36/11/28


تحمیل
الموضـوع:- مسألة ( 16 ) - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.
وأمّا بالنسبة إلى ما أفاده السيد الخوئي(قده):- فهو كما قلنا وافق السيد اليزدي في أصل المدّعى ولكن اختلف معه في تقريب ذلك، وقد ذكر لإثبات الحرمة بيانين عامّين يمكن التمسّك بهما في سائر الموارد الأخرى وليسا خاصّين بمسألة الرسم:-
البيان الأوّل:- عن أدلّة النهي يستفاد منها حرمة انتساب المنهي عنه إلى الشخص أعمّ من كون ذلك الانتساب بنحو المباشرة أو بنحو التسبيب، ومقتضى إطلاق دليل النهي الشمول لكلتا النسبتين المباشريّة والتسبيبيّة.
ومثّل ذلك بما لو قال المولى لعبده ( لا تدخل عليّ أحداً ) فهنا كما لا يحقّ للعبد أن يدخل كذلك لا يحقّ له أن يسبّب إلى ذلك بأن يُدخِل الآخرين عليه، إنّه يستفاد عرفاً من ( لا تدخل عليّ أحداً ) أنّ دخول الشخص منهيٌّ عن انتسابه إلى العبد أعمّ من كونه دخولاً منه بالمباشرة أو بواسطة التسبيب.
وقد استفاد(قده) من هذا البيان في غير موردٍ:-
من قبيل:- ( لا تشرب النجس ) فهو قال إنَّ النجس كما لا يجوز للشخص أن يشربه كذلك لا يجوز أن يقدّمه للآخرين، والمدرك ليس هو وجود رواية في ذلك بل إنَّ ما دلّ على حرمة تناول المتنجّس هو عرفاً يدلّ على ذلك، يعني أنت لا تتناول الطعام المتنجّس ولا أن ينتسب إليك بالتسبيب بأن تقدّمه للآخرين، أو بالأحرى تمسّك بالإطلاق فقال عرفاً يفهم الإطلاق من هذه الناحية، أو مقتضى الإطلاق المنع من الانتساب أعمّ من كونه بالنسبة المباشريّة أو بالنسبة التسبيبيّة.
وعليه لو وافقناه على هذا وفرضنا أنّه يستفاد هكذا عرفاً فحينئذٍ سوف نستفيد في مقام الاستنباط فنحرّم جملةً من الأمور من خلال هذا البيان فنقول كلّ شيء من الأشياء المحرّمة على الشخص كما أنّه لا يجوز له أن يرتكبها كذلك لا يجوز أن يسبّب ارتكابها للآخرين تمسّكاً بهذا الإطلاق العرفي.
البيان الثاني:- إنّ المنهي عنه مبغوضٌ للمولى إذ لو لم يكن مبغوضاً فلماذا نهى عنه ؟ فنفس النهي يدلّ على المبغوضيّة، وعلى هذا الأساس لا يجوز أن يسبّب شخصٌ فعل الحرام بلحاظ الغير - أي يسبب إليه بأن يقدّم له المتنجّس مثلاً - فهذا لا يجوز لأنّه تسبيبٌ إلى فعلٍ مبغوضٍ للمولى والتسبيب إلى مبغوض المولى قبيحٌ وحرام، فنحن لا نجوّزه في حياتنا العقلائيّة فأيضاً بالنسبة إلى الله عزّ وجلّ يكون كذلك.
نعم يبقى سؤال وهو:- نسلّم أنَّ المنهي عنه مبغوضٌ للمولى ولكنّه مبغوضٌ له في حقّ العالم الملتفت، ولكن من قال أنّ تناول المتنجّس مبغوضٌ للمولى حتى بلحاظ الجاهل ؟!! فإذا لم يكن مبغوضاً أو مشكوك المبغوضيّة فالتسبيب إليه لا مانع منه، وهذا إشكالٌ يواجه السيد الخوئي(قده) فكيف تغلّب عليه ؟
قال(قده):- إنّ المبغوضيّة موجودةٌ، والوجه في ذلك هو أنّ حديث الرفع الذي يقول:- ( رفع عن أمتي ما لا يعلمون ) الذي نطبقه على الجاهل هو يرفع تنجّز الحكم أمّا أصل الحرمة والمبغوضيّة فلا يرفعها وإلا لزم اختصاص الأحكام بالعالمين بها وهذا يخالف ضرورة الاشتراك - أي اشتراك جميع الناس بالأحكام الشرعي من دون فرق بين أن يكونوا عالمين بها أو جاهلين وإنما الفرق في مرحلة التنجّز -.
إذن المبغوضيّة موجودةٌ في حقّ الجاهل، ومادامت موجودةٌ فالتسبيب إلى مبغوض المولى لا يجوز.
وتعال وطبق هذا في موردنا، فحينما نهت الروايات عن الرسم فبمقتضى البيان الأوّل هو أنّه لا يجوز أن ينتسب الرسم إليك لا بالمباشرة أو بالتسبيب بأن تكره الطفل أو تكره شخص على الرسم، وبمقتضى البيان الثاني أنّ الرسم مبغوضٌ للمولى فالتسبيب إليه من خلال الإكراه أو الطلب من الطفل يكون حينئذٍ تسبيباً إلى مبغوض المولى وهو لا يجوز.
ومن تعرّض الفقهاء إلى هذه المسألة - أي مسألة التسبيب إلى فعل الحرام في حقّ الآخرين – في بعض المواطن:-
منها:- في كتاب الطهارة في أحكام النجس وهناك بالمناسبة يُذكر أنّ النجس كما لا يجوز أن يشربه الشخص لا يجوز أن يسبّب إلى شربه في حقّ الآخرين، والسيد اليزدي(قده) اختار عدم الجواز أيضاً.
ومنها:- أنّه يتعرّض إليها في شروط صحّة الصلاة فإنّ صحّة الصلاة مشروطةٌ بأن يكون الثوب طاهراً فلا يجوز أن أصلّي في الثوب النجس ؟ ولكن كيف لو قدّمت الثوب المتنجس إلى الآخر ؟ إنه بهذه المناسبة قد يتعرّض إلى هذا المطلب.
وأشير إلى قضيّة ترتبط بهذا البحث:- وهي أنّه ينبغي أن نستثني موردين من محلّ كلامنا:-
المورد الأوّل:- ما إذا فرض أنّ الحرمة من البداية كانت مقيّدة بالعالم وأما الجاهل فلم يكن الحكم ثابتاً في حقه.
من قبيل:- طهارة الثوب في الصلاة، فإنّه في الصلاة يلزم أن يكون الثوب طاهراً، ولكن إذا كان الشخص جاهلاً فصلاته صحيحة ولا محذور، ولذلك لو رأينا شخصاً يصلّي في الثوب النجس أو خرج دمٌ من بدنه فلا نخبره أثناء الصلاء بل ندعه يكملها إذ لا شرطيّة في حّقه، بل الشرطيّة ثابتة في حقّ العالم للروايات التي دلّت على أنّ الجاهل لا شيء عليه.
إنّه بناءً على هذا هل يجوز لي أن أقدّم الثوب المتنجّس إلى الضيف ليصلّي فيه - ولا تطبّق ما ذكره السيد الخوئي(قده) من البيانين فتطبق الأوّل وهو أنّ مقتضى الإطلاق مبغوضيّة الانتساب أعم من المباشري والتسبيبي أو تطبق البيان الثاني، كلّا فإنّ هذين البيانين لا يأتيان بل نستثني هذا من محلّ الكلام لأنّ الشرطية هي من الأساس ثابتة في حقّ العالم ولا شرطيّة في حقّ الجاهل - ؟
إنّه من الوجهة العلميّة لا مانع من تقديم الثوب المتنجّس إليه لأنّ الصلاة في حقّ الجاهل ليست مشروطة بطهارة الثوب.
وإذا كان هناك أمثلة من هذا القبيل فهي تستثنى وتخرج من محلّ الكلام.
المورد الثاني:- ما إذا علمنا من الخارج أنّ المبغوضيّة ثابتة شرعاً بشكلٍ مطلق.
من قبيل:- شرب الخمر مثلاً والزنا أو ما كان من هذا القبيل فهذه أمورٌ يبغضها الشارع من كلّ أحدٍ وبأيّ شكلٍ كان، فما كان من هذا القبيل يكون خارجاً عن محلّ الكلام يعني لا يجوز التسبيب بلا إشكال، بل يقال أكثر وهو أنّه لو رأيت شخصاً يفعل هذا الشيء فعليك أن تردعه حتى لو كان جاهلاً لأنّ هذا الفعل مبغوضٌ للشارع مبغوضيّة مطلقة، فإذا سلّمنا أنّ المبغوضيّة مطلقة - وعرفنا من الارتكاز أو غير ذلك - فمقتضى مبغوضيّته المطلقة هو حرمة التسبيب ولزوم النهي حتى لو لم أسبّب إليه.
ومن باب الفائدة الجانبية نقول:- إذا رجعنا إلى كلمات السيد الخوئي(قده) نجد أنّه ذكر هذا المطلب - يعني التسبيب إلى الحرام لا يجوز - في غير موضعٍ من كلماته ولكن في بعض المواضع ربما يظهر منها وحدة البيانين لا أنّ الثاني كبيانٍ مستقلّ عن الأوّل، كما هو الحال في مصباح الفقاهة في محلّ كلامنا - وهو مسألة التسبيب إلى الرسم[1]-، ومن بعض كلماته الأخرى يوجد تصريح بأنهما بيانان[2]، ومن بعض كلماته الأخرى يظهر أو يصرّح بإنكار البيان الثاني وأنه يتبنّى البيان الأوّل دون الثاني[3]، فإنّه ذكر إشكالاً وقال:- إذا فرض أنّ شرب النجس كان مبغوضاً للمولى فلازمه أنّي لو رأيت شخصاً جاهلاً يتناول النجس يلزم أن أردعه والحال أنّه لا تلتزم أنت ولا غيرك بذلك، نعم وقع الكلام في أنّ تقديم النجس يجوز أو لا أمّا أن ترى شخصاً يأكل النجس فهذا اسكت عنه ولا تنبهه وهذا هو المعروف بين الفقهاء، فلو قلنا بأنّ المبغوضيّة ثابتة يلزم أن أردع هذا الشخص الجاهل عن تناول هذا النجس والحال أنّك لا تلتزم بلزوم الردع، هكذا أشكل على نفسه.
أجاب وقال:- إنّا نستند في إثبات الحرمة إلى إطلاق دليل النهي حيث يفهم منه مبغوضيّة الانتساب الأعمّ من المباشري والتسبيبي ولا نستند إلى فكرة المبغوضيّة.
هذا توضيح مختار السيد الخوئي(قده) وأنه على أساس هذين البيانين لو تمّا سوف نستفيد في موارد متعدّدة.


[1] الموسوعة الفقهية(مصباح الفقاهة)، الخوئي، تسلسل35، ص186.
[2] كما في كتاب محاضرات في الفقه الجعفري، الخوئي، ج1، ص117.
[3] كما في الدورة الفقهية ( التنقيح ) الخوئي، تسلسل3، ص310.