38/04/22


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

38/04/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تتمة مسألة ( 28 ) الاجرة على الواجبات ، مسألة ( 29 ) النوح – المكاسب المحرمة.

وربما يخطر إلى الذهن هذا الاشكال على فكرة الداعي إلى الداعي: بأنَّ لازمها أننا لو أردنا أن نتوضأ قربةً إلى الله تعالى لأجل التبريد فالهدف هو التبريد ولكن نذكر القربة في البين ، فهل تلتزم في مثل ذلك بصحة الوضوء ؟ فأصحاب فكرة الداعي إلى الداعي يلزمهم أن يلتزموا هنا بصحة الوضوء ، فهنا الداعي إلى الوضوء هو القربة والداعي إلى القربة هو التبريد ، وهل يلتزمون بصحة هذا الوضوء ؟! وهذا قد يسجّل اشكالاً على فكرة الداعي إلى الداعي وأنَّ الوجدان المتشرعي قد يرفض صحّة الوضوء في هذا المثال وهذا منبّهٌ وجداني على بطلان فكرة الداعي إلى الداعي.

والجواب: إذا فرض أنَّ المكلّف أراد أن يتبرّد ودعاه قصد التبريد إلى أن يتوضأ كما في أيام الصيف ، فأنا أريد أن أتبرّد فأقول مع نفسي لماذا أتبرد بهذا الشكل بأن أريق ماءً على وجهي كيفما اتقف بل فدعني أقصد الوضوء القربي ، فإذن أنا أجيء بالوضوء القربي والذي دعاني إلى ذلك هو التبريد ، وهنا لا محذور في أن نلتزم بصحّة ذلك ، بل نفعل ذلك واقعاً في أيام الصيف ، وأي مانعٍ من الالتزام بصحّة الوضوء ؟! بل لعلّ وضوئنا في أيام الصيف أكثر من أيام الشتاء والنكتة هي هذه وهي أنا في أيام الصيف نريد أن نتبرّد فنتبرّد ونقصد الوضوء بذلك ، فيدعونا التبريد إلى الوضوء القربي ، ولا مانع من الالتزام بأنَّ هذه الوضوءات التي تصدر منّا في الصيف وهي أكثر منها في الشتاء صحيحة ، فإذن هذا الاشكال لا ينبغي أن يسجّل على فكرة الداعي إلى الداعي.

 

مسألة ( 29 ): يحرم النوح بالباطل يعني الكذب ولا بأس بالنوح بالحق.

..........................................................................................................

تعرض السيد الماتن في هذه المسألة إلى حكم النوح ، والنياحة معروفة في أيام العزاء سواء كانت على الأموات العاديين أو على أهل البيت عليهم السلام ، فهل هذا الفعل حرام أو حلال ؟

ذكر إنه إذا كان النوح يشتمل على الكذب فهو حرام ، أما إذا كان بالحق – يعني لا يشمل على الكذب فهو جائز.

وكان من المناسب له أن يبيّن حكم التكسّب لا أنه يبيّن حكم النياحة في حدّ نفسها ، ففنّياً بما أنَّ كلامنا تحت عنوان المكاسب المحرّمة فعليه أن يبيّن حكم النوح في حدّ نفسه ويبيّن حكم التكسّب به.

وصنع بعض علمائنا كذلك أيضاً ، أي أنَّه بيّن حكم النوح فقط ، وحينئذٍ قد يتابع البعض البعض الآخر في التعبير ومن ذلك الشيخ الأعظم (قده) في المكاسب[1] ، فله كلام مختصر عن النياحة لكنه بيّن حكم النوح في حدّ نفسه ولم يبيّن حكم التكسّب به.

وعلى أيّ حال يقع كلامنا تارةً في حكم النياحة في حدّ نفسها ، وأخرى في حكم التكسّب بها:

حكم النياحة في حدِّ نفسها:

المعروف هو الحلّية ولم يعرف خلاف في المسألة ، يعني أنَّ النياحة جائزة في حدّ نفسها إلا إذا اشتملت على الكذب فتصير محرّمة من ناحية الكذب وليس من ناحية النياحة ، فالنياحة في حد نفسها لا محذور فيها .

ولكن توجد عبارة للشيخ الطوسي(قده) وأخرى لابن حمزة في الوسيلة تنبئان بالخلاف ، أما عبارة الشيخ فهي: ( ويستحب لقرابة الميت وجيرانه أن يعملوا طعاماً لأرباب المصيبة ثلاثة أيام كما أمر النبي صلى الله عليه وآله لأهل جعفر حينما أصيب في مؤتة .... وأما اللطم والخدش وجزّ الشعر والنوح فإنه كلّه باطل محرّم اجماعاً )[2] ، وأما عبارة الوسيلة فهي: ( المحظور ثمانية أشياء اللطم والخدش وجزّ الشعر والنياحة وتخريق الثياب إلا للأب والأخ )[3] .

إذن هذان العلمان ذهبا إلى الحرمة ، بيد أنَّ المعروف جواز النياحة في حدّ نفسها والسيرة في يومنا جارية على ذلك حتى سيرة المتديّنين مادامت ليست بالباطل.

أما ما هو مستند جوازها ؟

الجواب: إننا لا نحتاج إلى مستند بل يكفينا أصل البراءة ، فعدم الدليل على الحرمة يكفينا كدليلٍ لإثبات الحلّية ولا نحتاج إلى مستندٍ آخر.

ولكن إذا رجعنا إلى الروايات فربما نحصل على ثلاث طوائف ، طائفة محلّلة وأخرى محرّمة وثالثة دالة على التفصيل كما سوف نوضح:

أما الدالة على الحلّية: فنذكر لها ثلاث روايات:

الرواية الأولى: محمد بن يعقوب عن عدة من أصابنا عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله عليه السلام: ( قال: قال لي أبي: يا جعفر توقف لي من مالي كذا وكذا لنوادب تندبني عشر سنين بمنى أيام منى )[4] ، وهي صحيحة السند ، ودلالتها واضحة ، واحتمال الاختصاص بالإمام عليه السلام دون سائر الناس ضيف جداً.

الرواية الثانية: صحيحة أبي حمزة ، قال الشيخ الكليني(قده): وبالإسناد[5] عن عليّ بن الحكم عن مالك بن عطية عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام: ( قال: مات الوليد بن المغيرة فقالت أمّ سلمة للنبي صلى الله عليه وآله: إن آل المغيرة قد أقاموا مناحة فأذهب إليهم ؟ فأذن لها فلبست ثيابها وتهيأت ....... فندبت ابن عمّها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت أنعى الوليد بن الوليد أبا الوليد فتى العشيرة ، حامي الحقيقة ماجد يسمو إلى طيب الوتيرة ، قد كان غيثاً في السنين وجعفراً[6] غدقاً[7] وميرة[8] ، فما عاب رسول الله صلى الله عليه وآله ولا قال شيئاً )[9] ، ودلالتها بالتقرير فإنَّ النبي صلى الله عليه وآله أقرَّ وسكت فيدل ذلك على أنَّ النياحة جائزة في حدّ نفسها.

ويمكن ايضاً ان نتمسك بعبارة أخرى لإثبات الجواز غير مسألة سكوت النبي صلى الله عليه وآله[10] : وهي عبارة ( قال: مات الوليد بن المغيرة فقالت أمّ سلمة للنبي صلى الله عليه وآله: إن آل المغيرة قد أقاموا مناحة فأذهب إليهم ؟ فأذن ) فهذا المقدار ربما يستفاد منه الجواز فإنه إذا كانت المناحة والنوح على الميت حراماً كيف يأذن لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن تذهب إلى ذلك المجلس.

إن قلت: هي لا تندب ولكن النياحة تكون من قبل غيرها.

قلت: مع ذلك لا يناسب أن يأذن لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالذهاب فإن هذا تشجيع على المحرّم ولا يناسب لزوج النبي أن تذهب إلى هذا المجلس.

وعلى أي حال هذه قضايا فنية وإلا فدلالتها بالتقرير.

إذن من يمكن أن نستفيد من موضعين في دلالتها على الجواز[11] .

الرواية الثالث: صحيحة أبي بصير ، وسندها: محمد بن الحسن بإسناده عن الحسين بن سعيد عن النضر عن الحلبي عن أيوب بن الحرّ عن أبي بصير قال: ( قال أبو عبد الله عليه السلام: لا بأس بأجر النائحة التي تنوح على الميّت )[12] ، وكلّ رجال السند لا مشكلة فيهم ، وسند الشيخ الطوسي(قده) إلى الحسين بن سعيد لا مشكلة فيه أيضاً ، والنضر بن سويد لا مشكلة فيه ، فالكل ثقاة.

وهي وإن كانت واردة في الكسب ودلت على أنه جائز إلا أنها بالالتزام تدل على أنَّ أصل النياحة جائزة فيثبت بذلك على المطلوب.

ونكتفي بهذه الروايات الثلاث فإنها دلت على الاباحة ودلالتها واضحة جداً.

أما الروايات الدالة على التحريم: فمن جملتها:

الرواية الأولى: ما رواه صاحب الوسائل عن كتاب عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: ( سألته عن النوح على الميت أيصلح ؟ قال: يكره )[13] ، ونحو ذلك رواية قرب الاسناد[14] .

وهي أما من حيث سندها فقد تعرضنا إليه أكثر من مرّة ، فإنَّ صاحب الوسائل(قده) حينما كتب الوسائل كان عنده كتاب عليّ بن جعفر لا أنه ينقل عنه بواسطة الشيخ مثلاً ، كلا بل كانت عنده نسخة من نفس كتاب عليّ بن جعفر وهو ينقل عنها ، فصاحب الوسائل(قده) أحياناً ينقل عن قرب الاسناد[15] فيذكر السند فلان عن فلان عن عليّ بن جعفر ثم يقول ( ونحوه في كتابه ) ، يعني وفي كتاب علي بن جعفر الموجود عندي هذه الرواية موجودة أيضاً.

وعلي أي حال هذه الرواية نقها صاحب الوسائل(قده) من كتاب علي بن جعفر ، يبقى أنه كيف نثبت أنَّ الطريق من صاحب الوسائل إلى عليّ بن جعفر صحيح والحال أنه لا يوجد هناك طريق واضح من صاحب الوسائل إليه ؟

قال السيد الخوئي(قده) في مواضع متعدّدة ووافقه على ذلك السيد الشهيد(قده): يمكن أن نحصل على الطريق المعتبر من خلال التلفيق ، وذلك بأن يقال: إنَّ صاحب الوسائل(قده) له طرق معتبرة إلى كل الكتب التي ينقل عنها وهي تنتهي إلى محطّةٍ واحدةٍ وهي الشيخ الطوسي(قده) والسند معتبر فعلماؤنا هم في الطريق فلا توجد مشكلة من هذه الناحية وهي طرق متعددة ، ثم نقول: وحيث إنَّ الشيخ الطوسي(قده) له طريق معتبر إلى كتاب عليّ بن جعفر حيث ذكر في الفهرست طرقه إلى روايات عليّ بن جعفر وإلى كتابه وهو طريق معتبر ، فبضمّ تلك القطعة من السند إلى هذه القطعة من السند نحصل على طريقٍ صحيحٍ معتبر ، هكذا ذهب العلمان وقد ذكرنا ذلك أكثر من مرّة.

وقد علقنا بهذا التعليق وقلنا: هذه طريقة صحيحة من حيث الكبرى ، لكن المناسب ملاحظة هذه القضية وهي أنَّ صاحب الوسائل(قده) حينما يروي عن الكتب التي وصلت إليه هل هو يروي إلى النسخة وأن طرقه هي بلحاظ النسخة المعيّنة أو أنها طرق إلى صاحب الكتاب وليس إلى النسخة ؟ وقلنا إنه لا توجد مؤشرات واضحة على أنها طرق للنسخة بل لعلّ الأمر بالعكس ، فمن هذه الناحية يكون طريق صاحب الوسائل(قده) إلى الشيخ الطوسي(قده) ليس على نسخةٍ معيّنةٍ ، فحينئذٍ لا تنفعنا هذه الطريقة.

ولكن بقطع النظر عن السند لو لاحظنا الدلالة فالرواية تقول ( قال يكره ) والكراهة أعم من التحريم . إذن الرواية قد تناقش سنداً ودلالة.

الرواية الثانية: رواية عمر أو عمرو أو عمران الزعفراني ، وهي: محمد بن يحيى عن سلمة بن الخطاب عن إبراهيم بن محمد عن عمر الزعفراني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ( من أنعم الله عليه بنعمة فجاء عند تلك النعمة بمزمار فقد كفرها ومن أصيب بمصيبة فجاء عند تلك المصيبة بنائحةٍ فقد كفرها )[16] .

وهي من حيث السند تشتمل على جملة من المجاهيل ، فسلمة بن الخطّاب لم يرد في حقة توثيق إلا من خلال رجال كامل الزيارات وهذا على المبنى ، أما إبراهيم بن محمد فهو مجهول أو مشترك ، أما عمران الزعفراني فهو مجهولٌ أيضاً.

وأما من حيث الدلالة: فإنَّ الرواية قالت ( فقد كفرها ) أي كفران النعمة ، وكفران النعمة أعمّ من التحريم ، فدلالتها على التحريم ليست واضحة.


[1] المكاسب المحرمة، الأنصاري، ج2، ص67، نشر المكتبة المرتضوية.
[2] المبسوط، الطوسي، ج1، ص189، أحكام الجنائز.
[3] الوسيلة، ص69، نشر مكتبة السيد المرعشي النجفي.
[5] وحينما قال وبالإسناد السابق يعني عن علي بن الحكم وفي السند السابق كان علي بن الحكم وارداً فإذن سوف يصير السند محمد بن يعقوب عن عدة من اصحابنا أحمد بن محمد وحينئذٍ لا مشكلة في السند، وواضح أن احمد بن محمد هو إما ابن عيسى الاشعري أو ابن خالد البرقي وكلاهما ثقة فلا توجد مشكلة.
[6] جعفر: هو النهر.
[7] أي نهراً واسعاً وهو كناية عن كرمه.
[8] الميرة: عبارة عن الطعام.
[10] هذا ما استدركه سماحة الاستاذ في المحاضرة التالية / المقرر.
[11] الى هنا انتهى الاستدراك/ المقرر.
[15] وقرب الاسناد هو نفس كتاب علي بن جعفر ولكن احدهما مبوّب والاخر غير مبوّب.