36/06/14


تحمیل
الموضـوع:- مسألة ( 9 ) - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.
النقطة الثانية:- تحرم الأجرة المأخوذة على إيجاد الآلات المذكورة، ونسأل ونقول:-
أولاً:- وما المقصود من حرمة الأجرة ؟
ثانياً:- وهو ما يترتب على جواب السؤال الأول كما سنوضح.
أما بالنسبة إلى السؤال الأوّل - أعني ما المقصود من حرمة أخذ الأجرة -:- يعني أنّ الإجارة باطلة ومادامت باطلة فالمال المأخوذ يكون باقياً على ملك صاحبه السابق فإخذه يكون حراماً لأنه من دون رضا والمفروض أنّ المعاملة باطلة فلو كانت صحيحةً فنفس صحّتها يغني عن رضاه أمّا إذا كانت باطلة فحينئذٍ يكون أخذ الأجرة من دون رضاه أمراً محرّماً.
وجميع الموارد التي يقال فيها إنّ أخذ الأجرة حرامٌ يرجع إلى هذا المعنى، فحينما يقال ( يحرم أخذ الأجرة على حلق اللحية ) أو ( يحرم أخذ الأجرة على السرقة أو على القيام بالغش ) فإن أخذ الأجرة في هذه الموارد محرّمٌ ومعنى ذلك هو كون المعاملة باطلة فأخذها حينئذٍ يكون أخذاً مع بطلان المعاملة فلا يجوز، نعم هو لو تبرع فمن باب رضاه بقطع النظر عن المعاملة لا بأس بذلك.
وأمّا السؤال الثاني:- لماذا تكون المعاملة على أيجاد هذه الأمور باطلة ؟
قد يعلّل ذلك:- بأنّ هذا نحوٌ من أكل المال بالباطل وقد قال تعالى ﴿ ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ﴾[1] حيث يمكن أن يقال إنّ النهي المذكور هو إرشادٌ إلى الفساد، يعني إذا كان بالباطل فلا تأكلوا، يعني أنّ هذه المعاملة باطلة، فيستفاد البطلان من الآية الكريمة بعد صدق عنوان الأكل بالباطل.
ولكن نقول:-
أوّلاً:- يرد عليه ما أشرنا إليه أكثر من مرّة، وهو أنّ هذا يتمّ لو كانت الباء للمقابلة، يعني لا تأكلوا أموالكم مقابل لا شيء وهذا لا شيء شرعاً - فهو محكومٌ بالبطلان شرعاً فهو لا شيء -، ولكن يحتمل أنَّ الباء سببيّة، يعني لا تأكلوا أموالكم بالأسباب الباطلة أي بالسرقة والغيلة والغصب وما شاكل ذلك، يعني وكلوها بالأسباب الصحيحة مثل البيع والإجارة، ومن الواضح أنّ الأكل في مقامنا هو من خلال الإجارة، فالآية أذن لا تنفعنا.
ثانياً:- لو سلّمنا أن الباء للمقابلة ولكن نقول إنَّ المقصود من الباطل هو الباطل العرفي وليس الباطل الشرعي فإنّ الشرع يصبّ الحكم على العناوين العرفيّة لا الشرعيّة، والمقام ليس من الأكل للمال بالباطل عرفاً لأنّ العرف يرى أنّ هذا العمل له قيمة غاية الأمر أنّ الشارع لا يرتضيه.
إذن النكتة لبطلان الإجارة على إيجاد آلات اللهو أو غيرها من هذه الأمور ليست مسألة أكل المال بالباطل وإنما لأجل أنّ المعاملة لو كانت صحيحة على إيجاد آلات القمار مثلاً فلازمه وجوب الوفاء بهذا إذ كلّ معاملة صحيحة يجب الوفاء بها ووجوب الوفاء يعني أنّه الامر بإيجاد المحرّم، فالشارع يلزمنا بإيجاد المحرّم وهذا يتنافى مع الحرمة.
وهذا بيانٌ نذكره في جميع الموارد التي يكون فيها متعلّق الإجارة محرّماً، فمتى ما كان متعلّق الإجارة محرّماً فلازمه بطلان الإجارة.
إن قلت:- لِـمَ لا نلتزم بفكرة الترتب ؟ يعني يقال:- إنّه في البداية خاطبنا الشارع وقال لنا ( لا تُوجِدوا الأصنام وآلات اللهو فإنها حرام فإن عزمت على المعصية وذلك بأن تؤجر نفسك فيجب عليك الوفاء بالإجارة ) فوجوب الوفاء يكون في طول العزم على العصيان كما يقال ذلك في باب الإزالة والصلاة فإنّه يقال ( أزِل فإن عزمت على العصيان فاشتغل بالصلاة ) إنّ هذا لا بأس به.
ونفس هذا الكلام يأتي هنا فنقول يوجد خطاب ( يحرم عليك أيجاد آلات اللهو أو الأصنام ) وهذا الخطاب مطلقٌ، وعندنا خطاب ثانٍ وهو وجوب الوفاء بالإجارة فنقيّد وجوب الوفاء بالإجارة بالعزم على عصيان هذا النهي فتصير النتيجة هي ( فإن عزمت على عصيان النهي عن إيجاد هذه الآلات فيلزمك الوفاء بالإجارة ) فوجوب الوفاء يكون معلّقاً على عصيان النهي عن إيجاد هذه الآلات.
قلت:- إنّ فكرة الترتّب تأتي فيما إذا كان لدينا خطابان مطلقان وكان المانع من العمل بهما ضيق قدرة المكلف فإنّ المكلف تضيق قدرته عن الإزالة والصلاة ولكن لو أمكنه الإزالة والصلاة معاً كما لو فرض أنّ الإزالة كانت بنحوٍ لا تؤثر على الصلاة فالمطلوب منه هو كلاهما فيلزمه أن يأتي بهما معاً، ولكن ضيق القدرة يمنع العمل بالإطلاقين فنقيّد التكليف المهّم بفرض عصيان أو العزم على عصيان التكليف الأهم، والمدرك لهذا التقييد هو أنّه يوجد إطلاقان فيجب العمل بهما ويدور الأمر بين أن نهمل أحد الدليلين رأساً ونُعمِل بالآخر فقط وبين أن لا نهمله رأساً وإنما نقيّده بحالة عصيان أحدهما، ولا إشكال في أنّ الضرورة تقدّر بقدرها فماذا نطرح ؟ هل نطرح أحدهما رأساً ؟ أو تطرح الاثنين رأساً ؟ فإنّ طرح الاثنين رأساً لا يقبله العقلاء بل يعمل بهما بالمقدار الممكن فإذا كان بتقييد أحدهما يحصل الوئام بين الدليلين فنصنع ذلك، فنحن نقيّد أحدهما بعصيان الآخر فنقيّد المهم بعصيان أو بالعزم على عصيان الأهم.
أما إذا فرض وجود مانعٍ آخر من العمل بهما غير مسألة ضيق القدرة بل العمل بهما في حدّ ذاته غير ممكن كما هو الحال في مقامنا فإنّ أحدهما حسب الفرض - وهو إيجاد الصورة – هو محرّم في حدّ نفسه فكيف يقول المولى ( لا تُوجِد الصنم فإن عزمت على العصيان فالإجارة على إيجاد الصنم يلزمك الوفاء بها ) ؟! إنّ هذا يعني الأمر بالمحرّم وهو لا يمكن في حدّ نفسه.
فهذا المورد لا يمكن أن يكون من مورد الترتّب لوجود مانعٍ غير ضيق القدرة، ومثل هذا المورد يكون من موارد التخصيص، يعني أنّ الأمر بالوفاء بالإجارة يلزم أنّ يكون مخصَّصاً أي لا إطلاق لدليله بل هو مقيّدٌ بعدم كون متعلّق الإّجارة من المحرمات إذ لو كان من المحرّمات فسوف يلزم الوفاء بالأمر المحرّم، فالمورد من موارد التخصيص، يعني لا يوجد إطلاقان، يعني لا يوجد إطلاقٌ لدليل وجوب الوفاء بالإجارة بل هو مشروط في حدّ نفسه بعدم كون المتعلق محرّماً . إذن لا يوجد اطلاقان وضاقت القدرة عن الجمع بينهما وإنما أحدهما هو مقيّدٌ في حدّ نفسه فلا يصير من مورد الترتّب، وهذه نكتة ظريفة، وهي سيّالة نستفيد منها في الموارد الأخرى فيما كان من هذا القبيل.
والخلاصة:- اتضح أنّ أخذ الأجرة على صنع الصنم أو آلة القمار محرّم بمعنى أنّ المعاملة باطلة فأخذها يكون أخذاً لملك الغير من دون رضاه وهو لا يجوز، أما لماذا تكون المعاملة باطلة ؟ ذلك لأنها لو كانت صحيحة فلازم صحتها وجوب الوفاء بالمحرّم وفكرة الترتب لا تأتي في المقام لأنها تأتي فيما إذا كان يوجد إطلاقان وكان المانع من العمل بهما ضيق القدرة، وفي المقام المانع ليس هو ضيق القدرة بل أحدهما جزماً هو في حدّ ذاته مقيّد ولا إطلاق فيه.