38/08/06


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

38/08/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 35 ) حرمة الكذب – المكاسب المحرمة.

وفي هذا المجال نقول:- إنَّ الحصر المذكور في هذه الروايات - يعني ( كل كذب مسؤول عنه صاحبه إلا ... ) - لابد من رفع اليد عنه وهو مخالف لكتاب الله تعالى حيث يقول ﴿ ألا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ﴾ ، فهذه الآية الكريمة واضحة في أنه يمكن أن يكفر الانسان لكن في مجال الاكراه ففي مجال الاكراه يجوز له ذلك ، فإذن هذا يجوز بلا إشكال في كتاب الله العزيز ويتنافى مع الحصر لأنَّ هذا مورد رابع غير المكيدة في الحرب وعدة الزوجة والاصلاح وهو الكذب مثلاً في حالة الاكراه فلابد أن يذكر هكذا مع أنه لم يذكر وكتاب الله تعالى يصرّح بذلك وما خالف كتاب الله فهو زخرف ، فإذن لابد من طرح هذه الروايات ، وأقصد من طرحها يعني طرح الحصر الذي هو مخالف لكتاب الله العزيز فإنَّ الحصر هو المخالف للكتاب لا أصل المضمون فالمضمون من دون حصر ليس مخالفاً لكتاب الله فيطرح الحصر لا أصل هذه الروايات بالكامل.

ولو فرض أنَّ شخصاً قال:- أنا لا يمكن أن أفكك بين الحصر فاطرحه دون الباقي.

فنقول:- هناك روايات أخرى ليس فيها حصر فلنأخذ بها وحينئذٍ سوف يكون المضمون ثابتاً غايته بلا حصر فإنَّ المخالف لكتاب الله بهذا المضمون بقيد الحصر أما من دونه فهو ليس مخالفاً للكتاب الكريم ، ومن هذه الروايات رواية المحاربي عن النبي صلى اله عليه وآله:- ( ثلاثة يحسن فيهن الكذب وعدتك زوجتك والاصلاح بين الناس )[1] ، فهذه الرواية يستفاد منها أنَّ الكذب في هه الموارد الثلاثة لا محذور فه وهو يحسن لكن الذي ستفاد منها أنه في غير هذه الموارد حرام فغاية ما هناك لا يحسن أما أنه عليه عقوبة فلا يستفاد ذلك ، فإذن بالتالي نطرح الحصر أما أصل المضمون فهو ليس مخالفاً للكتاب فنأخذ به ، إما أن نقول هكذا.

أو نحمل هذه الطائفة من الروايات التي تشتمل على الحصر على بعض المحامل ، من قبيل أن تحمل على أنها ناظرة إلى السلوك الاختياري للمكلّف مع الآخرين ، من قبيل سلوكي في البيت مع الأهل فهنا معفوّ عن الكذب الذي يصدر منّي ، فكل كذب مسؤول عنه صاحبه إلا هذا الكذب فهو كذبٌ يصدر منّي بموقف اختياري فهذا ليس مسؤولاً عنه ، وهكذا المكيدة في الحرب فهو موقف اختياري يصدر مني ، وهكذا الاصلاح بين الطرفين ، أما إذا لم يكن اختيارياً من قبيل أن يجبرني الظالم ويخوّفني في أن يأخذ المال فهذا موقف ليس اختيارياً فأكذب حينئذٍ فهذا ليس منظوراً إليه ، فنقول مثلاً إنَّ الحصر حصر اضافي أي بالاضافة إلى الأفعال الاختيارية.

فإن قلت:- هذا شيء بعيد.

قلت:- إنَّ هذا ليس مهماً لي ، فأت بمحملٍ آخر ، وإن لم يوجد محمل آخر فنطرحها لأنها مخالفة للكتاب العزيز.

إشكال للشيخ الأعظم(قده):- ذكر الشيخ الأعظم(قده) فيما يرتبط بالمقام إشكالاً وجواباً.

وقبل أن نبيّن الاشكال والجواب نقدم مقدّمة لعلنا نحتاج إليها وحاصلها:- أن الفارق بين الاكراه والاضطرار ما هو ؟ فما الفارق بين ( رفع عن امتي ما استكرهوا عليه ) وبين ( رفع عن أمتي ما اضطرا إليه ) ؟

والجواب:- الفارق هو أنه في باب الاكراه يكون الداعي داعياً خارجياً لا داخلياً فالظالم يخوّفني ويطلب مني قضية معينة كما لو قال أفطر فهذا اكراه من عامل خارجي أو يخوّفني فأحلف فالهم أنه هنا يوجد عامل خارجي ، وأما بالنسبة إلى الاضطرار فليس كذلك بل كما لو كانت عندي حاجة كأن كنت مريضاً واحتجت إلى بيع سيارتي فيقال مضطر ولا يقال مكره فالعامل هنا عامل داخلي والداعي يكون داخلياً لا خارجياً ، هذا فارق موضوعي بينهما.

وهناك فارق بينهما من حيث الحكم – وهذا هو المهم الذي أريد بيانه – فهما يشتركان في شيء ويختلفان في شيء آخر من حيث الحكم ، فهما يشتركان في أن الحكم يرتفع بالإكراه أو الاضطرار لكن الحكم التكليفي فإذا كان هناك شيئاً محرّماً وأكرهني الظالم عليه فأصير مكره فيجوز تناوله ومرّة أخرى كنت مريضا ووصفوا لي شرب المحرّم للعلاج فأنا أكون مضطراً إلى شرب هذا المحرم فالحرمة التكليفية ترتفع بالإكراه كما ترتفع بالاضطرار ، أما من ناحية الحكم الوضعي ، فإذا اكرهني الظالم على بيع داري وأنا بعتها ولكن البيع هنا يكون باطلاً لأنه بيع من دون طيب نفسي وهذا واضح ، أما إذا اضطررت كما لو كنت مريضاً واضطررت إلى بيع داري فهنا بيع الدار يقع صحيحاً ،وما هي النكتة الفارقة ؟ النكتة الفارقة هي أن حديث الرفع حديث امتناني فيدور الرفع فيه مدار الامتنان وهذه نكتة الامتنان يترتب عليه عدّة آثار ومن تلك الآثار أنه إذا كان اكراه من قبل الظالم فالمناسب بمقتضى المنّة أن يقع البيع باطلاً ، أما إذا اضطررت إلى بيع داري فإذا كان البيع باطلاً لحديث نفي الاضطرار فسوف يكون حالي أشد وأصعب فإذن لابد وأن يحكم بصحة البيع حتى يرتفع اضطراري وتنقضي حاجتي.

فإذن الفارق بينهما يتضح في الحكم الوضعي بالمقدار الذي أشرنا إليه.

أما إشكال الشيخ الأعظم(قده)[2] فحاصله:- إنَّ أكثر الأصحاب فرّقوا وقالوا إنه في باب الكذب إذا أكره اضطر الإنسان إليه يعتبر العجز عن التفصّي يعني العجز عن التورية فإذا كان عاجزاً ترتفع الحرمة أما إذا لم يكن عاجزاً فلا ترتفع الحرمة وهذا ذكروه في باب ارتفاع حرمة الكذب ، وأما بالنسبة إلى باب العقود والايقاعات فقالوا لو أكره الشخص على بيع داره مثلاً يقع البيع باطلاً من جون أن يقيدوا بالعجز عن التفصي والحال أنه يمكنه أن يتفصّى بأن يقول هكذا ( بعت داري ) ويقصد بذلك الإخبار عن دارٍ قد باعها في زمنٍ سابق أو يقول ( بعت داري ) ويقصد اللفظ من دون أن يقصد المعنى ، فرغم إمكانه من التفصي عادةً وذلك بأن يقصد الإخبار أو أنه لا يقصد المعنى قالوا إنَّ المعاملة تقع باطلة من دون أن يقيدوا بالعجز عن التفصّي بل عادةً لا عجز عن التفصّي ، والسؤال هو:- لماذا في باب الحرمة التكليفية للكذب قالوا بارتفاع الحرمة بشرط العجز عن التفصي أما بالنسبة الى صحّة المعاملة قالوا ببطلان المعالة بمجرد الاكراه من دون أن يقيدوا بالعجز عن التفصّي والحال أنَّ التفصّي شيء ممكن عادةً ؟ ، ونصّ عبارته:- ( مع أنه يمكن أن يقال إنَّ المكره على البيع إنما أكره على التلفّظ بالصيغة وأما ارادة المعنى فمما لا تبقل الاكراه فإذا أراده مع القدرة على عدم ارادته فقد اختاره والحال حكموا عليه بالبطلان ).

أجاب(قده) عليه وقال:- إنَّ الفارق هو أنه في باب المعاملات الثابت هو الاكراه فتطبق فقرة ( رفع عن أمتي ما استكرهوا عليه ) وأما الرافع في باب الاضطرار يعني تطبق فقرة ( ما اضطروا اليه ) ، فإذا اتضح هذا فبالنسبة الى الاكراه في باب المعاملة فإنَّ الشخص اكره على المعاملة الحقيقية وأنا حينما جئت بالمعاملة الحقيقية يصدق أني قد أوقعت شيئاً عن اكراه ، أما غير المعاملة الحقيقية فتلك لم يتعلق بها الاكراه فالذي تعلق به الاكراه هو المعاملة الحقيقية فقد أتيت به فيكون المناسب أنه مرفوع عني بمقتضى حديث الاكراه وغير ذلك لم أكره عليه ، فإذن من هنا قالوا بأنه يقع باطلاً.

وهذا بخلافه في باب الكذب فإن الرافع هو الاضطرار والاضطرار لا يصدق مع القدرة على التفصي ، ونصّ عبارته:- ( ويمكن أن يفرّق بين المقامين بأنَّ الاكراه إنما يتعلق بالبيع الحقيقي أو الطلاق الحقيقي غاية الأمر قدرة المكلف على التفصي عنه بإيقاع الصورة من دون ارادة المعنى لكنه غير المكره عليه وحيث إن الأخبار خالية عن اعتبار العجز عن التفصي بهذا الوجه لم يعتبر ذلك في حكم الاكراه وهذا بخلاف الكذب فإنه لم يسوَّغ إلا عند الاضطرار إليه ولا اضطرار مع القدرة ...... والحاصل أنّ المكره إذا قصد المعنى مع التمكن من التورية صدق على ما أوقع أنه مكره عليه فيدخل في عموم رفع ما أكرهوا عليه وأما المضطر فإذا كذب مع القدرة على التورية لم يصدق أنه مضطر إليه ).