38/07/17


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

38/07/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 35 ) حرمة الكذب – المكاسب المحرمة.

وما هو الدليل على أن الحرمة تعم حالة الهزل ؟

والجواب:- تمسك الشيخ الانصاري(قده) في المكاسب بروايتين من بين أربع روايات ذكرها صاحب الوسائل(قده) لأن صاحب الوسائل(قده) عقد باباً في اثبات حرمة الكذب بشكلٍ مطلق وهو الباب ( 140 ) وعنوانه ( باب تحريم الكذب في الصغير والكبير ) ذكر فيه أربع روايات ذكر الشيخ الأعظم(قده) اثنين منها عند بحثه في المقام الأوّل ، لأنه حينما دخل في حرمة الكذب قال سوف أتكلم في مقامين المقام الأوّل أنه من الكبائر وسرد جملة من الروايات اثنين منها ذكرها صاحب الوسائل(قده) في باب حرمة الكذب في الجدّ والهزل وتمسّك بهما الشيخ الأعظم(قده) وقال إنَّ هاتين الروايتين تدلان على أنَّ الكذب حرام حتى في الهزل ، ونقرأ الروايتين اللتين ذكرهما الشيخ الأعظم ثم ننقل الروايتين الأخريين اللتين نقلهما صاحب الوسائل:-

الرواية الأولى:- محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن اسماعيل بن مهران عن سيف بن عميرة عمّن حدّثه عن أبي جعفر عليه السلام قال:- ( كان عليّ بن الحسن عليه السلام يقول لولده: اتقوا الكذب الصغير منه والكبير في كل جدّ وهزل فإنَّ الرجل إذا كذب في الصغير اجترأ على الكبير )[1] .

أقول:- إنَّ تمسّك الشيخ الأعظم(قده) بهاتين الروايتين هو إن دل على شيء إنما يدل على عدم وجود الاطلاق ، إذ لو كان هناك اطلاق لكان من المناسب له أن يتمسك به فيقول يوجد عندنا إطلاق في الأدلة فنتمسّك به ، وهذا ليس من البعيد أنه مشير على عدم وجود الاطلاق لأنَّ الشيخ الأعظم(قده)لم يأت بكلمة ( اطلاق ) بل تمسك بهاتين الروايتين فتمسكه بهما قد يكشف عدم وجود الاطلاق لأنه لو كان هناك اطلاق فعليه أن يقول ( لإطلاق الأدلة بل ويدل عليه بالتصريح كذا وكذا ).

وهل هذه الرواية فيها دلالة على الحرمة أو لا ؟ ليس من البعيد أنَّ هذا نهي ارشادي ، أي حاول أن تجنّب لسانك عن الكذب حتى في الهزل وإلا سوف يجرّ إلى الكذب في غير الهزل ، نظير أن تقول لشخص اترك المكروهات لأنك إذا تركتها سوف تكون أقدر على ترك المحرّمات أما إذا ارتكبت المكروهات فسوف يسهل عليك ارتكاب المحرّمات ، فليس من البعيد أنَّ هذا ارشاد.

الرواية الثانية:- محمد بن علي بن الحسن[2] في المجالس عن أحمد بن محمد بن يحيى عن ابيه عن يعقوب بن يزيد عن وياد بن مروان القندي عن أبي وكيع عن أبي اسحاق السبيعي عن الحارث الأعور عن علي عليه السلام قال:- ( لا يصلح من الكذب جدّ ولا هزل ولا أن يعد أحدكم صبيه ثم لا يفي له إن الكذب يهدي إلى الفجور والفجور يهدي إلى النار ..)[3] .

أما من حيث السند:- فهي مشتملة على مجاهيل كأبي وكيع أبي اسحاق السبيعي ولعل غيرهما مثل زياد بن مروان القندي فإنَّ فيه كلاماً.

وأما دلالة:- فكيف نقرأ ( لا يصلح من الكذب جدّ ولا هزل ) ؟ بل المناسب ( لا يصلح الكذب في الجدّ والهزل ، فتعبير الرواية ضعيف ، ولكن المقصود والمعنى في الرواية واضح ، وهل هذه الرواية تدل على الحرمة أو لا ؟

والجواب:- قلنا فيما سبق أنَّ تعبير ( لا يصلح ) هو بنفسه لا يبعد أنه فيه تردّد واشكال خلافاً للسيد الخوئي(قده) فإنه يذهب إلى أنه يدل على الحرمة ولكني من المتوقفين في ذلك ، مضافاً إلى أنه لا يبعد أنه يدل على الارشاد بقرينة قوله ( إنّ الكذب يهدي إلى الفجور والفجور يهدي إلى النار ) فإنَّ هذا للسان يتلاءم مع الارشاد ، والشيخ الأعظم(قده) مرّ على هاتين الروايتين ولم يتوقف أبداً وقال:- ( ثم إنَّ ظاهر الخبرين الأخيرين خصوصاً المرسلة حرمة الكذب حتى في الهزل )[4]

الرواية الثالثة:- العدة عن أحمد عن أبيه عن القاسم بن عروة عن عبد الحميد الطائي عن الأصبغ بن نباتة قال:- ( قال أمير المؤمنين عليه السلام:- لا يجد عبدٌ طعم الايمان حتى يترك الكذب هزله وجدّه )[5] .

أما من حيث السند:- فأحمد بن محمد هو ابن خالد وأبيه لا مشكلة فيهما ، إنما المشكلة في القاسم بن عروة فإنه لم يذكر بتوثيق ، أما عبد الحميد الطائي فلا يوجد عندي اطلاع عنه ولكن يكفيني القاسم بن عروة فإنه لم تثبت وثاقته.

أما من حيث الدلالة:- فيمكن يقال لا دلالة فيها على الحرمة ، فهي لم تقل ( لا يكون مؤمناً إلا إذا ترك الكذب ) فإذا عُبِّر هكذا فلعلها تدل على الحرمة ، ولكنها عبرت وقالت ( لا يجد طعم الايمان ) فلذّت وطعم الايمان متى تحسّ بها وتجدها على لسانك ؟ إذا تركت الكذب ، وهذا ليس فيه دلالة على أنه من الأمور اللازم تركها ، لأنه ليس قرين الايمان وإنما هو قرين طعم الايمان ن وطعم الايمان مرتبة أعلى من الايمان ، فيوجد ايمان ويوجد تذوّق لطعم الايمان ، فحالة التذوّق لا تكون إلا عند ترك الكذب في الجدّ والهزل.

الرواية الرابعة:- محمد بن الحسين في المجالس والأخبار في الاسناد الآتي عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وآله في وصية له قال:- ( يا أبا ذر ....إن الرجل ليتكلم بالكلمة في المجلس ليضحكهم بها فيهوي في جهنم ما بين السماء والأرض ، يا أبا ذر ويل للذي يحدّث فيكذب ليضحك به القوم ويل له ويل له ويل له )[6] .

أما من حيث السند:- فمحمد بن الحسن هو الشيخ الطوسي ، والمجالس والأخبار وهو ما قد يعبّر عنه بالأمالي وهي عبارة عن مجالس تقرأ فيها الأحاديث وتسجّل ولعلّ الطابع العام لهذه الأحاديث أنَّ السند يشمل على ضعفٍ في الكثير منها ، وتعال هنا فنلاحظ إنه قال( محمد بن الحسن في المجالس والأخبار بإسناده الآتي عن أبي ذر ) فكيف تحلّ هذه المشكلة فما المقصود من الاسناد الآتي ؟ إنَّ المقصود من الاسناد الآتي يعني الاسناد الذي سيأتي من الشيخ الطوسي لأنَّ الشيخ الطوسي عنده اسناد إلى كلّ ما رواه في المجالس فلو راجعت مشيخة الشيخ الطوسي تراه يقول ( وكل ما رويته في المجالس فقه رويته عن ..... ) فالمناسب لصاحب الوسائل(قده) أن يقول ( بالسند المذكور في مشيخة الطوسي ) لا أن يقول ( بالإسناد الآتي ) ؟ ولكن الجواب:- هو أنَّ مشيخة الشيخ الطوسي ومشيخة الفقيه قد نقلهما صاحب الوسائل(قده) حرفاً بحرف في بعض الفوائد في آخر الوسائل فصحّ له أن يقول ( بالإسناد الآتي ).

والسند ضعيف حسب مراجعاتنا ، ولكن لو كان تاماً فالدلالة هل هي تامة أو لا ؟ أنا أرى أنه لا بأس بها ، لأنَّ الوارد فيها ( وإن الرجل ليتكلم بالكلمة في المجلس يضحكهم بها فيهوي في جهنم ما بين السماء والأرض ) فالظاهر أنَّ دلالتها على التحريم لا بأس بها ولكن السند ضعيف ، ولكن إذا حصلنا على عدد من الروايات الداعمة لها والدالة على التحريم فلعل بعضها يدعم بعضاً.

فإذن النافع من هذه الروايات الأربع هو هذه الرواية الرابعة وإن كان سندها ضعيف.

الرواية الخامسة:- وعنه عن سهل بن زياد عن علي بن أسباط عن أبي اسحاق الخراساني قال:- ( كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: إياكم والكذب فإن كل راجٍ طالب وكل خائفٍ هارب )[7] .

أما سندها:- فإن قوله ( وعنهم ) يعني عن العدة يعني قد أخذها من الكافي ، وأما سهل بن زياد فهو على المبنى ، نعم يوجد اشكال في أبي اسحاق الخراساني ، كما أنه توجد واسطة محذوفة بين أبي اسحاق الخراساني وبين الامام علي عليه السلام فالرواية تكون مرفوعة.

وقد يقول قائل:- من أين عرفت انه توجد واسطة محذوفة ؟

فأقول:- إنَّ علي بن اسباط هو من الرواة المتأخرين ، فهو يروي عن الامام الكاظم فإذا أراد أن يروي عن أبي اسحاق يعني أنَّ أبي اسحاق موجود في زمن الامام الباقر أو الصادق أو في زمان علي بن الحسين عليهم السلام لا أنه موجود في زمان أمير المؤمنين عليه السلام ، فإذن هو رجل مجهول كما أنَّ الرواية مرفوعة.

والمهم هو الدلالة فتعال إلى الدلالة فهي قالت ( كان أمير المؤمنين إياكم والكذب فإن كلّ راجٍ طالب وكلّ خائف هارب ) ، ومعنى الحديث: أنه صحيح أنَّ الصادق الذي يريد الدار الآخرة والجنة ومجاورة الأئمة والمتقين فليس فقط يرجو رجاءً بل لابد من حصول الطلب لذلك ، وأيضاً الخائف من النار لابد وأن يكون هارباً من السيئات والذنوب لا أنه يبقى يرتكبها فالكذب لابد أن يفرّ منه لأنه صحيحٌ هو خائف ، فهذه الرواية فيها دلالة على التحريم بلفظ ( إياكم ) وقد قلنا إنَّ هذه اللفظة تلتئم مع التحريم والكراهة ، فتكون دلالتها على التحريم محلّ اشكال.


[2] اي الشيخ الصدوق(قده).