34-03-30


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/03/30

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- الواجب الثالث من واجبات حج التمتع ( الوقوف بمزدلفة) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي+.
 القضية الأولى:- إن المزدلفة لها ثلاثة أسماء وهي المزدلفة والمشعر الحرام وجمع ، وقد ذكر الطريحي في مجمعه في مادة ( جمع ) أنه ( بالفتح فالسكون ... ) وقد سميت المزدلفة بالمزدلفة إما لأجل أنها من الازدلاف بمعنى الاقتراب فيقال ( ازدلف القوم ) بمعنى تقدموا نحو الموضع الآخر والحاج حينما يصل إلى المزدلفة فهو يصير أقرب ويتقدم نحو منى ، أو سمت بذلك من الازدلاف بمعنى الاجتماع فيقال ( ازدلف القوم ) أي اجتمعوا وحيث أنهم يجتمعون جميعاً في المشعر الحرام فهو بهذا الاعتبار اسم فاعل من الازدلاف بمعنى الاجتماع ، أو أن أبانا آدم مع أمنا حواء قد اجتمعا هناك فسمّي بالمزدلفة ، وسمِّي أيضاً بجمع باعتبار الاجتماع ، ويحتمل أن يكون الازدلاف من الزلف كما في الآية الكريمة ( زلفاً من الليل ) بمعنى قِطعاً من الليل فالحجيج يجتمعون في زلف من الليل - أي قطعاً من الليل - وبهذا الاعتبار سميت بالمزدلفة . ولماذا سميت بالمشعر الحرام ؟ إنه إما أن يكون اسم مكان ( المَشعر ) بفتح الميم باعتبار أنه مكان الشعيرة والنسك وهناك لغة بكسر الميم ( المِشعر ) بنحو اسم الآلة.
 والقضية الثانية:- إن المزدلفة هي اسم لأي شيء ؟ إنها اسم لمطلق المنطقة وليس لخصوص قُزَح ، وقُزّح على وزن ( صُرَد ) وهو جبل معروف في المزدلفة والبعض يصطلح على صُرّد - أعني الجبل - باسم المزدلفة ، وقال صاحب القاموس أنه وَهِمَ من تصوّر ذلك ونصُّ عبارته:- ( المشعر الحرام وتكسر ميمه - :- المزدلفة وعليه بناءٌ اليوم ووَهِمَ من ظن أنه جبلاً بقرب ذلك البناء ) ويقصد من ذلك الجبل هو الجبل المعروف بقُزَح ، وممن وهم ذلك وتخيل أن المزدلفة هي قزح فقط صاحب المصباح المنير حيث قال:- ( والمشعر الحرام جبل بآخر مزدلفة واسمه قزح ) ، وممن صار إلى ذلك أيضاً الطريحي+ فإنه في الغالب يقتفي أثر الفيومي صاحب المصباح المنير ، بل ممن صار إلى ذلك من فقاءنا الشيخ الطوسي+ فقد نقل ذكر صاحب الوسائل في ذيل صحيحة الحلبي التي جاء فيها:- ( ويستحب للصرورة أن يقف على المشعر الحرام ويطأه برجله ) [1] ما نصُّه:- ( قال الشيخ:- المشعر الحـرام جبل هنـاك يسمّى قُزَحـاً ).
 وعلى أي حال هناك كلام في أن المزدلفة هل هي اسم لكامل المنطقة أو هي اسم لجبل قُزَح ؟ ولكن الذي نريد أن نلفت النظر إليه هو أن هذا خلاف لغوي وإلا فالفقهاء ينبغي أن يكونوا متفقين على أن المشعر الحرام الذي يجب الكون فيه ليس هو خصوص الجبل فإن هذه قضية ينبغي أن تكون من المسلمات والروايات قد حدَّدت المزدلفة بحدود وسيعة . إذن هذا خلاف جانبي أشبه باللغوي ففي الأصل أن مزدلفة مثلاً اسم للجبل ولكن الموقف الشرعي الذي يجب الوقوف فيه لا ينبغي أن يكون فيه نزاعاً من هذه الناحية.
 وأما نقاط المتن فهي كالتالي:-
 النقطة الأولى:- يجب على الحاج الكون في المشعر الحرام وينبغي أن يكون هذا من المسلمات ، والأدلة على أصل الوجوب أي الوجوب في الجملة - ثلاثة:-
 الدليل الأول:- الكتاب الكريم والسنة الشريفة.
 أما القرآن:- فقوله تعالى:- ( فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله في المشعر الحرام ) فإنها دلت على وجوب الكون في المشعر الحرام.
 وقد يشكل على ذلك:- بأن غاية ما تدل عليه الآية الكريمة هو وجوب ذكر الله عز وجل في المشعر الحرام أما الكون فلا تدل عليه.
 والجواب واضح:- فإن وجوب ذكر الله عز وجل في المشعر الحرام يدل بالالتزام على لزوم الكون فيه وإلا فكيف يتحقق ذكر الله عز وجل من دون الكون ؟! إذن هي تدل على وجوب الكون مع زيادةٍ ، نعم هي تدل على وجوب صِرف الوجود لا مطلق الوجود - يعني أنها تدل على وجوب المسمّى لا وجوب الكون من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس - فهي إذن صالحة للتمسك بها لذلك.
 وأما الروايات:- فهي متعددة والتي منها ما دل على أن من لم يدرك الموقف في عرفات فعليه أن يدرك المشعر فإن لم يتمكن فعليه أن يقف من بعد شروق الشمس إلى الظهر - الذي هو عبارة عن الموقف الاضطراري - وغير ذلك من الروايات في هذا المجال.
 الدليل الثاني:- الضرورة بين المسلمين فإنه من القضايا الضرورية بين المسلمين ، وفي الفقه أن الكون في المشعر واجب في الجملة ، وهذه الضرورة تؤدي إلى الجزم واليقين وبالتالي تعود الحجيّة إلى اليقين فكل مسلم يتيقن بأن الوقوف في المشعر واجب وهذا من الضروريات وهذه الضرورة تؤدي إلى الجزم واليقين والكثير من الأحكام الشرعية يمكن اثباتها من خلال الضرورة التي تنتهي مدركيتها إلى الجزم واليقين.
 الدليل الثالث:- الارتكاز المتوارث ، فإنه لا إشكال في أن المرتكز في أذهان المسلمين - وأقصد منهم الفرد البارز وهم علماءهم وفقهاءهم وجوب الكون في المشعر الحرام وهذا الارتكاز لابد له من منشأ ، إنه لابد من أخذه من الطبقة المتقدمة وحتى عصر المعصوم عليه السلام.
 النقطة الثانية:- ما هي حدود المشعر الحرام ؟ قال+ في المتن ( الحدّ من المأزمين إلى الحياض إلى وادي محسر ) وقد أخذ هذا من صحيحة معاوية بن عمار حيث جاء فيها ( حدُّ المشعر الحرام من المأزمين إلى الحياض إلى وادي مُحّسِّر ) [2] ، ولكن جاء في صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال للحكم بن عتيبة - عيينة -:- ( ما حدُّ المزدلفة ؟ فسكت ، فقال ابو جعفر عليه السلام:- حدُّها ما بين المأزمين إلى الجبل إلى حياض مُحَسِّر ) [3] ، وموثقة اسحاق بن عمار ( عن أبي الحسن عليه السلام سألته عن حدِّ جمع فقال:- ما بين المأزمين إلى وادي مُحَسِّر ) [4] ، وعلى منوالها معتبرة أبي بصير [5] .
 والمأزمان هما عبارة عن المضيق بين الجبلين فكل جبلٍ عبارة أخرى عن مأزم فهما مأزمان أي جبلان بينهما مضيق وهذا حدٌّ للمشعر الحرام من جهة عرفة فحينما يخرج الحاج من عرفات متوجهاً إلى المشعر الحرام يمرُّ بجبلين الفاصل بينهما ضيِّق وهما المأزمان . وأما من جانب منى فهو وادي مُحَسِّر وهو وادٍ كبير ، وجاء في صحيحة زرارة ( حياض مُحَسِّر ) فأضيفت الحياض إلى مُحَسِّر وهذه الاضافة قد ترشد إلى أن في بداية مُحَسِّر كان يوجد في تلك الفترة حياضٌ يستفيد منها الحجاج فهي إذن طرفٌ في وادي مُحَسِّر وفي بدايته وعلى هذا الأساس لا معنى لجعل الحياض حداً في مقابله فإن الحياض كما قلنا هي في بداية وادي مُحَسِّر ولذلك أضيف في صحيحة زرارة وقيل ( حياض مُحَسِّر ) . إذن المناسب للسيد الماتن+ عدم جعل الحياض حداً في مقابل وادي مُحَسِّر والرواية التي استند إليها - وهي صحيحة معاوية - لم ترد من الامام عليه السلام إذ لم يذكر أن الإمام قال ذلك ، ولكن لو أردنا أن ندّعي أن معاوية لا يتكلم إلا عن الامام عليه السلام فيأتي ما ذكرنا من أن المناسب إضافة الحياض إلى مُحَسِّر كما جاء في صحيحة زرارة ، ومن هنا نجد أنه في الرواية الثالثة حدّد المشعر الحرام بما بين المأزمين إلى وادي مُحَسِّر ولم تذكر الحياض وما ذاك إلا للنكتة التي أشرنا إليها وواضح أن الحياض في زماننا لا وجود لها . ويبقى حدٌّ ثالث ذكر في صحيحة زرارة وهو الجبل وهذا يكشف عن وجود جبلٍ في أطراف المزدلفة ولا ندري هل له وجود اليوم أو لا ؟ ولا يقصد من الجبل في صحيحة زرارة جبل قُزَح فإنه داخلٌ المحدود فلا يمكن أن يكون حداً . إذن هناك حدّان أو ثلاثة للمزدلفة فالمأزمان من جانب عرفات ووادي مُحَسِّر من جانب منى والجبل من جانب آخر ، وهذا مطلب ينبغي أن يكون واضحاً.
 النقطة الثالثة:- لا يجوز الوقوف في هذه الحدود الثلاثة اللهم إلا عند الزحام فيجوز الارتفاع إلى المأزمين . إذن هنا حكمان الأول هو أنه لا يجوز الوقوف في هذه الحدود ، والثاني هو أنه يرتفعون إلى المأزمين عند الضيق والزحام:-
 أما بالنسبة إلى الحكم الأول:- فباعتبار أن الحدَّ يغاير المحدود فالوقوف فيه ليس وقوفاً في المزدلفة فالحكم بعدم الجواز هو على طبق القاعدة بلا حاجة دليل.
 وأما بالنسبة إلى الحكم الثاني:- فقد دلت عليه موثقة سماعة حيث جاء فيها:- ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- إذا كثر الناس بمنى وضاقت عليهم كيف يصنعون ؟ فقال:- يرتفعون إلى وادي مُحَسِّر ، قلت:- فإن كثروا بجَمعٍ وضاقت عليهم فماذا يصنعون ؟ قال:- يرتفعون إلى المأزمين ، قلت:- فإن كانوا بالموقف فكثروا وضاق عليهم كيف يصنعون ؟ فقال:- يرتفعون إلى الجبل ) [6] فإنها دلت على أنه عند الضيق يرتفعون إلى المأزمين.


[1] وسائل الشيعة (آل البيت)، ج14، ص 16.
[2] وسائل الشيعة (آل البيت)، ج14، ص17، باب 8 من أبواب الوقوف بالمشعر، ح1.
[3] وسائل الشيعة (آل البيت)، ج14، ص17، باب 8 من أبواب الوقوف بالمشعر، ح2.
[4] وسائل الشيعة (آل البيت)، ج14، ص17، باب 8 من أبواب الوقوف بالمشعر، ح5.
[5] وسائل الشيعة (آل البيت)، ج14، ص17، باب 8 من أبواب الوقوف بالمشعر، ح4.
[6] وسائل الشيعة (آل البيت)، ج13، ص535، باب11، استحباب الوقوف في ميسرة الجبل بعرفة واجزاء الوقوف بأي موضع كان منها وجواز الارتفاع إلى الجبل مع الزحام.