جلسة 156

الكفارات

والجواب: أنّ ما أشار إليه من لزوم حمل الطائفة الأولى على حالة وجود الحجّة المعتبرة بقرينة تعليق وجوب القضاء على رؤية القرص وإن كان أمراً وجيهاً، ولكن لا وجه لأخذ الغيم بعين الاعتبار ودعوى أنّ وجود الغيم كوجود الحجّة الشرعية كافٍ لعدم وجوب الإعادة، بل المناسب جعل المدار على الحجّية الشرعية وعدم أخذ الغيم بنظر الاعتبار، فإنّنا إذا لاحظنا الروايات وجدنا أنّ هناك ثلاث روايات قد أخذت الغيم بنظر الاعتبار:

الأولى: واردة في باب الصلاة، وهي موثقة بكير بن أعين، عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قلت له: إنّي صلّيت الظهر في يوم غيم فانجلت، فوجدتني صلّيت حين زال النهار؟ قال: فقال: «لا تُعِدْ، ولا تَعُدْ»[1]، بتقريب أنّ موردها وجود الغيم، وقد حكم ـ عليه السلام ـ بعدم وجوب الإعادة، وهذا يدلّ على أنّ من صلّى مع وجود الغيم كفاه ذلك في عدم لزوم الإعادة، حيث قال ـ عليه السلام ـ «لا تُعِدْ...».

وأمّا نهيه عن العود إلى ذلك في قوله ـ عليه السلام ـ: «... ولا تَعُدْ»، فباعتبار أنّ المناسب هو تحصيل العلم أو الحجّة الشرعية من البداية، ولكن لو تهاون الشخص فلا تجب عليه الإعادة ما دام الجوّ غائماً، وعليه قد يُستند إلى هذه الموثقة في باب الصلاة ويحكم بأنّ وجود الغيم كافٍ في عدم لزوم الإعادة.

والجواب عليها واضح، حيث إنّ المفروض فيها انكشاف الوفاق بعد ذلك، وأنّ صلاته وقعت حينما زالت الشمس، وهذا خارج عن محلّ كلامنا، فإنّ كلامنا هو فيما إذا اعتمد الشخص على ظنّه وبقي الواقع مبهماً، فبناءً على كفاية وجود الغيم يحكم بعدم لزوم الإعادة، بينما بناءً على عدم كفايته وأنّ المدار على العلم أو الحجّة الشرعية فتلزم الإعادة.

الثانية: واردة في باب الصوم، وهي رواية أبي الصباح الكناني أو صحيحته، قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السلام ـ عن رجل صام ثمّ ظنّ أنّ الشمس قد غابت وفي السماء غيم فأفطر، ثم إنّ السحاب انجلى فإذا الشمس لم تغب؟ فقال: «قد تمّ صومه ولا يقضيه»[2].

والرواية المذكورة من حيث السند قد يحكم بصحّتها وقد يحكم بضعفها، باعتبار أنّ محمد بن الفضيل الذي يروي عن الكناني مشترك بين الثقة وغيره، فإذا قلنا بانصرافه إلى خصوص الثقة حكم بصحتها، وإلاّ حكم بضعفها، وقد انتهى ـ قدّس سرّه ـ في التقرير[3] إلى ضعفها.

وأمّا من حيث الدلالة فإنّ القاعدة تقضي بلزوم القضاء في مثل الحالة المفروضة؛ لأنّ الواجب إتمام الصوم إلى الليل، وقد انكشف أنّه لم يتمّه بل أفطر والشمس بعد لم تغب، ولكن لأجل وجود الغيم حكم ـ عليه السلام ـ بعدم لزوم القضاء وصحة الصوم، وبذلك يثبت ما أفاده ـ قدّس سرّه ـ من أنّ عدم وجوب القضاء مخصوص بحالة وجود الحجّة الشرعية أو الغيم.

الثالثة: واردة أيضاً في باب الصوم، وهي رواية زيد الشحّام، عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ: في رجل صائم ظنّ أنّ الليل قد كان، وأنّ الشمس قد غابت وكان في السماء سحاب فأفطر، ثم إنّ السحاب انجلى فإذا الشمس لم تغب، فقال: «تمّ صومه ولا يقضيه»[4].

وهذه الرواية من حيث السند لا يمكن التعويل عليها؛ لوقوع أبي جميلة فيه، وهو لم يوثّق بل ضُعّف. وأما من حيث الدلالة فهي كسابقتها.

إذن لأجل الروايتين المذكورتين يمكن أن يكون السيد الماتن قد حكم بأنّ وجود الغيم كوجود الحجّة الشرعية، ولكن يردّ ذلك:

أولاً: أنّه قد حكم ـ قدّس سرّه ـ في التقرير بضعفهما سنداً.

ثانياً: أنّه على تقدير التنزل والتسليم بصحة سندهما فغاية ما يثبت بهما هو الصحة في حالة وجود الغيم لا اختصاصهما بذلك، فهما لا تدلاّن على أنّ صحة الصوم مختصّة بحالة وجود الغيم، فلعلّ الحكم بالصحة يعمّ جميع حالات الظنّ، فكل من ظنّ بالغروب وأفطر حُكم بصحة صومه حتى لو انكشف الخلاف، والتعميم هو الصحيح، والمستند في ذلك هو موثقة زرارة المتقدّمة فإنّه ورد فيها: رجل ظنّ أنّ الشمس قد غابت فأفطر، ثم أبصر الشمس بعد ذلك، قال: «ليس عليه قضاء»[5]، فإنّها دلت على كفاية الظنّ بالغروب في باب الصوم من دون تقييد بوجود السحاب، فالمناسب على هذا الحكم بصحّة صوم كل من ظنّ بتحقق الغروب وأفطر ثم انكشف الخلاف، لا التقييد بوجود الغيم كما فعل السيد الماتن ـ قدّس سرّه ـ بعد وضوح ما أشرنا إليه من أنّ الروايتين المتقدمتين تدلان على الصحة حالة وجود الغيم من دون حصر للصحة بذلك حتى تكونا مقيدتين لإطلاق موثقة زرارة.

________________________

[1] الوسائل 4: 129، أبواب المواقيت، ب4، ح16.

[2] الوسائل 10: 123، بواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب51، ح3.

[3] مستند العروة الوثقى 1: 400 كتاب الصوم.

[4] الوسائل 10: 123، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب51، ح4.

[5] الوسائل 10: 123، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب51، ح2.