18-01-1436


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

36/01/18

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضـوع:- أحكام المصدود تتمة ( مسألة 438 )، مسألة ( 439 ) / الواجب الثالث عشر من واجبات حج التمتع ( رمي الجمار ).
وقد تبع الفقهاء الروايات في هذا المجال فهي قد جعلت المصدود عنواناً يغاير المحصور، فقد ورد في صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال:- ( المحصور غير المصدود . وقال:- المحصور هو المريض والمصدود هو الذي يردّه المشركون كما ردّوا رسول الله صلى الله عليه وآله ليس من مرض . والمصدود تحلّ له النساء والمحصور لا تحلّ له النساء )[1]، والرواية واضحة في المغايرة بين العوانين.
وينبغي أن لا يغيب عنّا أنّ المصدود وإن كان هو من منع لمانعٍ خارجي مثل الظالم بينما الحصر من امتنع عليه الاستمرار لمانعٍ داخلي أعني مثل المرض ولكن لابد من إضافة قيدٍ وهو أنّ يكون ذلك المانع من الاستمرار قد تحقّق بعد التلبّس بالإحرام، فمن أحرم وبعد الإحرام منعه الظالم فهذا صدٌّ وتترتب عليه أحكامه، أو طرأ عليه مرضٌ بعد الإحرام فامتنع عليه الاستمرار فهذا حصرٌ وتترتب عليه أحكامه، وهذا ما ستأتي الاشارة إليه فيما بعد، أما إذا فرض أنّ ذلك تحقّق قبل التلبّس بالإحرام فهذا المكلف يرجع إلى أهله ولا شيء عليه كما قيل له ارجع من نصف الطريق فيرجع - ولكن يجب عليه التحفّظ على الاستطاعة إلى السنة الثانية فإن بقيت فعليه الحجّ من جديد -.
وبالجملة إنَّ أحكام الحصر والصدّ لا تترتب عليه وإنما هي تترتب فيما لو تلبّس بالإحرام ثم طرأ المانع، وهذا ينبغي أن يكون شيئاً واضحاً وسيأتي التنبيه عليه فيما بعد.
وقبل ختام هذه المسألة نشير إلى قضيّة جانبيّة فنيّة:- وهي أنّ السيد الماتن(قده) في هذه المسألة قال:- ( مسألة:- المصدود هو الممنوع عن الحج والعمرة بعد تلبسه بإحرامهما ) وهذا لا نراه فنّياً فهو أشبه بالمبتدأ بلا خبر من حيث المعنى - أو حتى ليس بمبتدأ ولا خبر، مثل ما يقول شخص المصدود هو من منع من الاستمرار - فهذا ليس بمناسبٍ، وكان المناسب هو الجمع بين العنوانين وبيان أنّ لكلّ واحدٍ منهما حكم مستقلّ بالبيان التالي:- ( من طرأ عليه العجز عن مواصلة النسك بعد تلبّسه بالإحرام فتارةً يكون بسبب منع ظالم ويصطلح عليه بالصد، وأخرى لمرضٍ ويعبّر عنه بالحصر، ولكلٍّ منهما أحكامه الخاصّة وهي كذا وكذا .... ).


مسألة ( 439 ):- المصدود عن العمرة يذبح في مكانه ويتحلّل به . والأحوط ضمّ التقصير أو الحلق إليه، بل الأحوط اختيار الحلق إذا كان ساق معه الهدي في العمرة المفردة.
..........................................................................................................
هذه المسألة تبيّن حكم المصدود وحيث إنّ الصدّ تارةً يكون في العمرة وأخرى في الحج فعقد هذه المسألة لبيان حكم الصدّ في العمرة، وعقد المسألة التالية لحكم الصد عن الحج، وقبل أن ندخل في صميم المسألة نشير إلى أمرين جانبيين:-
الأمر الأوّل:- إنّ المصدود سواءً كان في العمرة أو كان في الحج حكمه هو التحلّل، وهكذا بالنسبة إلى المحصور حكمه هو التحلل، فالمحصور والمصدود هما مشتركان معاً في أنه يتحلّلان - إمّا بالهدي وحده أو بإضافة الحلق والتقصير وهذا كلام سيأتي -، ولكن بعد التحلّل بالهدي حينئذٍ يحلّ ولا نقول له تبقى تواصل.
إذن القضيّة المشتركة بين الحصر والصد سواء كان في العمرة أو في الحج هو أنه يحصل التحلّل.
ولكن هناك عدّة فوارق بين الصدّ والحصر والمهمّ منها ثلاثة وإن كانت قد تذكر أكثر منها والبعض جعلها ستة:-
الأوّل:- إنّ المصدود يتحلّل من جميع المحرّمات بما في ذلك النساء فلو ذبح الهدي حلّ له كلّ شيءٍ حتى النساء، بينما المحصور يحلّ له كلّ شيءٍ إلّا النساء فالنساء تبقى إلى أن يطوف طواف النساء بينما المصدود فأمره أخفّ فكلّ المحرمات تحلّ له حتى النساء.
الثاني:- إنّ مكان التحلّل بالنسبة إلى الصدّ هو مكان الصد فأينما صُدَّ فهو يذبح الهدي هناك، وأمّا المحصور فلا يتحلّل بذبح الهدي في مكانه بل يلزم أن يرسله إلى مكة إذا كان ذلك في العمرة أو إلى منى إذا كان ذلك في الحج.
إذن المصدود أهون حالاً من هذه الناحية.
الثالث:- هناك قضيّة ذكرت في لسان الفقهاء وهي أنّ المحرم من حقّه أو يستحب له أن يقول:-  ( اللهم حلّني حيث حبستني ) فإذا طرأ الحبس والمنع فحينئذٍ يتحلّل، فإذا تمّ هذا نقول:- إنَّ هذا نحتاج إليه في الحصر ولا نحتاج إليه في الصد لأنه في الصد بمجرد أن يطرأ الصد هو يتمكن من أن يتحلّل وذلك بذبح الهدي ولا تأخير في حقّه فلا ينتفع بهذا الاشتراط شيئاً، بينما المحصور حيث إنّه يجب عليه أن يرسل الهدي فهذا الاشتراط سوف ينفعه فيحلّ من الآن بسبب الاشتراط ولا يتوقّف على أن يتحقّق الذبح.
الأمر الثاني:- إن مقتضى القاعدة بقطع النظر عن النصوص الخاصّة هو أنّه مادام قد طرأ الصدّ والحصر حصول التحلّل أو بالتعبير الصحيح انكشاف عدم انعقاد الإحرام من البداية حيث ينكشف أنّه غير قادر على الاتيان بأعمال الحج أو العمرة وحيث إنّها ترابطيّة - يعني ليس الإحرام هو مطلوب بنحو الاستقلال ولا الوقوف بعرفة مطلوب بنحو الاستقلال وإنما المجموع مطلوب بطلب واحد ترابطي - فإذا لم يمكن الاتيان ببقيّة الأجزاء ينكشف أنّه لا يمكن امتثال ذلك الأمر الواحد وبالتالي ينكشف بطلان الاحرام من الأساس ولكن النصوص دلّت على أنّ الاحرام صحيحٌ ويحتاج إلى محلّل وهو الهدي أو بإضافة الحلق أو التقصير على ما سيأتي انشاء الله تعالى فيما بعد.
وهل يحتاج الى عمرة مفردة لأجل التحلل أو يكفي الهدي ؟
كلّا يكفي الهدي ولا حاجة إلى عمرة مفردة فإن توقّف التحلّل عليها يحتاج إلى دليل ولا دليل على ذلك، نعم دلّ الدليل في موردٍ آخر على الحاجة إلى المعمرة المفردة وهو ما لو فرض أنّ المكلف أحرم وبعد إحرامه ضاق عليه الوقت عن إدراك الموقفين فلم يتمكن من إدراك الموقف بعرفة كما لم يتمكن من إدراك الموقف بالمشعر فهنا قد فاته الحج فإن من لا يأتي بالموقفين بطل حجه ولكن يتوقف تحلّله على إكمال الإحرام بعمرة مفردة - يعني بأن يأتي بالطواف والسعي والتقصير ثم يأتي بطواف النساء فهنا يحتاج الى عمرة مفردة - . إذن المورد للعمرة المفردة هو ما إذا تحقق الإحرام في وقتٍ وسيعٍ ولكن طرأ المانع كما لو انكسرت السيارة في الطريق أو وصل إلى مكة ولم يتمكن من إدراك الموقفين لسببٍ وآخر بعد الاحرام من دون قضيّة المرض أو الظالم ولكنّه لأجل الزحام مثلاً أو أنّه ظلَّ الطريق ففاته الموقفان هنا نحتاج إلى العمرة المفردة، وهذا قد تقدم فيما سبق ومدركه صحيحة الحلبي:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يأتي بعدما يفيض الناس من عرفات، فقال:- ...... وإن قدم رجل وقد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام فإن الله أعذر لعبده فقد تمّ حجه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس وقبل أن يفيض الناس، فإن لم يدرك المشعر الحرام فقد فانته الحج فليجعلها عمرة مفردة وعليه الحج من قابل )[2].
والخلاصة:- إن مورد الحاجة إلى العمرة المفردة للتحلّل هو هذا دون محلّ الكلام - أعني المصدود والمحصور -.


[1]  وسائل الشيعة، العاملي، ج14، ص177، ابواب الحصر والصد، ب1، ح1، آل البيت.
[2]  وسائل الشيعة، العاملي، ج14، ص36، ابواب الوقوف بالمشعر، ب22، ح2، آل البيت.
   ونحو ذلك ورد في ب23، ح1، ح4، ح5.
   وورد ايضاً في ب27، ح1، ح4، ح6.