جلسة 91

مفطرات الصوم

إذا ابتلع شيئاً يجب قيؤه

ووجه الأولوية للتوجيه الذي ذكرناه انسجامه مع ما ذكره السيد اليزدي ـ قدّس سرّه ـ من شمول الحكم للجاهل والعالم على حدٍ سواء، حيث إنه ـ قدّس سرّه ـ لم يفصل في ذلك، بخلاف التوجيه الذي ذكره السيد الحكيم ـ قدّس سرّه ـ فإنه يلزم منه التفصيل بين ما إذا كان عالماً بلزوم التقيء وبين ما إذا كان جاهلاً، فالعالم بذلك هو الذي لا يمكنه قصد التقرب بإمساكه عن المفطرات التي أحدها القيء، وأمّا الجاهل بذلك فيمكنه قصد التقرب، إلاّ أن يقال: إن مقصود السيد الحكيم أنه لا يمكن قصد التقرب لأجل عدم إمكانه ـ التقرب ـ في نفسه من جهة أنه لا أمر بالإمساك عن المفطرات التي منها القيء، فإذا كان مقصوده ـ قدّس سرّه ـ هو هذا فما ذكره يكون وجيهاً ولكنه يكون عين ما أشرنا إليه.

وعلى أي حال المناسب في المسألة هو الحكم بالصحة تمسكاً بفكرة الترتب خلافاً للسيد اليزدي، فكما أنه في مثال الصلاة والإزالة كنّا نصحح الصلاة ببيان أن الأمر بالإزالة وإن كان أهم إلاّ أنه لا محذور في أن يؤمر المكلف بالإزالة أوّلاً ثم يقال له: إن عصيت ذلك فصلِّ، فكذلك في المقام يمكن تطبيق الفكرة المذكورة فيقال: إن لدينا تكليفين مطلقين:

الأوّل: تكليف بالصوم، وهو مطلق جزماً، فإن الآيات والروايات الدالة على وجوب الصوم مطلقة ولم تقيد بما إذا لم يبتلع الشخص شيئاً يجب قيؤه في النهار.

الثاني: التكليف برد المغصوب وهو مطلق أيضاً ولم يتقيد بما إذا لم يكن الشخص صائماً.

وما دام التكليفان مطلقين وهما متنافيان فيمكن أن يؤمر المكلف أوّلاً بالأهم ثم يقال له: إن عصيت فاتِ بالمهم، ففي المقام يقال له: أرجع المغصوب بالتقيء، فإن عصيت فصم. وعليه يقع الصوم صحيحاً لفرض وجود الأمر به.

وما ذكره السيد اليزدي من البطلان يكون مبنياً على تجاهل فكرة الترتب، أمّا إذا التفتنا إليها وقبلناها في سائر الموارد فيلزم تطبيقها في المقام أيضاً وبالتالي يلزم الحكم بصحة الصوم.

ثم هاهنا عدّة تساؤلات:

أوّلاً: قد يقال بأن مجرد التسليم بإمكان فكرة الترتب لا يكفي لإثبات الوقوع، وأن هناك أمراً ترتبياً بالصوم حاصلاً بالفعل، فإن إمكان الشيء لا يستلزم وقوعه.

ويمكن الجواب عن ذلك بأنه قد ذكر في مبحث الترتب أن مورده فيما إذا كان لدينا تكليفان مطلقان وكانا متعلقين بضدين، وحيث إنه لا يمكن توجيههما إلى المكلف معاً بنحو العرضية فيدور الأمر بين أن يكون التكليف بالمهم ساقطاً رأساً، أو يكون ثابتاً بنحو مترتب على عصيان التكليف بالأهم، ولا إشكال في مثل ذلك في تعين الثاني، وهو عدم سقوط التكليف بالمهم رأساً، وإنما يسقط على تقدير عدم عصيان الأهم.

ووجه تعينه أنه بعد أن فرضنا أن التكليفين مطلقان فلا معنى لرفع اليد عن أحدهما رأساً، بل نرفع اليد عنه بمقدار الضرورة، وهي حالة امتثال الأهم، ويبقى التكليف بالمهم ثابتاً في حالة عصيان التكليف بالأهم.

إذاً الموجب لثبوت الأمر الترتبي وتحققه بالفعل بعد عصيان التكليف بالأهم هو أن التكليف بالمهم بعد أن كان مطلقاً فلا معنى لرفع اليد عنه رأساً، بل ترفع بمقدار الضرورة، فإن الضرورات تقدر بقدرها، ومن هنا قيل: إن إمكان فكرة الترتب يلازم وقوعها وفعليتها، والنكتة في ذلك هو ما أشرنا إليه.

ثانياً: أن فكرة الترتب لا يمكن تطبيقها في باب الضدين اللذين لا ثالث لهما، كما هو الحال في الحركة والسكون فلا يمكن أن يقال للشخص: (أسكن فإن عصيت فتحرك)، إذ بعصيان الأمر بالسكون يكون التحرك متحققاً قهراً، ومع تحققه القهري لا معنى للأمر به؛ لأنه أمر بتحصيل ما هو حاصل، وهذا منطبق على ما نحن فيه، فلا يمكن أن يخاطب الشخص ويقال له: تقيّأ فإن عصيت فأمسك عنه، إذ بعصيان الأمر بالتقيء يكون الإمساك عنه متحققاً قهراً، ومع تحققه لا معنى للأمر به؛ لأنه أمر بما هو حاصل، هكذا قد يخطر إلى الذهن.

لكنه يمكن الجواب عنه بأن ما أُفيد في الكبرى ـ عدم إمكان تطبيق فكرة الترتب في الضدين اللذين لا ثالث لهما ـ أمر وجيه، ولكن لا نسلم أن مقامنا مصداق لذلك، بل هو ممّا فيه ضد ثالث، فالإنسان إذا لم يمتثل الأمر بالتقيء فهناك ضدان وليس ضداً واحداً:

الأوّل: الإمساك عن التقيء مع مزاولة بقية المفطرات.

الثاني: الإمساك عنه مع ترك بقية المفطرات عن قربة.

وحينئذٍ من الوجيه أن يخاطب ويقال له: تقيّأ لترد المغصوب، فإن عصيت وأمسكت عنه فأنت مأمور بالصوم، بمعنى الإمساك عنه منضماً للإمساك عن بقية المفطرات، وهذا ليس أمراً بتحصيل ما هو حاصل.

ثالثاً: قد يقال: إن مورد فكرة الترتب ما إذا كان الأمران بالضدين مطلقين، وهنا لا يوجد أمران مطلقان إذ الأمر بالصوم وإن كان مطلقاً؛ لأن النصوص تأمر به بشكل مطلق، ولكن الأمر برد المغصوب ليس مطلقاً، إذ لا يوجد دليل لفظي يدل عليه، وإنما هناك ارتكاز متشرعي واضح على ذلك، وحيث إنه دليل لبي فيقتصر فيه على القدر المتيقن، وهو حالة ما إذا لم يكن الشخص مأموراً بالصوم، وعليه ففكرة الترتب لا مجال لها رأساً في المقام.

إلاّ أنه يمكن أن يجاب عن ذلك بأننا لو سلمنا بهذا وقلنا بأن الارتكاز ضيق ولا يمكن الجزم بسعته لحالة الصوم، فنقول: إن بيان هذا المطلب في المقام ليس مهماً؛ لأن النتيجة بناء عليه لا تختلف عن النتيجة على التقدير الآخر، إذ المقصود هو تصحيح الصوم، فإذا كان التكليفان مطلقين أمكن تصحيح الصوم بفكرة الترتب، وإذا لم يكونا مطلقين وكان المطلق هو الأمر بالصوم فقط كانت النتيجة هي صحة الصوم أيضاً لفرض أن التكليف به مطلق.