جلسة 93

مفطرات الصوم

النقطة الثانية: يجوز مضغ الطعام للصبي ولا يوجب ذلك المفطرية؛ وذلك لوجهين:

الأوّل: التمسك بفكرة القصور في المقتضي بالبيان المتقدّم.

الثاني: صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام ـ في حديث ـ أنّه سُئل عن المرأة يكون لها الصبي وهي صائمة فتمضغ له الخبز وتطعمه؟ قال: «لا بأس به، والطير إن كان له»[1] .

وروى مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال: «إنّ فاطمة ـ صلوات الله عليها ـ كانت تمضغ للحسن ثمّ للحسين ـ عليهما السلام ـ وهي صائمة في شهر رمضان»[2] .

النقطة الثالثة: يجوز تذوق المرق ونحوه إذا لم يتعدَ إلى الجوف؛ وذلك لوجهين:

الأول: التمسك بفكرة القصور في المقتضي بالبيان المتقدم.

الثاني: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ أنّه سُئل عن المرأة الصائمة تطبخ القدر فتذوق المرق تنظر إليه؟ فقال: «لا بأس به...» الحديث [3]. وموردها وإن كان خاصّاً بالمرأة والمرق إلاّ أنّه لا تُحتمل الخصوصية لهما فيتعدى إلى غيرهما بتنقيح المناط.

نعم، في صحيحة سعيد الأعرج قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السلام ـ عن الصائم أيذوق الشيء ولا يبلعه؟ قال: «ل» [4]. ولكن يلزم حملها على الكراهة ـ لصراحة الأولى في الجواز ـ طبقاً للقاعدة العرفية، وهي: كلّما اجتمع دليلان متنافيان أحدهما صريح والآخر ظاهر أُوّل الظاهر لحساب الصريح، وحيث إنّ صحيحة الحلبي صريحة في الجواز إذ قال ـ عليه السلام ـ: «لا بأس به»، وهو لا يحتمل غير الجواز فيكون صريحاً فيه، بخلاف صحيحة الأعرج فإن الوارد فيها كلمة: (لا)، وهي ليست صريحة في الحرمة وإن كانت ظاهرة في ذلك.

وقد جاء في عبارة المتن استثناء حالتين من التعدي، فذكر أنّه مع تعدي الطعام عند التذوق يحصل الإفطار إلا في حالتين:

الأولى: نسيان الصوم.

الثانية: إذا كان التعدي من دون قصد.

وما ذكر من استثناء النسيان أمر وجيه؛ لما يأتي من الروايات الدالة على أنّ مَنِ ارتكب المفطر نسياناً فذلك لا يضرّه، بل هو رزق قد رزقه الله إيّاه    [5].

وأمّا حالة عدم قصد التعدي فينبغي تقييدها بما إذا لم يكن التعدّي محتملاً بدرجة معتد بها، فمن كان مطمئناً بعدم التعدّي ولكن اتفاقاً حصل لم يصدق عليه آنذاك أنّه تعمّد الأكل، أما إذا لم يكن مطمئناً بذلك بل كان يحتمل بدرجة يعتدّ بها فلا يبعد صدق عنوان الأكل عن تعمد.

النقطة الرابعة: يجوز مضغ العلك وإن وُجِدَ له طعم في الريق ما لم يكن ذلك لتفتت أجزائه.

والكلام أولاً يقع في أصل جواز مضغ العلك واستعماله.

ويمكن أن يستدل على ذلك بوجهين:

الأوّل: التمسك بفكرة القصور في المقتضي بالبيان المتقدّم.

الثاني: صحيحة محمّد بن مسلم، قال: قال أبو جعفر ـ عليه السلام ـ: «يا محمّد، إيّاك أن تمضغ علكاً، فإنّي مضغت اليوم علكاً وأنا صائم فوجدت في نفسي منه شيئاً» [6]، بتقريب أنّ الإمام ـ عليه السلام ـ قد زاول المضغ بنفسه، وهذا دليل واضح على الجواز، غايته حذّر ـ عليه السلام ـ محمّد بن مسلم من ذلك من جهة أخرى أشار إليها ـ عليه السلام ـ بقوله: «فوجدت في نفسي منه شيئاً»، الذي يحتمل أن يكون ذلك إشارة إلى احتمال حصول الطعم في الريق وصار ذلك الاحتمال سبباً لأن يكره الإمام المعاودة إلى ذلك.

وعلى أي حال الصحيحة صريحة في الجواز، ومعه يلزم حمل صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال: قلت: الصائم يمضغ العلك؟ قال: «ل» [7]، على الكراهة للقاعدة العرفية المتقدّمة، وعليه فأصل جواز مضغ العلك أمر لا ينبغي التشكيك فيه.

وأما الحكم بجواز ذلك حتى لو أثّر على طعم الريق، فقد استدل له السيد الحكيم [8] والسيد الخوئي [9] ـ قدّس سرّهما ـ بذيل صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة حيث قال ـ عليه السلام ـ: «فوجدت في نفسي منه شيئاً»، بدعوى أنّ هذا يدل على أنّ الإمام ـ عليه السلام ـ قد وجد وأحسّ بطعم العلك في ريقه، ومن أجل هذا تنفّر منه ولم يحبّذه، ومعه يكون ذلك دليلاً على جواز المضغ حتى في حالة وجدان الطعم في الريق المبتلع.

ويردّه أنّ ما ذكر وجيه لو فسّرت العبارة بما ذكر، ولكن من المحتمل أن يكون تنفّر الإمام ـ عليه السلام ـ من المعاودة ليس لأجل أنّه أحس بالطعم جزماً، بل من باب أنّه احتمل ذلك، فالذي نفّره من المعاودة ليس هو الجزم بالطعم، بل هو احتمال التأثر.

إنّ هذا مطلب يحتمله الذيل المذكور، ومعه فلا يمكن أن يستفاد منه الجواز في حالة الإحساس القطعي بالطعم.

هذا مضافاً إلى أنّه لو سلّمنا بكون المقصود هو الإحساس القطعي بالطعم، ولكن مجرد هذا لا يدل على جواز المضغ عند الإحساس القطعي، إذ لم يقل الإمام ـ عليه السلام ـ: إنّه جائز، بل قال: إنّي أحسست قطعاً فتنفرت منه ولا أعود إليه كي لا أحس ثانية بشكل قطعي بالطعم، فالذيل المذكور لا يدل على الجواز، بل هو أعمّ من هذه الناحية.

والأولى أن يستدل على الجواز بفكرة القصور في المقتضي، فيقال: إنّ مجرد الإحساس بالطعم في الريق لا يصدق عليه عنوان الأكل والشرب أو ما شاكل ذلك، فيتمسك بإطلاق صحيحة محمد بن مسلم [10]، أو بأصل البراءة. هذا كله بالنسبة إلى الإحساس بالطعم.

وأما حالة تفتت بعض الأجزاء فالوجه في كونها مضرّة بالصوم هو أنّه يصدق آنذاك عنوان الأكل.

واستثنى السيد الحكيم [11] ـ قدّس سرّه ـ الأجزاء الصغيرة التي استهلكت في الريق، باعتبار أنّه لا يصدق عليها عنوان الأكل والشرب آنذاك، فالحكم بالإفطار حينئذٍ يكون غير ظاهر.

وناقشه السيد الخوئي [12] ـ قدّس سرّه ـ في ذلك، بما حاصله: أنّ ما ذكر وجيه لو كان المفطر هو عنوان الأكل، إلاّ أنّه ليس كذلك، بل هو عنوان الطعام والشراب كما جاء في صحيحة محمد بن مسلم [13] ذلك، ومعه تحصل المفطرية وإن لم يصدق عنوان الأكل، وإلاّ يلزم أنّ الصائم لو أخذ سُكّراً قليلاً ووضعه في فمه واختلط بريقه إلى أن ذاب وابتلعه ثم فعل ذلك ثانية وثالثة إلى أن تناول كمية معتداً بها فلا يكون ذلك مفطراً، والالتزام بذلك بعيد. وهكذا لو تناول الصائم الماء قطرة قطرة واستهلكت في كل مرة إلى أن تناول مقدار كأس كامل فيلزم ألا يكون ذلك مفطراً.

__________________________

[1] وسائل الشيعة 10: 108، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب38، ح1.

[2] وسائل الشيعة 10: 108، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب38، ح2.

[3] وسائل الشيعة 10: 105، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب37، ح1.

[4] وسائل الشيعة 10: 106، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب37، ح2.

[5] وسائل الشيعة 10: 50 ـ 52، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب9، ح1، 6، 9.

[6] وسائل الشيعة 10: 104، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب46، ح1.

[7] وسائل الشيعة 10: 105، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب36، ح2.

[8] مستمسك العروة الوثقى 8: 327، كتاب الصوم، المفطرات.

[9] مستند العروة الوثقى 1: 275، كتاب الصوم، المفطرات.

[10] وسائل الشيعة 10: 31، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب1، ح1.

[11] مستمسك العروة الوثقى 8: 328، كتاب الصوم، المفطرات.

[12] مستند العروة الوثقى 1: 275، كتاب الصوم، المفطرات.

[13] وسائل الشيعة 10: 31، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب1، ح1.