34-04-05


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/04/05

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- الواجب الثالث من واجبات حج التمتع ( الوقوف بمزدلفة) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 القضية السابعة:- لو فرض أن الحاج لم يتمكن من الوصول إلى المشعر الحرام نتيجة زحام السيارات كما قد يحصل في أيامنا هذه فالمشعر لا يضيق بالناس ولكن المانع من الوصول إليه هو زحام السيارات فهل يجوز للحاج في مثل هذه الحالة أن يقف على حدود المشعر الحرام لو أمكنه ذلك ؟ وبكلمة أخرى:- نحن فيما سبق ذكرنا أن الوقوف على حدود المشعر لا يجزي فإن الحدّ غير المحدود ولكن إذا ضاق الشعر يجوز الوقوف في الحدّ - أي في المأزمين - كما دلت موثقة سماعة على ذلك ولكن إذا فرض أن المشعر لم يضق ولكن الزحام منع فهل يجوز الوقوف في المأزمين ؟
 والجواب:- كلا فإن ذلك باجة إلى دليل وموثقة سماعة واردة فيما إذا ضاق المشعر فآنذاك يتسع الموقف للمأزمين والمفروض في مقامنا أن المشعر لا يضيق بأهله فإجزاء الوقوف في المأزمين يحتاج إلى دليل وهو مفقود فماذا نصنع في هذه الحالة ؟ إن المناسب إذا لم يمكن إدراك الموقف الاختياري للمشعر الحرام هو الانتقال إلى الموقف الاضطراري - أعني ما بعد شروق الشمس من اليوم العاشر وحتى الزوال - وإذا فرض أنه لم يتمكن من الموقف الاضطراري أيضاً ولو لعارض فالمناسب بطلان الحج وانقلاب الإحرام إلى عمرة مفردة كما تقدم ذلك سابقاً .
 القضية الثامنة:- هل يلزم ذكر الله عز وجل في المشعر الحرام أو يكفي الكون ولو من دون ذكر ؟ لم يذكر الفقهاء ذلك وإنما يذكرون أنه يجب الوقوف في الوقت المقرر أما وجوب شيء أزيد من ذلك فلم يذكروه ، نعم نقل في الجواهر [1] عن المهذب البارع أنه عدَّ ذكر الله عز وجل والصلاة على نبيه من جملة واجبات المشعر الحرام ولا أدري ما معنى الصلاة إلا من باب أنها مصداق من مصاديق الذكر - أي من باب عطف الخاص على العام - وإلا فهذا بعنوانه لا معنى لوجوبه فإن الواجب هو ذكر الله عز وجل ، ونقل عن السيد الراوندي احتماله ، وعن ابن زهرة الاحتياط به.
 وعلى أي حال قد يستدل على ذلك بالآية الكريمة وأخرى بالآيات الشريفة
 أما الآية الكريمة:- أعني قوله تعالى (( فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام )) فإنه قد يتمسك بها لذلك فإن الأمر ظاهر بالوجوب فليزم حينئذ ذكر الله في المشعر الحرام إضافة إلى الكون فيه.
 ولكن يرد عليه:- أن الأمر بذكر الله عز وجل في المشعر الحرام يحتمل أن يكون كناية عن الاتيان بالوقوف بالمشعر الحرام لله عز وجل فالمقصود من وقوله (( فاذكروا الله عند المشعر الحرام )) يعني كونوا في المشعر الحرام لذكر الله عز وجل فهو كناية عن هذا المعنى ، وبناءً على هذا يصير الامر المذكور مجملاً ولا ظهور في أرادة الذكر الخاص مقابل المعنى الكنائي الذي أشرنا إليه.
 هذا مضافاً إلى أن ذكر الله عز وجل لا ينحصر بالذكر المتعارف فإن أداء الصلاة كصلاة الصبح مثلاً أو غير ذلك هي ذكر لله عز وجل فالكلف لا ينفك عادة عن ذكر الله عز وجل إلا إذا فرضنا أنه ترك الصلاة عن عذر أو عن غير عذر ولم يتفوه لسانه حتى بالنيّة أي لم يقل هذا الفعل لله عز وجل ففي مثل هذه الحالة لا يكون ذكر الله صادقاً أما في الحالات العادية فيكون صادقا وبالتالي لا نحتاج إلى ذكر إضافي بلسان ( الله أكبر الله أكبر ) وإنما هو متحقق بأدنى المراتب ومنها الصلاة وغير ذلك.
 وأما بالنسبة إلى الروايات فقد يتمسك بما يلي:-
 الرواية الأولى:- ما رواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن أحمد بن محمد عن حماد بن عثمان عن محمد بن حكيم (( قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- أصلحك الله الرجل الأعجمي والمرأة الضعيفة تكونان على جمال الأعرابي فإذا أفاض بهم من عرفات مرَّ بهم كما هو إلى منى لم ينزل بهم جمعاً ، قال:- قد صلوا بها ؟ فقد أجزأهم ، قلت:- فإن لم يصلوا فيها ؟ قال:- فذكروا الله فيها ؟ فإن كانوا ذكروا الله فيها فقد أجزاهم )) [2] ، وتقريب الدلالة هو أنه عليه السلام قد اكتفى بذكر الله عز وجل فيظهر من ذلك أن الذكر من جملة الواجبات ولذلك اكتفى به عليه السلام.
 ولكن يرد:- إن الرواية لم تفترض أنهم مروا في وقت الواجب - يعني مرَّ بهم ما بين الطلوعين - كلا فهي لم تذكر ذلك بل هي افترضت أنه جاء بهم من عرفات إلى منى رأساً أما هل تحقق الوقوف الواجب في المزدلفة في الوقت الواجب أو لا ؟ إن الرواية لم تفترض ذلك فلعله جاء بهم من عرافات في الليل وسار بهم رأساً إلى منى قبل أن يقفوا الوقوف الواجب وهذا معناه أنهم لم يؤدوا الوقوف الواجب في المشعر أصلاً ولو بالمرور وفي هذه الحالة اكتفى الامام بأداء الصلاة أو بأداء الذكر فيما إذا لم يتحقق الوقوف الواجب - أعني ما بين الطلوعين - ويحتمل أن يكون المقصود هو أنه مرَّ بهم فيما بين الطلوعين مثلاً ولكنه لم ينتظر بهم هنيئة وإنما مرَّ بهم مرور عابرٍ واكتفى الامام عليه السلام في مثل هذه الحالة بذكر الله عز وجل وهذا لا يمكن أن نفهم منه أن الذكر واجب وإنما يجتزأ بهذا المرور لو كان مقروناً بكر الله عز وجل ، أما من أتى بالمقدار الواجب بمعنى أنه وقف ما بين الطلوعين ونزل من الدابة وبقي الفترة المذكورة أو بقي واقفا للفترة المذكورة وهو عليها من دون ذكر الله عز وجل فلا يمكن أن نفهم من الرواية أنه لا يجزيه ذلك . إذن غاية ما يستفاد هو هذا المقدار ، وعليه فاستفادة الوجوب منها شيء مشكل.
 هذا مضافاً إلى أنه قد يناقش في السند باعتبار محمد بن حكيم فإنه لم يذكر بتوثيق ، نعم بناءً على كفاية رواية أحد المشايخ الثلاثة عنه - أعني ابن أبي عمير والبزنطي وصفوان - يكون ثقة ، ونحن حيث نميل إلى ذلك فالرواية من هذه الناحية لا إشكال فيهما من حيث السند وإنما الإشكال فيها من حيث الدلالة.
 الرواية الثانية:- ما رواه محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن محمد بن سنان عن ابن مسكان عن أبي بصير:- (( قلت لابي عبد الله عليه السلام:- جعلت فداك إن صاحبيَّ هذين جهلا أن يقفا بالمزدلفة ، فقال:- يرجعان مكانهما فيقفان بالمشعر ساعة ، قلت:- فإنه لم يخبرهما أحد حتى كان اليوم وقد نفر الناس ، قال:- فنكس رأسه ساعة ثم قال أليسا قد صليا الغداة بالمزدلفة ؟ قلت:- بلى ، قال:- أليس قد قنتا في صلاتهما ؟ قلت:- بلى ، قال:- تم حجهما ، ثم قال:- والمشعر من المزدلفة والمزدلفة من المشعر وإنما يكفيهما اليسير من الدعاء ) [3] ، وعلق صاحب الوافي على فقرة ( والمشعر من المزدلفة والمشعر من المزدلفة ) بما نصه:- (( يعني يكفي مرورهما بما ينطلق عليه أحد الاسمين )) [4] فصاحب الوافي فهم من هذه العبارة أنهما واحد لا أن المقصود من المزدلفة جبل قزح بل المقصود هنا الأعم منه ، وهذا أمر ليس بمهم.
 ويمكن مناقشة دلالة هذه الرواية أيضاً:- بأن المفرض أنهما لم يقفا في المزدلفة ، وما المقصود من ( لم يقفا ) ؟ يحتمل ما ذكرناه في الرواية السابقة - أي أنهما لم يقفا في الوقت المقرر والمخصوص - كما أنه يحتمل أن يكون المقصود أنهما لم يلبثا هنيئة بل مرّا مرور عابرٍ بنحو السرعة وفي هاتين الحالتين اكتفى عليه السلام بذكر الله عز وجل المتحقق من خلال القنوت أو الصلاة ولا يمكن أن نفهم من ذلك أن الذكر واجب في الحالة المتعارفة وهي الوقوف في الوقت المقرر ما بين الطلوعين فهذه الرواية كسابقتها من الدلالة ، مضافاً إلى أنه قد ورد في السند محمد بن سنان ، وعليه فالحكم بوجوب ذكر الله عز وجل لم يثبت بالآية الكريمة ولا بالروايات.
 بل نتمكن أن نقول:- هناك دليل على العدم وهو أن المسألة ابتلائية فلو كان الذكر واجباً لاشتهر ذلك ولانعكس على رأي الفقهاء فيلزم على الفقهاء أن يفتوا بالوجوب والحال أنهم لم يتعرضوا إلى ذلك وإنما الذي حكم بالوجوب هو ابن فهد فقط وإلا فمن سبق عليه لم يعهد عنهم الفتوى بالوجوب . إذن هذا يمكن أن يجعل دليلاً على العكس ، وبهذا ننتهي من هذه القضايا الثمان وبه ننتهي من النقطة الثالثة.


[1] الجواهر، ج19، ص80.
[2] الوسائل، ج14، ص45، ب 25 من أبواب الوقوف بالمشعر ح3.
[3] المصدر السابق، ح7.
[4] الوافي، ج13، ص 1062.