37/06/16


تحمیل

الموضوع:- الولاية للجائر – مسألة ( 36 ) – المكاسب المحرمة.

والجواب ما شرما إليه سابقاً:- من أنّ هذه الرواية لا تدل على التحريم لأنّ الاستدلال إما بفقرة ( ما أحبّ أني عقدت لهم عقدة .. )[1] ، وقد قلنا إنّ غاية ما تدل عليه هو المبغوضية وعدم المحبوبيّة ، أما أنّ هذه المبغوضية هي بنحو اللزوم فلا يستفاد ذلك.

وأمّا إذا كان الاستدلال بفقرة ( لا ولا مدّة بقلم إنّ أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من نار ) فنسلّم أنها تدلّ على التحريم لأنّه يوجد فيها تعبير ( سرادق من نار ) ولكن هذه العبارة ناظرة إلى أعوان الظلمة وموردنا ليس من أعوان الظلمة إذ أعوان الظلمة يصدق على مثل الوزير أو قائد الشرطة أو ما شاكل ذلك أما أن يكون مدير مشروع ماء أو ما شاكل ذلك فهذا لا يصدق عليه أنه من أعوانهم ، بل إذا أردنا أن نقول فهو من التعاون مع الظلمة لا من أعوانهم والفقرة المذكورة تدلّ على حرمة عنوان الأعوان لا عنوان التعاون.

وقد أشكلنا سابقاً وقلنا:- إن قلت إنّ لفظ الأعوان هنا لابد وأن يقصد منه المعنى الأعم الشامل للتعاون والاعانة وإلا كان ذكر الإمام عليه السلام لهذه الفقرة لغواً وبلا فائدة.

قلت:- صحيح إنّ هذا احتمال وجيه ، ولكن في المقابل يوجد احتمال ثانٍ وهو أن نبقي لفظ الأعوان على معناه الظاهر الحقيقي ولكن نقول إنَّ الإمام عليه السلام أراد أن يحذّره وكأنه يريد أن يقول له أنّي أحذّرك أن تصبح شيئاً فشيئاً من أعوانهم ، فكِلا الاحتمالين موجودٌ ، ومع وجودهما يكون الاستدلال بهذه الرواية في المقام غير تام لحصول الإجمال فيها.

هذه هي الرواية الأولى التي قد يتمسّك بها وقد عرفت أنها ضعيفة الدلالة من هذ الناحية.

الرواية الثانية:- رواية زياد بن سلمة المتقدّمة:- ( دخلت على أبي الحسن موسى عليه السلام فقال لي:- يا زياد إنك لتعمل عمل السلطان ، قال قلت:- أجل ، قال لي:- ولم ؟ قلت:- أنا رجل لي مروءة وعلي عيال وليس وراء ظهري شيء ، فقال لي:- يا زياد لئن أسقط من حالق فأتقطع - فأنقطع - قطعة أحبّ إليَّ لأن أولّى لأحدٍ منهم عملاً أو أطأ بساط رجلٍ منهم .... ، يا زياد إنّ أهون ما يصنع الله جلّ وعزّ بمن تولى لهم عملاً أن يضرب عليه سرادق من نار إلى أن يفرغ الله جلّ وعزّ من حساب الخلائق ، يا زياد فإن وليت شيئاً من أعمالهم فأحسِن إلى إخوانك فواحدة بواحدة )[2] ، فإنه قد يتمسّك بهذه الرواية لحرمة اللون الثالث للتعاون مع السلطان الجائر.

والجواب:- إنّه إما أن يكون النظر إلى صدر الرواية أي قوله عليه السلام:- ( يا زياد إنك لتعمل عمل السلطان ، قال قلت:- أجل ..... يا زياد لئن أسقط من حالق ..... ) فإن كان الاستدلال بهذه الفقرة ونقول إنّ عمل السلطان هو معنىً وسيع ولا يختصّ باللون الأوّل والثاني بل بإطلاقه يعمّ الثالث أيضاً والإمام عليه السلام رفض ذلك أشد الرفض وقال ( يا زياد لئن أسقط من حالق أحبّ إلي ..... ) فنقول في الردّ إنّه لو سلّمنا أنّ قوله عليه السلام ( إنك لتعمل عمل السلطان ) هو يشمل جميع الألوان الثلاثة ولم نقل بالانصراف إلى خصوص الأوّلين ولكن هذه الفقرة لا تدلّ على التحريم لأنه عليه السلام قال ( لئن اسقط من حالق فأتقطع قطعة أحب إلي ).

وإذا كان الاستشهاد بالفقرة الثانية وهي قوله عليه السلام:- ( يا زياد إنّ أهون ما يصنع الله جلّ وعزّ بمن تولى لهم عملاً أن يضرب عيله سرادق من نار إلى أن يفرغ الله جلّ وعزّ من حساب الخلائق ) فهذه تدلّ على التحريم حقاً لأنه ذكر أنهم في سرادق من نار ، ولكن الكلام هو في من تولّى لهم عملاً ، فهل هذا يشمل الثالث أو أنّه يختصّ بالأوّلين ؟

إنّ قلنا إنّه منصرف إلى خصوص الأوّلين فالرواية تكون مندفعة ولا يمكن التمسّك بها ، أما إذا قلنا هو صالحٌ للشمول فتقول لا يبعد وجود قرينة في الرواية تساعد على أنّ النظر هو إلى الأوّلين ، أو لا أقل هي مجملة من هذه الناحية ومردّدة في الشمول للثالث وليس هنا وضوحٌ في الشمول له ، والقرينة هي الفقرة الأخيرة التي تقول:- ( يا زياد فإن وليت شيئاً من أعمالهم فأحِسن إلى إخوانك فواحدة بواحدة ) ، فـ (واحدة بواحدة ) والاحسان إلى الاخوان يتصوّر عادةً في أحد الأوّلين لأنّ أحد الأوّلين هو أنك إمّا أن تكون وزيراً ، أو الثاني أن تكون قائد شرطة أو ما شاكل ذلك ، فأنت هنا صاحب مركز عالٍ فعليك أن تلتفت إلى اخوانك فتساعدهم ولا تظلمهم ، أما في النحو الثالث كأن يكون مدير مرسةٍ أو مدير مشروع أو عاملٍ يعمل في إصلاح الأمور كعامل البلدية أو من هذا القبيل فهذا لا يوجد عنده مقامٌ عالٍ حتى يصير ( واحدة بواحدة ) ، فـ ( واحدة بواحدة ) إنما يتصوّر في أحد الأوّلين.

إذن اقترنت فقرة ( إنّ أهون ما يصنع الله جلّ وعزّ بمن تولى لهم عملاً ) بما يصلح للقرينية ، فالظهور الثابتٌ سوف يتزلزل للاقتران بهذه الفقرة ويصير الكلام مجملاً ، فإنّ من أحد أسباب إجمال الكلام وزال ظهوره هو اقترانه بما يصلح للقرينية ، وهنا الأمر كذلك ، فإن اقتران الكلام بفقرة ( فواحدة بواحدة ) ليس من البعيد أنه يصلح للقرينية على أنّ المقصود من قوله عليه السلام ( أنّ أهون ما يصنع الله جلّ وعزّ أن يضرب عليه سرادق من نار ) ليس هو الظهور في العموم للون الثالث ، بل هو مجملٌ ، وإنما نتمسّك بالقدر المتيقّن وهو أحد الأوّلين ، فيبقى شاملاً لأحد الأولين وأمّا الثالث فيشكل التمسّك به لشموله به أيضاً.

هذا كلّه بناءً على صحّة سند الرواية ، وأمّا إذا شككنا في السند من ناحية زياد - لأنه لم يرد في حقّه توثيق - فحينئذٍ اندفاع الرواية والإشكال على التمسّك بها يكون أوضح.

إذن التمسّك بهذه الرواية مبنيّ على غض النظر من ناحية زياد ولو باعتبار أنّه نقل شيئاً ضدّ نفسه.

وبعد اندفاع هاتين الروايتين نبقى نحن والقاعدة وهي تقتضي الجواز.

وربّ قائل يقول:- يوجد وجه آخر على الجواز ، وهو أنّ السيرة جارية على ذلك ، ففي الوقت الذي يكون فيه السلطان جائراً جرت السيرة على أن يكون الشخص مديراً لمدرسةٍ أو معلماً فيها أو مديراً لمشروع ماءٍ مثلاً أو ما شاكل ذلك ولا يحتمل أنّ أحداً يتوقّف في جواز ذلك.

إذن حتى لو فرض وجود عمومٌ ولكن تصير هذه السيرة مخصّصة له وتكون دليلاً على أنّ ذلك العموم لا يُقصد منه مثل هذا.

والجواب واضح:- فإنّ هذه السيرة من أين لك أنها كانت سيرة واصلة يداً بيدٍ إلى زمن المعصوم عليه السلام وأنه كان هناك عمّال بلديّة مثلاً في ذلك الزمان والروايات ساكتة عنهم فإنّ هذا أوّل الكلام ؟!! فأوّل الكلام أنّ سيرة المتشرّعة كانت كذلك ، فلعلّه كانت هناك سيرة ولكنها سيرة من أتباع السلطان والمتعاونين معه ، أمّا المتشرعة فلا نعلم أنّ سيرتهم كانت جارية على مثل هذه الأمور ، بل على العكس فالإمام عليه السلام رفض أن يصلح له المسنّاة والحال أنها من اللون الثالث.

إذن السيرة لا يمكن التمسّك بها لإثبات الجواز ، وإنما الذي يمكن التمسّك به ينحصر بخصوص مقتضى القاعدة لما أشرنا إليه.

أجل استدرك وأقول:- لو فرض أنّ السلطان كان ظالماً ولم يكن شخصاً يمكن التساير معه فككبرى يجب ترك العمل معه ، وهذا ما يلزم الالتفات إليه ، ولكن تحقيق ذلك ربما يكون صعباً ، يعني أنّ الصغرى – أي تحقيق الأرضية الصالحة - ربما يكون تحقيقها مشكلاً.