28-11-1435


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

35/11/28

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضـوع:- مسألة ( 434 )/ الواجب الثالث عشر من واجبات حج التمتع ( رمي الجمار ).
الحكمان الأخيران:-
وأما بالنسبة إلى الحكم الثالث أعني الترتيب والحكم الرابع أعني أن يكون القضاء غدوةً والأداء عند الزوال:- فمن المناسب أن يكونا مبنيّين على الاحتياط الوجوبي أيضاً كما صنع السيد الماتن(قده) ، والوجه في ذلك:- هو أنّ الحكميين الأخيرين هما من فروع الحكم الثاني أعني التفريق فإن التفريق تارةً يكون بنحو الترتيب - أي الاتيان بالأداء بعد الفراغ من القضاء - وأخرى لا يكون مع الترتيب - أي يكون بالعكس فيقدّم الأداء أوّلاً ثم القضاء - ، فإذن الحكم الثالث هو فرعٌ من فروع الحكم الثاني.
وهكذا الحكم الرابع - أعني أنّ القضاء المتقدّم يكون غدوةً والأداء يكون عند الزوال – هو أيضاً من فروع التفريغ أي من فروع الحكم الثاني ، وحيث إنّ الحكم الثاني كان مبنيّاً على الاحتياط الوجوبي - إذ لا توجد عليه رواية تدلّ عليه بخصوصه وإنما حكمنا بذلك من باب احتمال إلغاء الخصوصيّة أو من باب أنّ ذلك هو المشهور بين الأصحاب - فيلزم أن يكون ما يتفرّع عليه مبنيّاً على الاحتياط الوجوبي أيضاً . إنّ هذا هو المناسب كما صنع ذلك السيد الماتن(قده).
بيد أنّ صاحب المدارك(قده) ادّعى أنّ الأصحاب ذهبوا إلى لزوم الحكم الثالث - يعني تقديم القضاء على الأداء - وأمّا الحكم الرابع - يعني القضاء غدوة والأداء عند الزوال - فقالوا بأنّه راجحٌ ومستحب ، ثم قال:- إنّهم استندوا في ذلك إلى صحيحة عبد الله بن سنان - أي الرواية الخامسة - ونصّ عبارته:- ( ..... وجوب البدأة بالفائت واستحباب كون ما يرميه لأمسه غدوة وما يرميه ليومه عند الزوال فمقطوع به في كلام الأصحاب )[1].إذن وجوب البدأة بالفائت - الذي هو الحكم الثالث - مقطوع بوجوبه ، والرابع - يعني أن يكون الفائت غدوةً - فهذا مستحبٌّ وكلاهما مقطوعٌ به في كلام الأصحاب ، ثم ذكر في بعد ذلك أنّهم استدلوا بصحيحة عبد الله بن سنان.
فلنقرأ نصّ الصحيحة هو:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أفاض من جمع حتى انتهى إلى منى فعرض له عارض فلم يرمِ حتى غابت الشمس ، قال:- يرمي إذا أصبح مرّتين مرّة لما فاته والأخرى ليومه الذي يصبح فيه وليفرّق بينهما يكون أحدهما بكرةً وهي للأمس والأخرى عند زوال الشمس ).
والإشكال واضح:- حيث تقدّم عندنا أنّ هذه الصحيحة ناظرة إلى حالة كون الفائت هو رمي جمرة العقبة فأوجب عليه السلام القضاء وبنحو التفرقة بهذا الشكل ولعلّ لجمرة العقبة ميزةٌ باعتبار أنّها جزءٌ من الحجّ ، بينما محلّ كلامنا هو فما إذا فرض أنّه فاته رمي اليوم الحادي عشر وأراد أن يقضيه في اليوم الثاني عشر ، وواضحٌ أنّ رمي اليوم الحادي عشر ليس من أجزاء الحجّ ، فعلى هذا الأساس لا يمكن الحكم بلزوم التفريق فلعل ذاك الترتيب هو من باب أنّه لأجل جمرة العقبة ، فهذا الترتيب لازمٌ في الرواية إنّ دلّت عليه فذلك من باب أنّ رمي جمرة العقبة لعله له خصوصيّة ، أمّا إذا فرض أنّه كان اليوم الحادي عشر فلزوم الترتيب هو أوّل الكلام ، فاستفادة لزوم الترتيب أمرٌ مشكل.هذا ما يتسّجل على الأصحاب لو كان مستندهم هو هذه الرواية.
وأشكل السيد الخوئي(قده)[2]
بإشكالٍ آخر حيث قال:-
إنّ استفادة لزوم تقديم القضاء واستحباب أن يكون غدوةً - فتقديم القضاء واجبٌ وكون القضاء مستحبٌّ غدوةً - لا يمكن استفادتهما من الصحيحة ، والوجه في ذلك هو أنّ العبارة التي دلّت عليهما عبارة وجملة وكلمة واحدة فلاحظ العبارة حيث قال عليه السلام:- ( ..... يرمي إذا أصبح مرّتين مرّة لما فاته والأخرى ليومه ، وليفرّق بينهما يكون أحدهما بُكرةً وهي للأمس والأخرى عند الزوال ) ، إنّ جملة ( وليفرق بينهما يكون أحدهما بكرة وهي للأمس والأخرى ليومه ) جملة واحدة اشتملت على ثلاثة أحكام الأوّل أنّه يفرّق بينهما ، والثاني أن يكون التفريق بنحو تقديم القضاء ، والثالث أن يكون القضاء غدوة ، وهذه أحكام ثلاثة دلّت عليها عبارة واحدة ، ومادامت العبارة واحدة كيف تحمل بعضها على الوجوب والبعض الآخر على الاستحباب ؟! بل إمّا أنَّ الكلَّ وجوبيٌّ أو أنّ الكلّ استحبابيٌّ ، أمّا أن يكون التفريق - أصل التفريق - وكون المتقدّم هو القضاء ثابتان بنحو الوجوب والأخير - وهو أن يكون القضاء المقدّم هو غدوة - استحبابي فهذا لا يمكن؛ إذ الجملة الواحدة لا تتحمّل أكثر من معنىً واحد ، فإما أن يكون المقصود من جميع هذه الأحكام هو الوجوب أو يكون المقصود من الجميع هو الاستحباب لأجل أنّ المفروض أنّ الجملة واحدة . نعم لو كانت الجمل متعدّدة - يعني أنَّ كلّ حكم بُيّن بجملةٍ - فيمكن أن نقول إنَّ هذه الجملة وتلك الجملة أريد منها الوجوب بينما الجملة الأخيرة أريد منها الاستحباب ، وهذا وجيهٌ ولا محذور فيه ، أمّا أن تكون جملة واحدة تشتمل على أحكامٍ ثلاثةٍ ونقول إنّ بعض هذه الأحكام واجبٌ وبعضها مستحبٌّ فهذا غير ممكن.
وفيه:- إنّه يمكن أن نناقش بمناقشتين:-
المناقشة الأولى:- فهو(قده) قال إنَّ الجملة واحدة وتشتمل على أحكام ثلاثة ، ونحن نقول:- إنَّ الجملة ليست واحدة بل هناك جملتان جملةٌ واحدة بيّنت التفريق - الذي هو الحكم الثاني - والجملة الثانية بيّنت حكمين - يعني أنّ التفريق يكون بتقديم القضاء ويكون غدوة -.
إذن المورد ليس من قبيل جملةٍ واحدةٍ أفادت ثلاثة أحكام ، كلّا بل توجد جملتان فلاحظ العبارة حيث قالت:- ( وليفرّق بينهما ) فهذه جملة دلّت على التفريق ، ثم بعد ذلك قال:- ( يكون أحدهما بكرةً وهي للأمس والأخرى عند الزوال ) وهذه جملة ثانية وهي قد أفادت حكمين الأوّل هو أنّ القضاء يكون متقدّماً والثاني هو أن يكون غدوةً.
إذن موردنا ليس من قبيل الجملة الواحدة التي أفادت أحكاماً ثلاثة بل من قبيل جملتين إحداهما أفادت حكماً واحداً - وهو الحكم الثاني أي لزوم التفريق - والجملة الثانية أفادت حكمين أعني الثالث والرابع.
وهذه مناقشة جانبيّة ليست مهمّة باعتبار أنّ ما أراده السيد الخوئي(قده) يبقى تامّاً حتى بناءً على وجود الجملتين ، يعني لا يتوقّف ما ذكره في المناقشة على كون الجملة واحدة لأنه بالتالي سوف يأتي إشكاله أيضاً وأنّه الجملة الثانية تشتمل على حكمين وهما الثالث والرابع فكيف يكون الثالث وجوبياً والرابع استحبابياً ؟! لأن الأصحاب قالوا إنَّ تقديم القضاء وجوبيٌّ ولكن كونه غدوةً فهو استحبابي ، فإشكال السيد الخوئي(قده) بِعدُ باقٍ ، ولذلك أنا لا أعدّ هذه المناقشة مهمّة.
المناقشة الثنية:- وهي المهمّة - وهي أنّ السيد الخوئي(قده) يبني على مسلك حكم العقل في استفادة الوجوب والاستحباب ولا يبني على مسلك الوضع ، فحينئذٍ نقول:- إنّ جملة ( يكون أحدهما ... ) دلّت على أصل الطلب فقط ولكن جاءت قرينة من الخارج بالنسبة إلى الحكم الرابع وهي قطع الأصحاب وتسالمهم على استحباب الغدوة فهذا يصير قرينةً على حمل الطلب بالنسبة إلى الحكم الرابع على الاستحباب ، وحيث لا توجد قرينة بالنسبة إلى الحكم الثالث فيحمل حينئذٍ على الوجوب ، فالبدأة يجب أن تكون بالقضاء كما قال الأصحاب بينما الغدوة تكون استحبابيّة لأجل قيام القرينة على ذلك.
إذن تمسّكنا بهذه الرواية بهذا البيان إنما يكون وجيهاً على مسلك حكم العقل ، وكأنّ السيد الخوئي(قده) شعر من أعماقه بأنّ هذا شيءٌ صعبٌ ومرفوض ، ولْيُجعَل هذا منبّهاً على بطلان أصل المبنى وأنّ الحاكم بالوجوب والاستحباب ليس هو العقل وإلّا فلو كان هو العقل فيلزم في مثل هذه الحالة أن نحكم رغم كون الجملة واحدة بأنّ أحد الحكمين وجوبيّ والآخر استحبابيّ بلا مانعٍ من هذه الناحية.
والخلاصة من كلّ ما ذكرناه:- اتضح من خلال ما ذكرناه أن هناك أحكاماً أربعة ، أمّا الحكم الأوّل وهو لزوم القضاء فهو بنحو الفتوى ، وأما الحكم الثاني فهو بنحو الاحتياط الوجوبي باعتبار أنّ الروايات لم ترد في محلّ كلامنا ولكن لاحتمال عدم الخصوصيّة أو لفتوى المشهور لا بأس بالاحتياط وجوباً بلزوم التفريق ، وأمّا بالنسبة إلى الحكمين الأخيرين فحيث إنّهما من فروع الحكم الثاني والمفروض أنّ الحكم الثاني مبنيٌّ على الاحتياط فالأخيران أيضاً يكونان مبنيّين على الاحتياط.


[2]  المعتمد في شرح العروة الوثقى، ج5، ص417.