35/06/26


تحمیل
الموضوع: الصوم : المفطرات الاكل والشرب مسألة 4
ذكرنا سابقا ان الظاهر ان الاكل والشرب هو ما يدخل الى الجوف عن طريق الفم وليس المقصود بهذا الكلام اننا نشترط بصدق الاكل والشرب هو ان يكون من الخارج وانما المقصود ان ما يكون في فضاء الفم ابتلاعه عن طريق الحلق الى الجوف يصدق عليه الاكل والشرب سواء كان داخلا الى فضاء الفم من الخارج بدون واسطة او كان داخلا الى الفم من الخارج بواسطة الانف .
مسألة 4 قال الماتن (المدار صدق الأكل والشرب وإن كان بالنحو الغير المتعارف )
وهذه كقاعدة كلية صحيحة بعد فرض صدق الاكل والشرب فمجرد كون هذا الفرد غير متعارف لا يمنع من شمول الدليل له , لأن عدم الشيوع والندرة لا توجب انصراف الدليل عن الفرد النادر , فأن الندرة وعدم الشيوع لا توجب اختصاص الدليل بالفرد المتعارف , نعم في بعض الحالات قد تبلغ الندرة الى درجة كبيرة جدا بحيث يعد الفرد النادر بحكم العدم ويعد استثناء المتكلم له مستهجنا فإذا بلغ الى هذه الدرجة فحينئذ يوجب عدم الشمول , والكلام هو في اي حالة يعد الفرد فيها غير متعارف ليشمله الدليل والاطلاق؟
فهم يذكرون ان الفرد غير المتعارف هو ان يدخل الماء مثلا الى معدته عن طريق الانف , لأنهم يرون ان الاكل والشرب يصدق على ادخال الاكل والشرب الى المعدة عن طريق الحلق سواء كان بواسطة الانف او الفم , نعم ادخاله عن طريق الانف فرد غير متعارف ولكن عدم التعارف لا يمنع من شمول الدليل فيلزم بالحكم بمفطريته بعنوان الاكل والشرب , وبناء على ما ذكرناه _من ان الاكل والشرب هو ما يدخل عن طريق الفم الى المعدة _ فأن هذه الطريقة لا يصدق عليها الاكل والشرب وانما نلتزم بكونه مفطرا على اساس الميزان الثاني الذي ذكرناه وهو انه يكون مفطرا على اساس الحكمة والغرض الذي من اجله منع الشارع الاكل والشرب , فلا يفرق من حيث حصول الغرض بين دخول الماء من الانف او من الفم , بل ان ذلك يكون بنظر العرف غير ملتزم بهذا النهي وانما يكون متحايلا لإدخال الماء الى معدته والوصول الى حالة الارتواء وهي الحالة التي لا يريدها الشارع .

قال الماتن (فلا يضر مجرد الوصول إلى الجوف إذا لم يصدق الأكل أو الشرب، كما إذا صب دواء في جرحه، أو شيئا في أذنه أو إحليله فوصل إلى جوفه نعم إذا وصل من طريق أنفه فالظاهر أنه موجب للبطلان إن كان متعمدا لصدق الأكل والشرب حينئذ) ويظهر منه ومن غيره ايضا كالسيد الحكيم والسيد الخوئي انهم يشترطون فقط الوصول الى الجوف عن طريق الحلق ومن الواضح ان استنشاق الماء اذا وصل الجوف فأنه يصل اليه عن طريق الحلق فيكون مبطلا للصوم لصدق الاكل والشرب عليه بناءا على ما ذهبوا اليه .
بقي امر
وهو القول انه لا يضر بمجر الوصول الى الجوف , وقد وافقنا هذا القول لعدم صدق الاكل والشرب عليه ولا يشترك معه في العلة ولا دليل خاص عليه .
قد يقال انه يوجد دليل يحكم بكفاية المفطرية بالوصول الى الجوف, والدليل هو ما دل على مفطرية الاحتقان بالمائع , مع انه ليس دخولا الى الجوف عن طريق الحلق ولا عن طريق الفم ومنه يظهر الحكم بمفطرية مطلق ما يدخل الى الجوف بل سيأتي ان بعض الفقهاء استشكل بدخول الرمح او السيف في الجوف عند الطعن بهما بل ان الشيخ الطوسي في بعض كتبه التزم بالمفطرية بذلك , ولابد انه يفهم من ان ادخال اي شيء في الجوف يُمنع منه الصائم, لكن ليس واضحا ان المنع من الاحتقان بالمائع سببه دخول شيء في الجوف وانما المنع لوجود خصوصية بالمائع, ولذا يناسبه ان يعد من المفطرات بحد نفسه في قبال الاكل والشرب ودلت الادلة على مفطريته وهذا هو الميزان الثالث[1] من الموارد المفطرة التي تقدم ذكرها , ولا داعي لتوسعة معنى الاكل والشرب ليشمل كل شيء يدخل في الجوف ومن اي طريق كان .
مسألة 5 قال الماتن (لا يبطل الصوم بإنفاذ الرمح أو السكين أو نحوهما بحيث يصل إلى الجوف وإن كان متعمدا) وقد اتضح مما تقدم وقلنا ان الشيخ الطوسي كما نقل عنه في بعض كتبه انه يحكم بالمفطرية .


الثالث : (الجماع وإن لم ينزل للذكر والأنثى، قبلا أو دبرا، صغيرا كان أو كبيرا، حيا أو ميتا، واطئا أو موطوءا، وكذا لو كان الموطوء بهيمة بل وكذا لو كانت هي الواطئة، ويتحقق بإدخال الحشفة أو مقدارها من مقطوعها فلا يبطل بأقل من ذلك، بل لو دخل بجملته ملتويا ولم يكن بمقدار الحشفة لم يبطل وإن كان لو انتشر كان بمقدارها)
اما بالنسبة الى مفطرية الجماع فالظاهر انه لا خلاف بين المسلمين بمفطريته في الجملة ,وهذا الامر لعله عُد في بعض الكلمات انه من ضروريات الدين ولذا لا داعي لذكر الادلة , وسيأتي في الادلة القادمة ما يدل على مفطريته .
نعم هناك كلام في تفصيلاتٍ لابد من التعرض لها كما اشار اليها السيد الماتن في كلامه.
واول ما تعرض اليه الماتن مسألة ان مفطرية الجماع ليست مشروطة بالإنزال , وهذه المسألة لا اشكال فيها وهناك ادلة دلت على مفطرية الجماع بحد نفسه بمعنى ان الشارع رتب المفطرية والقضاء على الجماع بعنوانه, وهو ليس مشروطا بالإنزال , لا عرفا ولا لغة ولا شرعا, فالجماع يتحقق بمجرد التقاء الختانين , وهنا الكثير من الادلة التي دلت على الحكم بالمفطرية بمجرد الجماع .
وهذه الادلة هي عبارة عن روايات كثيرة وسنذكرها في البحث الاتي ولا داعي للتكرار .
الامر الثاني الذي اشار اليه السيد الماتن هو ان الجماع الذي لا اشكال في كونه مفطرا في الجملة, والمتيقن في كونه مفطرا هو الجماع في قبل المرأة , وهل ان الحكم كذلك في دبر المرأة؟ او لا ؟
وفي مسألتنا (الجماع في دبر المرأة ) تارة نفترض مع حصول الانزال واخرى بدونه .
اما مع افتراض الانزال فأن هذا البحث يستدعي البحث عن ان الانزال في حد نفسه هل هو من المفطرات؟ او لا ؟ فعلى القول بأنه من المفطرات يصح لنا القول ان الجماع في الدبر مع الانزال مفطر بلا اشكال .
واما بالنسبة الى البحث الثاني (الجماع في الدبر من دون الانزال) فهو يستدعي البحث عن ان الجماع الذي فرغنا عن كونه مفطرا في الجملة, هل يشمل الجماع في الدبر ؟ او يختص في الجماع في القبل ؟
اما بالنسبة الى البحث الاول (وهو ان الانزال مفطر؟ او لا؟) حكم السيد الحكيم بكونه من المفطرات وذكر(وكذا بالجماع في دبرها إذا أنزل . ويدل عليه : النصوص الواردة في الاستمناء فتأمل) [2] والروايات التي وردت في الاستمناء كثيرة نذكر منها :-
الحديث الاول : صحيحة عبدالرحمن بن الحجاج (قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتى يمني ؟ قال : عليه من الكفارة مثل ما على الذي يجامع)[3]
فذيل الرواية يدل على ان الجماع بعنوانه يكفي في الحكم بالمفطرية ( وهذا ما ينفعنا في البحث السابق ) ويستدل بصدر الرواية في محل كلامنا حيث قال ان عليه من الكفارة مثل ما على من يجامع فيستفاد من ذلك ان الامناء والانزال بحد نفسه موجب للمفطرية.
الثاني: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن رجل يعبث بامرأته حتى يمني وهو محرم من غير جماع أو يفعل ذلك في شهر رمضان، فقال عليه السلام : عليهما جميعا الكفارة مثل ما على الذي يجامع)[4]
والكلام في هذه الرواية نفس الكلام في الرواية السابقة حيث ان ذيل الرواية يتسدل به للمطلب السابق وصدرها يستدل به في محل الكلام اي على ان الاستمناء بعنوانه موجب للمفطرية.
الثالث:حفص بن سوقه عمن ذكره (عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يلاعب أهله أو جاريته وهو في قضاء شهر رمضان فيسبقه الماء فينزل، قال : عليه من الكفارة مثل ما على الذي جامع في شهر رمضان)[5]
وهي مرسلة حيث قال (عمن ذكره) وعليه فبناء على من بنى على حجية المرسَل اذا كان من المشايخ الثلاث, او ممن يروون عنه ولا يفرق بينهم, فأن الرواية تكون معتبرة, واما بناء على ما هو الظاهر والصحيح فأنها تكون غير معتبرة فأننا لا نثبت اكثر من ان المراسيل التي يرسلونها هم (المشايخ الثلاث) تكون معتبرة, اما ما يرسله غيرهم وان كان يروون عنه فالظاهر ان دليل الاعتبار لا يشمله.
والكلام في دلالتها كالكلام في الرواية السابقة .
الرابع:سماعة( قال: سألته عن رجل لزق بأهله فأنزل ؟ قال: عليه إطعام ستين مسكينا، مد لكل مسكين)[6]


[1] تقدم ان الميزان الاول في المفطرية هو ما يصدق عليه الاكل والشرب والثاني ما تحقق به الغرض من الاكل والشرب والثالث ما دل الدليل على مفطريته .