36/05/24


تحمیل
الموضـوع:- مسألة ( 8 ) - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.
الوجه السابع:- ما أفاده الشيخ التبريزي(قده) في ارشاده[1]، وهكذا غيره، ومحصّله:- أنّه عندنا روايات تدلّ على أنّ بيع الجارية المغنّية حرامٌ وباطل، وإذا ثبت هذا يلزم أن يثبت بالأولويّة عدم جواز بيع الأصنام إذ الفساد المترتّب عليها أكثر مما يترتّب على بيع الجارية المغنّية خصوصاً إذا التفتنا إلى أنّه في بيع الجارية يقع الثمن عادةً في مقابل الجارية وليس في مقابل غنائها بل حتى بلحاظ جزء الثمن فجزء الثمن لا يقع في مقابل غناء الجارية بل كلّ الثمن يكون في مقابل الجارية أمّا الغناء فيكون داعياً إلى أن يرتفع ثمنها فهو يجعل ثمنا كبيراً في مقابل الجارية لأجل صفة غنائها لا أنّ صفة الغناء هي مقابلةٌ بجزءٍ من الثمن، وهذه قضيّة واضحة نظير أن يشتري الإنسان داراً قرب خضرة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام فسوف يكون ثمنها مرتفعاً ولكن لا يكون جزء من الثمن مقابل القرب بل كلّ الثمن هو مقابل الدار ومّا القرب فيكون داعياً إلى أن ترتفع قيمة الدار، وهنا أيضاً كذلك، فالثمن بأجمعه يكون في مقابل ذات الجارية دون صفة غنائها ورغم ذلك حكم الشرع بحرمة وبطلان بيعها بينما في بيع الأصنام يكون الثمن أو الجزء الأكبر منه في مقابل هيئة الصنم دون نفس الصنم بل الهيئة هي المهمة والتي يبذل إزائها الثمن فيلزم أن يكون البطلان والفساد أولى في بيع الأصنام، وكذلك نقول في بيع الصلبان.
ثم أفاد(قده) مطلباً جانبياً فقال:- إنّ كون الأصنام مورداً لعبادة المشركين يلزم أن يكون سبباً لعدم جواز بيعه وشرائها فإنها معبودٌ للمشركين حتى إذا فرض أنّه كان من الأشياء العتيقة والأثرية ولا نفرق بين الأثر وغيره، إنّ هذا معبودٌ للمشركين فلا يمكن الحكم بجواز بيعه.
ثم قال أكثر:- وهو أنّ هذه الأصنام مادّة فسادٍ فيلزم إعدامها ومحوها.
أقول:-
يرد على ما ذكره في آخر كلامه ما أشرنا إليه سابقاً:- من أن الأصنام هي الآن ليست مادّة فساد بل كانت مادّة فساد أمّا الآن فلا يتخذها أحدٌ معبوداً بل لعلّ المورد على العكس فهي موردٌ للاستهزاء والعبرة وأنّه كيف كان هناك أناس أذهانها ضحلة إلى هذا الحدّ بحيث تتخذ الحجارة معبوداً، فهي الآن ليست مادّة فساد حتى يلزم الحكم عليها بالمحو الإعدام وغير ذلك.
وأمّا ما أفاده من أنّ كون هذه معبوداً يستلزم عدم جواز بيعها حتى لو كانت من الأشياء العتيقة والأثرية:- فهو مجرّد دعوى، فما هو المستند لذلك وما هي الملازمة ؟ إنّه لا دليل على هذا وهو مجرد دعوى بلا دليل ولعلّه أشبه بالاستحسان.
وأما كلامه الأخير:- فقد أشرنا إليه في بعض الوجوه السابقة وعلّقانا عليه.
والمهم ما أشار إليه في كلامه الأوّل - وهو التمسّك بفكرة الأولويّة والفحوى يعني إذا كانت الجارية المغنيّة لم يجز بيعها فبنحو الأولوية لا يجوز بيع الأصنام - فيرد عليه:-
أولاً:- إنّا لا نعرف ملاكات أحكام الشارع، فالملاك لحرمة بيع الجارية ما هو ؟ إنّا لا يمكن أن نجزم به ولكن نظنّ أن الملاك في ذلك هو أنّ الجارية المغنية بغنائها وأمورها الأخرى تحرف الشباب خلقيّاً بل حتى غير الشباب ولكن هل هذه هي النكتة الوحيدة ولا توجد إلى جنبها نكتة أخرى وأنّ هذا هو الملاك التام ؟!! إنّ هذا شيءٌ لا يمكن الجزم به، وعلى هذا الأساس كيف نقول بأنّه يلزم أن يثبت الحكم بعدم الجواز في بيع الأصنام أيضاً لأنّ الفساد في بيع الأصنام أقوى أفهل ترى أنّ الفساد في بيع الجارية وحده هو النكتة الوحيدة والأصيلة ولا توجد نكتة أخرى ؟! إنّه شيءٌ غيرُ معلوم، نعم لعلّه جزءٌ من العلّة ويوجد جزءٌ ثانٍ لها لا نعرفه.
فإذن حيث لا يمكن الجزم بملاكات حكم الشارع والاطلاع عليها فلا يمكن التعدّي من حكمٍ إلى حكم آخر، ونحن قد عِبْنا على مدرسة القياس بهذا حيث كانوا يحاولون الحصول على النكتة والعلّة ويتعدّون، فهذه الفكرة ليست بصحيحة من الأساس ومرفوضة.
وإذا قلت:- إنّ الانحراف الذي يلزم من الأصنام هو حرف العقيدة بينما بيع الجارية يلزم منه التحلل الخلقي وانحراف العقيدة أشدّ مبغوضيّة.
قلت:- هل تجزم بأنّ تمام النكتة في حرمة بيع الجارية المغنيّة هي التحلّل الخلقي فقط أو أنّ هناك نكتة أخرى إلى جنب ذلك ؟ إنّنا لا نجزم بأنّ النكتة الوحيدة هي ذلك، وعلى هذا الأساس كيف يمكن أن نتعدّى ونجزم بالأولويّة ؟! بل أقصى ما هناك يوجد ظن.
ثانياً:- يمكن أن نبرز الفارق بين الموردين، فإنه في الجارية المغنيّة يمكن أن نقول هي سببٌ لانحراف حتى المتديّنين الشباب وحتى الشيوخ، فمن كانت في بيته جارية مغنيّة لعله يكون سبباً لانحرافه، فهي من الأمور التي تؤثر على الجميع، بينما وجود صنمٍ في البيت هل يؤثر عليّ أو على ذاك أو على غيره ؟! إنّه لا يؤثر أمّا وجود الجارية المغنية فيؤثر.
وإذا صار هذا فارقاً بينهما فلا يمكن أن نقول إن الفساد الذي ينشأ من الأصنام هو أكثر، نعم لو اتخذ شخصٌ الأصنام للعبادة كان ذلك موجباً للفساد أكثر ولكن أين من يتّخذ الأصنام للعبادة ؟! بخلاف الجارية المغنيّة فإنّ الأغلب يهوها وقد تؤثر عليه.
إذن هذا فارق موجودٌ في البين فلا يمكن أن ندّعي الأولويّة في هذا المجال.
إن قلت:- إذن أنت على هذا الأساس يلزم أن لا تسلّم بفكرة الفحوى والأولويّة، يعني مثل قوله تعالى:- ﴿ ولا تقل لهما أفّ ولا تنهرهما ﴾[2] نقول إنّه يدل بالأولوية على حرمة الضرب ولكن يلزم من كلامك أنّك ترفض هذا وتقول إنّ الضرب لا يمكن أن نحكم بحرمته باعتبار أنّا لا نعرف ملاك حرمة التأفّف والنهر ولعله هناك ملاكاً خاصّاً بالتأفّف وليس موجوداً في الضرب.
قلت:- هناك فارقٌ بين الوردين، ففي مثال الجارية المغنّية يوجد شيآن متغايران ونريد أن نعيّن ملاك أحدهما - وهو ملاك حرمة بيع الجارية - ونقول هو التحلّل الخلقي ونقول هذا الملاك أقل محذوراً من الملاك الذي يترتّب على الأصنام وبيعها وننتقل من ذلك الملاك إلى تحريم الشيء الآخر، إنّ هذه عمليّة مرفوضة.
بينما في فكرة الأولويّة لا يوجد إلا شيء واحد له مراتب بعضها أشد من البعض الآخر ولا توجد مغايرة، فالتأفف مرتبة ضعيفة والنهر مرتبة أعلى والضرب مرتبة أرقى وهذه كلّها شيء واحد بالنظر العرفي وتختلف بالمرتبة فنقول إنّ الملاك الذي حرّم التأفف مهما كان وإن كنّا لا نشخصه - كأن يكون هو الاهانة أو شيء آخر منضمّ إليها - هو موجودٌ حتماً في المرتبة الأشد بدرجةٍ أشد فيلزم أن تكون الحرمة موجودة بدرجة أولى.
إذن الفارق بين الموردين واضح والوجدان أقوى منبّهٍ وشاهدٍ على ما نقول فإنّه في مسألة النهي عن التأفّف نشعر بالوجدان أنّه يلزم حرمة الضرب فإنّ هذه قضيّة عرفيّة، فإذا قلت لشخصٍ ( لا تتكلّم بكلمةٍ نابية مع الضيف ) فإنه يفهم على سبيل القطع بأنّه لا يجوز له ضربه، إنّ هذا واضحٌ حيث يراهما شيئاً واحداً وحينئذٍ يكون الملاك الموجود هنا موجودٌ هناك بدرجةٍ أقوى، وهذا بخلافه في المورد الذي ذكره(قده) فإنّ مسألة بيع الجارية من مقولةٍ وبيع الأصنام من مقولةٍ أخرى فكلاهما ونريد أن نقول إنَّ الملاك الثابت هناك يلزم أن يكون سبباً للحرمة الثانية أيضاً لأن الفساد الذي يترتّب على الثاني فسادٌ في العقيدة بينما الفساد الذي يترتّب في الأول هو الفساد الخلقي مثلاً، إنّهما من واديين ولا نجزم بأن النكتة حتماً هي الفساد الخلقي وحدها بل لعلّه يوجد إلى جنب ذلك شيء آخر.
إذن التفرقة بين موارد الفحوى والأولويّة وبين المورد الذي ذكر(قده) للتعدّي واضح ٌكما أشرنا.
ومن خلال ما ذكرناه تتضح المناقشة في الوجه الثامن الذي ذكره السيد الخميني(قده) في مكاسبه المحرمة[3]:- فإنّه ذكر نفس مضمون الوجه السابع ولكن مع اختلافٍ في المفردات، فذكر أنّ الشرع المقدّس حرّم بيع الخمر تكليفاً ووضعاً ويلزم من ذلك حرمة بيع الأصنام بالأولوية، وعلّل بما نصّه:- ( إذ الفساد المترتّب على الأوثان وبيعها وشرائها أُمّ جميع المفاسد وليس وراء عبّادان قرية )، ثم قال إنّ بعض الروايات نزّلت مدمن الخمر ( كعابد الوثن )[4][5]،إنّه يستفاد من هذا الحديث أنّ الشر والفساد المترتّب على عبادة الوثن أقوى وأشد من الفساد المترتّب على بيع الخمر، ثم قال ما نصّه:- ( فكيف يمكن ذلك التشديد في الخمر[6]لقلع الفساد دون الأوثان ؟! ).
أقول:- إنَّ التعليق الذي أوردنا على الوجه السابع يأتي هنا دون اختلافٍ فلا نكرّر.
الوجه التاسع:- وهو ما ذكره السيد الخميني(قده)[7] أيضاً وحاصله:- إنّ الصنم مادام تترتّب عليه العبادة فيكون بيعه قبيحاً والحكم بصحّة البيع قبيحٌ عقلاً أيضاً كما أنّ الحكم بوجوب الوفاء قبيح عقلاً.