جلسة 125

كفارة الصوم

وممّا يؤيد ذلك موثقة إسحاق بن عمّار عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال: «الظهار إذا عجز صاحبه عن الكفّارة فليستغفر ربّه، وينوي ألاّ يعود قبل أن يواقع، ثم ليواقع، وقد أجزأ ذلك عنه من الكفّارة، فإذا وجد السبيل إلى ما يكفّر يوماً من الأيّام فليكفّر...» [1].

فإن ذيلها واضح في لزوم الإتيان بالوظيفة الاختيارية بعد التمكن منها وعدم كفاية الوظيفة الاضطرارية. نعم، موردها هو الظهار ولكن إذا جُزم بعدم الخصوصية لذلك أمكن الحكم بالتعميم، ولأجل عدم الجزم بنفي الخصوصية يتمسك بها بنحو التأييد دون الدليلية.

هذا ما يمكن به توجيه عدم كفاية الوظيفة الاضطرارية ولزوم الإتيان بالوظيفة الاختيارية بعد التمكن منها.

وفي المقابل يمكن أن يقال بكفاية الوظيفة الاضطرارية ببيان أن الإمام ـ عليه السلام ـ حينما قال: «فإن لم يقدر يتصدق بما يطيق...»، يوجد في ذلك احتمالان:

الأوّل: يحتمل أن يكون المقصود: فإن لم يقدر إلى الأبد فليتصدق بما يطيق.

الثاني: يحتمل أن يكون المقصود: فإن لم يقدر حين إرادة التكفير فليتصدق آنذاك بما يطيق.

فعلى الاحتمال الأول يتم ما سبق من لزوم الإتيان بالوظيفة الاختيارية، إذ الموضوع للوظيفة الاضطرارية العجز المستمر، والمفروض عدم استمرار العجز وحدوث التمكن بعد ذلك.

وأمّا إذا أخذنا بالاحتمال الثاني فيلزم الاكتفاء بالوظيفة الاضطرارية، ومن هنا يأتي السؤال في ترجيح أحد الاحتمالين المذكورين، وأنه أيهما أرجح في المقام؟

لا شك أن الاحتمال الثاني هو الأرجح، فإن المفهوم عرفاً من مثل الكلام المذكور هو أنه إذا لم يقدر حينما يريد أن يكفّر فليتصدق بما يطيق آنذاك.

هذا مضافاً إلى أنه كيف يحرز المكلف عدم التمكن إلى الأبد؟ أنه يتمكن فقط من ملاحظة حالته الفعلية لا المستقبلية، ويكفينا أن الاحتمال الثاني هو المفهوم من ظاهر كلامه عليه السلام.

إن قلت: لِمَ لا نقول: إن المكلف حين عدم تمكنه بالفعل تكون وظيفته التصدق بما يطيق، وهذا لا ينافي وجوب الوظيفة الاختيارية عليه لو فرض تمكنه منها فيما بعد.

قلت: إن هذا يحتاج إلى مثبت، ولا مثبت، إذ المثبت إمّا الاستصحاب أو الموثقة، وكلاهما لا يمكن التمسك به.

أمّا الاستصحاب فباعتبار أنه في بعض الحالات يكون المكلف عاجزاً عن الوظيفة الاختيارية من البداية، فهو حينما أفطر متعمداً كان عاجزاً عن الوظيفة الاختيارية ولم تمر عليه فترة كان بإمكانه ذلك ثم طرأ العجز، فالاستصحاب إن جرى فهو لا يجري في مثل الحالة المذكورة التي فرض فيها العجز ثابتاً من البداية، بل حتى لو فرضنا التمكن من البداية فمع ذلك لا يجري الاستصحاب، إذ حين طروِّ العجز انتفى التكليف بالوظيفة الاختيارية، إذ العجز عن تحقيق المأمور به موجب لسقوط التكليف ولو للدليل الشرعي كقوله ـ سبحانه وتعالى ـ (لاَ يُكَلِِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَهَا) [2]، فالتكليف بالوظيفة الاختيارية ساقط جزماً في فترة طروّ العجز، فإذا أردنا أن نجري الاستصحاب في المقام فسوف نستصحب عدم التكليف بالوظيفة الاختيارية لا أننا نستصحب بقاء التكليف بها.

وأمّا الموثقة فهي كما عرفت واردة في الظهار، والجزم بعدم الخصوصية له أمر مشكل، وعلى هذا يكون مقتضى الصناعة الاكتفاء بالوظيفة الاضطرارية، وإن كان الاحتياط أمراً وجيهاً.

(مسألة 1009: يجب في الإفطار على الحرام كفّارة الجمع بين الخصال الثلاث المتقدمة على الأحوط) س [3].

وقعت المسألة المذكورة محلاً للخلاف بين الشيخ الصدوق ـ قدّس سرّه ـ وبين غيره، فقد ذكر الشيخ الصدوق ـ قدّس سرّه ـ ما نصه: (وأمّا الخبر الذي روي فيمن أفطر يوماً من شهر رمضان متعمداً أن عليه ثلاث كفارات فإني أُفتي به فيمن أفطر بجماع محرم عليه أو بطعام محرم عليه، لوجود ذلك في روايات أبي الحسين الأسدي ـ رضي الله عنه ـ فيما ورد عليه من الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري قدس الله روحه) [4].

وعبارته المذكورة واضحة في تبنّي الحكم بالجمع في حالة الإفطار على المحرم، وربما يظهر ذلك منه أيضاً في (الفقيه) في مورد آخر[5]، حيث روى الرواية الدالة على وجوب ثلاث كفارات في حق من أفطر على محرم من دون أن يعلّق عليها بشيء، وذكر الرواية من دون تعليق قد يفهم منه ـ خصوصاً في حق الشيخ الصدوق ـ التبني لمضمونها، هذا بالنسبة إلى رأي الشيخ الصدوق قدّس سرّه.

وأمّا الرأي المقابل فقد حكاه صاحب (الجواهر) ـ قدّس سرّه ـ قائلاً: إن المشهور شهرة عظيمة عدم الفرق من حيث الكفّارة بين الإفطار على محرم أو على محلل[6].

وذكر المحقق ـ قدّس سرّه ـ بعدما نقل رواية الهروي [7] ما نصه: (لم يظهر العمل بهذه الرواية بين الأصحاب ظهوراً يوجب العمل بها، وربما حملناها على الاستحباب ليكون آكد في الزجر)[8].

إذن من خلال ما تقدم يتضح أن القول بالجمع لم يتبنه من المتقدمين سوى الشيخ الصدوق قدّس سرّه. نعم، نسب تبنيه إلى الطبقة المتأخرة كالعلامة والشهيدين، واختاره من متأخري فقهائنا ـ رضوان الله عليهم ـ غير واحد كالسيد اليزدي [9] ـ قدّس سرّه ـ وغيره، هذا من ناحية الأقوال في المسألة.

وأمّا من ناحية الروايات فتوجد ثلاث روايات قد يستدل بها في المقام، وهي على النحو التالي:

الأُولى: محمّد بن الحسن بإسناده عن محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه، عن عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس النيسابوري، عن علي بن محمّد بن قتيبة، عن حمدان بن سليمان، عن عبد السلام بن صالح الهروي، قال: قلت للرضا ـ عليه السلام ـ: يا بن رسول الله، قد روي [لنا] عن آبائك ـ عليهم السلام ـ فيمن جامع في شهر رمضان أو أفطر فيه ثلاث كفّارات، وروي عنهم أيضاً كفّارة واحدة، فبأيّ الحديثين [الخبرين] نأخذ؟ قال: «بهما جميعاً، متى جامع الرجل حراماً أو أفطر على حرام في شهر رمضان فعليه ثلاث كفّارات: عتق رقبة، وصيام شهرين متتابعين، وإطعام ستّين مسكيناً، وقضاء ذلك اليوم، وإن كان نكح حلالاً أو أفطر على حلال فعليه كفّارة واحدة  [وقضاء ذلك اليوم]، وإن كان ناسياً فلا شيء عليه»[10] .

______________________

[1] الوسائل 22: 368، أبواب الكفارات، ب6، ح4.

[2] البقرة: 286.

[3] منهاج الصالحين ج1 كتاب الصوم فصل الكفارات ص270.

[4] الفقيه 2: 90 ـ 91/ 318.

[5] الفقيه 3: 268/ 1128.

[6] جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام ج16 كتاب الصوم ص270.

[7] الفقيه 3: 268/ 1128.

[8] المعتبر 2: 668.

[9] العروة الوثقى ج2 كتاب الصوم، فصل في صوم الكفّارة ص64.

[10] الفقيه 3: 268/ 1128، الوسائل 10: 53 ـ 54، أبواب ما يمسك عنه، ب1، ح1، توجد اختلافات بين ما هو موجود في الوسائل وبين ما هو موجود في الفقيه، وقد أشرنا إليها من خلال وضعها بين معقوفتين فلاحظ.