34-04-07


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/04/07

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مسألة ( 372 ) / الواجب الثالث من واجبات حج التمتع ( الوقوف بمزدلفة) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 الوجه الثالث:- ما دل على جواز الإفاضة في الليل لشريحة خاصة أعني مثل الخائف أو النساء والشيوخ والضعفاء فلاحظ مرسلة جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما السلام ( لا بأس أن يفيض الرجل بليل إذا كان خائفاً ) [1] ، وعلى منوالها صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام ( رخَّص رسول الله صلى الله عليه وآله في النساء والصبيان أن يفيضوا بليلٍ وأن يرموا الجمار بليلٍ وأن يصلوا الغداة في منازلهم .....) [2] ، وتقريب الدلالة هو أن الحديث الأول قد دلّ على أن خصوص الخائف تجوز له الإفاضة في الليل وهذا معناه أن غير الخائف يلزمه البقاء ليلاً في المزدلفة وهو معنى المبيت ، وهكذا الحال بالنسبة إلى الموثقة فإن التخصيص خاص بالنساء والصبيان فيفهم من ذلك أن غير هذين يلزمه البقاء ليلاً في المزدلفة معنى المبيت كما قلنا.
 وجوابه واضح:- إذ عدم جواز الإفاضة قد لا يكون من باب لزوم المبيت في المزدلفة بل من باب تحقيق الوقوف الاختياري الواجب في المشعر الحرام - أعني ما بين الطلوعين - فإذا أفاض المكلف في الليل فسوف لا يتحقق منه الوقوف الواجب . إذن عدم جواز الإفاضة في الليل لازم أعم ولا يدل على وجوب المبيت في منى بل لعله من الجهة التي أشرنا إليها كما هو واضح.
 الوجه الرابع:- صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام ( أصبِح على طهر بعدما تصلي الفجر فقف إن شئت قريباً من الجبل وإن شئت حيث شئت فإذا وقفت فاحمد الله عز وجل واثن عليه واذكر من آلاءه وبلاءه ما قدرت عليه وصلِّ على النبي ثم ليكن من قولك اللهم رب المشعر الحرام فكّ رقبتي من النار ) [3] فإنها تدل بوضوح على لزوم المبيت بالمشعر حيث قال عليه السلام ( أصبِح على طهر ) والإصباح في المشعر يلازم المبيت حتى يصبح في المشعر الحرام على طهرٍ وإلا فكيف يصبح على طهرٍ إن لم يكن قد بات في المزدلفة ، ولعله من هنا قال صاحب الجواهر(قده):- ( ( ربما ظهر منه المفروغية من ذلك ... )) [4] يعني أنه يريد أن يقول إن أصل المبيت والإصباح مفروغ عنه والإمام عليه السلام يريد أن ينبِّه على حصِّة من الإصباح وهي الإصباح على طهرٍ وإلا فأصل الإصباح شيء مفروغ عن وجوبه.
 ويرد على ذلك:-
 أوّلاً:- إن الأمر المذكور مقروناً بمجموعة مستحبات ، بل لعل جميع ما ذكر فيه هو من المستحبات بل إن نفس الإصباح على طهرٍ هو من المستحبات ، وعلى هذا يشكل استفادة الوجوب حتى بناءً على مسلك حكم العقل للاقتران الكثير بالمستحبات ولأن الأمر المذكور يتضمن شيئاً مستحباً وفي مثل ذلك يشكل الجزم بحكم العقل باللزوم على تقدير قبول مسلك حكم العقل.
 وثانياً:- إن الإصباح في المشعر الحرام لا يوقف على المبيت فإن المبيت يحتاج في صدقه العرفي إلى مضي ساعة على الأقل والحال أن الإصباح على طهرٍ يتحقق بالمجيء إلى المشعر الحرام قبل دقيقة وهذه الدقيقة هي لازمة وإن لم نقل بلزوم المبيت فإنها من باب لازمة المقدمة العلمية فهذه الدقيقة لا يصدق عليها أنها مبيت ومن قال بالمبيت يلزمه أن يحكم بلزوم البقاء أكثر من ذلك كساعة مثلاً وإلا فالدقيقة لا يصدق عليها مبيت وبيتوتة. إذن هذه الرواية لا تثبت لزوم المبيت بل يكتفى بصدق ما أمرت به بالمجيء قبل دقيقة كما أشرنا.
 وثالثاً:- إن الرواية دلت على أنه يُصبِح على طهرٍ بعد صلاة الفجر ووجود هذه الفقرة أعني ( بعد صلاة الفجر ) يسلب دلالة الرواية على المطلوب فلو لم تكن هذه الفقرة موجودة لكنا نقول إن الإصباح في المشعر الحرام لا يتحقق إلا بالبيتوتة فيه ليلاً أما بعد أن قال اٌمام ( أصبح على طهرٍ بعدما تصلي الفجر ) فالمقصود من الإصباح على طهرٍ بعد صلاة الفجر هو أن يبقى الشخص على طهارة إلى أن يجلل ضوء النهار السماء . إذن الرواية أجنبية عن المطلوب بالكلية لأجل هذه الفقرة المذكورة ولا أقل هي مجملة ، وهذا ينبغي أن يكون من المطالب الواضحة.
 الوجه الخامس:- رواية عبد الحميد بن أبي الديلم عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( سمِّي الأبطح بالأبطح لأن آدم عليه السلام أمِر أن يبتطح [5] في نسخةٍ ينبطح في بطحاء جمع فتبطّح وفي نسخة فانبطح حتى انفجر الصبح ثم أمر أن يصعد جبل جمع وأمره إذا طلعت الشمس أن يعترف بذنبه ففعل ذلك فأرسل الله ناراً من السماء فقرضت قربان آدم ) [6] ، ووجه الدلالة هو أن الله عز وجل أمر آدم عليه السلام بأن ينبطح في جمعٍ وهذا يدل على أنه من الواجبات إما بضم استصحاب عدم النسخ حتى يتم المطلوب ببقائه إلى تشريعنا أو إن نفس استشهاد الامام عليه السلام من دون تعليق منه يدل على الامضاء بلا حاجة إلى استصحاب عدم النسخ.
 ويرد عليها:- أنا لو غضضنا النظر عن السند من جهة عبد الحميد الذي لم يذكر بتوثيق ومن جهة محمد بن سنان - على الخلاف - وغضضنا النظر عن أن الرواية لا يوجد فيها إشارة إلى أن هذا الأمر كان في الحج بل لعله كان أمراً استقلالياً ومعه لا يستفاد منه وجوب المبيت ليلة المزدلفة في الحج ، إنه لو غضضنا النظر عن هذه الناحية ولو بجمع القرائن على أن المقصود هو الحج ولو بسبب الاستبعاد أن يكون الوجوب المذكور وجوباً استقلاليا لا ربط له بالحج وغضضنا النظر أيضاً عن أن الأمر لعله كان أمراً بالانبطاح ولكن لم يكن أمراً بالانبطاح قبل الفجر وحتى طلوع الفجر والصبح فلعل آدم عليه السلام امتثل بهذا الشكل وإلا فالأمر كان أمراً مطلقاً وهو الأمر بالانبطاح أما قبل الفجر فهو لم يكن وآدم قد امتثل بهذا الشكل المذكور وهذا لا ينفعنا أيضاً فإن هذا غاية ما يدل عليه أن آدم عليه السلام حقق الامتثال بهذا الشكل لا أن الأمر الإلهي كان منصبّاً من البداية على هذا الشكل ، إنه لو غضضنا النظر من هذه الناحية وقلنا إن نفس امتثال آدم بهذا الشكل يدل على أن الأمر الإلهي كان كذلك وغضضنا النظر أيضاً عن قضية أخرى وهي أن الانبطاح لو كان بمعنى النوم فيستفاد آنذاك أن المبيت لازم فإن النوم عادةً يحتاج إلى فترة طويلة كساعةٍ مثلاً أما إذا فسرناه بالاستلقاء الذي يتحقق بخمس دقائق فاستلقى على الأرض لفترة خمس دقائق إلى أن انفجر الصبح فإنه من المحتمل أن يكون المطلوب هو ذلك ولا يحتاج إلى فترة طويلة ليصدق عنوان البيتوتة.
 إنه لو غضضنا النظر عن كل هذا فيمكن أن نشكل بهذا الاشكال:- وهو أنه لا يوجد أمر في هذه الرواية حتى نستفيد منه الوجوب ، وأقصد أنه لا توجد صيغة أمرٍ فإنه لم يُقَل ( انبطح يا آدم في المشعر الحرم قبل الفجر ) فلو كان هناك أمر لاستفدنا منها الوجوب ولكن غاية الأمر أن ما صدر هو مادة الأمر لا صيغته وقد ذكرنا أكثر من مرة أن الامام عليه السلام تارةً يذكر صيغة فيقول ( انبطح في المشعر الحرام ) وهذا يدل على الوجوب ، أو يذكر مادةً صادرةً منه فيقول ( آمرك بالانبطاح في المشعر ) فهنا يستفاد منه الوجوب أيضاً ، وأما إذا قال ( أمِرَ فلان ) و ( صدر الأمر إلى فلان ) فهذا مجمل وهو نقل للمادة ، وصدور الأمر كما يصدق لو كان الأمر وجوبياً يصدق أيضاً لو كان استحبابياً.
 وعلى هذا الأساس نخرج بهذه النتيجة المهمة:- وهي أن مادة الأمر التي ينقلها الامام من دون أن تصدر منه لا يمكن أن يستفاد منها والوجوب ، وهكذا الحال في مادة النهي من قبيل ( نهى النبي عن الغرر ) فإن ( نهى ) هو نقل للمادة وأنه صدر منه النهي أما كيف صدر منه النهي ؟ فلعله قد صدر منه نهي كراهتي ، وهكذا الحال في مقامنا فلعل الأمر الصادر هو أمر استحبابي فإنه لم يذكر كيفية الأمر الصادرة فهي مرددة ويكون المورد من باب نقل شيءٍ مجملٍ فلا يمكن أن نستفيد آنذاك الوجوب.
 ومناقشتنا العلمية هي هذه وما ذكرته سابقاً من غض النظر وغض النظر هو من باب أنه قضية للأخذ والعطاء ، أما هنا فهذه مناقشة علميّة ليس فيها ردّ وبدل فنحن لابد وأن نفصّل في الأمر بين أن يكون الصادر هو صيغة فنستفيد منه الوجوب أو هو مادة الأمر من الإمام مباشرةً فنستفيد منه الوجوب أيضاً ، أما اذا كان الإمام عليه السلام ينقل صدور مادةٍ فهذا لا يستفاد منه الوجوب ، وهذه نكتة ظريفة.


[1] الوسائل، ج14، ص28، ب17 من أبوب الوقوف بالمشعر ح1.
[2] المصدر السابق، ح3.
[3] الوسائل، ج14، ص20، ب11 من الوقوف بالمشعر ح1.
[4] الجواهر، ج19، ص73.
[5] أي يستلقي.
[6] الوسائل، ج14، ص11، ب4 من أبواب الوقوف بالمشعر ح6.