36/07/10


تحمیل
الموضـوع:- مسألة ( 14 ) - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.
وفيه:-
أوّلاً:- ماذا يقصد(قده) من وراء عرض هذه الاحتمالات الأربعة ؟ فهل يقصد بيان إشكالٍ على مضمون الروايات المذكورة وأنه كيف يتعقّل ما ذكرته هذه الروايات من عدم جعل جزءٍ من الثمن في مقابل النقوش والكتابة أو أنّه يقصد بيان الواقع ؟
فإنّ كان الهدف هو الإشكال:- فلا نرى له وجهاً بعد دلالة الروايات المعتبرة على ذلك فإنّها دّلت على ما ذكر - أي يجعل الثمن مقابل الغلاف ونحوه دون الكتابة - وأيّ إشكالٍ في ذلك بعد أن دلّت عليه الروايات فإنّه لا يلزم منه أيّ محذور لا يمكن الالتزام به.
وإن كان الهدف هو بيان الواقع دون الاشكال:- فلا حاجة إلى ذكر جميع هذه الاحتمالات بل من البداية يبيّن الاحتمال الصحيح وأنّ الشرع يطلب جعل الثمن مقابل الغلاف دون الكتابة تعظيماً وتقديساً لكتاب الله عزّ وجلّ الذي هو إمّا مضمون الاحتمال الرابع الذي ذكره(قده) أو قريبٌ منه.
إذن لا داعي إلى ذكر هذه الاحتمالات الأربعة لما أشرنا إليه.
والصحيح هو أنّ الروايات ناظرة إلى قضيّة تقديس كلام الله عزّ وجلّ فإنه يفهم منها ذلك، فأنت من حيث الشكل والصورة والصياغة لا تجعل جزءاً من الثمن مقابل كلام الله عزّ وجلّ فإنّه أقدس من جعل ثمنٍ مقابله، فهي تريد أن تبيّن هذا المطلب ولا إشكال ثبوتي ولا داعي إلى تطويل المسألة بالشكل الذي ذكره(قده).
ثانياً:- إنّه ذكر أنّ الاحتمال الأوّل لا يمكن المصير إليه - وهو أن نقول أنّ الكتابة لا تدخل في ملك أحدٍ حتى صاحب الأوراق الذي كتب عليها القرآن الكريم -، وقال إنّه إذا كان هذا هو المقصود فيرد عليه أنّه لا داعي إلى النهي آنذاك لأنّ الكتابة ليست مملوكة حتى نحتاج إلى نهيٍ إذ لا يمكن جعل جزءٍ من الثمن مقابلها لأنها لم تدخل في ملكٍ فلا معنى للنهي - فإنه لابد وأن يكون الشيء ممكناً مقدوراً حتى ينهى عنه -.
ونحن نقول:- هذا وجيهٌ إذا كان النهي نهياً تكليفياً فإنّه يشترط القدرة على متعلّقه، وأمّا إذا كان النهي إرشادياً فإنه بناءً على هذا الاحتمال نحمل النهي على الإرشاد يعني بيان الواقع وأنّه يراد أن يقال ( لا يمكنكم أن تجعلوا جزءاً من الثمن مقابل الكتابة لأنها ليست داخلة في ملك أحد )، فهي تريد الإرشاد إلى هذا الواقع الذي لم نطّلع عليه لولا هذا النصّ . فإذن لا محذور في توجيه النهي بعد حمله على الإرشاد.
وذكر أيضاً أنّ الاحتمال الثالث لا يمكن المصير إليه وهو أن نقول:- هي مملوكة وقابلة للانتقال ويمكن جعل جزءٍ من الثمن في مقابلها . وهو أشكل وقال:- إذا كان كذلك فلا معنى حينئذٍ للنهي مادام يمكن جعل جزءٍ من الثمن في مقابلها.
ونحن نقول:- يمكن جعل جزءٍ من الثمن في مقابلها ولكن الشارع لا يريد ذلك تقديساً لكلام الله عزّ وجلّ، فالنهي بناءً على هذا يصير نهياً تكليفياً والهدف منه تقديس الكتاب الكريم.
وعلى أيّ حال لا داعي إلى كل هذا التطويل.
الأمر الخامس:- ما هو الطريق للاحتياط إذا أردنا أن نتخلّص من شبهة الحرمة أو الكراهة ؟
والجواب:- ذكر طريقان لذلك:-
الأوّل:- ما دلّت عليه الروايات، وهو أن يجعل الثمن بأجمعه على ما عدى الكتابة، فأقول له ( بعتك أو اشتريت منك الغلاف والأوراق بهذا البلغ من المال ) والكتابة تدخل بشكلٍ قهريّ من دون جعل ثمنٍ في مقابلها، فنلتزم بهذا بعد أن دلت عليه الروايات ولا مشكلة فيه وهو طريقٌ للاحتياط.
نعم ربما يقال:- إنّ الروايات نهت عن جعل جزءٍ من الثمن مقابل الأوراق، وهي رواية واحدة وهي رواية سماعة التي جاء فيها:- ( وإياك أن تشتري منه الورق وفيه القرآن مكتوب فيكون عليه حراماً وعلى من باعه حراماً ) [1]. إذن إذا أردنا أن نحتاط احتياطاً تامّاً فلنجعل الثمن على الغلاف والدّفّتين فقط أمّا الأوراق التي كتب عليها القرآن الكريم فنخرّجها لأجل هذه الرواية.
وفي مقام الجواب نقول:- ذكرنا فيما سبق أنّ هذه الرواية مخالفة لجميع ت الروايات الأخرى التي جوّزت جعل جزءٍ من الثمن في مقابل الأوراق، فهي مخالفة للسّنّة القطعيّة على ما ذكرنا، لكن من أراد أن يحتاط احتياطاً شديداً فلا بأس بذلك فليجعل الثمن مقابل الدّفّتين والغلاف دون الأوراق والكتابة.
لكن قد تبقى أنَّه قد يكون هذه الطريقة موجبة للسخرية في زماننا فلنتّبع الطريقة الثانية.
الثانية:- طريقة الهبة المعوّضة، فأقول لك ( أهبك هذا المال على أن تهبني القرآن الكريم )، وهذا شيءٌ وجيهٌ ولا مشكلة فيه والروايات كانت ناظرة إلى عمليّة الشراء وهذا ليس بشراءٍ، بل حتى إذا فهمنا التعدّي فنتعدّى بمقدار ما عليه النصّ، والنص إنّما كان يرفض جعل جزٍء من الثمن في البيع مقابل الأوراق والكتابة فهنا في الهبة إذا أردت أن تجعل جزءاً من العوض مقابل الكتابة فنتعدّى إليه فهذا وجيهٌ ولا بأس به أمّا أن نقول أنّ الهبة مقابل الهبة لا يجوز أيضاً فهذا لا ربط له وليس من حقّ مثل الشيخ ميرزا علي الايرواني(قده) أن يتفوّه به أيضاً، فحتّى بناًء على التعدي فلابد وأن نتعدّى بذلك الشكل الذي أشرنا إليه وهو بجعل جزءٍ من المال الموهوب في مقابل الكتابة، أمّا أن أقول ( وهبتك هذا المقدار من المال مقابل أن تهب لي نسخة من القرآن الكريم ) فهذا لا إشكال فيه.
وههنا شيء جانبي:- وهو أنّ السيد الحكيم(قده) عبّر في منهاجه القديم عن هذه الطريقة الثانية بعبارة ( والأحوط منها ) أي الأحوط من الطريق الأوّل أن يسلك طريق الهبة، أمّا السيد الخوئي(قده) فقد جعل الطريقتين في مرتبةٍ واحدةٍ حيث قال ( فإذا أريدت المعاوضة عليه فلتجعل المعاوضة على الغلاف ونحوه أو تكون بنحو الهبة المشروطة بعوض )[2].
وشكل على السيد الحكيم(قده):- بأنّه لماذا كان الطريق الثاني أحوط من الأول إذ المفروض أنّ الطريق الأوّل طريقٌ قد دلّت عليه الروايات بالاتفاق ولا توجد فيها رواية ضعيفة ؟! نعم رواية سماعة كانت تنهى عن جعل شيءٍ من الثمن مقابل الأوراق لا أنها تنهى عن البيع من الأساس فهي تقبل جعل الثمن مقابل الغلاف والدّفتين، فكلّ الروايات متفقة والأصحاب متفقون أيضاً على جواز ذلك فلماذا الاحتياط ؟!! إنّه لا مبرر له ولا منشأ.
وقد تقول في مقام الدفاع عن السيد الحكيم(قده):- إنّ مقصوده هو أنّ الأحوط في الهبة أن تكون هبة للدّفتين والغلاف - يعني والأحوط من الطريق الأوّل هو الهبة ولكنها هبة الغلاف والدّفتين دون الأوراق والكتابة.
ولكن يمكن أن يقال:- إنَّ هذا لا داعي إليه أيضاً، يعني لا معنى لكونه أحوط - يعني أنّ المفروض هو أنّ تكون الهبة أيضاً للدفتين والأوراق - ولا وجه له، فلا منشأ للاحتياط، فنفس الكلام الذي أورد على التفسير الأوّل يرد على هذا أيضاً.
والذي أريد ان أقوله:- هو أنّ الهبة كيف تكون ؟ المفروض أنها هبة في مقابل هبة، يعني أهبك هذا المقدار من المال على أن تهب لي القرآن الكريم، فإذا كانت هبة في مقابل هبة فلا مشكلة حينئذٍ.
النقطة الثانية:- الأحوط وجوباً حرمة بيع المصحف الشريف على الكافر كما أنّ الأحوط وجوباً بطلان البيع - يعني توجد حرمة وضعية وتكليفياً -.
وهو(قده) لم يعبّر بالأحوط وجوباً ولكن الذي يقرأ العبارة يفهم منها أنّ الاحتياط وجوبياً لأنّه لم يكن مسبوقاً ولا ملحوقاً بالفتوى.
والسؤال:- لماذا لا يجوز بيع المصحف على الكافر بالشكل الذي نبيعه على المسلم بعد فرض أنّه لا يوجد عندنا نصّ في البين ؟
والجواب:- تعرض الشيخ الأعظم(قده) في المكاسب[3] إلى ذلك ونقل نكتتين يحتمل أن تكونا هما المنشأ لعدم الجواز:-
الأولى:- إنّ الكافر إذا لم يجز أن يتملّك العبد المسلم، فمن باب الفحوى والأولوية لا يجوز أن يتملّك المصحف الكريم - لأنه مثلاً أشدّ كرامةً من العبد المسلم -.
الثانية:- الإسلام يعلو ولا يعلى عليه.
ويمكن أن تضاف نكتة ثالثة ورابعة أيضاً:-
الثالثة:- إنّ بيع القرآن الكريم للكافر مظنّة تنجّسه إذ لا يؤمَن أن يصيبه برطوبةٍ، فإنّه حتى بناءً على طهارة الكتابي لكن مع ذلك هو قد يساور النجاسات فلا يؤمَن على الكتاب الكريم من التنجّس فبهذا الاعتبار لا يجوز بيعه عليه.
الرابعة:- إنّ بيعه للكافر مظنّة الهتك والإهانة لأنّه لا يرى قداسةً للقرآن الكريم فقد يضع رجله وعليه ويفعل ما يفعل.
فعلى هذا الأساس قد يقال بأنّه لا يجوز بيعه على الكافر لأجل هذه النكات، وهذه النكات الأربع إن لم تصلح منشأً للفتوى فلا أقل تصلح منشأ للاحتياط الوجوبي ولأجل ذلك احتاط السيد الماتن(قده).
أقول:- مجرّد الملكيّة لا توجب هذه الأمور الأربع، وإنما توجبها لو فرضنا أنّا دفعناه له أمّا أن نبيع المصحف المبارك ولكن نجعله بيد صديقه المسلم وهو يحافظ على قدسيته ففي مثل هذه الحالة لا يلزم مثل هذه الأمور المذكورة، إنما تحصل هذه المعاني لو فرض أنّه اُعطي له أمّا مجرد الملكيّة وحدها فهي لا توجب هذه الأمور.
ونفس هذا الكلام يأتي في العبد المسلم، فمجرد ملكيّة الكافر له لا يُعدّ علوّاً على الإسلام ولا يوجب هتكاً وإهانةً وما شاكل ذلك.