليق، ومن عادته في الكتاب المذكور الإفتاء بمتون الأخبار التي ينقلها فيه.

2- المحقق الأردبيلي في (مجمع الفائدة والبرهان)[7] حيث يستفاد منه الإشكال والتردّد.

3- المحقّق مير محمد باقر الداماد في رسالته الرضاعية.

هذا من حيث الفتوى في المسألة.

والمنشأ في الخلاف هو الأخبار، فهناك روايات كثيرة دلّت على رأي المشهور، وهو المفطّريّة، وقد أدّعى صاحب (الرياض)[8] أنّها قريبة من التواتر، وفي المقابل توجد روايات اُخرى أو مستندات اُخرى أعم من الروايات تدلّ على الخلاف.

والروايات التي يمكن التمسك بها للرأي المشهور هي على طوائف ثلاث:

الطائفة الاُولى: ما دلّ على ثبوت الكفارة في حقّ من ترك الغُسل متعمّداً، من قبيل صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ: في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ثمّ ترك الغُسل متعمّداً حتى أصبح، قال: «يعتق رقبة، أو يصوم شهرين متتابعين، أو يطعم ستين مسكيناً»، قال: وقال: «إنّه حقيق أن لا أراه يدركه أبداً»[9].

وقريب منها رواية سليمان بن جعفر ـ حفص ـ المروزي[10] إلاّ أنّها ضعيفة السند بالمروزي نفسه، إذ لم تثبت وثاقته إلاّ بناءً على تمامية كبرى وثاقة كل من ورد في أسانيد (كامل الزيارات).

وتقريب الدلالة أن ثبوت الكفارة يدلّ بالالتزام المتشرعي على المفطّريّة بمعنى وجوب القضاء.

واحتمال أن وجوب الكفارة وجوب نفسي من دون أن يستلزم ذلك بعيدٌ عن مرتكزات المتشرعة.

الطائفة الثانية: ما دلّ على وجوب القضاء على ناسي غسل الجنابة لأيام، من قبيل صحيحة الحلبي: سُئل أبو عبد الله ـ عليه السلام ـ عن رجل أجنب في شهر رمضان فنسي أن يغتسل حتى خرج شهر رمضان؟ قال: «عليه أن يقضي الصلاة والصيام»[11].

وقريب منها رواية إبراهيم بن ميمون[12] ولكنها ضعيفة بإبراهيم نفسه حيث لم يوثّق.

وتقريب الدلالة: أن الناسي لغُسل الجنابة إذا ثبت عليه وجوب القضاء فبالأولوية العرفية القطعية يثبت ذلك على المتعمّد.

الطائفة الثالثة: ما دلّ على أنّ مَنْ نام النومة الثانية بعد العلم بالجنابة بل النومة الأولى إلى أن طلع الفجر فعليه القضاء، من قبيل صحيحة معاوية بن عمار: قلت لأبي عبد الله ـ عليه السلام ـ: الرجل يجنب في أول الليل ثم ينام حتى يصبح في شهر رمضان؟ قال: «ليس عليه شيء»، قلت فإنّه: استيقظ ثمّ نام حتى أصبح؟ قال: «فليقضِ ذلك اليوم عقوبة»[13].

وقريب منها صحيحة ابن أبي يعفور[14]، وصحيحة محمد بن مسلم[15]، وصحيحة ابن أبي نصر[16]، وموثقة سماعة[17]، وصحيحة الحلبي[18].

ودلالة هذه الطائفة على المفطّريّة واضحة إذ لو لم يكن البقاء على الجنابة متعمّداً موجباً للقضاء، فلا معنى لحكم الإمام ـ عليه السلام ـ بوجوب القضاء في النومة الثانية.

هذه هي الروايات التي يمكن الاستدلال بها للرأي المشهور، وقد اتضح أن مجموعها عشر روايات تقريباً.

ولا يبعد أن يشكّل المقدار المذكور عنوان السُنّة القطعية الذي لازمه أنه لو كانت هناك رواية مخالفة للرأي المشهور تطرح وتسقط عن الحجية من باب أنها مخالفة للسُنّة القطعية.

ونلفت النظر في هذا المجال إلى قضايا ثلاث:

الاُوّلى: أنّه لو راجعنا كلمات الأعلام فربما نجد أن بعضهم يعبّر بالتواتر ويقول: إن الروايات الدالة على الرأي المشهور متواترة، ولابد أن يكون مقصوده من دعوى التواتر هو الطريقية والمرآتية إلى السُنّة القطعية، فإن التواتر بعنوانه لا أثر له في المقام وإنما الأثر لعنوان السُنّة القطعية حيث يلزم أن يكون ما خالفها ساقط عن الحجية.

الثانية: قد تسأل: ما هو الدليل على أنّ المخالف للسُنّة القطعية ساقط عن الاعتبار والحجية، والحال أن الوارد في الروايات أن ما خالف كتاب الله أو قول ربّنا زخرف وباطل، فالساقط عن الحجية هو المخالف للكتاب الكريم، فكيف يمكن تعميم تلك الروايات لمخالف السُنّة القطعية؟

_________________________

[1] منهاج الصالحين 1: 264.

[2] مدارك الأحكام 6: 53.

[3] الحدائق الناضرة 13: 113.

[4] الجواهر 16: 236 ـ 237.

[5] الحدائق الناضرة 13: 113.

[6] الوسائل 10: 57 ـ 58، أبواب ما يمسك عنه، ب 13، ح 3.

[7] مجمع الفائدة والبرهان 1: 71، 5: 35 ـ 45.

[8] رياض المسائل 5: 313.

[9] الوسائل 10: 63، أبواب ما يمسك عنه، ب 16، ح 2.

[10] الوسائل 10: 63 ـ 64، أبواب ما يمسك عنه، ب 16، ح 3.

[11] الوسائل 10: 238، أبواب ما يصح منه الصوم، ب 30، ح 3.

[12] الوسائل 10: 65، أبواب ما يمسك عنه، ب 17، ح 1.

[13] الوسائل 10: 61، أبواب ما يمسك عنه، ب 15، ح 1.

[14] الوسائل 10: 61، أبواب ما يمسك عنه، ب 15، ح 2.

[15] الوسائل 10: 62، أبواب ما يمسك عنه، ب 15، ح 3.

[16] الوسائل 10: 62، أبواب ما يمسك عنه، ب 15، ح 4.

[17] الوسائل 10: 62، أبواب ما يمسك عنه، ب 15، ح 5.

[18] الوسائل 10: 63، أبواب ما يمسك عنه، ب 16، ح 1.