37/04/23


تحمیل

الموضوع: يجب القضاء دون الكفارة في موارد(المورد السابع)

ويلاحظ على الاستدلال بالرواية:-

اولاً: ما يظهر من المستمسك حيث كأنه استشكل في صحة الاستدلال بالرواية في محل الكلام (عدم وجوب القضاء في محل الكلام) فذكر (بإمكان دعوى ظهورها في صورة العلم) ولعله_ والله العالم_ يَفهم من الرواية المعنى الذي اشرنا إليه وهو أن الامام عليه السلام حدد المعيار للغروب وهو غياب القرص ثم كأنه ذكر ما معناه أنه اذا احرزت هذا المعيار وصليت وافطرت وتبين الاشتباه وان القرص لم يسقط بعد فحكمك كذا, وكأن السيد الحكيم (قد) يريد أن يقول أن الاحراز لا يكون الا بالعلم فإذا احرزت سقوط القرص فصليت واكلت ثم تبين الخلاف فصومك صحيح ولا يجب عليك القضاء فتختص الرواية بالعلم أي من علم بدخول الليل فأكل ثم تبين الخلاف تقول الرواية بأنه لا يجب عليه القضاء وهذا لا ينطبق على محل كلامنا لأننا لا نفترض العلم بدخول الليل بل افترضنا أنه قلد من اخبره بدخول الليل, وهذا لا يعني العلم بدخول الليل فلذا لا يصح الاستدلال بها في محل الكلام.

والذي يمكن أن يقال في دفع هذه الملاحظة هو أن غاية ما نفهمه من الرواية هو أن المكلف كان له مسوغ في الاقدام على الصلاة والاكل, فالإنسان المسلم الصائم المصلي لا يقدم على هذا الا بمسوغ, والمسوغ اعم من العلم فيشمل غيره كالحجة الشرعية التي لا تفيد العلم كخبر الثقة و البينة, وحينئذ لا مشكلة في أن نقول بأنه اعتمد على خبر مخبر بدخول الليل فتناول.

والتقليد الذي ذُكر في عبارة السيد الماتن وذكره غيره من الفقهاء لا يُقصد به التقليد الاصطلاحي أي المتابعة ولو كانت بلا ظن ولا غيره, وإنما المراد بالتقليد هو ما يقابل الفحص عن دخول الليل بنفسه, أي الاعتماد على خبر الغير, وهذا لا ينافي افتراض أنه عمل بكلامه واعتمد عليه وقلده سواء كان كلامه يوجب العلم أم لا, بل حتى لو لم يوجب الظن ما دام خبره حجة , والظاهر أن الرواية تشمل كل هذه الحالات ويمكن الاستدلال بها في محل الكلام, نعم لو فرضنا أن المخبر لا يمكن الاعتماد على كلامه بحيث أن نفس الصائم لا يرى كلامه مسوغاً ففي هذه الحالة لا يقدم على الصلاة والافطار, وعندما افترضت الرواية أنه اقدم فلابد أن يكون له مسوغ لهذا الاقدام ولو كان المسوغ هو الاطمئنان الشخصي من قوله حتى لو لم يكن المخبر ثقة, وعلى كل حال فتخصيص الرواية بصورة العلم بدخول الليل لا يمكن المصير إليه.

نعم لو افترضنا أن الراوية تتكلم عن انسان لا يجب علينا أن نفترضه أنه في اقصى درجات التدين والالتزام بل اعم من ذلك, فالرواية تتكلم عن رجل ثبت عنده سقوط القرص فصلى وافطر اعتمادا على ذلك ثم تبين الخلاف فلا يجب علينا أن نطبق جميع اعمال هذا الرجل على الميزان الشرعي لكي نخص الرواية بما اذا كان الخبر حجة فكثير من الناس لديهم التساهل في هذه الامور كما لو كان جائعاً واخبره شخص بدخول الليل واكل, فلماذا نخرج هذا(المتساهل في الاحكام الشرعية) عن مدلول الرواية, فلو كانت الرواية تتحدث عن انسان ملتزم ويطبق عمله على الموازين الشرعية نقول أن عمله لابد أن يستند إلى حجة شرعية, لكن لا موجب لأفتراض هذا في الرواية ومن هنا قد يقال بأن الرواية يمكن الاستدلال بها على جميع محتملات المسألة, أي كلما قلد شخصاً وافطر تقليداً لمن اخبره مطلقاً سواء كان كلام المخبر حجة أم لا, وهذا الاحتمال قد يبعده أن الرواية ليست سؤالاً من قبل سائل يسأل عن رجل فعل كذا وإنما هي عبارة عن كلام طرحة الامام عليه السلام ابتداءً, وحينئذ من الصعب أن نفترض أن الامام عليه السلام يتكلم عن شخص غير ملتزم, ومن هنا يظهر أن الرواية يصح الاستدلال بها في المسألة لكن ليس في جميع فروضها لكنها لا تختص بصورة العلم كما يقوله السيد الحكيم, بل يصح الاستدلال بها على الاقل في صورة ما لو كان الخبر حجة.

ثانياً: ما يذكر العلامة في المختلف حيث يقول تعليقاً على هذه الصحيحة (بأن مضي الصوم لا يستلزم عدم القضاء) وهذا اشكال على دلالة الرواية على عدم وجوب القضاء, وظاهر هذه العبارة امكان اجتماع مضي الصوم مع القضاء.

لكن يرد عليه أن مضي الصوم يعني صحة الصوم ومضى صومك يعني صح صومك وهذا التعبير متعارف في الروايات واذا صح الصوم لا معنى لوجوب القضاء, فصحة الصوم تستلزم عدم القضاء بينما العلامة يقول بأن المضي لا يستلزم ذلك, نعم فساد الصوم يستلزم القضاء وحينئذ يمكن الاستدلال بالرواية التي تقول مضى صومك على صحة الصوم وعدم القضاء وهو المطلوب في محل الكلام ويمكن أن يكون العلامة يريد أن يقول أن الرواية وان كانت تقول مضى صومك والمضي يعني الصحة لكن هذا بلحاظ ما قبل اصابة شيء من الطعام أي أن صومك الذي قبل ذلك يمضي وقد تدرك به بعض مصلحة الواقع لكن يجب عليك القضاء لتدارك ما فاتك من مصلحة الواقع, ويمكن أن يكون مقصوده أن الرواية ليست صريحة في عدم القضاء لهذا الاحتمال.

وهذا الكلام فيه مخالفة للظاهر لأنه اذا سلمنا أن المضي بمعنى الصحة فأن الرواية تسند المضي إلى صومك وهو ظاهر في الجميع (تمام الصوم) وليس في البعض دون البعض الاخر, فتجزءة الصوم إلى ما بعد الاكل وما قبل الاكل خلاف ظاهر الرواية, ثم أنه توجد قرينة المقابلة بين الصوم والصلاة حيث قال في الصلاة تجب الاعادة وهذا قرينة على أن مضى صومك تعني عدم وجوب الاعادة والقضاء, وعبر عن عدم وجوب الاعادة والقضاء ب(مضى صومك).

ومن هنا يظهر أنه لا داعي للتوقف بالاستدلال بالرواية إلى هنا بهذا الاعتبار (أن المضي لا يستلزم عدم القضاء) بل نقول أن المضي يستلزم عدم القضاء ويستدل بالرواية على عدم وجوب القضاء في محل الكلام.

السيد الخوئي (قد) لاحظ على هذه الرواية بعض الملاحظات منها:-

الملاحظة الاولى: قوله (قد)(وأما الأولى فليست صريحة في فرض الافطار وإنما يستفاد ذلك من اطلاق قوله عليه السلام مضى أي سواء أكل وشرب أم لا ، ولعل التعبير بالمضي حتى مع عدم الافطار)[1] لكن الظاهر أن ذيل الرواية يساعد على انها تفترض الافطار حيث يقول(وتكف عن الطعام إن كنت أصبت منه شيئا) [2] وتقول الرواية مضى صومك أي بالرغم من أنه اصاب شيئاً من الطعام, وعليه لا نثبت نظر الرواية إلى الافطار بأطلاق مضى صومك فحسب وان كان ذلك صحيحاً لو كان لوحده لكن يوجد في الرواية ما يدل على نظرها إلى حالة ما اذا افطر.

الملاحظة الثانية: قوله (وأما الصحيحتان اللتان هما بإزاء الموثقة وكلتاهما عن أبي جعفر عليه السلام فلا يبعد بل من المطمأن به أنهما رواية واحدة نقلها زرارة بالمعني بكيفيتين مع نوع مسامحة في التعبير إذ قد فرض في أولاهما رؤية القرص بعد الغيبوبة فإنه بظاهره غير معقول ، إذ كيف ترى الشمس بعد غيابها في الأفق فلا بد من فرض قيام الحجة على السقوط أما العلم الوجداني وإن كان بعيدا غايته كما لا يخفى . أو الظن المعتبر فيتحد مفادها مع الصحيحة الأخرى المصرحة بالظن بالغيبوبة التي لا مناص من أن يراد بها الظن المعتبر كما قيدناه به ، وإلا فغير المعتبر تجب معه الإعادة سواء رأى الفرض بعد ذلك وأبصر الشمس أم لا لعدم كونه محرزا حينئذ لدخول الوقت بحجة شرعية ولا شك ولا كلام في أن الظن مطلقا ليس حجة في الوقت وقد وردت روايات دلت على لزوم احراز دخول الوقت فلا بد من فرض حجية الظن في المقام بحيث لم تكن حاجة إلى الإعادة أو لم ير القرص بعد ذلك . وقد ذكرنا في بحث الصلاة أن الظن حجة إذا كان في السماء مانع من خصوص الغيم كما هو الصحيح أو مطلق العلة . وعليه فتحمل الصحيحة بطبيعة الحال على ما إذا كان في السماء مانع إما السحاب أو الأعم منه فتجب إعادة الصلاة لدى انكشاف الخلاف دون الصوم ، وإن أفطر على ما نطقت به الصحيحة الثانية)[3]

وبناءً على هذا الكلام لا يجوز الاستدلال بالرواية في محل الكلام_ لأن كلامنا ليس عن صورة وجود علة في السماء ولا عن حصول الظن نتيجة المراعاة بنفسه وإنما الكلام عن افطاره اعتماداً على من اخبره بدخول الليل_ وحينئذ نرجع بالحكم في محل الكلام _بعد عزل هذه الرواية أو الرويتين_ إلى مقتضى القاعدة وهو وجوب القضاء, سواء اعتمد على حجة تسوغ له الافطار أم لم يكن الخبر حجة, فأنه لو كان حجة غاية ما ينفع اثبات جواز الافطار تكليفاً, والقضاء مسألة اخرى, نعم يؤثر ذلك في مسألة الكفارة فإذا كان مما يجوز التعويل عليه فإفطاره لا يوجب الكفارة, والا فلابد من الالتزام بوجوب الكفارة عليه مضافاً إلى القضاء.

وهذا المطلب يرتبط في ما ذكرناه في مناقشة السيد الحكيم (قد) فالمهم هو أن الرواية عمن تتحدث؟؟ عن رجل متدين ملتزم ؟؟ أم عن مطلق الرجل؟؟

فعلى الاول نقول أنه لابد أن يكون قد ثبت عنده دخول الليل بدليل يسوغ له الصلاة والافطار, وعلى الثاني (الذي هو من الصعب افتراضه في صحيحة زرارة الاولى حيث قلنا أن الامام عليه السلام هو الذي بادر بالكلام دون أن يسأل سائل لكن هذا الكلام ليس صعباً في صحيحة زرارة الثانية لأنها تفترض مطلق الرجل لا خصوص الملتزم) وصحيحة زرارة الثانية هي زرارة ( عن أبي جعفر ( عليه السلام ) ـ حديث ـ انه قال لرجل ظن ان الشمس قد غابت فافطر ثم أبصر الشمس بعد ذلك ، قال : ليس عليه قضاء)[4]

والرواية صحيحة بلا اشكال فأنها يرويها الشيخ الطوسي عن احمد بن محمد وهو أما احمد بن محمد بن عيسى _وهو الظاهر_ وطريق الشيخ إليه صحيح بلا اشكال أو احمد بن محمد بن خالد البرقي وطريق الشيخ إليه صحيح بلا اشكال ايضاً فهو يروي عن عدة عن هؤلاء أي أن الواسطة واحدة وهم عدة وكلهم من الاكابر.

وهذه الرواية تتميز بأنها فُرض فيها الظن بأن الشمس قد غابت وفرض فيها الافطار, فلا يأتي اشكال السيد الخوئي (قد) المذكور في الصحيحة المتقدمة حتى على فرض الالتزام به هناك.

والاستدلال بهذه الصحيحة في محل الكلام مبني على افتراض أن المأخوذ في موضوع الرواية هو ظن بأن الشمس قد غابت وهو يتحقق في محل الكلام كما لو اخبره مخبر بدخول الليل وحصل له ظن بأن الشمس قد غابت وعادة يحصل الظن على الاقل من اخبار المخبر فيصدق عليه أنه رجل ظن أن الشمس قد غابت فيشمل محل الكلام.

وهل أن هذا الظن معتبر أو غير معتبر؟؟ يأتي كلام السيد الخوئي (قد) الذي يقول بأنه لابد أن يكون معتبراً لأن الظن غير المعتبر ليس حجة في باب تشخيص المواقيت, ويأتي الكلام السابق الذي يقول بأن الكلام عن شخص متدين ملتزم أو لا؟؟ فأن غير الملتزم يتمسك لأجل الافطار بأدنى سبب ويتوسل بما يخيل إليه أنه حجة ويفطر فإذا اخبره شخص بدخول الليل يفطر وان لم يكن كلامه حجة ومسوغاً للإفطار شرعاً, وهذا وان كان يتوقف فيه في تلك الصحيحة الا أنه ليس كذلك في هذه الصحيحة لأنه قد افترض فيها مطلق الرجل لا خصوص المتدين.