38/05/02


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

38/05/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 31 ) حكم الفحش – المكاسب المحرمة.

مسالة (31 ):- يحرم الفحش من القول ومنه ما يستقبح التصريح به إذا كان في الكلام مع الناس غير الزوجة والأمة أما معهما فلا بأس به.[1]

..........................................................................................................

قبل أن ندخل في هذه المسألة نبين أموراً أربعة يجدر الالتفات إليها وهي أمور جانبية:-

الأمر الأوّل:- توضيح بعض الكلمات اللغوية التي ورد النهي عنها في الروايات ، وهي ثلاث كلمات ، الفحش ، والبذاء ، والجفاء.

أما الفحش:- فهو القبيح من القول أو الفعل إما مطلق القبيح من القول أو الفعل أو القبيح بشدّة ، فقد جاء في لسان العرب:- ( الفحش والفحشاء والفاحشة القبيح من القول والفعل )[2] ، وجاء في النهاية:- ( وقد تكرر ذكر الفحش والفاحشة والفواحش في الحديث وهو كلّ ما يشتد قبحه من الذنوب والمعاصي )[3] ، والظاهر أنَّ الفارق هو أنه في النهاية أخذ شدّة القبح بينما لم يأخذه في لسان العرب وهذا شيء ليس بمهم لنا.

وأما البذاء:- فهو نفس الفحش ، يعني يوجد بينهما ترادف ، قال في الصحاح:- ( البذاء بالمدّ الفحش )[4] ، وفي لسان العرب:- ( البذاء بالمدّ الفحش )[5] .

وأما الجفاء:- فهو البعد عن آداب الاسلام ، و ( الجفاء من الناس ) البعيدون عن آداب الشرع.

والذي نريد أن نقوله:- هو أنَّ الفحش عبارة عن القبيح ، ولكن القبيح على نحوين قبيحٌ مع غير الزوج وزوجته أي مع سائر الناس أما بين الزوج وزوجته فلا يكون قبيحاً ، وعادةً الألفاظ التي تتنافى مع الحياء يكون أمرها كذلك كألفاظ القبل والدبر وما يدور هذه الدائرة فإنَّ هذه الألفاظ ليست قبيحة بين الزوج وزوجته لكنها قبيحة بين سائر الناس ، بينما توجد بعض الألفاظ القبيحة هي قبيحة حتى بين الزوجين ولا يختصّ قبحها بسائر الناس فهذه لا يختصّ قبحها بين سائر الناس بل حتى بين الزوج وزوجته وبالتالي هو فحشٌ ، فإذا قلنا إنَّ الفحش حرام فسوف تترتّب هذه الثمرة ، فلابد وأن نلتفت إلى ذلك.

الأمر الثاني:- يظهر من صاحب الوسائل(قده) المغايرة بين الفحش والبذاء وأنهما اثنان وليسا بواحدٍ ، ووجه ذلك أنه عقد بابين بابٌ باسم تحريم الفحش وبابٌ باسم تحريم البذاء حيث قال هكذا:- ( باب تحريم الفحش ووجوب حفظ اللسان )[6] وذكر فيه بعض الروايات التي فيها كلمة الفحش ، ثم بعد ذلك مباشرة قال:- ( باب تحريم البذاء وعدم المبالاة بالقول )[7] إن عقد بابين كلّ باب يختص بلفظ يظهر منه المغايرة ، والحال أنه كما نقلنا عن كلمات أهل اللغة أنهما متّحدان.

وقد أجاد الشيخ الأعظم(قده):- فإنه ذكر من جملة المحرّمات الهُجر ، ثم قال:- ( وهو الفُحش )[8] ، ثم استدل على حرمته بصحيحة أبي عبيدة الواردة في البذاء ، ونصّها:- ( البذاء من الجفاء والجفاء في النار ) ، وكلامه واضح في أنَّ هذه الألفاظ الثلاثة كلّها بمعنىً واحد - يعني الهُجر والفُحش والبَذاء - ، هكذا يظهر من الشيخ الأعظم(قده) ، وهو جيّدٌ ومطابق لما جاء في اللغة ولكنه مخالفٌ لما ذكره صاحب الوسائل(قده).

الأمر الثالث:- بعد أن عرفنا أنَّ الفحش ليس هو خصوص ما كان قبيحاً بين سائر الناس دون الزوجين يعني لا يختصّ الفحش بألفاظ الحياء - القبل والدبر - وإنما يعمّ كل قبيح سواء كان قبحه يختصّ بغير الزوجين أو يعمّهما كيف نصوغ المسألة ؟

إنها صيغت في المنهاج القديم للسيد الحكيم(قده) بصياغة ، وهكذا في المكاسب للشيخ الأعظم(قده) ، وصيغت بصياغة أخرى في منهاج السيد الخوئي(قده) ، فإنه في المنهاج القديم يظهر منه وهكذا الشيخ الأعظم(قده) أنَّ المقصود من الفحش هو القبيح ، يعني يفسّرونه بالدائرة الضيّقة وهي ألفاظ الحياء يعني القبل والدبر وما دار في هذا الفلك ، بينما في منهاج السيد الخوئي(قده) يفسّره بالأوسع ، وقلنا إنَّ المناسب هو الأوسع وليس كما صنع السيد الحكيم(قده) في منهاجه القديم وليس كما صنع الشيخ الأعظم(قده) ، أما عبارة المنهاج القديم فهي:- ( يحرم الفحش من القول وهو ما يستقبح التصريح به إذا كان في الكلام مع الناس غير الزوجة أما معها فلا بأس به ) ، وأما عبارة الشيخ الأعظم(قده) فهي:- ( الهُجر بالضم وهو الفحش من القول وما استقبح التصريح به منه )[9] ، إن ظاهر عبارة ( وما استقبح التصريح به ) أنه عطف تفسيرٍ على سابقه وليس من باب عطف الخاص على العام ، يعني هو لا يريد أن يقول ( الهجر بالضم وهو الفحش من القول ) يعني قول من الأقوال سواء كان بألفاظ القبل والدبر أو غيرهما ، ثم قال بعد ذلك ( وما استقبح التصريح به ) يعني جاء ببعض أفراد العام فإنَّ هذا خلاف الظاهر ، بل ظاهره أنه يريد عطف التفسير ، فإذا كان يريد عطف التفسير يعني أنه خصّص الفحش بما يستقبح التصريح به الذي هو خاص بغير الزوج وزوجته.

أما تعال إلى عبارة السيد الخوئي(قده) فإنه قال:- ( يحرم الفحش من القول ومنه ما يستقبح التصريح به إذا كان في الكلام مع الناس غير الزوجة والأمة ) ، يعني ومنه ألفاظ الحياء - أي لفظ القبل والدبر وما شابه ذلك -.

فالمقصود هو أنَّ عبارة السيد الخوئي(قده) الواردة في المتن أفضل لأنه لم يخصّص الفحش بألفاظ الحياء وإنما جعل ألفاظ الحياء مصداقاً من الفحش وإلا فالفحش أوسع يعني يشمل الألفاظ القبيحة بين الجميع ، فعلى هذا الأساس سوف نستنتج من عبارة السيد الماتن أنَّ مثل هذه الألفاظ القبيحة حرام حتى مع الزوجة لأنها مصداق للفحش لأنه لم يخصّص الفحش بألفاظ الحياء وإنما صار من جملته ، فعلى هذا الأساس الحرام شيئان حرامٌ يحرم مع غير الزوج والزوجة وهو ألفاظ القبل والدبر ، وحرامٌ ثابت في حق الجميع كالألفاظ التي أشرت إليها فإنه حينئذٍ لا يجوز للشخص أن يقول للآخر هذه الألفاظ سواء كان الآخر زوجاً أو زوجة أو شخصاً أجنبياً فإنه من الفحش ، نعم لو كان يقولها من باب المزاح والطرف يقبل فهذا قد نقول بجوازه لأنَّ هذا حرام من باب أنه اهانة وهتك للمؤمن وهنا لا يوجد هتك ، وسوف نستعرض النصوص فيما بعد ، ولكن من الآن دعونا نلتفت إلى هذه القضية وهي أنَّ الفحش له دائرة وسيعة ولا يختص بألفاظ الحياء كما أفاد السيد الماتن(قده) هنا على خلاف ما أفاده السيد الحكيم(قده) أو بإضافة الشيخ الأعظم(قده).

الأمر الرابع:- لو رجعنا إلى كلمات الفقهاء في هذه المسألة لم نجد في كلمات المتقدّمين بحثا علمياً عنها ، نعم توجد إشارة إلى الحكم وكبيان لحكم شرعي أما كبحثٍ استدلالي وروايات ومناقشات فليس موجوداً ، وإنما أنا لاحظت في المكاسب أنَّ الشيخ الأعظم(قده) تعرض إلى ذلك كبحثٍ استدلالي ولكن كلامه مختصر ، يعني أنه ذكر ما هو الهجر ثم ذكر الروايات واكتفى بذلك ولعل أحد الأسباب الذي جعله يختصر البحث هو أنه لا يوجد بحثٌ لهذه المسألة من قبل القدماء ، وحتى في الجواهر ومستند الشيعة من خلال مراجعتي لم أر بحثاً استدلالياً عن هذه المسالة ، نعم كحكمٍ شرعيٍّ يوجد تعرض له في كلمات فقهائنا المتقدّمين كصاحب السرائر حيث قال:- ( ويعتبر في شهادة النساء الايمان والستر و...... وترك البذاء بالذال المعجمة وهو قول الفحش )[10] وجاء في فقه الرضا:- ( وليصم سمعك وبصرك عما لا يحل النظر إليه واجتنب الفحش من الكلام )[11] ، فالمذكور هو الحكم فقط ، وعلى هذا المنوال ورد في تحرير الأحكام ما نصّه:- ( العشرون يحرم عليه المماراة والكلام الفحش )[12] ، وورد في التذكرة:- ( وكذا يحرم عليه الكلام الفحش )[13] .

إذن الموجود في كلمات فقهائنا المتقدّمين هو الإشارة إلى حرمة الفحش أما كبحث علمي فليس موجوداً.

وإذا رجعنا إلى كلام السيد الخوئي(قده) في مصباح الفقاهة نراه قد قال:- ( الهجر بالضم هو الفحش والقبيح من القول ولا خلاف بين المسلمين بل بين العقلاء في مبغوضيته وحرمته )[14] .

والذي أريد أن أقوله:- هو أنه من أين يمكن تحصيل عدم الخلاف فإن تحصيل عدم الخلاف صعبٌ ؟! فإنَّ عدم الخلاف عادةً نحصّله من تصدّي الفقهاء وتتبّعهم فالمسألة المبحوثة علمياً يذكر فيها أنه لم يخالف في ذلك إلا فلان ، أما إذا كان الموجود هو بيان حكم شرعيٍّ فعادةً لا يبيّن ذلك ، فإذا كانت المسألة ليست مذكورة في الكتب الاستدلالية كالجواهر والمستند ومفتاح الكرامة ولا غيرها من الكتب الاستدلالية فكيف تحصّل أنه لا خلاف فيها بين المسلمين ؟! ، يعني أنَّ القدر المتيقّن هو فقهاء الامامية ، يعني أنه لا خلاف بين فقهاء الشيعة في ذلك ، والحال أن كلماتهم ليست بأيدينا حتى نحصل على ذلك ؟!! ، نعم المناسب هو أن لا يقع خلاف ولكن لا نتمكن أن ننسب لهم ذلك ، فمادام لا يوجد بحث استدلالي حتى يشار فيه إلى أنَّ المسألة فيها خلاف أو وفاق أو غير ذلك يصعب تحصيل عدم الخلاف ، إلا أن يراجع شخصٌ كلّ كتبهم ، وهذا غير ممكن لأنَّ بعضهم لا يوجد عنده كتب ، وأنا أردت أن أشير إلى هذه القضية فقط ، فنحن أيضاً ليس من الصحيح أن نأتي ونقول لا خلاف بين المسلمين في هذه المسالة كما فعل البعض تبعاً للسيد الخوئي(قده) ، كلا بل لابدّ من التأني هنا.